الثلاثاء، 27 يونيو 2017

دراسة نقدية للناقد شاكر الخياط:العراق
حدود الابداع ، شعرا... 
قراءة في نصوص ( فتاة الياسمين) سارة الاشقر انموذجا...
هناك فرق بسيط لغويا بين النموذج والانموذج لكنه يختلف من ناحية المعنى فالنموذج هو الشكل الذي نريد استلهامه من بين اشكال متعددة يتم عرضها لنتاج ما، لكن الانموذج بطبيعة الحال سيكون حاملا للتميز بين تلك النماذج التي انتجناها والاشكال التي عرضناها، فيكون اشبه او اقرب الى الامثل او الاكثر ابهارا، وفي الشعر ومهما تعددت مشارب المبدعين واختلفت رؤاهم الا ان القاسم المشترك الاول او الاوحد وهو الاكثر جمعا لشتات المبدعين على اعتبار تعدد مواقع سكناهم كل في بلده، هذا القاسم المشترك ( الابداع) يلغي الحدود والمسافات ويجمع الكل في باحة واحدة وفي قاعة واحدة تنتهي وتزول فيها الفوارق واختلاف الانتماءات وهذا اجمل مايحتويه ويشتمل عليه الابداع...
ان اشكال الابداع وجوانبه التي يستلهمها المبدعون متعددة ولا حصر لها بتلك السهولة التي يعهدها الاخرون ظنا ان حدود الابداع بالامكان ان تقف عند سماء واحدة او ان تتمسك بارض واحدة او ان ترتدي لونا واحدا، قطعا... 
والشعر هنا ما اعنيه كجانب من جوانب الادب، وهو ساحة واسعة لتعريف الابداع او لنشر الابداع لما لها من وسعة في مساحات قبول الاشكال مهما اختلفت اقلام المبدعين..
لو تجردنا عن المسميات وعن الالقاب والكنى وتوحد الكل في بوتقة واحدة اسمها ( الابداع) دون النظر الى غيرها من المسميات، ودون العودة الى مايمتلك المبدع من نياشين ومن رتب اجتماعية ومناصب وظيفية، ووضعنا النصوص على طاولة النقد وجردنا قلم الناقد من اقربيته او ابعديته عن القلم المنتج، لخلقنا نهضة متميزة وانتجنا من خلال مايقدمه النقد من فائدة عظيمة ومرجوة يتقبلها المبدع حتى دون معرفة من الناقد بتجرده ايضا في ذات الوقت عن المسميات الاخرى...
لهذا فقد توحدنا جميعا في الابداعع / النص الشعري والنص النقدي / لاحظ اننا لم نقل الشاعر او الناقد، لانني قد قدمت مسبقا الى قبول الشعر كنص دون معرفة الشاعر، وقبول النقد كنص دون معرفة الناقد، وهذا مادفعنا الى استلهام روح الابداع في كتابات سارة الاشقر او ( فتاة الياسمين ) كما يحلو لها ان تتخذه لقبا فنيا لها والتي لم تدفعني معرفتي بها ( لانني لا اعرفها) ولا قربي منها او بعدي عنها وما الى ذلك الى ان استلهم نصوصها واناقش الابداع فيها من وجهة نظر فنية بحتة ربما سابتعد فيها عن السايكولوجية والسوسيولوجية والعقائدية وحتى الانثروبولوجية للمبدعة، وساركز هنا على نصوص استوقفتني كثيرا، ولابد من ايضاح فحوى هذه الدراسة وما الهدف منها كشرط لاستكمال جوانب التعريف لكل دراسة او بحث يقدم عليه اي ناقد، لذا سيكون التركيز على الابداع في ( روح النص، وبنائية النص)،
بنائية النص: 
جاءت النصوص كلها تقريبا على منوال واحد وهو القصر في عدد الابيات او الاشطر لكل نص، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان هذا القصر في بناء النص وقلة الابيات لم يجرح روح النص بل حافظ على الروح المبدعة التي تالقت بها الشاعرة الاشقر،وهذا اوحى بل انبأ بحداثة  اسلوب جديدة استحدثتها الشاعرة عن قصد يقينا، رغم محاولات اخرين على شاكلتها، ولاثبات ان ذلك عن قصد هوالتزامها  ذلك منذ بدء نشرها الى ما اتحفتنا به على صفحتها الشخصية، واذا جاز لنا التعبير واعطينا لانفسنا كمحبين للنقد الحرية بالتعبير فاننا سنقول ان الشاعرة تبشر بولادة ( النص الشعري القصير  او القصيد القصير جدا او الومضة الشعرية) والذي يتماثل مع ( القصة القصيرة جدا)، وهذا لوحده عمل جميل ومقبول شرط تحقق باقي المستلزمات والتي سيكون من شأنها الزام الشاعر بان يقول في القصير مثلما يقول في طوال القصائد، على انه ليس الزاما بالتزامه من قبل احد لكنه بادرة ابداعية موفقة قد نجحت فيها السيدة الاشقر نجاحا يجعلنا نترقبها كنقاد مستقبلا الى نتاج ثر ينهمر علينا لكي تُعضَّد حالة التجديد هذه في عالم الحداثة الذي لايعرف حدودا للابداع والابهار...
والجانب الثاني ان الشاعرة لم تخرج عن العروض وقواعد الشعر العربي في كلا الوجهين اللذين اعتمدتهما واعني هنا 
( العمود والتفعيلة)، وهذا ماسرني انا شخصيا، بل مادفعني الى ان اقف عند شعرها واحترم هذا اللون المنضبط من وجهة نظري لانه ينسجم مع تطلعاتي وما اشجع عليه، وانا اجزم ان ماجاء من شعر في صفحات السيدة الاشقر على اختلاف الوانه  واغراضه كان مبنيا على وعي ثقافي ودراسة متفهمة لعروض واشتراطات الشعر المتعددة... 
قد يختلف معي في هذا الاعجاب اخرون، فمرحى بهذا الاختلاف، وهنا اكون انا قد حققت محركا وحافزا للنقد ومثارا للبحث سيصب في منفعة البحث وصاحبته او حتى صاحب النقد الذي سيجعلني مفتخرا بل ممتنا لكل قلم اراد ان يدلي بمشاركة للنص،  وحرصا على روح النقد التي تقوِّم الابداع لاي شكل ادبي يعتمده المبدع دون شرط الاجبار لانه مامن سلطان  لاحد على احد وهذا مانوصي به على الدوام، والابتعاد بطبيعة الحال عن الشخصنة قبل المنجز، من ناحية اخرى وهذا يحسب للشاعرة في الجانب الايجابي عدم التزام قافية واحدة او موضوع واحد او تفعيلة واحدة... 
                                                                                                                                                   
ومما تقدم فان الشاعرة اعطت ما ارادت في بيت واحد فقط وهذه امكانية تدعو للتفائل  :
 سَأُشْهِد كل أهل الإرضِ أني 
فتنت بحبكم وازدنت عيدا
،،،،،،،
الى ربي ندمت وفاض ذنبي
 فهل لي توبة تمحو كسيل؟!!
      واعطت في بيتين كذلك :  
سأعلو- كلما حقدوا- لأني
 كمثل الشمس لو غابت تعود
ويشدو من ضياء الله شعري
 يردده مدى الدهر الوجود
على ان كل ما تمت قراءته ومتابعته بنيويا يكاد يكون متشابها لذات البناء في كل بيت او شطر، ويعتبر هذا من الناحية الاكاديمية منهجا وسياقا يؤدي الى اسلوب قد يكون مرتبطا بهذا القلم وواعدا الى بنائيات قادمة نحن والقراء والنقاد الافاضل سنكون بالانتظار، لا لكي نمسك خناجرنا انما لكي نشعر بالسعادة وتغمرنا الغبطة والفرح على ان ما توقعناه لم يكن جزافا وانما هو ديدن ستتخذ منه الشاعرة منحى جميلا وياله من منحى مشرف حد اعتقادي.
وهكذا تلونت اعداد ابيات انشادها التي جعلتها متنوعة الطعم والذوق والموضوعة في بنائيات رائعة لم اسجل عليها هنة او خلة من الناحية البلاغية او العرؤوضية، وادناه ما استطعت الحصول عليه من شعرها: 
أيا كفّ الهوى يا ماءَ ملحٍ
أتانا غائرا كضمادِ جرحِ 
ليوقفَ نزفَ غلٍ قدْ تمادى
بنفسٍ روحها عاثتْ بقبحِ 
دموعٌ سالها وردُ المنايا
 وقلبٌ ماتَ من ويلاتِ ذبحِ
كطيرٍ أطلَقوكَ جناح فكر
 لتمضي طاوياً ليلاً بصبحِ
فتجتاز المسافةَ قيد دمعٍ
لِيُروى سرها بجنون قدحِ

) وقع بثغرك فوق خد قصيدتي)    
واغزل بأطياف الهوى أشواقي
واهمس لقلبك إنه المسحور بي
 يا أيها المغروس في أعماقي
فجبينك الوضاء نورٌ يقتفي
 أثر الجمال ويستقي بعناقِ
وانثر رضاب الشوق فوق صبابتي
 لتكون زادا في سبيل تلاقِ

قالوا حسدنا فيكِ  
قلبا مشرقاً
متفائلاً
في عتمة الأزمانِ
لم لا 
وقد شرب الجمال
تعفّفي
وسما إلى ملكوتهِ
إحساني
لم لا 
وتلك عواطفي فوّاحة
ويفيضُ من طهرٍ بها 
 وجداني
لم لا 
وقد أبدعتُ
في عزفِ الهوى
من مهجتي
فتألقت ألحاني
لم لا 
وما دنستُ روحيَ 
مطلقاً
وحفظتُ من كل العيوب
كياني
ولسوف أُنصف
في غدٍ 
ولسوف
أُسعد من يدٍ 
 نبضاتها تهواني

أشتاقهُ مطراً يذيب هواجسي
 فأتوب من قلقٍ يؤرق مضجعي
يندى على خد القوافي حبّهُ
 ينسابُ عطرا ً في حنايا أضلعي
ويميتني عشقاً بفيض حنانه 
 فتزول عن شعري حروف توجعي

 نامَ أحبابي وليلي لمْ ينم
 واستباحَ الهمُ فكرى والسّقمْ
هل أرى في وصلهمْ طيبَ الهوى؟!!
!!! لانبثاقِ الفجرِ من ليلٍ أصمْ؟
أم تُذلّ الروحُ بالعشقِ العتي؟!
تنتهـــــي  كل الرؤى غمّا بهمْ

كنْ لي سماءً كي أطير محلقاً
 بينَ الغيوم ووجهتي مرضاتُكْ
وابسط أماني الشوق منك ترفّقاً
 حتى تسير إلى الهنا خطواتُكْ
خذ ماتبقى من رفات حبيبةٍ
 أكرم بها فجنونها كلماتُكْ
يامالكا روحي إليكَ قصيدتي
 رتل فإن حروفها نبضاتُكْ

جاء الصباح بحفنة من ياسمين
 وعلى القلوب محبة تعلو الجبين
فاهنأ بما ترضى وكن متفائلا
 فسلامة النفس العفيفة باليقين
واسلك طريق الخاضعين لربهم
 واستمطر التقوى تعش كالهانئين

أغارُ عليكَ من نفسي 
 ومن همسي ومن عنتي
ومن لحنٍ لفيروزٍ
 ومن شطحاتِ محبرتي
فهاتِ الحزن عن عينيك
 خذ شوقاً بأوردتي
وسافر في مدى روحي
 وعانق جلّ أخيلتي
لك الأحلامُ ياروحي
 وكلّ نقاءِ أدعيتي

صلّى عليكَ الله يا رمز التّقى
 عدّ البحار وعدّ حبّات المطرْ
صلّوا عليهِ وسلّموا وُسعَ المدى
   ما خط حرف أو زها فينا القدرّْ

رقصتْ على شطّ الظّنونِ وساوسي
 واستيقنتْ من كسرها أبياتي
حتى اذا مارمت وصلا أينعت
 في الروح ذكرى أهرقت عَبَراتي

مجنونة وأرى بسحرك لوعتي
 طوفان حبك زادني إغراقا
زدني احتراقا واتئد ياملهمي
 واغدق عليَ محبةً وعناقا

مقتولةٌ لكنّني أتنفّسُ
 ومخاوفي في القلب باتت تهجسُ
عبثا أحاول ردعها ببسالة
 لكنها بين الضلوع تُوسوسُ
تجتاح روحي مثل سيل غامر
 فتعانق الأفكار....فيها تحبسُ
مصلوبة بين الغرام وغدرهِ 
 مابيْن بيْن والحياة تمرسُ
روح النص:
سلكت شاعرتنا مسلكا افضى الى دواخلها وذاتها دون ادنى تكلفة، على ان البوح الدائم لها جعلنا نرى ونتلمس تلك الشفافية الراقية لانثى ارادت ان تقول فنجحت فيما قالت، وانا هنا اذ احاول كشف دواخلها وما تفكر فيه لاجدني وكاي متتبع لاعمالها انها انسانة ولدت لكي تكون شاعرة وهذا ليس باليسير او الهين على من بدات مثل هذا الخط الذي سميزها مستقبلا،
الروح واحدة في كل النصوص، لكن المذاقات تعددت واختلفت وحملت النصوص بمختلف مواضيعها لكنك عندما تقرا لها في موضوع اول تجدها ذات الروح في الموضوع الثاني والثالث وهكذا دواليك لذلك اسجل ان هذا الامر استوقفني بل وابهرني...
وانا ادعو كافة الاخوة النقاد الى متابعة نصوص هذه الشاعرة ومتابعتها بكل جدية فيقينا هي بحاجة الى الدعم الذي سيمنحها الثقة بعد ان تمكنت من ادواتها وناقشت مواضيع شتى تنم من خلالها عن دراية بما تكتب...
وما هذا الاستعراض البسيط  الا لانني وجدتها تستحق ذلك...
اتمنى لها التوفيق...
شاكر الخياط
------------------

تعقيب الناقد غازي أحمد أبو طبيخ:العراق 


لاريب انك قد وضعت اليد علي صيد ثمين اخي الاستاذ الناقد شاكر الخياط العزيز..
خاصة ونحن نعلم ان الصبر علي الموزون من الشعر يحتاج الى دربة ومران وجهد علمي حثيث فضلا عن بعدي الموهبة والوعي النوعي..
فكيف اذا كان الامر مرتبطا بشاعرة وليس بشاعر..فالمعلوم ان المراة بشفافيتها التي نعلم ميالة بحكم طبيعتها الى السلاسة التعبيرية البعيدة عن الاشراط والقيود والضوابط  الضاغطه..من هنا كانت الندرة النادرة من النساء اللواتي يتوجهن الى هذا الاتجاه حد قدرة متابعي تاريخ الادب العربي علي حصر العدد بسهولة كبيره..بينما لو حاولنا حصر الشواعر اللواتي يكتبن النثر في العصر الاخير لشق علينا ذلك..
من هذا المنطلق نحن نشد على يديك زميلي الناقد العزيز كونك   ابرزت ما يستحق الابراز ولفت النظر الى  شاعرة يبدو انها قد بذلت الكثير من الجهد والمتابعة حتي وصلت الي مدرج بستحق الاكبار فعلا..بدليل انني شخصيا خلال متابعتي لما جمعته لنا من اشعارها قد علق في ذهني بيتان رائعان بشكل عفوي ومن دون ان اقصد حفظهما عن ظهر قلب..
.....
ساعلو  كلما   حقدو     لاني
كمثل الشمس لو غابت تعود
..
ويشدو من ضياء الله شعري
يردده   مدي  الدهر  الوجود
.......
سيما وهما بيتان بومضة مفعمة كما اشرتم ايها الناقد الحصيف
بحكم ما اكتنزا به من الوعي وعبق الحكمة وبحكم ما تماحكا مع لمحات من الذري العالية في التراث العربي ..كما هي الحال في الشطر الاخير الذي يتلاقح بذكاء مع بيت المتنبي الشهير..
وما  الدهر الا من رواة  قصائدي
ادا قلت شعرا اصبح الدهر منشدا
...
ولكنها تمكنت من استلهامه باداة تعبيرية بالغة الخصوصيه نات بنفسها عن الوقوع بحذق ودقة في شرك الاتكاء..
احسنتم ثانية اخي ابا عبدالله المنصف النزيه , انما من زاوية نظر اخري انت تعرفها جيدا..كون منهجنا الخاص ينحاز الى الشعرية كشرط اساس في الانتماء الى الادبية , فالشعر هو الشعر باية ثياب نزل , بغض النظر عن شكله او طرازه..

خالص التقدير وبالغ الاحترام شقيق روحي وزميلي المبدع الكبير..وهذه تحية خاصة الى شاعرتنا الاشقر ..موضوع الحوارالجميل..والسلام..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق