حمل ديوان (أقيس البحر بنوايا العاصفة) للشاعر ثامر سعيد الكثير من المفارقات الصادمة، وكان الهم الشعري، الذي سيطر عليه جمالياً خالصاً، رغم اثار الحروب ومخلفاتها البائسة، التي تركت مسحات معتمة على بعض القصائد، الا ان الشاعر بقي في عوالم الجمال، لماذا؟، كون الشعر جزء لا يتجزا من الفن، والفن والجمال توأمان، وقد أُلهم شاعرنا سعيد هذا الجمال من خلال نظرته الحساسة في سبر اغوار نفسيته وماتنطوي عليه الحياة، ومايترشح منها نبعا وفيضا على الطبيعة وحدسا راقيا والهاما جميلا..اذن الشعر جزء من أصل الجمال، وعندما ينتج الشاعر الجمال في شعره، يكون قد اكتسب حالة فنية وانسانية مبتعدة عن كل مشاكل العالم وتُحقق له توازنا كبيرا بين سعة الحياة وضيقها بما فيها من مفردات، وتجارب وقدرات وما درّته الطبيعة فيها من جمال في ذاتها، فهو يترجم عن حالة نفسية واقعة، وكلما كان مساسها شديداً كان اجمل، فالجمال هو قياس تأثير، إنه مقدار انغماسنَا بالعمل الفني، فالفن الجميل، هو ذاك الذي ينجح في تصوير أشدّ انفعالات الفنان المتوخاة عمقًا، سواء كانت جذابة ومشرقة، أم مظلمةً ومنفرة، وفي نهاية المطاف، ليس في وسع الفنان أوالمشاهد التأكد من أن فكرة العمل الفني، قد وصلت كما أرادها الفنان تمامًا، لأن الذائقة الجمالية مسألة ذاتية، فنلاحظ تجربة الشاعر سعيد الثقافية، قد التقت وتجربته الحياتية، فكان يتعامل مع المفردات بوعي وقصدية، يقول في قصيدة (سور الجنة):
(حين خلق الله الجنة
تلك التي عرضها السماوات
والارض
عطرها بشذى ونسيم
أثثها بحدائق وانهار
وزينها بما لم تر عين)
ثم يقول :
(الا حين اكون هناك
ولا اراك
فافكر بالهرب)
حيث وصف الجنة وتناص مع القرآن الكريم بالوصف الجمالي للجنة، ومن ثم استدرج ذهنية المتلقي جماليا، الا انه كسر حالة التوقع بكلمة الهرب، (الا حين اكون هناك/ولا اراك/فافكر بالهرب)، فـ(القصيدة التي لاتحمل عطركِ)، هي (عاقر)، (التي لاتشرب غيثكِ)، هي (كالحة)، وهنا صنع مقدمات منطقية، ذات نتائج مكافئة قادرة على صناعة نهايات مفتوحة، تتوافق تقريبا مع المشروع التيهي للشعر، اي الشاعر سعيد بقي في منطقة الوعي، بعدما عاش لحظاته الشعرية، يقول الناقد عبدالعزيز بومسهلي: (فالشعر في جوهره تيه، بقدر ما هو مشروع لا مكتمل لا يتحدد بهدف غائي، تتوقف عنده حركة الشعرية، ومن ثم فهو ضد الحقيقة التي تظهر كموجود يمارس إكراهاته على الكائن الجوهراني الشعري، إن اللاحقيقة في الشعر هي الوجود الأصلاني المنفتح، أو التجلي الأكثر تميزا في تعدديته)، ويقول الشاعر سعيد من نفس القصيدة (لمن تسقسق العصافير): (ولا ادري.../لمن تسقسق العصافير/ وأنتِ نائمة؟)، وكأن العصافير باصواتها الجميلة، خُقلت من اجلها، حيث شكك بجمال موجود، لاجل جمال موجود، كي ينفي حالة افتراضية لقبح مقترح، وكمبحث جمالي اخر في عوالم الكون والوجود، (عارياً في الغابة/الا من رحيق الاسئلة)، وهذه دلالة على اننا لانملك امام حقائق الكون الغير مكتملة في رؤية الشاعر نفسه، كما رؤيته للشعر، الا اثارة الاسئلة المتوالدة، لذا يقول الشاعر: (اتهجى العطر في اشتعال الحفيف/كي أتقِن لغة الاغصان)، ثم يقول: (فالبدائيون مثلي/لايحصنون قلةبهم بمانعات الصواعق/فحين تستعر البروق/اول المعطوبين في الغابة/قلوبنا والاشجار العالية)، فـ(لاتسامريني الا بالجنون/فالبدائيون العقلاء/انبياء كاذبون)، فهذا تأكيد لما ذهبنا له من ان الشعر يعتمد على الخيال، وبالحسابات المنطقية العاقلة، فهو مشروع لانهائي، يسير في خطوط لاتلتقي البتة، والظاهر ان القصيدة (البدائي) بكامل اجواءها مناجاة للسماء، اي للرب، تُشابه حالة عَتاب من خلال خلق اسئلة وصفناها بالمتوالدة، حيث قال:
(ماذا تريدين مني ايتها السماء؟
أنتِ التي أسقطتِ التفاحة في الجمر
وامرتِ القلبِ ان يلقتطها!)
وفي قصيدة (ينزف الشاعر ليلا)، ذكر الشاعر سعيد وليم شكسبير، وفي قصيدة (قد لايحالفك الشعر) ذكر افروديت، حيث يُعدّ وليم شكسبير من أشهر الشخصيات الأدبية الكبرى في العالم الغربي، وتُعد فروديت في الأساطير اليونانية هي إلهة الحب والشهوة والجمال.. اذن هذه اضافات ثقافية لتجربة الشاعر الغنية بما هو جميل وصادم، وبهذا يكون ديوان الشاعر ثامر سعيد عبارة عن بحوث افتراضية في مساحات الجمال، عكستها كما اسلفنا تجربة الشاعر الخصبة، حيث يتطلب الموقف الجمالي التعاطي مع التجربة الفنية كغاية مطلقة قائمة بذاتها: يسألك الفن أن تأتيه دون أي تحيزات، كوسيلة لتذوق العمل الفني، فتكتشف عوالم التجربة.
(حين خلق الله الجنة
تلك التي عرضها السماوات
والارض
عطرها بشذى ونسيم
أثثها بحدائق وانهار
وزينها بما لم تر عين)
ثم يقول :
(الا حين اكون هناك
ولا اراك
فافكر بالهرب)
حيث وصف الجنة وتناص مع القرآن الكريم بالوصف الجمالي للجنة، ومن ثم استدرج ذهنية المتلقي جماليا، الا انه كسر حالة التوقع بكلمة الهرب، (الا حين اكون هناك/ولا اراك/فافكر بالهرب)، فـ(القصيدة التي لاتحمل عطركِ)، هي (عاقر)، (التي لاتشرب غيثكِ)، هي (كالحة)، وهنا صنع مقدمات منطقية، ذات نتائج مكافئة قادرة على صناعة نهايات مفتوحة، تتوافق تقريبا مع المشروع التيهي للشعر، اي الشاعر سعيد بقي في منطقة الوعي، بعدما عاش لحظاته الشعرية، يقول الناقد عبدالعزيز بومسهلي: (فالشعر في جوهره تيه، بقدر ما هو مشروع لا مكتمل لا يتحدد بهدف غائي، تتوقف عنده حركة الشعرية، ومن ثم فهو ضد الحقيقة التي تظهر كموجود يمارس إكراهاته على الكائن الجوهراني الشعري، إن اللاحقيقة في الشعر هي الوجود الأصلاني المنفتح، أو التجلي الأكثر تميزا في تعدديته)، ويقول الشاعر سعيد من نفس القصيدة (لمن تسقسق العصافير): (ولا ادري.../لمن تسقسق العصافير/ وأنتِ نائمة؟)، وكأن العصافير باصواتها الجميلة، خُقلت من اجلها، حيث شكك بجمال موجود، لاجل جمال موجود، كي ينفي حالة افتراضية لقبح مقترح، وكمبحث جمالي اخر في عوالم الكون والوجود، (عارياً في الغابة/الا من رحيق الاسئلة)، وهذه دلالة على اننا لانملك امام حقائق الكون الغير مكتملة في رؤية الشاعر نفسه، كما رؤيته للشعر، الا اثارة الاسئلة المتوالدة، لذا يقول الشاعر: (اتهجى العطر في اشتعال الحفيف/كي أتقِن لغة الاغصان)، ثم يقول: (فالبدائيون مثلي/لايحصنون قلةبهم بمانعات الصواعق/فحين تستعر البروق/اول المعطوبين في الغابة/قلوبنا والاشجار العالية)، فـ(لاتسامريني الا بالجنون/فالبدائيون العقلاء/انبياء كاذبون)، فهذا تأكيد لما ذهبنا له من ان الشعر يعتمد على الخيال، وبالحسابات المنطقية العاقلة، فهو مشروع لانهائي، يسير في خطوط لاتلتقي البتة، والظاهر ان القصيدة (البدائي) بكامل اجواءها مناجاة للسماء، اي للرب، تُشابه حالة عَتاب من خلال خلق اسئلة وصفناها بالمتوالدة، حيث قال:
(ماذا تريدين مني ايتها السماء؟
أنتِ التي أسقطتِ التفاحة في الجمر
وامرتِ القلبِ ان يلقتطها!)
وفي قصيدة (ينزف الشاعر ليلا)، ذكر الشاعر سعيد وليم شكسبير، وفي قصيدة (قد لايحالفك الشعر) ذكر افروديت، حيث يُعدّ وليم شكسبير من أشهر الشخصيات الأدبية الكبرى في العالم الغربي، وتُعد فروديت في الأساطير اليونانية هي إلهة الحب والشهوة والجمال.. اذن هذه اضافات ثقافية لتجربة الشاعر الغنية بما هو جميل وصادم، وبهذا يكون ديوان الشاعر ثامر سعيد عبارة عن بحوث افتراضية في مساحات الجمال، عكستها كما اسلفنا تجربة الشاعر الخصبة، حيث يتطلب الموقف الجمالي التعاطي مع التجربة الفنية كغاية مطلقة قائمة بذاتها: يسألك الفن أن تأتيه دون أي تحيزات، كوسيلة لتذوق العمل الفني، فتكتشف عوالم التجربة.
ـ ديوان (أقيس البحر بنوايا العاصفة) للشاعر ثامر سعيد/اصدار الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ـ بغداد/الطبعة الاولى 2018م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق