الجمعة، 12 أغسطس 2016



دراسة نقدية بقلم :غازي أحمد أبو طبيخ 
لقصيدة الشاعر 
أبو عصام العلوان
-----'''''-------

الشاعر المربي ابو عصام العلوان .. القناع التاريخي الساخر, والعروض الشعري المغامر (ج ..)1
     ******************** فكرة موجزة عن الشاعر *********************                                                                         
الاسم..كاظم كاطع العلوان.. والكنية،واضحة للجميع .الاستاذ الشاعر. .ابوعصام.. 
احد ابرز قادة العملية التربوية في قضاء المدينه،التابع لمحافظة البصرة ،جمهورية العراق..
على يده الكريمة تخرجت اجيال وأجيال من الطاقات المبدعة في كل مجال من مجالات الحياة ..وكنا ممن اغترف من زلال ابداعه الفكري والابداعي،حتى أننا لنتذكر تفاصيل ادائه الرائع التي تركت بصمتها في عقل وقلب كل من تربى على اضواء كلماته التي جمعت بين الروح التربوية القيمية والروح العلمية والابداعية في اطار بل بودقة واحده.. 
والعجيب في هذا الشاعر المعلم والانسان النبيل،انه لم يتنازل قيد انملة عن مبادئه وقيمه التي غرسها في ضمائرنا مصابيح اضاءة لا ولن تنطفئ ابدا.. 
والأعجب من ذلك كله،أنه ما يزال مصرا على مزاولة الابداع تعبيرا عن روح وطنية وانسانية وايمانية فريدة في حبها الكبير للحق والفضيلة والخير ،وفي مقتها للباطل والرذيلة والشر.. 
**********
وها نحن على ضفاف قصيدته الاخيرة التي اصر من منطلق توعوي ناصح وروح تربوي طافح ،على اخضاعها الى مبضع العروض محوريا ،كونها ليست بعيدة عن ذهن المتلقي فكرا وموضوعة تضرب على اوتار الواقع المرتبط بالماضي القريب ولربما المزامن لميقات هبوط النص الى ساحة الابداع.. 
***********
ولقد استعار شاعرنا ..لحاجة في نفسه قضاها..رمزا حكائيا يحمل في مفاده روح الطرافة في جانب ومشهد السخرية اللاذعة في جانب اخر.. هذا الرمز يعرفه الجميع دون استثناء،ولكنه وظفه بشكل مبتكر ومختلف تماما عما اعتدنا عليه جميعا.. ذلك لأن.. جحا.. هذه المرة قد اصبح قناعا للبطل السلبي الذي يمثل عند شاعرنا ابي عصام وجه السلطان المستعار اصلا ،والذي يرتدي ثيابا لاتعبر عن حقيقته ،فيبان خداعه بعدما يخلع الزمن عنه اردية الزيف واحدة بعد الاخرى.. 
وها هو شاعرنا يضعه تحت الاضواء الكاشفة ليعريه من آخر سرابيله المزوره.. *********** ترى هل كان جحا قناعا تاريخيا للسلطة بأنواعها؟ ام كان رمزا ايحائيا مستلا من الحس الشعبي الذي ينطلق من نوع من انواع التورية الايمائية ؟.. هذا ما نرجحه لعدة اسباب اهمها عدم انطباق مضامين الحس الفولكلوري المنقول تاريخيا عن الشيخ جحا بابعاده الجغرافية الثلاثة المعروفه,ونعني بها ..جحا البغدادي..وجحا المصري..وجحا التركي..فكل من هذه الشخصيات المتنوعة البيئة والحدث,والمتداخلة في احوال كثيرة في نفس الوقت تعبر عن الحكمة المتخفية تحت ستار الكوميديا الساخرة والتي تمثل روح الشعب ذاته ..بل وحكمة وخبرة الشعب ذاته,لا تنطبق على ظاهرة السلطة الشرقية العربية العراقية حيث ينتسب الشاعر حتى اخر حلقات الضغط والقسر والتعسف تناهيا في الصغرالا اذا اسقطنا عكسيا هذا القناع الحكيم الذي تورط به السلطان الجائر..او قام الشاعر بتوريطه به لكي يفضح اسراره ويكشف استاره..هذا ما نراه اقرب للصواب وادل على انفاس البيئة التي يتنفس من خلالها شاعرنا نكهة الحوار ومفردات الخطاب.. ************ ولعل اكثر نجاحات النص تجليا تتجسد في ان شاعرنا ابا عصام لم يحدد شخصا معينا بذاته..وقد نفهم نحن ابناء الجيل السياسي المتقارب الزمن ان المعني بخطاب الشاعر هو فلان بعينه دون غيره,ولكن هذه الفرضية سرعان ما يحاصرها تكرار المثال السئ في الامس واليوم,وتكراره ايضا في طول الواقع العربي والشرقي والعالمي ايضا,وهذا هو اروع ما جعل القصيدة تتسع للاشتمال على جميع الحاكميات السيئة في كل زمان ومكان,لكي يأخذ النص بعده القيمي الواسع النطاق ,والذي بدوره يعبر حقيقة عن متبنيات شاعرنا المخضرم كما نعرفه قديما وحديثا.. ************* ومن الجدير بالاشارة أن الاستاذ الشاعر ابا عصام قد مال الى ابسط انواع الاداء التعبيري حرصا على ايصال اهداف النص الى من يعنيه الامر من ناحية,والى اوسع الدوائر والشرائح الاجتماعية ..خاصة المضطهدة منها.. كما وتجدر الاشارة المهمة كذلك الى انه..ونعني الشاعر..كان ذكيا فطينا في اختيار رمزه الهزلي الهادف ابعادا لاي شعور قد يساور المتلقي بالسأم او الضجر ,ولهذا كانت كافة الاطلالات الوعظية والارشادية التي مثلت قيم الشاعر ورؤاه باتجاه الحياة وشؤونها التنوعه,كانت خفيفة الظل ,قادرة على الاقناع بيسر ولطف واضحين .. ************** (ج)2
ولكي ننفذ طائعين رغبة استاذنا الجليل كاظم العلوان ابي عصام صاحب النص ..موضوع الحديث.. في تحويل القصيد الى مادة نموذجية عروضية سنقوم بنسخه ادناه ،ثم نحاول تفكيكه بيتا بيتا ،مع الاعتذار عن اي تقصير يمكن ان يجده استاذنا في سياق العرض.. 
***********
النص: 
+++++ ( رسالة الى جحا )
قصيدة شعرية من تأليف ابو عصام العلوان
بتايخ 2016/8/9 
اسمع نصيحتي يا جحا
               وانظر بعينيك السليمة
فأن عهدك قد مضى
               عهد التسلط والغنيمة
فاطوي الملفات القديمة
                  والتقارير. الذميمة
ودع التبختر والتجبر
                   والتكبر والشتيمة 
واسلك سلوك الخيرين
             ودع الوشاية والنميمة
واحرق سجلات النفاق
            وعش الحياة المستقيمة
منك القلوب مليئة
             بالحزن والعلل السقيمة
لم يبق شخص واحد
              لم تؤذه يدك الأثيمة
كم من شباب غافل
             ضاعت معالمه الكريمة
كم من كبير عاجز
              نال المذلة والهضيمة
لم يبق شيخ مؤمن 
            الا وقد هتكت حريمه
كم من شريف كيس
          عاش الاهانة والظليمة
حتى البيوت هدمتها
           وحرقتها بطرا وشيمة
كل النساء هتكتها
           وتركتها من غير قيمة
هتكت اعراض الكرام
            وجعلتها رزا وقيمة
كل الأقارب أهنتها
           وذبحتها ذبح البهيمة
لأنت أخطر مجرم
       قد عد في نمط الجريمة
دع عنك ما كان ولا
      تبقي على الخلق الذميمة
والبس لباس المصلحين
          بكل أشكال. العزيمة
واجعل لسان القائلين
           بأنك سهل الشكيمة
لا ان يقال حليمة
         عادت لعادتها القديمة
 ***************** ابوعصام العلوان
                   الموقف العروضي 
                       … يتبع…
تعقيب الناقد :شاكر آل هيت


قبل ان اتعرض الى الشعر وعروضه لابد ان اقف بكل اكبار محييا هذه الروح الكريمة وهذه القامة الجبل المعلم مقدما له التبجيلا...
وما جعلني احترم هذا الانسان الرائع هو التعريف الجميل والموقف النبيل للاستاذ ابي طبيخ الذي يكن له كل الطيب والمودة بل لايزال يناديه باستاذي فمشكور المادح والممدوح، وطوبى للاستاذ العلوان هذه المكرمة بعد هذا العمر المديد الذي ندعوا له الله ان يمن عليه بالصحة والسلامة..
رغم بساطة الحرف وسهولة اللفظ وعذوبة الايقاع ونعومة الوصف وسلاسة التعبير لكنني ارى هنا مالم يره احد، اني لارى قلبا مفعما بالايمان متصبرا متجرعا صابرا على البلوى التي اصبحت القاسم المشترك لنا جميعا، الموضوعة رائعة ومستحقة العرض وهذا الالم انما الغى الفوارق بين مكونات المجتمع العراقي الموحد، فليس من يبكي على الهم والمصائب الا العراقيون، وليس من يعرف الحسين والبلوى الا العراقيون، وليس من احد في الدنيا يعاني من الحاكم وظلمه الا العراقيون، مثلما تجمعنا الكهرباء الوطنية بانقطاعاتها التي عبرت عن وحدة العراقيين في البلوى، وما الاختيار الموفق لمجزوء الكامل الا لتقوية ميكانيكية التعبير لكي يصب في المسار السليم والوزن المستقيم، وهذا فعل الكبار، وما اختيار الملا نصر الدين ( جحا) العراقي كرمز منادى ( مقصود) بصورة فنية بليغة مبتعدا عن المباشرة التقريرية الا للتعبير الاسلم والانقى لروح الدعابة والفكر الراقي لانموذج ( الكوميديا السوداء) الساخرة التي اوفت كما اوفى من قبل شخوص ورموز اصبحوا متعارف عليهم من قبل العراقيين جميعا، الرموز التي خلدها العراقيون فاصبحت مشتركا للجميع، هذه قصيدة كبيرة تنم عن قلب رؤوف كبير ومعلم بالغ الرزانة والاهاب، وما جعلني اقرأ النص اكثر من مرة وابدي اعجابي في كل مرة هو الاستخدام الرفيع لتلك القافية الساكنة التي توحي لك ان ذلك الطير ( يضحك مذبوحا من الالم )، هذا هو الرقص على لهيب المعاناة، واغنية الالم التي لايفهم عمقها الا من خبر تلك الاجواء البصرية الراقية بتعدد جغرافيتها المتلونة بلون قوس قزح الشمس فوق جيكور او ابي الخصيب او المدينة او الفاو، لايعرف العزف المموسق بايقاع الهيوة الا من خبره، ولا الايقاع المعطر برائحة نسيم الهور الا من بات يرعى هناك القمر...
الايقاع في الكامل ثقيل ومتوازن عال، وعلى هذا الاساس قالوا فيه ( كمل الجمال من البحور الكامل) ولا يختلف المجزوء هنا عن الكامل ابدا فالجزء من الكل، انما الاصل هنا الصعوبة فبرغم معرفتنا ان الكامل ( كاملا) هو ثقيل ومهيب الايقاع، الا ان الموسيقى في مجزوئه خطرة اذا ما امسك الشاعر بها دون ان يسمح لها بالانفلات او الزوغان لانها قريبة من اخريات مثيلاتها في الايقاع، هذا الاستخدام للمجزوء لاينم عن سهولة اطلاقا انما هي الصعوبة البالغة التي يواجهها الشاعر، ومن يتصور عكس هذا فهو بعيد عن الحقيقة، لان هذه الصعوبة تعود الى جوازات الكامل التي ينفرد بها عن باقي البحور والتي تجعل الشاعر امام خيارات متعددة وواسعة لكي يقول مايريد، هذه الجوازات تنتقل مع المجزوء بل تزيد في بعض منها وهذا الامر وتناوله يضفي على الشاعر مساحة اكبر في الاستخدام لكنها مليئة بالصعوبات والعراقيل لقرب الجواز واستخدامه ايضا في بحور اخرى قد يذهب اليها الشاعر دون قصد، ومن هنا اقول لقد نجح الاستاذ العلوان في المسك بهذه الروحية منذ بدء المصرع حتى النهاية وهذا مايؤشر له ايجابا...
اما تفاصيل العروض فقد تركتها لاخي واستاذي السيد غازي ابو طبيخ فهو اولى باستاذه مني..
اتمنى ان ارى للاستاذ ابي عصام العلوان تحفا اخرى تمتعنا وتجعلنا متواصلين على اديم الادب والشعر بخاصة...

هناك تعليق واحد:

  1. التعليق النقدي الثاني الذي يبدأ بعبارة ..قبل ان اتعرض الى الشعر وعروضه.. هو بقلم الاخ الناقد شاكر الهيتي.. يرجى المعالجة لطفا..

    ردحذف