الناقد جمال القيسي في محاورة نقدية مع الأستاذة نائلة طاهر عبر جريدة آفاق نقدية
~~~~~~~
~~~~~~~
الى الاستاذة نائلة طاهر،،،استاذة الادب المقارن ،،مع التحية
٣- اللازمة الوجودية
في واحدة من اهم الإشارات العميقة التي اثارها الفيلسوف نيتشة ،،،هي ان اللغة في أجرائها الوظيفي هي جهاز هيمنة ،،وتسلط ،،لواضع الخطاب لكي يبرر شرعية استغلاله ،،اي بمعنى ان من يوضع المعاني او التأويل يصنع معجمًا لتقعيد لغته،،حتى يتمكن من استخدام اللغة كوسيلة هيمنة ،،،لذلك سعى ( نيتشة) الى نحت مفاهيمه الخاصة بعيدًا عن اي هيمنة،،،وكان بحق الأب الشرعي لما بعد الحداثة ،،،وانا من المؤمنين بمنهجه بما يخص اللغة لذلك أسعى الى نحت مفاهيم خاصة بي،،،لغرض إيصال الفكرة،،،لذلك يبدو مصطلح ( اللازمة الوجودية ) جديدًا على المستمع حتى المختص بحقل اللغة او العلوم المحايثة لها ،،،والذي سنعود الى تفصيله ،،لكن قبل ذلك علينا ان نؤشر تمثله ،،في العقد الخلافية بين طرفي الصراع ،،ظهرت اول بوادر هذا الصراع بين مدرسة ابو حنيفة النعمان ومدرسة سفيان الثوري ،،في قضية القياس ،،وهم من التابعين ،،اي من الطبقة العليا للتأسيس الثقافي ،،لتاريخ الأمة المستحدثة ،،وفي زاوية اخرى بين الحسن البصري و واصل بن عطاء ( الغزال) الذي اعتزل عن أستاذه البصري ،،لتتأسس مدرستي علم الكلام ،،مع ان هناك بعض الإشارات ،،وردت عند ابو حنيفة وعند الثوري حول علم الكلام ،،لكننا معنيين بتحول الخطاب الى سلطة ،،يلاحظ ان مدار البحث في حينه متعلق بالحديث النبوي،،وتصريف المصالح المرسلة،،ومواجهة النزعة الفلسفية المتشككة ،،الوافدة من الامم التي انحلت ومن ثم انخرطت في جسم الأمة الجديدة ،،اما الخطاب الرئيسي لم يستطع احد الاقتراب منه ،،ليتفاقم الصراع في قضية( خلق القرأن ) ،،ويبلغ الذروة عندما يتبنى الخليفة المأمون منهج المعتزلة ،،وتتشكل بما يشابه محاكم التفتيش السيئة الصيت،،وفي لحظة تاريخية لاحقة ،، يسيح ابو حامد الغزالي ،،هائمًا ،،في الأصقاع للبحث عن موقف بحكم وعيه وثقافته العالية ،،وبعد رحلة دامت عشرة سنوات من القراءة والتأمل ،،تيقن من ان خطاب القرأن ،،بأنه محكم وملزم،واستشعر الوشائج الرابطة بين اللغة العربية والقرأن،،متلازمة يحكمها مظهر واحد وجوهر مقدس واحد،، هناك واشدد على هنا ،،ان اللغة ليست حامل للتعابير او التواصل ،،فقط وإنما هي نظام ينطوي على بنيات عديدة ،،وأهمها ،،هي البنية الشعورية واللاشعورية،،للجماعة الناطقة بها،،هي مصنعة المخيال الجمعي
اتذكر في رهط من سنوات الشباب تأثرت بالغزالي،،عندما سلكت احدى الطرق الصوفية ،،ولكني لم اقرأه بحيادية وإنما بانحياز،،لذلك القراءة لم تكن منصفة ،،كنت كمن يضع حاجب البصر الجانبي الذي يوضع للخيول التي تسحب العربة ،،حتى تركز على اتجاه واحد،،وبعد ان شعرت بالسلبية في التفكير والموقف تجاه الحياة،،جراء التصوف،،غادرته دون عودة،،او ندم،،ولاحقا أعدت قراءة الغزالي وخصوصًا مؤلفه ( تهافت الفلاسفة ) ،،فكان موقفي منه شديدًا،،واعتبرت مثل ابن رشد ومحمد عابد الجابري،،أن الغزالي،،احد اهم المعوقين لتطور العقل العربي،،عندما طلب استقالة العقل ،،والانصياع للنص القرأني والحديث النبوي ،،وصببت جام غضبي عليه بأكثر من مناسبة ،،،ولكني ندمت لاحقاً ،،لان موقفي هذا أيضًا ،،لم يكن منصفًا ،،فلايجب عزل اي فكرة عن سياقها التاريخي،،مع ان المشكلة التي واجهت الغزالي ،،هي نفسها اعترضتني ،،خلال البحث العلمي ،،عندها قدرت موقف الرجل وصدقه،،وإخلاصه ،،ومكانته العلمية،،لقد توصل للحقيقة الدامغة وهي تلازم اللغة العربية مع النص القرأني ،،تلازم الجوهر والمظهر،،وبما ان ( وارجو الانتباه الى هذه الفقرة ) ،،الفلسفة هي منظومة أسئلة لم تحسم إجاباتها ،،فيما يتعلق بالكون والوجود والمعرفة ،،،بينما الخطاب القرأني ،،هو نص متكامل ينطوي على كل الاجابات،،اي بمعنى اخر نظام خطابي متكامل بالضد من نظام الخطاب الفلسفي المتشكك،،ونعود الى لازمتنا ،،،هذا الموقف ينسحب على الطاقة التصويرية ،،اي على مخيلة العقل الجمعي،،بمعنى ان ميكانزيمات اللغة العربية ،،متكاملة الغرض والوظيفة،،منذ ان نزل الخطاب القرأني ،،فهي رافضة في فققها وبنيتها الشعورية واللاشعورية ،،لاي فكرة متشككة،،وبالتالي هي على موقف نقيض لاي موقف فلسفي،،،هذه المشكلة واجهت الغزالي وابن رشد وابن خلدون ،،،والجابري،،وحامد نصر ابو زيد،،،مع ان الغزالي يتفوق عليهم بعمق فهمه للمشكلة،،،وهي التي أدت الى موقفين متناقضين ،،،ولكن الحقيقة ان موقف الغزالي ورهطه لابد ان ينتصر ،،،لسبب بسيط،،ان أدوات الصراع هي اللغة،،وهي منتمية الى الخطاب القرأني ،،فالطرف المناقض هو يستخدم السلاح للطرف الاخر،،لذلك كل الحركات الحداثوية،،مكتوب عليها الفشل اذا كانت تستخدم اللغة العربية ،،،والامر لا علاقة له بالتطور،،،تلك هي شخصيتنا الوجودية،،
سنكمل حديثنا في مقال لاحق ،،حتى لانثقل ،،،،ومع ان الاستاذ غازي ابو طبيخ والست نائلة طاهر ،،قد كتبا تعليقين على الموضوع،،ولكنهما انتميا كل واحد منهم الى طرف مناقض
جمال قيسي/ بغداد
ت١ ٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق