الجمعة، 21 سبتمبر 2018

و ما زلت تعيِّدين يا دمشق بقلم / الشاعر محمد الدمشقي

نقلا  عن ملتقى
حديث الياسمين مع التقدير:
،،،
و ما زلت تعيِّدين يا دمشق ،و تكبرين و تهللين ... تمسحين غبار الحزن عن نوافذك .. تنهضين بعصافيرك كل صباح ... و تحتسين قهوتك على الشرفات الفيروزية مع يمامة تناجي السماء ... أنا لحبيبي و حبيبي إلي .. يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي ... انا لحبيبي و حبيبي إلي .....
ما زلت تنثرين الهم على الأرصفة العتيقة ... تكابرين على الوجع ، و تسيرين نحو قاسيون مبتسمة واثقة ... تشربين الأمل من بردى الحزين و تنتظرين الحافلة كي تمري بركن الدين و الفيحاء و المهاجرين .... تخلعين رداء الأنين ... و ترتدين صابرة ... بهاء الياسمين
ما تزال شوارعك مزدحمة كل عيد ، بناتك الصغيرات يرقصن كالفراشات ، يتباهين بأثوابهن المزركشة الجميلة . و صبيانك الصغار ما زالوا يشاغبون و يتمسكون بأعمدة الأراجيح بصمتهم المذعور ، و يتركون الصراخ للبنات اللواتي يمسكن بإخوانهن الصبيان و يحمينهن كالأمهات ، بينما يتباهى الطفل السوري الصغير بأنه لا يضحك عندما يركب الأرجوحة إلا على أخته الخائفة كلما ارتفعت الأرجوحة عاليا فوق أسراب الأسى و الموت . و ( قويها بالشدة ما بننزل إلا بقتلة ) .
لم يعد الصغار يلعبون بالمفرقعات ، لأنها خذلتهم عند آخر عيد و تحولت إلى قنابل حقيقية و قذائف هاون .
غدرت بهم البنادق ، لم تعد ألعابا، و رصاصها قتل الكثير من أحلامهم ، لكنهم ما زالوا مصرين على صنع الفرح ، و ارتداء ثوب البراءة .
لا تحرم دمشق نفسها من بهجة العيد أبدا ، حتى الجنود على الحواجز لمعوا أحذيتهم ، و شاهدوا هوياتنا ببسمة مرددين : ( كل عام و أنتم بخير ) ، ليحرسوا ضحكة العيد رغم كل المنغصات و الحر الشديد ......
.
و ما زال طريق الربوة أخضر ...يعج بالمشتاقين للهواء الطلق ، كي يلوثوه بالأراجيل و السجائر و الشواء صار الشواء يستخدم لفتح الشهية ، لكنها رائحة لذيذة على كل حال لبعض المارة من هنا دون مكوث .. فالدخول ليس مضمونا و قد يبقون بلا طعام لمدة شهر كامل من أجل تناول وجبة مشاوي في مطعم يأكل رواتبهم و يرمي لهم بفتات سعادة مشوية . .
كل شيء في دمشق متمسك بالحياة ، شجيرات الطرقات العطشى ، إشارات المرور المتذمرة ،الساحات و الأسواق المكتظة .
تلك العجوز التي تتحدى العمر ب(أرجيلة) غير آبهة برئتيها المليئتين بالدموع و الذكريات و لا مانع من إحراق بعضها كي يمر العمر .
و هذا الشاب الذي يتشاجر مع صديقه لأجل ورقة شيخ القلب ( الكبة ) و يناوله 4 ( لطوش ) ... ثم يدق كفه بكف زميله و هو يغمزه كي يرمي ورقة البستوني الأخيرة في يده و يقول ( ما بدنا غش يا شباب )
...
و هذا النادل الذي يحمل الطلبات و موبايله على كتفه يتكلم مع حبيبته و ينجح في إيصال الفناجين كاملة دون أن تهتز .
آلمتني فقط تلك الطفلة الصغيرة كالزهرة و هي تتسول بين السيارات ... ربما تتسول وطناً يحفظ لها براءتها ... و يمنحها ثوب عيد جديد ... لا تتأرجح فيه ايامها على حبال الأقوياء
رائعة أنت يا دمشق ... يا بسمة الحزن العنيدة ... يا راسخة الكبرياء ... لا شيء يهزم ياسمينك ... بيضاء دائما مهما تصارعت من حولك الألوان .
إيه أيها العيد متى سترتدينا عمرا كاملا ... لماذا تصر على ارتدائنا أربعة أيام فقط ثم تخلعنا و تمضي بأراجيحك و نبقى ننتظرك و نفرح بك و ليتك يوما تفرح بنا
،،،
محمد الدمشقي ....
منذ سنتين و نصف تقريبا بتصرف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق