الثلاثاء، 21 نوفمبر 2017

قراءة في نص ( هيا اقترب) للشاعرة رنا صالح بقلم / الاديب الناقد اسامة حيدر

قراءة في نص ( هيا اقترب) للشاعرةرنا صالح:
__________________




لارجل في حياة المرء له مكانة الأب فوحده الأب من يحمل همّ أبنائه في نومه وصحوه ويرشدهم لما فيه خيرهم . فهو السّور المنيع الذي يحفظ العائلة وبرّ الأمان وعمود البيت وخبرة الحياة .
ورنا صالح هذه الشّاعرة البارة بوالديها أتحفتنا مرةً بنصّ عن الأمّ وهاهي اليوم تمتعنا بنصّ جديد في غاية الروعة عن الأب .
النصّ على البحر الكامل ,وهذا البحر يعطي الشاعر مجالاً واسعاً فسيحاً أكثر من غيره في نظم واختيار معانيه والتنويع في الموسيقا الدّاخليّة بين ألفاظه وعباراته , وهذه السّعة والإيقاع يرتبطان إلى حدّ ما مع المشاعر الجيّاشة والأحاسيس المفعمة بالأحزان والتي غلبت على النصّ رغم مايبدو أحيانا على خلاف ذلك في بعض مفردات النص .
تبدأ الشاعرة نصّها ب ( ياوالدي ) والتي تتكرّر في النصّ أكثر من مرّة , وهو ليس أيّ والد بل والدها الذي عرفته عن قرب مستخدمة أداة النّداء ( يا) وهي أداة للنداء تستخدم للقريب وللبعيد ؟ هو قريب لأنّه يسكن في قلبها وفكرها وهو بعيد مكانياً بسبب السفر . هو من تعب ليواسي جرحها وفي عينيه فرح أحلامها , وعذابات كلّ كلّ الآباء والخير كلّ الخير للأبناء . وتبدو علائم الزمن تفعل فعلها بهذا الصلصال من طول المعاناة ولكنّه مع ذلك يعيد الأمل بالحياة أملها هي ويدفعها للحياة تاركة خلفها اليأس ( مازلت تلتحف الحروف ........ لتردّد الأصداء حيّ على العمل ) .
هو الأب يحاول أن يعيد ترتيب الأشياء من حوله دائماً وحياة أبنائه ليؤمّن مساحة من الطمأنينة والدفء وفي حالات الألم ( يبكي المساء ) يحمل على عاتقه كلّ الأعباء ( من أجل أن يأتي الصباح مكللاً بندى الربيع ) بل حتى إن ضاق الكون به يجترح المعجزات ( لم تبتئس .. لم تسترح .... وظللت تعرج صاعداً نحو السحب ... لتدق مسمار الوجود أمام آلاف الحقب ) وتردّد رنا مع المردّدين على مرّ الزمن أن الأبناء فلذات الأكباد لكنها هنا أجمل بإضافة ياء المتكلم وأداة النداء وضمير المتكلّم معا ( يا كبدي أنا ) .
الملفت حقاً أكثر من غيره " والنصّ كلّه ملفت " الإيقاع الذي تتمايز به شاعرتنا رنا في كلّ نصوصها وهذا النصّ واحد منها .
- حروف المد ( الحالمين . الكادحين . الأمواج . الآلام . الصلصال . جراحنا . آلاف . ياكبدي) . والتي تفرض إيقاعاً على إحساس السّامع وهو إيقاع مديد بطيء ينسجم ونبرة الحزن والتوجع والنداء وتجتمع مع تكرار الأحرف الأساسية الطاغية على النصّ ( كالراء مثلاً ) ممّا يمنح النصّ السلاسة والخفّة والنطق الرهيف بعيداً عن الوعورة والجفاف وائتلافاً جميلاً مع المحتوى الذي يركّز على النواحي الوجدانيّة والإنسانيّة .
- النداء ب ( يا ) : وهولإثارة الانتباه ولفت النّظر وهذا الأمر لا يتحقّق إلاّ بالإعلان وارتفاع حدّة الصوت ووضوح النطق على المستوى السمعي . والنداء هو صرخة من الشّاعر للمتلقي كي يشاركه في مشاعره أو غيرها .
- القافية السّاكنة ( حالمينْ ..كادحينْ | المطرْ .. الأثرْ ...سفر ْ | الطرقْ .... الشفقْ .............) .وهذا السكون يعبر عن حالة من العجز واستلاب الإرادة وشعور القلق وإحساس الغربة وصعوبة الحالة التي يمر بها الشاعر .
-وللأفعال في النصّ حكاية أخرى . في المقطع الأوّل بدأت بالجمل الاسميّة التقريرية لأنها راحت تسرد من مخزونها الواعي بعضاً مما طفا على ساحة الوعي وهذه الصفات التي أتت عليها تؤهّل هذا الأب أن يكون نصف إله أو ملاكاً يستطيع أن يجترح المعجزات ولذلك استخدمت أفعال الأمر( اسحب . اخلع ) وهي على ثقة بإنجازها لما تحمله في وعيها من صفات أبيها ( اخلع خطى الآلام من كلّ الطرق | واسحب وشاح الحزن من وجه الشفق ) . وهي على يقين أن السعادة تأتي بعد الشقاء .
وفي المقطعين الثاني والثالث استخدمت الأفعال المضارعة ( تفضي وتبوح وتصيح و تغازل...........)وقد أكثرت منها وهي أفعال تدل على الحيوية والحركة والاستمرار كما تدلّ على التطلع نحو المستقبل . وهي ترسم بهذه الأفعال ماهية الأب ودوره في الحياة مع أسرته . وقد بدأت المقطع بالفعل ( مازال ) وهو ماض زمنياً حاضر بالدلالة .
وفي المقطع الأخير ( الثالث ) عادت لتستخدم اسماء أفعال الأمر وأفعال الأمر ( هيا اقترب ) فربطت بذلك بين المقطع الأول والمقطع الأخير وكأن أفعال الأمر الطلبية هنا جاءت ردّاً على الأفعال الطلبية في المقطع الأول واستجابة لها مع تبدّل المتكلّم بين المقطعين . وهنا لابدّ من الإشارة إلى الحوار والسّرد الذي بدأ به النصّ ثمّ انتهى بحوار وسرد لمتحاور آخر ممّا منح النصّ تكامله وانسجامه وحركة متصاعدة بدأت في المقطع الأوّل بمشهد دراميّ رائع لتنتهي في المقطع الأخيربهذا القرار .
هذا غيضٌ من فيض النصّ الجميل . والذي تعددت جمالياته حدّ الاكتنازوهو نصّ يتمايز بانسجامه وتآلفه.

\هيّا اقتربْ/
ياوالدي..
...رغمَ التعبْ
-تعبٌ يواسي جرحنا-
في مقلتيكَ غناءُ كلّ الحالمينْ
، وأنينُ كلّ الكادحينْ....
، ورعود ماقبل المطرْ
وعلى جبينكَ سجدةُ الأمواج ِيتبعها الأثرْ..
.وتآكل الصلصال من طول السفرْ..
فاخلعْ خُطى الآلامِ من كلِّ الطرقْ
واسحبْ وشاحَ الحزنِ عن وجهِ الشفقْ
إذ هدأة اﻷيام ِمن رحم الصخبْ ....
ياوالدي...
مازلت تلتحفُ الحروفْ
وتعيدُ ترتيبَ الأماكنِ والرفوفْ
وتشاركُ العصفورَ تغريدَ اﻷملْ ....
وتخيطُ للعشّاقِ أثواب الغزلْ ...
لترددّ اﻷصداءُ حيَّ على العملْ....
..ياوالدي...
...مازلتَ رغم جراحنا ....
تفضي بسرّ الدفءِ في ضوء ِاللهبْ...
وتبوحُ للفجرِ الجديدِ ببعض آيات البقاءْ....
وتغازلُ الليلَ المُعنّى عندما يبكي المساءْ
من أجل أن يأتي الصباحُ مكللاً بندى الربيع
..لم تبتئس ْ
لم تسترحْ
وظللتَ تعرج صاعداًُ نحو السحبْ
..لتدقّ مسمارَ الوجود أمامَ آلاف الحقبْ
وتصيح:ُ ياكبدي أنا
...إني هنا.
..لا ترتجفْ
لاتبتئسْ
هيا اقتربْ....
هيا اقتربْ..
متطلعاً نحو الشهبْ
متوضئاً بالصبرِ إذْ يغشى التعبْ..
R.Sبنبض رنا صالح الصدقة
 
التعليقات
 
Jamal Kyse عاشت الايادي ،،ما أروعك حينما تغرد،،،تحية للشاعرة الرائعة،،،
 
أسامة حيدر أخي جمال القيسي ممتنّ لك وأعتزّ برأيك.
 
Abdul-Hadi Al Mahairi لاادري كيف اعبر عن اعجابي بقراءتك التحليلية التي جعلتنا نرقى..لمستوى اعلى من المتعة في قراءة النص الرائع للمبدعة رنا صالح.
 
أسامة حيدر ممتنّ لرأيك أخي عبد الهادي وأقدّره من متذوق ذي رأي ثاقب.
 
آفاق نقديه اين غبت عنا كل هذه الفترة اخي الاستاذ أسامة حيدر الناقد الاكاديمي المبدع ..لقد احزنتنا بهذا الابتعاد ياصديقي العزيز..المهم نحمد الله على سلامتك وعود احمد ان شاء الله تعالى ..احسنت واتحفت كعادتك..واحسنت شاعرتنا استاذة رنا صالح المبدعه..تقديرنا الكبير لكما معا..والسلام
 
أسامة حيدر أستاذي الغالي :
أبعدتني المشاغل عن الكتابة لكنكم في القلب دائماً وفضلكم عليّ كبير.
وأجبرني هذا النصّ الجميل على الكتابة فالشاعرة
رنا صالح من الشاعرات المتميزات على الساحة العربية. وكنت أحب جداً لو علقتم على النص أنت وأخي جمال فالنص فيه مافيه من جماليات أعلم أني لم أحط بها لضيق المجال، بل وأعلم أنكم تملكون آراء نتعلم منها دائماً.
دمتم بألف خير جميعاً.
 
 آفاق نقديه اولا ..لقد تعلمت شخصيا مما قراته لك توا،فانت يا صديقنا الغالي تعيد الامور الى نصابها العلمي المحترف الجليل..وكنت والله يشهد قد نويت السفر مع نصها المذخور عندنا في افاق ،ولكننا مثل حضرتك مشتبكون ومزدحمون بالمشاغل..انما انت تامر ،وسيكون بشرط الحياة،واظن ان اخي الاستاذ اباسرى الغالي على مشهد من الحوار،وكذلك اخي الاستاذ الناقد كريم القاسم والاستاذ شاكر الخياط ولا ننسى الاستاذة نائلة طاهر والاستاذة بلسم الحياة ،وكل ساع في هذا الحقل المعرفي الجميل..كلنا جميعا نكن لجنابك الود والاحترام الكبير والسلام..

منهل حسن عظيم تقديري لكما
نص شف كالجوهر أضاء عليه فيض نور فتلألأ

أسامة حيدر وأنت أنت من الجواهر أخي منهل حسن. أسعدت بمرورك
 
.Soso Salem سلم مداد القلم غاليتي
 
أسامة حيدر شكرا لمرورك العطر Soso Salem. دمت بخير
 
نائلة طاهر مساء الخير ناقدنا القدير الأستاذ أسامة .حضورك والطيب ولا يكتمل المشهد بآفاق إلا بك .انت ومن ذكرهم الأستاذ غازي وعلى رأسهم الأستاذ شاكر والاستاذ كريم والأستاذ جمال والعزيزة بلسم والباسلة الغالية نور ،المحيط الحيوي لآفاق.وكل واحد منكم يمثل واجهة نقدية خاصة تتكامل بوجود الآخر .
مقال ثري أستاذ أسامة وقد عهدنا منك حرصا على إيلاء العمل الأدبي الذي تحلله كل اهتمام وتجدد طروحاتك كل مرة محدثة فائدة أعمق .
تحياتي للشاعرة القديرة رنا ذات النبض الشعري الدافق الذي أقنع وتميز .
أسامة حيدر الأخت نائلة طاهر: صباحك خير إن شاء المولى.
شكراً لطيب مرورك ولرأيك الذي أضاف لي ما أسعدني.
والحمد لله أن هذا الاجتماع الطيب بإذن الله جاء حول هذه القراءة لنص الشاعرة
رنا صالح. و أتمنى عليكم جميعاً أن تدلوا بدلوكم حول النص، وقد وعدني كبيرنا الناقد الفذ غازي احمد ابوطبيخ بمراجعة له وأنا أنتظر بفارغ الصبر مع علمي بمشاغله الكثيرة.

دمتم بألف خير جميعاً.
 
Jamal Kyse اهلًا بالسيدة الغالية،،،،اليوم المشهد يذكرني،،،بيوم الحساب،،كما هو في مخيلتنا،،،على حين غرة،،ظهر معظم جنود افاق نقدية ،،،وكأن الاستاذ اسامة،،،يتقمص دور إسرافيل ،،،هو الذي ايقظنا من رقدتنا،،،لكن المسرح سيكون في فوضى،،من تراه سيمسك السجلات،،ومن هو الذي سيحاسب ،،،وكبيرنا رقيق القلب ،،،وعطوف،،،تحياتي للجميع
 
أسامة حيدر ليتني كما وصفت أقلّه سأهرب من الحساب. ههههه يسعدني ظهوركم جميعاً ونعدكم بألاّ نبتعد عنكم وسنكون حاضرين دوماً و بأمركم.
نائلة طاهر الحمد لله الذي جمعنا على مودة لا تتكرر في أماكن أخرى ا. جمال وا. أسامة
 
رنا صالح ماأسعدني بهذه القراءة اﻷكثر من رائعة لﻷستاذ أسامة حيدر .....إن كل نص يحظى باهتمامك وقراءتك يمثل نقطة إضافية لصالح النص وصاحبه فكيف إن جاءت هذه القراءة بعد غياب أحزن الجميع وأثر على الساحة اﻷدبية ....وهنا يحضرني بيت ﻷحدهم:
أنا إن قلت عن شعر جميل
فثق بي أنه شعر جميل .......

...وإن كان اﻷستاذ جمال شبهك باسرافيل فأنا أشبهك باﻷب الروحي لﻷدب واﻷدباء والذي بوجوده نشعر أن اﻷدب مازال بخير
 
أسامة حيدر تستحقين يا رنا أن تحظى نصوصك باهتمام نقدي، بسبب تميز هذه النصوص بصدق عاطفي قل مثيله وبإدارتك لمفرداتك التي تأتي طائعة للمعنى الذي تريدين وإيقاع خارجي وداخلي يرتبط بانسجام وتآلف مع النص وهذا أمر- لعمري- قليلا ما نجده.
Amal Hajhamoud اي شو هاد يااستاذ ولله العظيم اشتقنا لكتاباتك لبتجنن سلمت يداك رائعه جدا يسعد صباحك
 
أسامة حيدر شكرا ام مصطفى. سعيد برأيك.
 
Thaer Salhab أجمل ما في النقد أنه يدني النص من ذائقة الناس وهذا ما تفعله يا صديقي العزيز وبخاصة أنك تمتللك ناصية النقد وأدواته
شكرا للشاعرة رنا الصالح التي شاغبت كسلك وأعادت إلى الكتابة
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق