الخميس، 5 أكتوبر 2017

الاستاذة نائلة طاهر :
الأدب بين المقارنة والركود 
----
الأستاذ الناقد القدير جمال القيسي 
لم تمر إشارتك الذكية لصفتي العلمية دون أن أفهم التلميح ،فالحوار موجه في مرحلة أولية  إلى أستاذة الأدب المقارن و لم تكن تقصد التوصيف أو حفظ المقامات وإنما الذكاء العفوي بعقلك هو الذي حدد منهج المقالة سلفا .المنهج الذي لا بد أن تنبني عنه رؤاك لا يبتعد قط عن الأدب المقارن، فهنا ضرورة استخدامه والانطلاق منه .
النقطة التي عادت بالقيسي من جديد إلى مربع الحوار كانت لها علاقة أساسية باللغة و وتأثير الأديان على امتداد الفكرة ،وكذلك الصراع القديم بين النقل والعقل .كل تلك الأفكار كانت بجملة المقالات الأخيرة التي أنجزتها وقد كان الأستاذ غازي أحمد أبو طبيخ تحسر على عدم توثيقها ورقيا لأهميتها  في هذه الفترة التاريخية التي لم يعد الإبقاء على المفاهيم  والنظريات القديمة سواء في النقد أو الأدب عامة ذات جدوى ثابتة .وحتى الحداثة نفسها كمفهوم ومحتوى صار لا بد لها من تعديل المسار ،وإعطائه أجنحة جديدة قادرة على مواكبة المستحدثات فلا شيء يمكن له أن يهنأ بالاستقرار اذا ارتبط بالبحث العلمي  السليم  المبني على التشخيص والتقرير والنتائج .وهنا نعود مرة ثانية إلى الموضوع نفسه وهو أن  اعتماد النقد المقارن والأدب المقارن عامة  في ابحاثنا الحاضرة ضرورة منهجية  وهو ما تفطن إليه ناقدنا جمال القيسي  واشتغل عليه وبه مثله مثل أي اكاديمي كفء رغم انه يبتعد عن هذا المسمى كنوع من الإصرار على أن ما يقوم به هو للمتعة الشخصية فقط .فيحرم بذلك الجيل القادم من أن يستفيد كما ينبغي  بنتائج أبحاث تكتب خارج أسوار الجامعات التي تفرض قبل تبني الباحث عدة شروط تحد من انطلاق الباحث الذي تكون  الدرجة العلمية هدفه الأساسي فيستجيب لرؤى المؤطر المسبقة لا للسير الطبيعي للنتائج. 
نعود إلى المادة الأساسية لمقالي واذا سلمنا بأن" الأدب المقارن يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة في حاضرها أو ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير وتأثر ." وباعتبار أن اللغة ليست سوى الحامل للمفاهيم والفكرة لا الفكرة نفسها ،فإن الاستشهاد والاعتماد على نظريات الفلسفية في اللغة والتاريخ والتراث هو الأصح وأذكر اني لفت الانتباه كثيرا إلى تداخل الفلسفة في مقالات جمال القيسي على اعتبار أن الجدل في جوهره فلسفة اذا تعلق الأمر بالعلوم الإنسانية وعلى اعتبار ان اللغة نفسها خاضعة للتأثر ، فإن لا سلطة للنص على اللغة حتى وإن كان مقدسا اذا استثنينا طبعا سلطة النقل واعتبار العقل الفردي سلطة أكبر. يقول دِي سُوسير : عن  تعريف اللغة أنها " تَنْظِيْمٌ مِنْ الإِشَارَاتِ وَالرُّمُوزِ، وَهِي واقِع اِصْطِلاحِيٌّ مُكْتَسَبٌ".والاكتساب هو عمل لاحق ومتطور .لكن هل النص القرآني خاضع للتطور؟ تلك مسألة أخرى لا أريد للتفكير الآن أن يشرد بها ولكني اكتفي بالإقرار انه بات خاضعا للتأويل في عدة مواطن والتأويل مدلل عليه مثبت بنصوص أخرى في إطار المقارنة .ومسألة التأثير والتأثر التي ربطها دي سُوسير باللغة  هي التي تحسم الجدل في الفكرة. والفكرة الأهم الآن والتي لها علاقة بمجريات بحث الناقد  جمال القيسي أن أي نتيجة أو مقدمة لبحث ما في الأدب لابد معه من التسليم بما نادى به أساتذة الأدب المقارن ك الألماني جوته و madame Di Style (مدام دي ستايل هي الناقدة والروائية الفرنسية آن لويس جيرمان نيكر )كلاهما كانا من الداعين إلى عالمية الأدب وخروجه عن نطاق اللغة الواحدة والهوية المحددة .
 لا  ننكر بأن العولمة مسألة تتداخل مع كل مجالات العصر الحديث   ولايمكن  للأدب أن يبقى بمنأى عن التيارات المستحدثة بدعوى الوفاء لقيمة دينية أو اجتماعية فالأدب هو المجال الحيوي الوحيد الذي لا يرتبط بسلطة وهو في جوهره اختلاف وتجديف ضد التيار ولن أعطي حكما في مسألة ما في انتظار ما ستبوح به نتائج بحث الناقد  جمال القيسي .لكني سأقر بأن المرحلة التي أوصلنا إليها القيسي بعد سلسلة مقالات منبئة بكل خير وسنعبُر. 

(نائلة طاهر )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق