الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

عندما تكون الحياة عبء كبير / قراءة في نص ( الشجرة العرجاء ) للشاعر كريم عاشور بقلم /الروائي الناقد جمال قيسي





عندما تكون الحياة عبء كبير / قراءة في نص ( الشجرة العرجاء ) للشاعر كريم عاشور
كثيرة هي خيبات الأمل ،،لدى كريم عاشور،،،بل عند أغلبنا ،،ممن توطن الحزن في أعماقه ...،،هي محصلة الوعي المضاعف ،،لواقع ،،تصاغر جدًا امامه ،،حتى انفلت من ضنك الحياة،،بحكم كوننا شرقيين ،،نعيش في بلدان استبدادية ،،ليس بحكم البنية الفوقية للمجتمع ،،سياسية او دينية،،او ثقافية تقليدية وحسب ،،او اننا نرزح تحت خط الفقر،،ولا اقصد هنا بالمدخلات المادية،،وإنما بآدميتنا المسحوقة في هذا الحيّز ،،التاريخي البائس ،،نحن بصراحة خارج التاريخ،،اي بمعنى ،،لانقدم،،فعلًا حياتيًا واعيًا ،،وليست الطبيعة الاستهلاكية المفرطة بكل شيء عند البعض ،،بحكم عدم تكافئ توزيع الثروات بما ،،يستحق،،،او كما يجب ان تكون،،،فالغني عندنا وميسور الحال ،،والمكتفي ،،بالاضافة الى نوازع الاستغلال ،،والاستهلاك التافه لديه ،،يتملكه إطار لا مسؤول ،،عدم الشعور بموقف حقيقي مع الحياة ،،مع استدراج فج للموروث بتأويل باطل،،،وربما ان مقولة الحياة موقف ومسؤولية ،،أصبحت نوعًا ،،من النكات السمجة ،،في هذا الخضم التعس،،نحن ندفع بالتافهين الى الامام ،،ليستلموا ،،زمام القيادة،،وزيادة في التخريب،،،الاخلاقي ،،والنفسي ،،بصراحة،،بتنا بلا اخلاق ،،بمعناها ( الاتيقي) ،،فقدنا قيم الجمال والحق ،،والخير ،،واحترام الحياة،،وبالتالي احترام الآدمية،،تحولنا الى مجرد ديكورات خاوية،،حتى من يصنفون بالمثقفين ،،،لان المجتمع الفاقد للهوية،،هوية الحياة،،بمعنى العطاء ،،بالتاكيد ،،أطره الخارجية تافهة ،،وعمقه خواء،،،وفي احدى مستحدثات ،،العوامل التاريخية ،،واقصد هنا عامل التواصلية ( الفضائيات،،شبكات التواصل الاجتماعي،،الاتصالات ) ،،حدث إنهمار سيل جارف من المعلومات،،التي ربما ،،ما كان الواحد منا ان يتحصل عليها بسنين وبجهد مضني ،،بات الان يحصل عليها بأقل من ساعة،،رب معترض على هذا الرأي،،وان العلم اصبح يخدم الانسان،،ويسهل اُسلوب معيشته،،،نعم اتفق معه،،لكن الإفراط ،،وهو امر ملازم لذلك ،،ضيع كل شيء،،وحتى أكون اكثر وضوحًا،،،أغلبنا شاهد الفليم السينمائي،،Matrix ،،بطولة كيفانو ريفيز،،،وهو من عدة اجزاء ،،خلاصة الفيلم ان البطل يكلف بمهمة للولوج الى العالم الافتراضي ،،في الحاسبة الكبيرة،،لمقارعة الشر،،وفي نهاية الفيلم يحتار البطل،،بين عالمين،،وأيهما هو الحق،،العالم الحقيقي او الافتراضي ،،والفن السابع ( السينما) هو خطاب ثقافي يطرح أزمة العقل الغربي،،في حين نحن نتعامل معه للمتعة،،أقول ان المثقف الحقيقي عندنا او ممتهن الادب،،يعيش في مأزق حقيقي،،اما ان يجيير جهده لسلطة معينة وكل السلطات قامعة،،او يعاني شظف العيش،وربما هذا الامر الأخير هو الوازع الحقيقي للابداع،،وهكذا يتحول الوعي الحقيقي بعمقه الانساني الى مأزق ،،،لذلك نجد كثرة في المستشعرين،،والمتأدبين ،،،ولاتلمس خطابًا أدبيًّا حقيقيًّا ،،،الا عند الموجوعين في وجدانهم،،من أمثال كريم عاشور،،الذي يمتلك رؤية للمصير،،وسط حشد يستمني،،الغباء والسذاجة ،،هنا كريم عاشور،،يتخطى،،الى المرحلة اللاحقة،،اللحظات الحقيقية ،،بحكم شعوره المسؤول الجارف،،،انه ينقل مآل الامور،،،وكأنه شاهدها بفيلم فيديو مسجل ،،لم اتعرض للنص كتحليل بنيوي،،وإنما انقل البنية اللاشعورية والتيقظ الحاد لمجسه الشعري،،انها ثقافة الالم،،تدوين لحظات الأفول ،،
يمارس هنا كريم عاشور كعادته،،،التوزيع الدقيق لمكونات فضائه النصي،،،هو صارم مقتصد،،لان لاشيء يستحق الاسفاف،،فالأدبية عنده،،تتخطى قضية الغائب والمرئي وتحولاتهما ،،ليس هناك سلب او إيجاب ،،وإنما توصيف،،وهنا هو يتبع بحرفية الأسلوب الجديد،،الذي يلفض الاسفاف ،،والتغني الفج،،توصيف لمأساة الحياة ،،وجهها الثاني،،والمظلم ،،الذي نقبع فيه كلنا دون استثناء،،الا ان بعضنا يتوهم عكس ذلك ،،هنا يكشف عن الخطاب الأدبي ،،العميق المرتبط بمصير الانسان،،وطريقة رؤية للعالم الواقعي في عمقه دون توهم الأساليب البلاغية التي باتت ،،في فخامتها ،،تساهم في التضليل ،،الشاعر صاحب رؤية وقضية ،،متفوق علينا ،،ولكن ليس الشاعر التقليدي السمسار لكل التفاهات،،
عندما يكون الحزن وطن،،حسب مقولة جيفارا ،،يكون الشاعر،،الناطق الرسمي للمغربين قسرًا،،لانه بحكم رهافة حسه الأكثر تغربًا،،،يشاهد هذه المسرحية الهزلية المسماة الحياة ،،ذات الباطن المأساوي ،،
عندما تتحول الاوطان الى سجون كبيرة،،وبيوتنا قبور فاغرة فاهها،،نندلق فيها كل يوم دون ان يوارى التراب علينا،،لننهض في اليوم الثاني ،،ولنتعشق مرة اخرى مرارة المكابدة،،أصبحت عندنا الاوطان عبء ،،والبيوت عبء،،،بل الحياة المعيشة عبء،،،وما يثقل علينا،،هو تفاهة الآخرين ،،ليزيدوا ،،الحمولة ثقلًا ،،
في هذه المقاطع القصيرة والمكثفة الصورة،،،كشفت عن أهمية وخطورة قصيدة النثر ،،وكريم عاشور،،ينهج أسلوبًا متفردًا وجديدًا فيها،،بأن يسقط الوقائع عليه،،وليس العكس ،،متموقعًا هو في النص بلا حياة،،مجرد ذكريات ،،هو هنا يسقط بأيدينا ،،كل دعاوينا،،ليكتشف اننا انسان بلاقضية،،بلا جوهر،،بلا ماهية،،،مجرد خواء،،يلفه صندوق كارتوني،،متداعي ،،

جمال قيسي/ بغداد
ت١ /٢٠١٧

النص:-
الشجرة العرجاء
____________
أُسبغ عليكِ من قحطي
أرميكِ بأحلامي كاتمة الصوت
وأطلق في حدائقكِ
فراشاتي المجففة
أسقيكِ من نداي
المترع بالجفاف
وأغني لكِ أغنيتي الخرساء
فامنحيني عكازأً
من متحفكِ الزاخر بالدمى
وأشرطة المدارس الملونة
فحياتي شجرة عرجاء
تنفذ عقوبة القصاص
وقوفاً
قرب سبورة مظلمة
لأنها كانت تعقد صداقاتٍ سريةً
مع الطيور المهاجرة
تلك التي تجرأت على عبور السياج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق