السبت، 7 أكتوبر 2017

متابعة نقدية ل: نائلة طاهر 

تراجيديا الواقع في قصيدة عبد الرسول التميمي:الشبق الساخن من ثرثرة  فراغ الكأس  
----------

ينبني كل نص أدبي على عنصر هام يكون قيمة أساسية تتمحور حولها العملية الإبداعية  عامة .وهذا العنصر هو ما يسمى اصطلاحا بالبطلLe Héros .البطل في قصيدة العروض يأتي غالبا مختلفا عن قصيدة النثر فليس لهما نفس الملامح ولا نفس الدلالة .فشاعر النثر يقدمه بعد النظر في مرآته الداخلية التي لابد وأن تكون مرآة الوجود عامة كما قالGaston Bachelard ."إن صوت الشاعر هو صوت العالم"  .فكيف كان الشاعر في قصيدة التميمي؟لاحظوا اني سألت عن الشاعر لا عن البطل وتلك إشارة ضمنية إلى أن البطل والشاعر في القصيدة هما ذات واحدة ،وكما هي العادة في القصائد النثرية يكون الشاعر بطلا تراجيديا أو صوتا من الأصوات المنطلقة في هذا العالم المأزوم .الشاعر في هذه القصيدة هو  نفسه الحدث الشعري هو نفسه الصورة الشعرية التي يتلقاها القارئ في البدء شبه ضبابية ،وليست الضبابية هنا بسبب الرمز أو السيريالية إذ لم يتجه أسلوب الشاعر إلى هذا النهج بل أراه وفيا للمدرسة التعبيرية معبرا عن الحالة بترميز واقعي أما ذاك الضباب الخفيف الذي يتلاعب بالمفردات فهو نفسه تلك الخطوط الفنية التي يعتمدها رواد المدرسة التعبيرية في الرسم  والتي تعتمد المبالغة في الخطوط أو الألوان للتعبير عن مدى وحشية أو قساوة الموضوع ،و تكون النتيجة  تنشيط العقل وجعله يتقبل المشهد كما هو ولكن باستفزاز يحرك  تفكيره ويدعوه للبحث عن التضمينات التي أراد المبدع تمريرها.إن الرمز الظاهر في قصيدة التميمي موضوعه حسّي بحت  ،وقد جمع الشاعر كل أدوات المتعة الحسية ووضعها مع بطله التراجيدي في غرفة واحدة مبتدئا معهم لحظة الصراع التاريخي المتجدد. لحظة يتحرر فيها الشاعر من الزمن الكرونولوجي الذي قد يتحكم بإلهامه و مسار الحياة والكون .صانع الموقف والحدث و القادر على خلق دنياه  الموغلة في المادة، أراده التميمي الشاعر نفسه: وبمفهوم  الدلالة النحوية الشاعر هو الفاعل--هي من تفعيلة وافر بحركالمستحب لديكأما علم الدلالة la sémantique فإنه يجعل منه الخالق إذ حين نبحث عن علاقة اللفظ بالمعنى المراد نجد الرمزية التالية  الكأس: العاالم ،الكون النشوة هي الحقيقة الوحيدة في هذا الكون هي الحس هي المتعة التي تأتي أحيانا في ألم.الأنثى :الحياة صيرورة الكون وتواصله، حلقة الوصل التي دونها تنتهي الكأس .لم يحتج الشاعر إلى إيحاءات وإنما صنع بحروفه من يخبرنا عن  الجوهر الذي نبحث عن حقيقته في كل الماورائيات ---أيها الشاعر الساطع والوجع المثير ها انت تدركها حسيا---'والحقيقة الوحيدة المثبتة كدوران الشمس هي في عرينا، في السؤال ،في البحث .ولذلك كان النداء متواترا في النصف الثاني من القصيدة ،النداء هناك ليس للبحث  فقد انتهى الشاعر منه بالإقناع بوجود ما نبحث عنه ظاهرا ،وإنما النداء بالأخير كان تحريضا على فتح مدى الرؤية إلى ما أسفل القدم .إلى الظل المنعكس منا حتى وإن كان الأصل مثخنا بالجراح مثقلا بالملح .المختلف في بطل التميمي بقصيدته ان التراجيديات المستخدمة في تقديمه ليست اسطورية إذ لم يعمد إلى تضخيم الأنا ولا إلى فانتازيا الصورة والفعل ،ولئن اختلف معه في تقديم الشخصية المأزومة بطريقته الواقعية تلك خاصة وأن الشخصية ليست إلا شاغر  فإني أسلم بأن العالم الآن لم يعد يثق بالأبطال كقيمة خارقة واعية تماما لما هو بمرمى البصر ،وبالتالي فإن الإنسان  يخذله دائما هذا الوجود الذي هو أهم ركائزه.
~~~~~~~
نص القصيدة :

الشبق الساخن من ثرثرة
              فراغ الكأس 

من فورة هذا العري النازف           ومن صخب النشوة  
كانت أنثاك 
وذاتك الشاعرية المتحسسة بالماحول
ناسغة حتى النبض
تطاردهاالعيون المعلقة
المعية تجيد التأنق 
والمداعبه بشكل لذيذ
من حرقة هذا الهدر المتثائب 
من قدميها
أيها الشاعر الساطع 
والوجع المثير 
ها انت تدركها حسيا 
بكل تضاريسها المزدحمة بالجنون
الم تجدها بعد
اختلطت الصورة لديك
كل شيء من حولك ثمل
وانت ما بين زجاجة الصفراء الأسرة
ودخول قصيدتك أفقها الهائل  
مخبول كنت 
معجونا بدم الشعر 
هي من تفعيلة وافر بحرك
المستحب لديك
الم تجدها بعد 
بعدما اثملتك بنبيذها المتفايص 
من فوق طاولتها الدائخة 
بضجيج اللحظة 
واترعت كاساتها الاخيرات
بعدما انشدت نصف قصيدتك 
بمسائك الساخن 
من الشبق المتراكم دونما التقاء
فانت منقوع بوجعك المضيئ
كي تبلغ صوت الرغبة
الم تجدها بعد 
والاسئلة المتهدلة بجراحاتها المالحة من فوق النافذة الرطبه
لما تزل تزكم من شم 
برد ليلك الوحيد
الم تجدها بعد
تلك العالم من الغربة
والبعد الروحي 
ها انت برفقة نفسك
والمتبقي من ثرثرة فراغ الكأس  
ترسم دائرة للاجوبة الفاتره
من ضباب زجاج شباكك الضليع
باصبعك المتورم 
من ايقاع موسيقى النشوة
والعري النازف
الم تجدها بعد
الم تجدها 
الم

رسول الحاج عبد الامير التميمي 
         العراق / السماوه

هناك تعليق واحد:

  1. تحياتي للناقده الرائعه لانها فككت طلاسم النص

    ردحذف