إثر اختطاف الموت لحياة هذا المبدع الذي أثرى المكتبة العربية بنتاجه الأدبي والفكري ..تساءلتُ نفس تساؤل " رودان " إثر وفاة " مالارميه " : " ترى كم من الوقت سيقضي هذا الكون ليخلق فيه دماغ كهذا " ؟ .
فقد كان " غالب هلسا " نموذجاً للأديب الملتزم بصفوف حركة التحرر العربي, وفي مقدمتها صفوف المقاومة الفلسطينية . حيث أمضى أجمل سني حياته في رحلة مكوكية بين السجن والمنفى والإقامات الجبرية أو الرحيل القسري . فمن سجن بيروت حتى سجن طرابلس, ثم إلى سجن عمَّان المركزي .ثم سجن بغداد التي ذهب لدراسة الحقوق فيها فاعتُقل بسبب صلته بحركة الخمسينيات الثورية . ثم إلى القاهرة التي اعتقل فيها مرتين ثم غادرها إلى بيروت في فترة حصارها . وكان ينقل مشاهداته وينشرها في جريدة " العودة
" .ثم غادر بيروت إلى اليمن الديموقراطية مع خروج المقاومة . وكانت دمشق مقراً أخيراً لإقامته وآخر محطاته .
كنت ألتقي به كثيراً في المناسبات الفنية أو الأدبية .وكلما تصافح نظرانا كان يبتسم . فأمضي وأنا أحمل المزيد من الدهشة والتساؤلات حول هذا الجسد الذي لايألف الراحة وهو يجلس بين صفوة من الكتَّاب والشعراء , يهبهم طراوة الحديث ونضارة الأفكار . حتى أصبحت ممن يحبون لقاءه والاستمتاع بمجلسه ونقاشاته وتجلياته .
وفي المرة الأخيرة التي رأيته بها ,استبقني بنظرة طفل غرير وابتسامة عذبة ,وبدماثته اللامتناهية قال :
ـ هل زعلتِ مني بالأمس ؟
قلتُ :متلعثمة لا لكل إنسان ظروفه .
قال: أنا اليوم مرتاح وجاهز للحوار .
قلت:
ـ أنا " بقى " لستُ جاهزة للحوار .مضطرة أن أذهب لتغطية نشاط المهرجان السينمائي اليوم ..
ضحك قائلاً :
ـ هذا يعني أنكِ مازلت غاضبة مني .
ـ وهل تعتقد أني " تفيدة أو سلطانة " تزعلني متى تشاء ,وترضيني متى تشاء ؟!
أنا لست بطلة من أبطال رواياتك .
ـ وهل تكرهين أن تكوني بطلة من أبطال رواياتي ؟
ـ بصراحة لستُ من أنصار هذا النوع من البطلات اللواتي يزرْنَكَ في اوقات القيلولة , وفي الأجواء الخماسينية الحارة .
ـ تقصدين ليلى , صدقيني أنا مظلوم .ليلى كانت طالبة في معهد السينما , جاءت لزيارتي وكانت مشمئزة من ذلك الحر . يومها خرجنا وجلسنا في كازينو ثم أوصلتها إلى موقف الباص وعدْتُ راجلاً.
قلت ضاحكة :
ـ اردتَ ان تحلم دون أن يقطع عليك السائق أحلامك .
ـ لا والله ...لم أكن أحلم .بل كانت حرارتي تكاد تقارب الأربعين درجة .
ـ إذا عدتََ سيراً على الأقدام لأنك دفعتَ كل ماتملك في الكازينو, ولم تحتفظ بأجرة الركوب
ــ ليه فقد كنتُ أعمل في وكالة أنباء وكان لدي فلوس كفاية .
ـ هذا يؤكد أنك بطل الرواية الذي كان يقوم بنفس العمل . حتى اسم البطل كان نفسه .وقد تحدثتَ في الرواية عن تجربة في السجن في مصر .فهل سُجِنتَ هناك ؟
ـ لقد كان ذلك في زمن ملاحقة اليساريين في مصر . وسُجنتُ لأسباب سياسية في سجن القلعة في القاهرة .
ـ ولكنني كررت قراءة هذا المشهد أكثر من مرة لأعرف ماذا حلَّ ببطل الرواية "غالب في السجن؟ وأي عذاب كان يعاني ؟ . ولم أعثر على صور كثيرة تروي شغفي لتلك المعرفة .
ـ "يبقى كنتِ عايزة تشمتي فيَّ " .
ـ لا والله كنت عايزة أحس بوجعك .
للحديث بقية
فقد كان " غالب هلسا " نموذجاً للأديب الملتزم بصفوف حركة التحرر العربي, وفي مقدمتها صفوف المقاومة الفلسطينية . حيث أمضى أجمل سني حياته في رحلة مكوكية بين السجن والمنفى والإقامات الجبرية أو الرحيل القسري . فمن سجن بيروت حتى سجن طرابلس, ثم إلى سجن عمَّان المركزي .ثم سجن بغداد التي ذهب لدراسة الحقوق فيها فاعتُقل بسبب صلته بحركة الخمسينيات الثورية . ثم إلى القاهرة التي اعتقل فيها مرتين ثم غادرها إلى بيروت في فترة حصارها . وكان ينقل مشاهداته وينشرها في جريدة " العودة
" .ثم غادر بيروت إلى اليمن الديموقراطية مع خروج المقاومة . وكانت دمشق مقراً أخيراً لإقامته وآخر محطاته .
كنت ألتقي به كثيراً في المناسبات الفنية أو الأدبية .وكلما تصافح نظرانا كان يبتسم . فأمضي وأنا أحمل المزيد من الدهشة والتساؤلات حول هذا الجسد الذي لايألف الراحة وهو يجلس بين صفوة من الكتَّاب والشعراء , يهبهم طراوة الحديث ونضارة الأفكار . حتى أصبحت ممن يحبون لقاءه والاستمتاع بمجلسه ونقاشاته وتجلياته .
وفي المرة الأخيرة التي رأيته بها ,استبقني بنظرة طفل غرير وابتسامة عذبة ,وبدماثته اللامتناهية قال :
ـ هل زعلتِ مني بالأمس ؟
قلتُ :متلعثمة لا لكل إنسان ظروفه .
قال: أنا اليوم مرتاح وجاهز للحوار .
قلت:
ـ أنا " بقى " لستُ جاهزة للحوار .مضطرة أن أذهب لتغطية نشاط المهرجان السينمائي اليوم ..
ضحك قائلاً :
ـ هذا يعني أنكِ مازلت غاضبة مني .
ـ وهل تعتقد أني " تفيدة أو سلطانة " تزعلني متى تشاء ,وترضيني متى تشاء ؟!
أنا لست بطلة من أبطال رواياتك .
ـ وهل تكرهين أن تكوني بطلة من أبطال رواياتي ؟
ـ بصراحة لستُ من أنصار هذا النوع من البطلات اللواتي يزرْنَكَ في اوقات القيلولة , وفي الأجواء الخماسينية الحارة .
ـ تقصدين ليلى , صدقيني أنا مظلوم .ليلى كانت طالبة في معهد السينما , جاءت لزيارتي وكانت مشمئزة من ذلك الحر . يومها خرجنا وجلسنا في كازينو ثم أوصلتها إلى موقف الباص وعدْتُ راجلاً.
قلت ضاحكة :
ـ اردتَ ان تحلم دون أن يقطع عليك السائق أحلامك .
ـ لا والله ...لم أكن أحلم .بل كانت حرارتي تكاد تقارب الأربعين درجة .
ـ إذا عدتََ سيراً على الأقدام لأنك دفعتَ كل ماتملك في الكازينو, ولم تحتفظ بأجرة الركوب
ــ ليه فقد كنتُ أعمل في وكالة أنباء وكان لدي فلوس كفاية .
ـ هذا يؤكد أنك بطل الرواية الذي كان يقوم بنفس العمل . حتى اسم البطل كان نفسه .وقد تحدثتَ في الرواية عن تجربة في السجن في مصر .فهل سُجِنتَ هناك ؟
ـ لقد كان ذلك في زمن ملاحقة اليساريين في مصر . وسُجنتُ لأسباب سياسية في سجن القلعة في القاهرة .
ـ ولكنني كررت قراءة هذا المشهد أكثر من مرة لأعرف ماذا حلَّ ببطل الرواية "غالب في السجن؟ وأي عذاب كان يعاني ؟ . ولم أعثر على صور كثيرة تروي شغفي لتلك المعرفة .
ـ "يبقى كنتِ عايزة تشمتي فيَّ " .
ـ لا والله كنت عايزة أحس بوجعك .
للحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق