الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

سراة الليل ( دراسة نقدية ).. بقلم الأديب-أ.كريم القاسم.. مجلة- آفاق نقدية


القصيدة هذه ، عبارة عن نتاج شاعر يتميز بقدرة التنقل بأسلوب
الحبكة والمُنشأ البنائي للقصيد بأنواعه ، كونه ابن مدرسة أدبية بصرية
عريقة ، عاصر حركة التطور الشعري ولاصق عناوين فكرية
وابداعية متنوعة ، مما أثمرتْ مداداً ذي مسارات فكرية ، وصوراً
ابداعية ملتزمة لاتخلو من الحزم والثبات .
المقدمة :
ــــــــــــــــــــ
احسن الشاعر توضيحا ً للضمير الشخصاني لا الشخصي ، حيث جعل
الضمير الشخصاني هو الهدف ، وادخل هذا المفهوم الفلسفي الأنساني
البحت ، الذي يمثل حالة التطور الانساني فكريا ، وجدانيا ً، للوصول
الى تحقيق الذات والوجود .
الاهداء :
ـــــــــــــــــــــــ
الاهداء جاء بصيغة الارسال ، ارسال الى قومه كونهم بموقع الحبيب
بالنسبة للشاعر ، وهنا استخدم الدقة في الاختيار ، كون الحبيب هو
اقرب كائن الى القلب والوجد ، ويجعل القاريء مُتَهيء لاستقبال
رسالة او خبر .
العنوان :
ـــــــــــــ
جاء العنوان هنا ، مُقتـَطعاً من احد الاشطر ، واقتطعه بمشرط جراح
خبير ، فلقد اختار الشاعر هذا العنوان (سراة الليل) ، لوثوقه بأن هذا
المقطع هو طعم لصيد الامتاع والاستمتاع ، وهو يضع بين يدي
القاريء والسامع ، مفاتيح الفهم والاستدراك لما يأتي ، فقد استخدم لفظة
(كفانا) ليضع الخطاب الجمعي لـ (سراة الليل) ، وليضع امنية الأكتفاء
والانتهاء من نفوس تأخذ من الليل غطاء ووقاء .
القافية والموسيقى :
ـــــــــــــــــــــــــــ
قد يسأل سائل ، كيف تنتهي الابيات الشعرية بكلمات ، مرة تأتي
مرفوعة ومرة منصوبة ومرة مجرورة ، ويضاف لها الف الاطلاق
لتوحيد القافية ؟؟؟
مثلاً : ( القوافي ـ سامي ـ بالأماني )
نقول :
ان الشعر هو لسان العرب ، وقد تناقلوه جيلا بعد جيل ، سماعا ً،
لقلة الكتّاب ولعدم انتشار الكتابة بينهم ، لذا كانوا يجيدون الحفظ
للقصائد ولكل ما يُنشَد من قصيد ، وسمة الشعر السماعي ، هي
ماتسمعه الاذن ، وليس مايخضع للاعراب من قبل النحويين ، وهذا
ما اتفق عليه معظم علماء اللغة .
بعد كل هذا ، إذا ً يجوز للشاعر ان يضيف ألف الاطلاق على حرف
الياء المقدرة في نهاية الكلمة ، ولدينا من الشواهد الكثير على ذلك ،
كقول المتنبي :
" أُريكَ الرِضا لَو أَخفَتِ النَفسُ خافِيا ... 
وَما أَنا عَن نَفسي وَلا عَنكَ راضِيا "
وهذا مافعله الشاعر ، حيث اضاف الف الاطلاق ، لتتوحد القافية
وتنسجم الموسيقى الشعرية ، مادام القصد هو عدم الاخلال بالموسيقى
السماعية لقافية القصيدة .
الرمزية والإيحاء :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر تعمّد ان يجعل النص بعيدا عن الرمزية العقيمة ، والغير
مفهومة ، والتي تنهج نهج الطلاسم ، بل اكتفى بالإيحاء الواضح
الجليّ ، وهذا من ذكاء المؤلف . كون الخطاب موجه الى قاريء متعدد
ومتباين الادراك والرؤى ، فلابد من الوضوح الذي لايخلو من
المفردات الجميلة لفظا ومعنىً ، كما في :
" تجيشُ القوافي عندَ بابِكً غَرّة ... 
وبحْرُكُ يبقى حولَها مُتراميا... "
" كفانا سراةُ الليلِ يومَ توسّلوا... 
اليكَ السُّهى فُلْكا وما زلْتَ ساميا... "
الحكمة والموعظة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
استوعَبَتْ القصيدة نوع من بالحكمة والموعظة ، وهذا من جميل
التآليف ، التي أميل لها شخصيا ً ، فهي ليست بالتآليف الهينة أو
السهلة ، بل نتاج خبرة العُمر وعصارة الفكر ، وهيَّ تعطي متانة للسبك
، وخاصة عندما يوضع المعنى بمكانه الصحيح والمناسب ، ويسير
البيت الشعري مسار الحكمة ، لينير الفكرة المطلوبة . كقوله :
" وما كل ّ غوّاصٍ ينالُ الدراريا... 
وما كلُّ ذي جُنْحٍ يطال المعاليا "
" وكمْ مِنْ أميرٍ خلّدتْه ُ قصيدةٌ… 
ولولا قصيدُ الناسِ احْجَمَ خابيا "
المطلع :
ــــــــــــ
بما ان الشاعر ، من الرعيل الاول ، فهو يفرز لنا عطاءً متناغما ً مع
اصحاب القريض الأوائل ، فالمطلع عندهم لابد أن يبدأ بالغزل والتغزل
ولكون الشاعر يتصف بالألتزام والخلق الكريم ، فقد اجاد في نهجه
الغزلي المبطن بالحزن ، حيث عرض مفردات قد اشبعها وجدا ً ولهفة
ليجعل القاريء يغرق في معاني شوقٍ ووَجْدٍ تفيض شفافية متدرجة ،
متسلسلة الى هدف منشود وقصد مرجو . واعجبني هذا البيت :
" فأبلغَ عني أنّ حبّكَ مَلجأي… 
اذا عصفَ الدهرُ الخؤونُ بحاليا… "
المقطع :
ــــــــــــــ
يتفاجأ القاريء بنقلة ذكية تأتي كالصاعقة ، وبعد البوح والوجد
والصبابة ، يتفاجأ بلفظ قوي ، وتعريف غاية في الرصانة والتعريف ،
حيث بدأ خطابه بـالضمير (أنا ) مستخدما تعريف الشخصانية ، حتى
بلغ تعداده خمس مرات ، وهنا اصبح المتطلع الى النص أمام تعريف
فخري ، وخطاب سؤدد وزهو ، ليقود المتابع الى توضيح فيه اتقان في
الحبكة ، ليتعرف على مدعاة الفخر والشموخ ... فأصبح العرض يُحير
القاريء ويملأه دهشة في سمو الاختيارللمعاني ، وملاحة المفردات ،
ونضارة الألفاظ ، حتى هالني مضمون وجمال هذا البيت :
" وكنتَ لها يا ذا العراقُ تضمُّها… 
بجنبيكَ آلافَ الجراحِ الدّواميا "
والجميل اكثر ، جاء بلفظ العراق وهو (مُعرَّف) لا (نكرة) .
الخاتمة :
ـــــــــــــــــ
" فخذْ علقاً مني ومنكَ رَجاحة.. ً 
ومنْ أحكمَ التسديدَ، أصمى المراميا "
أيّ خاتمة نافذة هذه ؟ لقد أبَي الشاعر ، إلاّ ان يختم القصيد بشطرٍ ،
يجري مجرى الحكمة مرة أخرى ، وقد أتى بلفظة (اصمى ) وهي في
مكانها الصحيح التام المعنى ، فهي توحي بوقوع الصيد بين يدي
الصائد والفوزبه . وكنت اتمنى وجود حاشية للنص ، لتوضيح معاني
بعض المفردات ، كون الخطاب موجه لشريحة عامة لا خاصة ، كي
لانجهد القاريء بالبحث والسؤال .
نظرة عامة :
ـــــــــــــــــــــ
الشاعر (غازي أحمد ابوطبيخ ) ، ينتمي الى اسرة عريقة النسب ،
كريمة المُحتَد ، من فرع شجرة نبوية طاهرة ، قد تَجلَّتْ تلك التربية في
ارجاء القصيد ، فخاطب القوم بما يعكسه ذلك التهذيب من أدب وسمو
وعراقة والتزام ، مستخدما الشخصانية في الحوار والتعريف :
" انا فيضُ طه والنهارُ جوانحي… 
انا المجدُ جلّتْ في رؤايَ المعانيا .."
المتصدي للنص ، يجد هيكل القصيده ، يأتي مطابقا لمواصفات النسق
القديم ، للشعر العربي ، وقد إرتَدَتْ ثوبا ادبيا ، يمتاز بالنسج العصري
، ويجد فيه طوفان هائل من المعاني المشرقة ، والتي ما انفك الشاعر
يملأ كل فجوة بما يناسبها من الثقل الادبي العريق ، حتى تجد صورة
الالم والوجع مما الَمَّ بالوطن من محن وآهات ، قد أجاد في تصويرها
وتأطيرها ، حتى أشار بوضوح لمواضع الجراح ، ومواطن الآلام ،
والجميل في ذلك ، انها تخلو من الخنوع والجزع ، مما يضفي على
النص شموخا ووجاهة وكبرياء ، تناسب وعراقة شعب ، وسمو وطن .
أنا اسمي هذا النوع من الشعر ، بالشعر الوطني ، لا السياسي ، حيث
هنالك فرق كبير بين الوطنية والسياسة ، وكلاهما يبحث عن هدف
مختلف الشعور الوطني لدى اي شاعر ، يجعله يعيش مع القصيد حرفا
بحرف ، حتى يتلبس كلاهما بالآخر ، ولا يتأتى هذا إلا لِمَنْ هو صادق
السريرة ، وناضج التفكير والاتزان ، ولمن عاش معاناة شعب ، وخاف
على مصير امة .
احسنت ايها الشاعر الرصين والقلم المتين ...
فلقد امتعتنا بوابل من المعاني السامقات ، واللفظات الفارهات ، وليس
ذلك عليك بغريب .
تقديري الكبير ... 
............................................................................
(القصيدة)
كفانا سراةُ الليل
.......................
على قلق يمّمْتُ شطرَك ساعيا… كأنكَ أضرمْت َ الهوى بالأمانيا 
تُطالعُني بالشمسِ في غسقِ الدُّجى… فتُمْرِعُ آمالي وانْ كنت. نائيا
قصيّا بما حكّمْتَ شأوكَ في العُلا… سُمُوّا وشأنُ البدْرِ يسْمُق ُ عاليا
عصِيّاً بما حمّلْتً نفسَكَ غايةً… تنوءُ الرواسي تحتَها والقوافيا
بلى سبَقَتْ منك العرافةُ بَوحَنا… وأطبقْتَ في الحالينِ قِرْماً ورائيا
وما كل ّ غوّاصٍ ينالُ الدراريا ...وما كلُّ ذي جُنْحٍ يطال المعاليا 
كفانا سراةُ الليلِ يومَ توسّلوا... اليكَ السُّهى فُلْكا وما زلْتَ ساميا 
تجيشُ القوافي عندَ بابِكً غَرّة ... وبحْرُكُ يبقى حولَها مُتراميا 
وكمْ مِنْ أميرٍ خلّدتْه ُ قصيدةٌ… ولولا قصيدُ الناسِ احْجَمَ خابيا
وفيضُك للساعينَ خُلْدٌ مُنَوّرٌ… اذا قيل فيك الشعر اصبح باقيا
كأنّ عناقيد َ النجومِ تنزّلت.. ْ على كتفي حتى توهّجَ ما بِيا 
اُناجيك ُ لكني بحبّك َ اصطلي… ولولا نحولُ الجسم حلّقْتُ ساريا
كأنّ جناحَيْ طائرٍ خفقا. معاً… بقلبي فأفْضى بالذي كنتُ خافيا 
(فأبلغَ عني أنّ حبّكَ) مَلجأي… اذا عصفَ الدهرُ الخؤونُ بحاليا
انا الشعب ُ صوّبْني الى ايِّ جبهة… ٍتجدْني حساماً قاطعَ الحدَّ ماضيا 
*****************************
انا بابلٌ والنيلُ والقدسُ والسُّرى… انا قلعةُ التاريخِ والفتحُ بابيا
انا فيضُ طه والنهارُ جوانحي… انا المجدُ جلّتْ في رؤايَ المعانيا 
ولي من اراداتِ الحياةِ جليلُها... اذا رمتُ شأناً فالسماءُ مداريا
معي قبسُ الرحمنِ أنّى تكااثرتْ… جراحي وحامت ْ حولَهُنّ السوافيا
فلنْ يُطفِئوا نورَ المحبة ِ في دمي… وقدْ اسرج َ الله العظيم ُ فناريا
وكمْ قصدَ الغيلانُ وأْدَ مطالعي… فأرعدَ فيهم طائري وسما بِيا
الى حيثُ لا يرقى الي محمحم… فقدْ ملكتْ روحي جناحَ المعاليا 
وأخلصني ربُ الهدى بالهدى على… درايةِ خلّاقٍ لطيفِ النواجيا
حَباني بأسفارِ النبوة ِ والنُّهى ... وكلّلني بالمُنتهى واصْطفانيا
(وذلك ما لا. تدّعي) امم ُ الدُّنا… فاْنْ جنَحوا فالغي يجْنَحُ باغيا 
مكائدُ تترى أحرَنَت ْ بعنادِها… قديماً وما انفكَّ المُهَجْهِج راغيا 
فليسَ عجيباً انْ تضجَّ خواطري… بألفِ مسيحٍ حينَ اُبصِرُ طاغيا
وكمْ صلَّبوني غيلةً بعدَغيلةٍ… وسالَ دمي في ماء ٍ دجلةَ قانيا 
فما قدَروني حقّ قدْري وانّما… لغاياتِ نفسٍ حُرّة ٍ كنت فاديا
ولو كانَ همّا مُفْرَداً لكتمْتُه… ُبصدري فذاكَ الهمُّ زيتُ سراجيا
ولكنها اسفار ُ شعبٍ خضيبةٍ … وما زال جرحُ ا لامسٍ يشخَب طاميا
وكنتَ لها يا ذا العراقُ تضمُّها… بجنبيكَ آلافَ الجراحِ الدّواميا
فخذْ علقاً مني ومنكَ رَجاحة... ومنْ أحكمَ التسديدَ،أصمى المراميا 
................................................
الضمير الفردي هنا ضمير شخصاني، 
وليس ضميرا شخصيا..
هذا يعني ان الشاعر يمكن ان يعبر عن الضمير الجمعي بضميره الشخصي وهو وان كان مجازا فهو ايضا من زاوية نظرعميقة تعبير عن الشعور بالانتماء حد
الحلولية الذائبه...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق