استنطاق الحيوان في الأدب
*********************
*********************
رغم أن الله سبحانه وتعالى أعطى البشر سلطاناً على جميع الحيوانات ..فإننا نجد الإنسان ينسج آلاف القصص والأساطير على لسان الحيوانات .
فكلما توغلنا في أدب أمة من الأمم ,نجد حكايا تعج بحيوانات بعضها مسالم ومفيد ,وبعضها متوحش ومعادٍ ..فمن الحكايا الإغريقية انتشرت قصص " إيسوب " المروية على لسان الحيوانات..كقصة الذئب الذي يتنقل بين الخراف متنكراً بجلد حمل وديع ,ويقتل الخراف جميعها .حتى باتت تلك القصة مضرب مثل لكل من يحمل وجهين ويغدر وينافق . وقد جمع الإغريقي فاليريوس الكثير من تلك القصص وضم إليها قصصا من التراث الهندي ثم نظمها شعراً . وقصة الثعلب والعنب من أشهر تلك القصص حتى اننا مازلنا نسمع حنجرة أحلام تصدح بأغنية ( قول عني ما تقول صوبي كم صعب الوصول واللي ما يطول العنب حامضاً عنه يقول ) وتطلق تلك القصة على كل من يحاول التقليل من أهمية وقيمة الشيء الذي يفشل بالوصول إليه .وقد ضم الهنود الكثير من القصص لحكايات يعسوب ,كتلك القصص التي تُظْهِر معتقداتهم في تناسخ الأرواح وتحول الكثير من بني البشر بعد الموت إلى حيوانات.
ففي الميثولوجيا الهندية نجد الثعبان يتزوج كالرجال . ويُلقي الحكم والأمثال..حتى ان الكثير من آلهتهم تأخذ شكل الحيوان فالإله " غانيشا " له شكل الفيل .وزوجة الإله شيفا الذي يمثل الدفعة الجارفة للتناسل , كانت موضع عبادة في مذهب "الشاكتي " . وكانت مزدانة بالأفاعي . والأفعى " ناجا " كانت تقدس عند الكثيرين ويُقام لها كل عام حفل ديني تكريمي ، وتُقدم العطايا عند مداخل جحورها .كذلك أقيمت المعابد تمجيداً للأفاعي . وسكنتها جموع زاخرة من الزواحف . ويقوم الكهنة على إطعامها والعناية بها .وللتماسيح والنمور والطواويس والببغاوات، بل والفئران والقرود والأبقارحقها من العبادة.
وقد قال العالم الفارسي " برزويه " أن لدى الهنود نباتاً يُنثر على الميت فيتكلم . إلى ان عُلِم ان النبات رمز لكتاب " كليلة ودمنة " الذي استنطق الحيوانات . وكان موجوداً عند حاكم الهند ومتوارثاً لايسمح لأحد باستنساخه. لكنً برزويه تمكن بحنكته وحسن خلقه من الاطلاع على النسخة الهندية . وكان يرسل إلى كسرى أنو شروان مايحفظه منها ويقوم " بزر جمهرة " بكتابة مايدور من قصص يرويها الفيلسوف " بيدبا " للملك " دبشليم" . والجدير بالذكر أن هنلك دراسات تؤكد ان لكليلة ودمنة أصلاً رافديني فقد ذكر الدكتور علي عنبر السعدي : (أن ذلك النوع من الأدب لم يكن معروفاً عند العرب ،كما أن أسماء البطلين (دبشليم – بيدبا) يبدو أقرب للهندية حسب الانطباع الأول ،لكن تحليل الأسمين سيجد إنهما يعودان إلى جذور سومرية ،ف(إيدبا) بالسومرية تعني (أدب) و(أيدوبا) تعني ناظر المدرسة – أما (شيليم )فتعني سلام ،وقد اشتق منها كلمة (شالوم )العبرية ،وسلام العربية .
على ذلك فكلمة ديبشليم وبيدبا ، تعني مقاربة (أدب السلام) .
أما القصص ذاتها ،فهي مشتقة كذلك من أدب العراق القديم كما أورده طه باقر،فباب الأسد والثور في كليلة ودمنة ،يقابلة باب الاسد والحصان ،وباب القرد والغليم يقابلة باب القرد وأمه ،وغيرها الكثير من الأبواب التي تشير على ان هذا النوع من الأدب على السنة الحيوانات ،كان قد كتب أولاً في بلاد الرافدين وانتقل الى بلاد فارس في قرون ماقبل الميلاد ،ومما بات معروف تاريخيا إن ارث وادي الرافدين قد تم تقاسمه بعد سقوط بابل ،فاهتم اليهود بالارث المقدس ليشتقوا منه قصة نوح وايوب وموسى ولقمان وسفر التكوين والوصايا وغيرها ،فيما اهتم الفرس بألاداب والفنون ومنها الحكم والامثال والشعر وادب الحوار وسواها )
وقد ترجم " ابن المقفع " كتاب " كليلة ودمنة " وأضاف عليه الكثير من الترميز والكنايات التي تتضمن حكماً ومواعظ أو ستاراً لنقد سياسي للخليفة المنصور , الذي كان يبطش بكل من يخرج عن طاعته . وكذلك فعل " ابن خلدون " حيث نبَّه لظلم الملك باستحضار حديث على لسان البوم إذ كان من المتعسر الافصاح عن القهر والتذمر من الظلم على لسان البشر لكيلا يحنق الحاكم ويقوم بما لايُحمد عقباه .وقد استنطق القرآن الحيوانات كالنملة التي أضحكت نبي الله سليمان (ع) عندما حذَّرَتْ صديقاتها من جنوده وعندما حدَث سليمان الطير . بل ان القرآن زاخر بالقصص التي محورها الحيوان كغراب بني آدم , وناقة صالح , وذئب يوسف , وحوت يونس , وكلب اهل الكهف , وبقرة بني إسرائيل , وحمار عزيز وعنكبوت الكهف ,وقد سميت أطول سوره باسم البقرة . فقصص الحيوان واستنطاقه كانت جذوره ضاربة في تراثنا السردي
ولو تتبعنا الأدب الجاهلي نجده في كثيرمن الأحايين قد استنطق الحيوانات ولاسيما الخيل الذي احتفت به الشعوب المقاتلة , وقد عرف العرب طريقة محاكاة الحيوان , واستخدموها في ادبياتهم , كقصة "الحية ذات الصفا " التي تحكي حادثة مأساوية بين إنسان وحيوان وقع بينهما خلاف بعد صداقة . فأراد قتلها وفشل . فكانت تلك الحادثة سببا ببتر صداقتهما . ونرى " يحيى بن نوفل " يحاور النعامة وتحاوره . وإبل ابن معبد الأسدي تبكي عندما يصيبها السوء .ومالك ابن الريب الذي لم يبكه حين شارف على الموت سوى ثلاثة (السيف والرمح الرديني وأشقر محبوك (وهو حصانه ). لقد قدَّس الجاهليون الحيوان . وتوهموا بقدرات روحانية له. فكان النظر للناقة في كثير من الأحايين ضرباً من ضروب العبادة .وقد مثَّلَ الحصان اله الشمس .وكان يمثل الحمار ابن الإله رع عند المصريين القدامى.
لقد فتنت قصص الحيوان وخصوصا التي تتكلم مع بعضها الكبار والصغار لأن احاديثها في واقع الأمر ليست سوى حكايات عن أنفسنا وبعض جوانب حياتنا . ف " توم وجيري وبطة ديزني " شخصيات موجودة في الحياة بصورة أقل وطاة . لذلك انتشرت قصص الحيوانات التي تتكلم .وانتعشت نثرا وشعرا . فذاك شاعر يستنطق الغراب ويقول :
إذا نطق الغراب وقال خيراً / فأين الخير من وجه الغراب .
وذاك آخر يقول :
قالت الأفعى لأمريكا : اسمعي / إن تقليدكِ لي عين الشطط
أنتِ فيكِ الُّسم لا حدَّ له / وأنا السُّم بنابيَّ فقط .
وقد تأثر شوقي بهذا المضمار ب " لافونتين " .كما رصد " جورج اورويل " تطورات الثورة الروسية في كتابه " مزرعة الحيوان " بواسطة خنزير عجوز راى في منامه حلماً بالاستقلال فأخبر حيوانات المزرعة ومات . لكن بعد موته تحررت الحيوانات من استعباد مستر جونز السِّكير وأطاحت به وبرجاله وأصبحت المزرعة ملكاً للحيوانات إلى ان قام خنزيران بإدارة المزرعة وتحولا إلى صورة اخرى من البشر المستبدين الظالمين فضاعت مبادئ الثورة واندثرت شعاراتها . ليجدوا انفسهم كماكانوا قديماً مجرد عبيد. وفاءكمال
فكلما توغلنا في أدب أمة من الأمم ,نجد حكايا تعج بحيوانات بعضها مسالم ومفيد ,وبعضها متوحش ومعادٍ ..فمن الحكايا الإغريقية انتشرت قصص " إيسوب " المروية على لسان الحيوانات..كقصة الذئب الذي يتنقل بين الخراف متنكراً بجلد حمل وديع ,ويقتل الخراف جميعها .حتى باتت تلك القصة مضرب مثل لكل من يحمل وجهين ويغدر وينافق . وقد جمع الإغريقي فاليريوس الكثير من تلك القصص وضم إليها قصصا من التراث الهندي ثم نظمها شعراً . وقصة الثعلب والعنب من أشهر تلك القصص حتى اننا مازلنا نسمع حنجرة أحلام تصدح بأغنية ( قول عني ما تقول صوبي كم صعب الوصول واللي ما يطول العنب حامضاً عنه يقول ) وتطلق تلك القصة على كل من يحاول التقليل من أهمية وقيمة الشيء الذي يفشل بالوصول إليه .وقد ضم الهنود الكثير من القصص لحكايات يعسوب ,كتلك القصص التي تُظْهِر معتقداتهم في تناسخ الأرواح وتحول الكثير من بني البشر بعد الموت إلى حيوانات.
ففي الميثولوجيا الهندية نجد الثعبان يتزوج كالرجال . ويُلقي الحكم والأمثال..حتى ان الكثير من آلهتهم تأخذ شكل الحيوان فالإله " غانيشا " له شكل الفيل .وزوجة الإله شيفا الذي يمثل الدفعة الجارفة للتناسل , كانت موضع عبادة في مذهب "الشاكتي " . وكانت مزدانة بالأفاعي . والأفعى " ناجا " كانت تقدس عند الكثيرين ويُقام لها كل عام حفل ديني تكريمي ، وتُقدم العطايا عند مداخل جحورها .كذلك أقيمت المعابد تمجيداً للأفاعي . وسكنتها جموع زاخرة من الزواحف . ويقوم الكهنة على إطعامها والعناية بها .وللتماسيح والنمور والطواويس والببغاوات، بل والفئران والقرود والأبقارحقها من العبادة.
وقد قال العالم الفارسي " برزويه " أن لدى الهنود نباتاً يُنثر على الميت فيتكلم . إلى ان عُلِم ان النبات رمز لكتاب " كليلة ودمنة " الذي استنطق الحيوانات . وكان موجوداً عند حاكم الهند ومتوارثاً لايسمح لأحد باستنساخه. لكنً برزويه تمكن بحنكته وحسن خلقه من الاطلاع على النسخة الهندية . وكان يرسل إلى كسرى أنو شروان مايحفظه منها ويقوم " بزر جمهرة " بكتابة مايدور من قصص يرويها الفيلسوف " بيدبا " للملك " دبشليم" . والجدير بالذكر أن هنلك دراسات تؤكد ان لكليلة ودمنة أصلاً رافديني فقد ذكر الدكتور علي عنبر السعدي : (أن ذلك النوع من الأدب لم يكن معروفاً عند العرب ،كما أن أسماء البطلين (دبشليم – بيدبا) يبدو أقرب للهندية حسب الانطباع الأول ،لكن تحليل الأسمين سيجد إنهما يعودان إلى جذور سومرية ،ف(إيدبا) بالسومرية تعني (أدب) و(أيدوبا) تعني ناظر المدرسة – أما (شيليم )فتعني سلام ،وقد اشتق منها كلمة (شالوم )العبرية ،وسلام العربية .
على ذلك فكلمة ديبشليم وبيدبا ، تعني مقاربة (أدب السلام) .
أما القصص ذاتها ،فهي مشتقة كذلك من أدب العراق القديم كما أورده طه باقر،فباب الأسد والثور في كليلة ودمنة ،يقابلة باب الاسد والحصان ،وباب القرد والغليم يقابلة باب القرد وأمه ،وغيرها الكثير من الأبواب التي تشير على ان هذا النوع من الأدب على السنة الحيوانات ،كان قد كتب أولاً في بلاد الرافدين وانتقل الى بلاد فارس في قرون ماقبل الميلاد ،ومما بات معروف تاريخيا إن ارث وادي الرافدين قد تم تقاسمه بعد سقوط بابل ،فاهتم اليهود بالارث المقدس ليشتقوا منه قصة نوح وايوب وموسى ولقمان وسفر التكوين والوصايا وغيرها ،فيما اهتم الفرس بألاداب والفنون ومنها الحكم والامثال والشعر وادب الحوار وسواها )
وقد ترجم " ابن المقفع " كتاب " كليلة ودمنة " وأضاف عليه الكثير من الترميز والكنايات التي تتضمن حكماً ومواعظ أو ستاراً لنقد سياسي للخليفة المنصور , الذي كان يبطش بكل من يخرج عن طاعته . وكذلك فعل " ابن خلدون " حيث نبَّه لظلم الملك باستحضار حديث على لسان البوم إذ كان من المتعسر الافصاح عن القهر والتذمر من الظلم على لسان البشر لكيلا يحنق الحاكم ويقوم بما لايُحمد عقباه .وقد استنطق القرآن الحيوانات كالنملة التي أضحكت نبي الله سليمان (ع) عندما حذَّرَتْ صديقاتها من جنوده وعندما حدَث سليمان الطير . بل ان القرآن زاخر بالقصص التي محورها الحيوان كغراب بني آدم , وناقة صالح , وذئب يوسف , وحوت يونس , وكلب اهل الكهف , وبقرة بني إسرائيل , وحمار عزيز وعنكبوت الكهف ,وقد سميت أطول سوره باسم البقرة . فقصص الحيوان واستنطاقه كانت جذوره ضاربة في تراثنا السردي
ولو تتبعنا الأدب الجاهلي نجده في كثيرمن الأحايين قد استنطق الحيوانات ولاسيما الخيل الذي احتفت به الشعوب المقاتلة , وقد عرف العرب طريقة محاكاة الحيوان , واستخدموها في ادبياتهم , كقصة "الحية ذات الصفا " التي تحكي حادثة مأساوية بين إنسان وحيوان وقع بينهما خلاف بعد صداقة . فأراد قتلها وفشل . فكانت تلك الحادثة سببا ببتر صداقتهما . ونرى " يحيى بن نوفل " يحاور النعامة وتحاوره . وإبل ابن معبد الأسدي تبكي عندما يصيبها السوء .ومالك ابن الريب الذي لم يبكه حين شارف على الموت سوى ثلاثة (السيف والرمح الرديني وأشقر محبوك (وهو حصانه ). لقد قدَّس الجاهليون الحيوان . وتوهموا بقدرات روحانية له. فكان النظر للناقة في كثير من الأحايين ضرباً من ضروب العبادة .وقد مثَّلَ الحصان اله الشمس .وكان يمثل الحمار ابن الإله رع عند المصريين القدامى.
لقد فتنت قصص الحيوان وخصوصا التي تتكلم مع بعضها الكبار والصغار لأن احاديثها في واقع الأمر ليست سوى حكايات عن أنفسنا وبعض جوانب حياتنا . ف " توم وجيري وبطة ديزني " شخصيات موجودة في الحياة بصورة أقل وطاة . لذلك انتشرت قصص الحيوانات التي تتكلم .وانتعشت نثرا وشعرا . فذاك شاعر يستنطق الغراب ويقول :
إذا نطق الغراب وقال خيراً / فأين الخير من وجه الغراب .
وذاك آخر يقول :
قالت الأفعى لأمريكا : اسمعي / إن تقليدكِ لي عين الشطط
أنتِ فيكِ الُّسم لا حدَّ له / وأنا السُّم بنابيَّ فقط .
وقد تأثر شوقي بهذا المضمار ب " لافونتين " .كما رصد " جورج اورويل " تطورات الثورة الروسية في كتابه " مزرعة الحيوان " بواسطة خنزير عجوز راى في منامه حلماً بالاستقلال فأخبر حيوانات المزرعة ومات . لكن بعد موته تحررت الحيوانات من استعباد مستر جونز السِّكير وأطاحت به وبرجاله وأصبحت المزرعة ملكاً للحيوانات إلى ان قام خنزيران بإدارة المزرعة وتحولا إلى صورة اخرى من البشر المستبدين الظالمين فضاعت مبادئ الثورة واندثرت شعاراتها . ليجدوا انفسهم كماكانوا قديماً مجرد عبيد. وفاءكمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق