الجمعة، 12 أكتوبر 2018

الابداع و تحريك الساكن -قراءة نقدية بقلم الاديبة دنيا حبيب لنص الشاعر سليمان احمد العوجي

الابداع ..
وتحريك الساكن:
أ. دنيا حبيب
،،،،،
الإبداع؟ معناه؟ شكله؟ وسيلته وطرقه؟ أمثلته؟.. كلها أسئلة نحاول أن نجد لها إجابات تكون مصدراً مرجعيا للحكم على كل النتاج الأدبي في العصور المختلفة لا سيما نتاج عصرنا الراهن؛ لكن برأيي أنه ومع كل نص جديد قادر على إحياء فكرة أو إشعال شمعة أو تحريك ساكن، تتضح إجابات جديدة ومختلفة عما افترضناها مرجعاً لهذه الأسئلة. وعلى عكس ما نعتقده، في أن النقد هو من يحدد شكل الإبداع ثم يحكم عليه، والصحيح أن العمل الإبداعي هو من يفتح للنقد آفاقاً جديدة، ويظهر طرقاً ومبادئَ جديدة لم تكن موجودة من ذي قبل.
إذن نحن أمام عمل إبداعي، وإذن نحن أمام طريق جديدة وساكن يتحرك.. 
أما عن الطريق الجديدة، فأنا أعني به الجانب البنائي للنص من حيث نثريته وشاعريته وموسيقاه في آن واحد ،كما واعني مضمونه الجديد او المبتكر..وان كان النص الذي امامنا يعيد النظر بذات الاسئلة الكونية والواقعية الكبرى،التي تحدث عنها الروائيون والشعراء على المستوى العالمي والعربي..بل وان هذا المبحث الابداعي والفكري ليس محصوراً بامة من الامم ..
وبداية بالحديث عن النثر، فقد أصبحت أعده "البحر الجديد" اضافة لبحور الشعر التي نعرفها، ولكنه بحر هجين، فهو وليد كل أنواع الموسيقى العالمية.. وعلى عكس من يظن أن التهجين أمر سهل، فإنني أظن أن التهجين مثله مثل "الخلطة السحرية" والتي لا يمكن ان يجيد صناعتها إلا النادر فقط من الشعراٱ الراسخين، ومن بعض هذه النوادر هذا النص الذي بين أيدينا، فقد حاول صاحبه أن يعد بحره المهجن برعاية واهتمام واضح، فأصغى وأنصت وتأمل وتأنّى، حتى خرج النص مفعماً بالموسيقى المرهفة، ويظهر هذا جلياً إذا حاولنا -وكما أحاول دائما- أن نقرأ النص بصوت عال، فإذا جرى النص النثري على اللسان بسهولة وإذا استمعت له كما لو كان خرير ماء هادئ ونقي، وإذا صعد وهبط صوتك وأنفاسك مع النص فمعناه قد نجح صاحب النص في صناعة بحره الشعري الجديد، أليست الموسيقى صعوداً وهبوطاً بالأصوات والأنفاس بصورة منسقة؟ 
ثانيا :
الشاعرية، وهي أيضا موضوعاً يتجدد مفهومه مع كل عمل إبداعي جديد، وأكثر ما لفتني -وما سوف يلفت أي قارئ لهذا النص- هو التشبيهات والصور التي استخدمها الشاعر في نصه. أقول استخدام التشبيهات، والأصح أن أقول أن بناء النص الملحوظ هو عبارة عن تشبيهات وصور وتعاقب فكري وتعبيري... وهذا في حد ذاته أدى إلى اكتساب النص ميزتين:
الأولى: قطع الطريق على الفراغات اللغوية، وبها يتخلص من كل مفردة جامدة أو وصلة ثقيلة الدم قد تشوش الروح الشعرية للنص
الثانية: جعل النص عبارة عن سلسلة من المجازات المختلفة، والتي باجتماعها جميعا تؤدي إلى صورة واحدة، وبالتالي حقق للنص وحدة موضوعية، دون أن يقع في فخ التشظي والبعثرة!، وهذا ما أدعوه "الذكاء الحاد" أو "الذكاء ذو السلاحين" فليس من السهل أن يتنوع المجاز مع الثبوت على فكرة وأطروحة واحدة مقدمة، دون متابعة حصيفة لتسلسل الأحداث ومرونة أداة التعبير. ويإمكاننا أخذ أي مقطوعة بل أي سطر من النص نشاء، ونلاحظ تكوينه الشاعري المميز، وأقول المميز لا من باب الإضافة، وإنما من باب التكملة.. فالتشبيهات هنا ليست عادية، وإنما تميزت عن غيرها بقوتها وغرابتها وجدّتها، بل ووضوحها وشدة التصاقها بالمشبه به.
"كصبرٍ يحفرُ أنفاقَ الفرجِ
بإبرةِ الوهم"
"أنا الملطخُ بالعدمِ"
"تتأمرُ علينا خطوطُ الطول
تكيدُ لنا خطوطُ العرض"
"ركنِ التاريخِ العاري
يالبسالتنا المتزحلقةِ" 
وعودة لذي بدء، وانتقالا للــ "ساكن الذي تحرك" فإن المادة الإنسانية المرفقة واضحة وضوح الشمس التي تسرق الظل إذعانا للقيامة. وما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه النص بحالنا العام وبحالتنا الخاصة. وبوسعنا أن نتوسع في شرح حالة النص واعتبارها ذاتية وتعبر عن صاحبها، وأيضا يمكننا أن نشرحه على أنه موضوعي المعنى واسع المدى ومتعدد الأبعاد، وبإمكاننا تلقيه بشكل فردي لأخذنا حيث تسكن "ليلانا" فنغني لها.. وفي كل حال من هذه الأحوال، يؤدي النص وظيفته ويرعى ويشمل كل تلك الحالات، مما يخلق للنص أجنحة، حيث يحلق بحرية في سماء الإبداع ويجيب عن الأسئلة التي طرحناها في أول المقالة: الإبداع؟ معناه؟ شكله؟ وسيلته وطرقه؟ أمثلته؟..اخي الايتاذ الشاعر سليمان أحمد سليمان آحمد العوجي،تقديري الكبير..
،،،
نص الشاعر:
،،،
خائبون 
كجندٍ تحاصرهم خيانة
كصبرٍ يحفرُ أنفاقَ الفرجِ
بإبرةِ الوهم.
منكوبون
كمدنٍ سبتها الريحُ
ولعنةُ الوباء...
جبينكَ رهينةٌ
ودربكَ استنفذَ الخطا
يطفو زيتُ السأمِ
على بلاهةِ المكان
عائدٌ أنتَ من الموتِ
كسيراً بلا موت..
أيها المسرفونَ:
لاتبذروا مصيرهُ
ماهكذا تُصانُ العهود!!
رمادكَ في منفضةِ قلبي
ينتظرُ القيامة..!!
والشمسُ تسرقُ ظلكَ
من جيبِ قامتي
تلعقُ قطط الوحشةِ
ماتبقى من زاد البياتِ
في صحنِ أنسي
وأبيتُ على الطوى
ضامرَ الروحِ
سقيمَ الفرح
أنا الملطخُ بالعدمِ
بعدَ تأويلِ ميراثي فيك
تزفُ المواسمُ حقولي
زفافَ الأراملِ إلى أقدارها
ورحى الغيابِ تطحنُ
حنطةَ المسراتِ
تذروها على أقاليم الضياع
مخالبُ الهواجسِ تمزقُ
ثيابَ غدنا..
يالعرينا القبيح!!!!!
قلي ولو مرةٍ :
من كسرَ عكازَ الزغاريد
وأرداني كفيفاً
في وعورةِ المآتمِ!!!؟
ترجمنا فيكَ لعنةُ الخلافة
ونسمي قصائدنا
بأسماءِ خيولنا الذبيحة
نموتُ قبلَ الموتِ بموتين
نموتُ بعد الموتِ بموتين
تتأمرُ علينا خطوطُ الطول
تكيدُ لنا خطوطُ العرض
وكلنا قرابين على خط الزوال...!!
في الزمنِ الضرير
لاتفكر بالضياء
في عصر الجليد
ماحاجتكَ لرعشةِ القلب
وبروتوس مازال 
يتأبطُ خِسَتَهُ!!!
وحينَ يفور بك التوقعُ المرير
اطرد كلَ العرافات 
عن بابكَ الهزيل...
ندخلُ مدنَ اليأس
فاتحينَ بلاقتال
يالبطولاتنا في
ركنِ التاريخِ العاري
يالبسالتنا المتزحلقةِ
على خديعةِ المسافات
وهشيمِ الأماني!!!
كلُ أعيادنا مولودةٌ
في مطلعِ نيسان
نغزُّ السيرَ إلى أقدارنا
كصوفيٍّ مخدوع
يبحثُ عن كعبةِ الضوء
ساعةَ رحيلِ الشموس.
بقلمي:
أ.سليمان أحمد العوجي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق