الأحد، 17 فبراير 2019

نفحة نقدية عاجلة: الناقد: كريم القاسم

/ انقلب السحر على الشاعرة../
عائشة بريكات
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،بطريقة استعراضيّةٍ و مثيرةٍ للدّهشة تحولت فجأةً بفضلك
.... إلى ساحرة..
منذ آخر لقاء بيننا و تمتمتي بكلماتٍ سحريّةٍ تستعملها عاشقة /غير عادية/ لدغها التجاهل بسُمِّ الشوق القاتل فاستبدلت عبارة ال(آبراكادابرا)* ب(أنا امرأةٌ مريضةٌ بالاهتمام) .
.........
اختفيت أنتَ فوراً بعدها من على الكرسي المقابل لي حتى قبل أن تكمل شرب فنجان شايك الأخضر.
يومها تأكدتْ نبوءة إحدى جداتي فكم كانت تلقبني بالساحرة.
و كتصديق مني لمقدرتي رحتُ أمارس حركات الخفّة لعلّي أسترجعك بإحداها.
...
جمعتُ ما استطعت من قصائدكَ المكتوبة لأجلي، لامستها بقلمي ثلاث مراتٍ و همست
(أنا إمرأة مريضة بالاهتمام) فتحولت جميعها لأعواد ثقابٍ مشتعلةٍ.
ثم تلاشت
و لم تعدْ أنتَ.
......
أتيتُ بكل الأزهار المتيبّسة بين صفحات دفاتري ، زهرات الجوري حصراً التي كنتَ تقطفها من حديقتي وأفرح بها كعاشقةٍ غبيةٍ
جمعتها ..
لامستها ثلاث مراتٍ ..
و همستُ
( أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
تحولتْ كلها لسحابةٍ حمراء..
فاح عطركَ..
و لم تعدْ أنتَ.
....
تذكرتُ كل قبلاتكَ في باطن كفي ، القبلات الخطرة منها و التي كانت تسمح لي برؤية الخصلة البيضاء المستفزّة فوق صدغك الأيسر
.. دسستها في جيبي
و تمتمتُ بجملتي العجيبة
(أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
فخرجتْ منها حمامة بيضاء
.. طارت عالياً
و لم تعدْ أنتَ.
.....
استحضرتُ كل غمزاتكَ، فكاهاتكَ.. ضحكاتكَ.. صوتكَ.. و خاصّة اللّكنة الشغوف حينما كنتَ تهمس /عائش/
جمعتها كلها
لامستها بصمتي ثلاث مراتٍ
تمتمتُ بجملتي
( أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
تحولتْ فجأة لمجموعة من أوراق اللعب(الكوتشينة)
صففتها مخفية فوق الطاولة
ناديتُ باسمك
فأظهرتْ ورقة (السّبعة الدّيناريّ) نفسها
و لم تعدْ أنتَ
....
أخرجتُ فستاني الأسود من الخزانة
الأسود القصير ذو العقدة الدانتيل على كتفه
لامسته بحسرةٍ ثلاث مراتٍ
و تمتمتُ بعبارتي السحرية
( أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
فتحول لسربٍ من الفراشات
اقتربتْ من خدي
احترقتْ كلها
و لم تعدْ أنتَ.
.....
بنسيانٍ مبالغ فيه ، جمعت كل أعذارك المستعملة
و ضعتها في المزهرية
لامستها بأناملي
همستُ جملتي المعتادة
(أنا امرأة مريضة بالاهتمام)
فخرج منها أرنباً رمادياً
رفعته عالياً
سألته: أينك؟
هو لم يجبْ
و لم تعد أنتَ.
....
أنا الساحرة و الجمهور و صاحبة الاستعراض
أصفق لإخلاصي بإعجابٍ
أنحني محييّة
و أتلّهف للعرض القادم.
.....
الجزء المحذوف من العرض
/ وراء ستارةٍ مهيضةِ الأوان
أمسح دمع الضوء عن وجه كلماتي
النازفة بألقابكَ العشرة
أهمس لقلبك الجالس في الصف الأول :
هلاَ أخبرتهُ بأنني
امرأة مريضة بالشعر
.. هو يصفق
و أختفي أنا!
....
العائشة.
..............................
نص النفحة النقدية:
……………………………...
كل نصوصك جميلة ...
عائشة بريكات ... اثق بحرفك تماماً .
قدرتك الساكبة للجمال الباذخ تفيق مَن عاش في سُبات .
كل منشوراتك امام نافذتي ، الا ان هذا النص تضمن ابداعاً وابتكاراً لابد من الإشارة اليه .
فحينما يدخل حرف الشاعر في عالم السحر ليحيل النص الى ثيمات وكأننا نشاهد فيلما هوليوديا لهو الجمال بعينه والروعة بقمتها .
كنا قد تحدثنا عن الأسلوب التأليفي والبصمة الشخصية المتفردة التي يحتاجها المؤلف ، والتي تميز هذا الكاتب او الشاعر عن ذاك ، حتى تصبح (ماركة مسجلة) .
عائشة بريكات كانت ومازالت ، تحافظ على هذا الثراء الإبداعي المُنجَز ، وهذا العنفوان التاليفي البارع ، فهي بارعة وفارسة في انتاج الومضة الشعرية ، وقلم دؤوب لايهدأ في نتاجات القصيدة النثرية بمقاطع مدروسة حد الاناقة والرشاقة دون تكلف او ابتذال ، ليس من باب السرعة والعجلة ، إنما الثراء اللغوي والعتاد الادبي الذي فاض من بين اناملها لابد ان يحتويه حيز ادبي لائق .
قدرتكِ ايتها المبدعة على المزاوجة بين الفنون الادبية لهو ابداع آخر وقدرة لايستهان بها وقد نشير اليها في مقال خاص بعونه تعالى ..
(انقلب السحر على الشاعرة) يالها من استعارة رائعة وياله من عنوان جاذب حاذق ... هذا العنوان وحده يكفي ان يسوقنا اجبارا على المتابعة والتسلق على جدران قلعتك السحرية . حتى نجد انفسنا امام شاعرة ارادت ان تكون ـ بفضل صاحب الفضل ـ ساحرة ، فاستبدلت كلمات السحر التحويلية (آبراكادابرا) الى كلمات تحويلية خاصة بها (أنا امرأةٌ مريضةٌ بالاهتمام) لتجربها على بطلها فتجعله مختفيا في عالم الغياب ، ليبدأ الاستعراض السحري في ستة مشاهد مدهشة خلابة تكون نهايتها في كل مرة فقدان البطل ، رغم استحضار كل الوسائل والسبل .
فكرة النص وحدها هي ابداع آخر ...
أسلوب القصة ممزوج مع الشعر النثري ، يعتبر نباهة واحترافية ، فشاعرتنا لاتبخس حق النغمة في الالفاظ ، فهي تهتم بانتخاب مفرداتها التي تحمل بين ثنايا حروفها نغما وجرسا موسيقيا ، كي تحرك النص وتجعله مترنحا ، متمايلاً من شدة الانشراح والانتشاء ، وهذه السمة هي التي تحيل النص الى عتبات عالم الشعر بعد ان كان قائما في عالم النثر ، فالنكهة الشعرية لابد ان تتوفر ، لان النغمة ليست وليدة الوزن والقافية فقط ، وإنما حروف اللغة مشبعة بهذه الميزة بل وتتعشق بها . والمؤلف الذكي هو من يستطيع ان يكتشفها ويدرك كنوزها ...
الكاتبة عائشة بريكات ...
قلمكِ يحمل نكهة متميزة كقهوة ممزوجة بالهال .
مقدرتكِ على نسج هذه القُماشات بزهوها الأخاذ كفيل بأن يحرك في دواخلنا حب الاستطلاع والحراك النقدي ..
احترامي وتقديري
الاستاذ كريم القاسم
،،،،،،،،،،،،،،،،،
*"ابراكادابرا "هي كلمة شائعة يستخدمها السحرة أو أصحاب خفة اليد في أعمالهم السحرية، وكان يُعتقد تاريخياً بأن لهذه الكلمة صلة بمعتقدات تزعم أن لها قوة شفائية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق