عندما يحمل الشعر هم الحب و الوطن و الانسان بقصيدة تنبع من الوجدان الذاتي لتصب في وجدان انسانية كاملة ، فعندها يستحق أن يسمى شعرا
الذات الشاعرة دائما جمعية تعبر عن وجع المواطن العربي المحاصر بالحزن و الدمع و الآلام
الذات الشاعرة دائما جمعية تعبر عن وجع المواطن العربي المحاصر بالحزن و الدمع و الآلام
و في قصيدة الشاعر السوري الراقي : ياسر فايز المحمد .. نجد هذه الفكرة مجسدة ضمن قصيدة رائعة بعنوان ( كأني قد خلقت من البكاء )
تشبيه موجع ...خلقت من البكاء و كأن البكاء صار جزءا من تكويننا
نلاحظ أولا الربط العضوي المتين بين الشطرين في كل بيت
و كنا قد نوهنا أن هذا الربط يحتاج إلى ما يلي :
و كنا قد نوهنا أن هذا الربط يحتاج إلى ما يلي :
1- استخدام و توظيف مفردات من نفس اللون أو الحقل الدلالي أو الصيغة الحسية صوتيا و بصريا
2- استخدام المقابلات الشعرية بين ضدين أو شعورين متعاكسين مما يمنح البيت حالة شاعرية متماسكة
3- أن يكون أحد الشطرين سببا أو نتيجة للآخر مما يمنحهما الربط المناسب
لاحظوا مثلا قول شاعرنا :
كَأَنِّي قَدْ خلِقتُ مِنَ البُكاءِ
وَ دَمعُ مَحَاجري غَيمُ السَّماءِ
وَ دَمعُ مَحَاجري غَيمُ السَّماءِ
.. ربط بين دمع الذات و دمع السماء مما مد رقعة الهدف
فدمع السماء يشمل كل من على الارض التي تغطيها تلك السماء
كما أن الحقل الدلالي و الحالة المائية كان واضحا من خلال المفردات المائية ( بكاء .. دمع .. محاجر ... غيم .. سماء )
فدمع السماء يشمل كل من على الارض التي تغطيها تلك السماء
كما أن الحقل الدلالي و الحالة المائية كان واضحا من خلال المفردات المائية ( بكاء .. دمع .. محاجر ... غيم .. سماء )
و يتابع التشبيه الراقي و كانه رضع من المزن و الغيم تشبيه مميز من نفس جو البداية :
و قَلبي يَحتسي مِنْ ثَديِ مُزنٍ
حليبَ القَهْرِ لا ثَدْيِ النِّساءِ
حليبَ القَهْرِ لا ثَدْيِ النِّساءِ
و يمتد الحزن بشكل واضح الى الإنسانية في أول خروج من حزن الذات الجمعية إلى تصريح جمعي عندما يقول بصورة ابداعية مميزة
يَمامُ أضالعِي شَجَنُ اليتامى
و لحْنُ مَفارِقي نَشَجُ البَلاءِ
و لحْنُ مَفارِقي نَشَجُ البَلاءِ
شعور انساني راقي حين نراه الناطق الرسمي باسم اليتامى المحزونين و هذا هو حال الشاعر الملتزم دائما
و اليمام رمز للوداعة التي يتمناها اليتامى و عندما يقول يمام أضالعي فهذا يفيد في إيثار الشاعر و إنسانيته
و اليمام رمز للوداعة التي يتمناها اليتامى و عندما يقول يمام أضالعي فهذا يفيد في إيثار الشاعر و إنسانيته
خَجولٌ طَيرُ صَدري كالعَذارى
لوَكْنِ السَّعدِ يَدْلِفُ في حَياءِ
لوَكْنِ السَّعدِ يَدْلِفُ في حَياءِ
طير الصدر تعبير عن الامل الخجول الذي شبهه بالعذراء ... صورة معبرة و موجعة و حقيقة أجد هذا الحوار بين الشاعر و الطبيعة رائعا لأن الشاعر عندما يسقط إحساسه و حزنه على الموجودات و مفردات الكون و الطيور و الأزهار فإنه يصور حالة عامة تمر بالحياة و نشازا في لحنها و يلفت النظر إلى أن هذا الكون يتأثر بدمع ساكنيه و لا بد أن يوزع حزنهم على كافة مظاهره و مكوناته و هذا يمد رقعة النص و يوسع الهدف و يثري المضمون
وَ هَجرُ الهاجرينَ أضافَ مِلْحاً
لِنَخلِ الوَصلِ لمْ يَكْرَمْ بِماءِ
لِنَخلِ الوَصلِ لمْ يَكْرَمْ بِماءِ
هجر الهاجرين تعبير عن نزوح السوريين مكرهين الى الخارج مما زاد من الملح و القهر و هذا الحزن سيظهر على المدى البعيد بسبب غياب الأحبة عن أحبتهم و غياب عقول و قلوب كانت ستمنح نورها و خيرها للأوطان .. هجرة زادت الألم و الجراح
(حُسَينِيُّ) المواجعِ و الرَّزايا
وَ خُبزُ الرُّوحِ صَبرٌ (كَرْبُلائي)
وَ خُبزُ الرُّوحِ صَبرٌ (كَرْبُلائي)
التذكير بكربلاء و وجعها الذي تعتبر مواجعنا امتدادا له فكريا له هدف ... فقد قتل سيدنا الحسين لانه رفض الباطل و ما تزال تلك المأساة و الجريمة تلقي بظلالها على واقعنا و يمتد اثرها الى رمز لكل من قتل لاجل الحق و ضاع دمه هدرا
بلون الليل قد خضبت عمري
و نجم السهد لم يحفظ بهائي
و نجم السهد لم يحفظ بهائي
صورة جميلة الملفت للنظر فيها الربط العضوي في المعجم بين ليل و نجم و سهد و هنا نجد التلوين الذكي عند الشاعر بكلمات ليلية و في هذا درس في اختيار مفردات البيت بطريقة منسجمة لونيا
ايضا نجد تناسق المفردات في البيت التالي
أنا المنْسيُّ في صَحرا ضَياعٍ
وَ صادي الرَّمْلِ قَدْ ألوى ظِبائي
وَ صادي الرَّمْلِ قَدْ ألوى ظِبائي
( صحراء .. رمل .. صادي .. ظباء ) لون صحراوي و تلاقي حواس كامل هنا حيث العطش كرمز صحراوي
أنا حَبَقٌ تَعاوَرَتِ اقتلاعي
حِرابُ الحاقدينَ عَلى وَلائي
حِرابُ الحاقدينَ عَلى وَلائي
تدل على أننا لم نكن كذلك كنا حبقا و الحبق شيء جميل له عطر لكن حراب الحاقدين اقتلعتنا و حاصرتنا بسبب ولائنا للحق و الوطن و انتمائنا للنور و الامل
ثم تأتي الدلالة من خلال الزيتون و الصفصاف كنباتات تكثر في مدننا كدالة على الانتماء
أنا الزَّيتونُ وَ الصَّفصافُ أهلي
فَفيمَ النُّوقُ قَدْ كَرِهَتْ حُدائي
فَفيمَ النُّوقُ قَدْ كَرِهَتْ حُدائي
.. النوق ربما رمز للخليج العربي الذي وقف في المكائد ضدنا ... و لم يعجبهم غناؤنا و فرحنا
مع اننا بسطاء نحب الحياة كالعصافير و سلسون كمياه النهر
مع اننا بسطاء نحب الحياة كالعصافير و سلسون كمياه النهر
أنا لغزٌ على شَفَةِ الحَيارى
طَلاسِمُ لَوعَتي شَنَقَتْ ندائي
طَلاسِمُ لَوعَتي شَنَقَتْ ندائي
لاحظوا الربط بين لغز و طلاسم في هذا البيت و روعة الصورة طلاسم لوعتي فنحن حقا لا نعلم لماذا نقتل و نتلوع و باسم ماذا و هذه الطلاسم تعبير مثالي عن حالة الفتنة نجح فيه شاعرنا بقوة و قد شبه رسولنا الكريم محمد صوات الله و سلامه عليه تلك الفتن بقطع الليل المظلمة و بأمواج البحار المظلمة حتى أنه قال عليه الصلاة و السلام ( لا يدري فيها المقتول فيم قتل )
و نلاحظ أن شاعرنا بدأ خمسة أبيات بعبارة ( أنا ) و قصد بها الإنسان العربي و الهدف التذكير بتاريخ و جذور و أصالة هذا الانسان و انتمائه لهذا التراب المصادر
سنوناتي تطير لغير رجعى
و ذكرى اليمن تعدو للوراء
و ذكرى اليمن تعدو للوراء
تعبير مؤثر عن رحيل السوريين نحو مناطق اكثر دفئا و حياة و لاحظوا دقة استخدام السنونو كرمز هنا فالسنونوات تعود على الاقل عندما يعود الدفء و هنا المفارقة الموجعة في عبارة ( بغير رجعى ) و هنا لا بد من الاشارة الى اهمية المفارقات في النص الشعري لخلق جو شاعري سليم يعبر عن هول الوجع و هذه خير مهمة رمزية للشعر
كما نلاحظ الترافق العجيب الرائع بين المعنى السياقي الظاهري المتمثل بهجرة الاف السوريين بسبب الحرب مع المعنى الرمزي الداخلي التأويلي حيث تعبر تلك الصورة عن هجرة الاحلام و الامنيات الى زمن غير مسمى بلا رجعة
كما نلاحظ الترافق العجيب الرائع بين المعنى السياقي الظاهري المتمثل بهجرة الاف السوريين بسبب الحرب مع المعنى الرمزي الداخلي التأويلي حيث تعبر تلك الصورة عن هجرة الاحلام و الامنيات الى زمن غير مسمى بلا رجعة
فمن يرفو جراح البحر لما
تداهمني بأمواج التنائي
تداهمني بأمواج التنائي
نعم جراح البحر صورة ممتدة جدا فالبحر يشمل شطآنه و هذا يدل على وجع كل البر ،
و البحر هنا يدل على الشعب و الانسان الجريح في هذه الاوطان المتعبة التي يزيد التنائي بين أبنائها حتى في البلد الواحد و الاسرة الواحدة ...
و أي ضمير يرتاح و قد تركنا الوطن للنيران تلتهمه
و البحر هنا يدل على الشعب و الانسان الجريح في هذه الاوطان المتعبة التي يزيد التنائي بين أبنائها حتى في البلد الواحد و الاسرة الواحدة ...
و أي ضمير يرتاح و قد تركنا الوطن للنيران تلتهمه
في النهاية ... نحن مع نص كلاسيكي من مدرسة الواقعية القديمة التي تصور الحزن دون رسم حلول و لا كثير من الأمل .. لكن شاعرنا منحه حداثة تتمثل بسلاسة المفردة و تجديد الصور و مواءمتها للزمن .. لم يكتب الواقعية الحديثة التي تصف الحلول و تدعو للتحدي ربما لأن الجو العام اليوم كئيب حزين في ظل الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشها العرب من إفرازات ما يسمى بالربيع العربي الكاذب الذي زاد من مأساتنا و أحرق الكثير من أجسادنا و بيوتنا و مدننا و أحلامنا
كما أن النص وجداني واضح و من أسس العمود وضوحه .. لم يجنح شاعرنا للرمز المرهق و لا للمفردات المعجمية .. استخدم الطبيعة و مفردات الكون بشكل واضح .. كان هناك تراسل رائع بين حواس الشاعر و ملامح الحياة التي يصورها ..
نص شمل أوجاعا نفسية أكثر من تصوير مآسي الحرب بشكل مباشر .. ركز شاعرنا على الانهيار النفسي و المعنوي للإنسان العربي بعد سلسلة من الخيبات و الفتن
نص شمل أوجاعا نفسية أكثر من تصوير مآسي الحرب بشكل مباشر .. ركز شاعرنا على الانهيار النفسي و المعنوي للإنسان العربي بعد سلسلة من الخيبات و الفتن
رؤية : محمد الدمشقي
النص :
كَأَنِّي قَدْ خلِقتُ مِنَ البُكاءِ...
كَأَنِّي قَدْ خلِقتُ مِنَ البُكاءِ
وَ دَمعُ مَحَاجري غَيمُ السَّماءِ
وَ دَمعُ مَحَاجري غَيمُ السَّماءِ
و قَلبي يَحتسي مِنْ ثَديِ مُزنٍ
حليبَ القَهْرِ لا ثَدْيِ النِّساءِ
حليبَ القَهْرِ لا ثَدْيِ النِّساءِ
يَمامُ أضالعِي شَجَنُ اليتامى
و لحْنُ مَفارِقي نَشَجُ البَلاءِ
و لحْنُ مَفارِقي نَشَجُ البَلاءِ
(حُسَينِيُّ) المواجعِ و الرَّزايا
وَ خُبزُ الرُّوحِ صَبرٌ (كَرْبُلائي)
وَ خُبزُ الرُّوحِ صَبرٌ (كَرْبُلائي)
خَجولٌ طَيرُ صَدري كالعَذارى
لوَكْنِ السَّعدِ يَدْلِفُ في حَياءِ
لوَكْنِ السَّعدِ يَدْلِفُ في حَياءِ
وَ هَجرُ الهاجرينَ أضافَ مِلْحاً
لِنَخلِ الوَصلِ لمْ يَكْرَمْ بِماءِ
لِنَخلِ الوَصلِ لمْ يَكْرَمْ بِماءِ
بِلَونِ اللَّيلِ قَدْ خَضَّبْتُ عُمْري
وَ نجمُ السُّهدِ لَمْ يَحفَظْ بَهائي
وَ نجمُ السُّهدِ لَمْ يَحفَظْ بَهائي
أنا المنْسيُّ في صَحرا ضَياعٍ
وَ صادي الرَّمْلِ قَدْ ألوى ظِبائي
وَ صادي الرَّمْلِ قَدْ ألوى ظِبائي
أنا حَبَقٌ تَعاوَرَتِ اقتلاعي
حِرابُ الحاقدينَ عَلى وَلائي
حِرابُ الحاقدينَ عَلى وَلائي
أنا الزَّيتونُ وَ الصَّفصافُ أهلي
فَفيمَ النُّوقُ قَدْ كَرِهَتْ حُدائي
فَفيمَ النُّوقُ قَدْ كَرِهَتْ حُدائي
أنا العُصفورُ وَ الغاباتُ لَحْني
وَ ماءُ النَّهرِ يَسكَرُ مِنْ غِنائي
وَ ماءُ النَّهرِ يَسكَرُ مِنْ غِنائي
أنا لغزٌ على شَفَةِ الحَيارى
طَلاسِمُ لَوعَتي شَنَقَتْ ندائي
طَلاسِمُ لَوعَتي شَنَقَتْ ندائي
وَ صَوتي في مَهَبِّ الرِّيحِ يَهفو
للثْمِ العطرِ في ثغرِ اللقاءِ
للثْمِ العطرِ في ثغرِ اللقاءِ
سُنوناتي تَطيرُ لغَيرِ رُجعى
و ذكرى اليُمْنِ تعدو للوراءِ
و ذكرى اليُمْنِ تعدو للوراءِ
فَمَنْ يَرفو جِراحَ البَحرِ لَمَّا
تُداهِمُني بأمواجِ التنائي
تُداهِمُني بأمواجِ التنائي
ضَميري في مَرافي البُعدِ وَهمٌ
يُبَعْثِرُني على شَغَفِ الرَّجاءِ
يُبَعْثِرُني على شَغَفِ الرَّجاءِ
فأغدو مِثلَ سُنْبلَةٍ بأرضٍ
تَميلُ السَّاقَ خاويةَ اللِّحاءِ
تَميلُ السَّاقَ خاويةَ اللِّحاءِ
أنا عُمْرٌ تَشَظَّى في المنافي
جُذوعُ النَّخلِ قَدْ نَصَبَتْ عَزائي
جُذوعُ النَّخلِ قَدْ نَصَبَتْ عَزائي
فَلُمُّوني وَ خَلُّوا الريحَ تحكي
لِمُضني القَلبِ عَنْ حائي وَ بائي
لِمُضني القَلبِ عَنْ حائي وَ بائي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق