السبت، 18 أغسطس 2018

من ارشيف الذاكرة: بقلم / الاديب غازي احمد الموسوي

من ارشيف الذاكرة:
-------------
مهداة الى اخويَّ
Jamal kyse .أ
وأ.Jassim Alsalman
وجميع الاصدقاء
مع التقدير 
------------------
لم يخرجوهم ،
الى ساحة التعداد هذا اليوم..
هو يعلم انها ليست اكثر من فرصة للمطامنة..
ولكنه راضٍ بحثاً عن نوع من التسكين..
فهذا هو الممكن الآن!!،
لذا فقد كان المرجل يتلظى بين أضلاعه،وماعاد قادراً حتى على المناورة..
إذ كان الحصار ضاغطاً بشكل مهول من الخارج، وكانت جمرة الدخيلة لاهبة هي الأخرى بما لايطيقه سوى نوع بالغ الخصوصية من الرجال ..
من هنا امسى كمن ينطوي على عبوة موشكة على الإنفجار!!..
كل ذلك في جانب ولكن وقوفها قبالته الآن كأبهى ماتكون ،وفي اعذب واشهى احوالها ،في جانب آخر..فلم يك قادراً البتة على زحزحة شبحها الملائكي لحظة واحدة ،
من هنا كان مضطراً الى رقصته الملوية المعتادة كنوع من الحل المؤقت..حتى اصابه الدوار فسارع الى الامساك بالقضبان بكلتا يديه ومن شدة حرقته والتياعه راح يهزُّها بقوة كمن يشعر بالإختناق..
كان الحرسيُّ قريباً جداً فبادره قائلاً..
- هل تظن انك قادر على اقتلاع القضبان ?!.. 
قال ذلك مبتسماً بنوع من السخرية المكتومة،وكان يفهم لغته تماماً،والاجدى ان لايجيبه،فهو يعلم ان الإجابة ستلقي به الى التهلكة،فلماذا يمثل دور البطل من غير طائل..إلا انه تمتم مع نفسه:
-الى متى ايها الشرق الغريب الأطوار?!.. 
هو يتذكر جيداً كيف ألقَوا به ذات ليل بهيم في الزنزانة الانفرادية الموصودة..
تلك التي تتصل بما لايطيب ذكره..
يكفي القول بان زخم الروائح،كان يمنع استذكاره لنوع السائل المحيط بهيكله العظمي المتبقي من جسده المتهالك.. ولهذا لم ينبس ببنت شفة قط..
بيد ان سؤال الحرسيِّ قد اسهم في إفلات مخيلته من حصار الدخيلة الهاصر،ولكنه في نفس اللحظة القى به في اتون حصار الواقع المقيت،فراح يسأل نفسه..
- ترى اي الحصارين اشدّ عليك ايها ال....
احيانا يحار بماذا يسمي نفسه وهو في هذه الحال،حيث المنفى الذي لاتصل اليه اجنحة الطير..لاخبر..لاصلة بالعالم الخارجي..لاصحيفة..لاتلفاز..كان هناك جهاز راديو تم دفنه بعيداً عن العيون،ولكنّ أحداً ما دلَّ عليه، فأخذوه، مثلما يُنتَزَع
قلب نابض من بين الضلوع..الحقيقة انهم كانوا مستعدين لتقديم انفسهم فداء لشدة اهميته ..فهو خيط الاتصال الوحيد ..بل ودليل الإنتماء الى الأحياء الوحيد أيضاً..
لكن ليسوا كلهم طبعاً،فها هو يتسائل مع نفسه..
- ترى هل أنت مستعداً يا....
- ماذا قلت...?!
خاطبه صاحب سجنه مندهشاً..
- لاشيئ ياصاحبي..كنت اغني فقط..
- وهل هذا نوع جديد من الغناء?!
- نعم ياعزيزي،انه نوع جديد!!
ضحكا معاً على انغام شرّ البلية،ثم ضربا كفّاً بكفٍّ..
إنها لحظات اكثر غرابة من عجائب الدنيا ..أن يضحكوا وهم في وسط الجحيم!!..
مع ذلك ،توسد كل منهما بطانيته الوحيدة ،واضعاً تحت رأسه كيسه الملئ باللاشئ، الا من بعض علب السجائر الفارغة..
- لا اعرف بالضبط ،لِمَ احتفظُ بهذه العلب الخاوية?!..
ثم كأنه تنبه الى أمر ما..
-هاااا..تذكرت الان..يبدو انني سأصاب بالزهايمر المبكر..
مدّ يده الى كتف صاحبه المغمض العينين على يقظة صامتة،اذ سرعان ما تلفت هذا الصاحب قائلاً:
-ماذا هناك?!...
-منذ متى نفظت جيوبك?!
- ذكرتني والله ،فلقد كانت على بالي ولكنني في قنوط!!..
وقفز كالملدوغ من فراشه الوثير جداً جداً ،خلعا قميصيهما معاً،ثم بدءا بتفتيش الجيوب عن " الفعفع"بحثاً عن ذرات التبغ المنثورة فيها..دفع صاحبنا يده داخل كيسه ،واعني وسادته الناعمة..اخرج احدى علب السجائر الفارغة..قرب كأس ماء غريب اللون والطعم والرائحة..غمس مقطعاً من علبة السجائر في الماء لحظات..قشع باطنها الابيض الرقيق..تركه حتى يجف رويداً.. صار قريبا من شكل لفافة التبغ..جمعا مابينهما من (الفعفع).. وضعاه على نيّة التبغ داخل اللفافة..كوّره بشكل دقيق وحذر بحرص شديد جداً..بلل حافّته من ريقه ..اغلق اللفافة جيداً.. مسّدها بلطف حميم ..ثم قدمها لصاحبه قائلاً:
- انت الاول ياصاحبي..
قالها كمن يقدم له حورية من الفردوس..راحا يتبادلان تقبيلها بشغف عجيب حد انهمار الرضاب الاسود الثقيل ،حتى اوشكت على ان تلفظ انفاسها الاخيرة..عندها وصلت رائحتها الزكية المثيرة لاحد النائمين ،فناداهما بخجل الملهوف..
- هل بقي شئ منها?!
- نعم ..تعال ..خذها..هذا المتبقي كله لك..
ولم يكن غير ذيلٍ من القطران،ولكنه تلقفها شاكراً ممتناً جذلاً،ثم توارى حتى زاوية الزنزانة لكي لايشاركه فطين آخر..
بينا القى صاحبنا 
راسه على كيس الثروة الحميم..اغمض عينيه على صورة معشوقته قائلا:
-كلي امل ان اراك ياحبيبتي بعد قليل!!
وضع يمينه تحت خده..بسملَ بصوت خفيض ،
ثم نام 
مثل محنط قديم!!...
..يتبع..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق