السبت، 18 أغسطس 2018

مقطع من رواية يوميات اسماعيل / بقلم الروائي جمال قيسي

على مرمى نظرة او اكثر قليلاً ، تجلسك الحياة القرفصاء،،في فضاء ليس اي فضاء،،انه عالم الاوهام المشبوبة بالتمني ،،انه العمق،،في داخلك،،تحسب انك بمأمن ؟ ،،بالتأكيد لا ،،
فأنت على مرمى حجر او اكثر قليلًا ،،في الواقع،،من أي سوء،،
يمرق الهؤلاء حولك،،يبرق هنا ضوء،،ويضج صوت،،هناك،،شريط من الصور الغير منتظمة،،على الرصيف المقابل ترى معنى اخر للحياة تحسبها فوضى ،،لكن لكل شيء نظام،،والبؤس أشد الأنظمة. أحكامًا ،،وأشد مايقتلني هؤلاء المتشبثين بالحياة رغم كل الذل الذي يتعرضون له ،،ان ترضى بالقليل الذي لايسد الرمق،،عندها ستبخل عليك الحياة بالعطاء،،وربما حتى الاله سيزيح عن ضميره اللوم ،،يوم بلا غد،،انه الأخير ،،حتى وان تعديت الى يوم اخر،،فأنت ستحل فيه بلا زمن ،،اذًا نحن نعيش ازمة الغد، الذي لا يأتي ،،عالقون في مأزق زمني،،
- ياه ،،اسماعيل ،،انت مغرق في السوء
كانت نهايات الأعمدة الاسمنتية ،،مشوهة بسبب تقشر الصبغ الرصاصي الفاتح ،،لتفصح عن طبقات صبغية داكنة متراكمة على مر الأوقات ،،وحافات متكسرة،،وآثار الحرائق الصغيرة التي يحدثها باعة الأطعمة. العطنة ،،التي تتكون موادها من الاحشاء. الداخلية للأبقار والأغنام ،،وبطبيعة الحال هي بواقي نافدة ،،مجرد ان تتخطى هؤلاء الباعة يكون مصيرها مكب النفايات،،وهؤلاء الباعة يقومون بدور تاريخي اذ هم يقومون بعملية تدوير ،،لكنها استقلابية ،،فبدل ان يتم حرق هذه البواقي النفايات ،،في محارق خاصة،،يحولها هؤلاء الى المحارق التي تكمن في بُطُون هؤلاء الناس العالقين ،،في هذا الزمن الصفري المرتبة ،،
الكل نفايات تاريخية في هذا الحيّز ،،مسؤولين رجال دين،،تجار ،،نساء،،إدعاءات أيديولوجية ،،ربما فقط الأطفال ،،ولكن سرعان ما ستجرفهم الدوامة،،
لكن اكثر ما يقرف هذا الفائض الهرموني المعطل الذي يعتمر الجميع ،،حياة يقودها تبجحًا اصحاب الهرمونات النافدة واقعا،،ماذا تنتظر منها ؟
- انه الزمن يا اسماعيل،،والكل منا لا يعيش زمنه،،
هل عرفت الان السر الحلزوني لحركة التاريخ ؟ انه الهرمون والزمن ،،وكلاهما لدينا ،،معطوب ساعاتنا منتشية لدرجة ان عقاربها كل يسير باتجاه معاكس للآخر ،،
في الجهة الثانية للرصيف تتربع سيارة دورية الشرطة الزرقاء اللون،،بفقاعة ،،وأفرادها بكروشهم المتدلية التي تريد ان تتحرر من الأزرار للبدلات. المرقطة متدلية حتى من وجوههم ،،أشبه بمخلوقات بوتيرو * ،،عندها فقط تدرك انك باي عالم تعيش،،او باي موت انت متموضع
انتزع قنينة ماء،،وأفرغها في جوفه حتى أخر قطرة،،ودعك البلاستيك على شكل كرة مرددًا ( " ذهب الظمأ وابتلت العروق. " لكن من يروي ظمأ الأشواق ومن يجلي صدأ قلبي البشري )
يتقافز المارة الهزال ،،بين الأعمدة. اشبه بالحركة النبضية الزنبلكية ،،الفارق شاسع بين الشرطي والمواطن،،( أظن ان المواطنين شُمِلوا ب " فَعِدَّة من ايام اخر " لكن تبين ان هناك دين برقبتهم من قبل ان يولدوا ،،الصوم عافية،،والجوع زاد الخديعة ،
قرب سلم ضيق ،،لبناية متهالكة ،، و لاتعرف الى اين يؤدي هذا السلم،،الى السماء او الى عمق الارض،،او ربما تعتليه الارواح الهاربة من هذا الرواق ،،اتخذ منه " فتية آمنوا. بربهم " لكنهم. بدون. هدى. قادمون ،،من بؤس اخر ،،لبيع الشاي ،،توقف لاحتساء قدح او اثنين انه نبيذ كلكامش كما يحلو له ان يطلق عليه ،،مع سيكارة،،هكذا الامر يكون التاريخ مجرد هراء وليس. اكثر. من ذبابة " ضعف الطالب والمطلوب "
راوده في الامس صوت الاستاذ سلام. ثانية مما قض مضجعه وادخله في مسرب أرق ،،وأشد مايزعجه من الامر تكرار العبارة ذاتها " ستكون اذًا اسماعيل " وفي العادة سيكون يومه التالي متعبًا،،لانه سيفقد الحيوية ،،
جمال قيسي / بغداد
مقطع من رواية يوميات اسماعيل
* فرديناند بوتيرو،،رسّام كولمبي يعمل على تضخيم الشخوص في لوحاته



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق