السبت، 18 أغسطس 2018

الكتابة حفر في الاعماق بقلم / الاديبة فادية الخشن

الكتابة حفر في الاعماق
أ.فاديا الخشن:
،،،
لم تكن الكتابة يوما الا تلك المحاولة الجادة للخروج من دائرة الكذبة الكبري، إلى حيث الوزن والحركة، هي النار الراكضة في أناملنا، وهي مأوي غبارنا، و تنوين إنسانيتنا، هي الخيال ممزوج بذراتنا، والفائض من لحمنا وأرواحنا، هي الممسكة بدمنا كي تسفحه، هي تنفس الوطن ومراياه الصائحة، هي لحظة الخلق الطازجة، والمنفلتة من دورة الشمس هي الهوية الحضارية، ولغة التخاطب الباذخة، هي المطر المنسكب من قمر السؤال، هي المتولدة منا كلما ابتعدنا بالزمن، هي الصوت المرتفع لحظة التحرر من الخرافة والتعاويذ، هي المرمم الحقيقي للفراغ القسري، هي التخاطب الحضاري، قصد الوصول إلي شواطئ جديدة، فلنعد بذنوبنا من العزلة إلي نزاهة المحبرة، فهي المعادل الموضوعي لكل ارتكاساتنا وانتكاساتنا، بها فقط نضاعف رحيق الضوء، وبفضلها نقدم نصوصنا الصاعدة وبمقدار ما للعقل من الحق، في أن يكون حرا، في المشهد الرحب نمضي مستشعرين بنورها.
فالكتابة تعني أن نطوي الاعياد في حمأتنا وأن نترك على الطاولة جزء من متاحفنا، أن ننطلق انطلاقة كانطلاقة النهر الذي يمضي للمستقبل بحوافز جذب فهي في بعض حالاتها لا تعدو أن تكون دبغا لجلد النمرالقابع في عين الفراغ.
أما أن أسال لماذا أكتب فكمن يسأل جدته الامية ما معني كلمة فيزياء منتظرا أن تلخص له الامر بجملة، فالكتابة عوالم وآفاق وأكوان تفتح أبوابها الواحد إثر الآخر لتسفر عنها الدهشة والعظمة، فهي تحرض أوتهدهد وتريح أوتثور فأنا في هذه اللحظة وعلى سبيل المثال أكتب كيلا أسجل نوما داخل المشهد أو عجزا أمام السؤا ل وكي أتمكن من الدخول إلى صواب الصحو فأقفز من كنه النوايا إلي الإرادة الحرة بل لنقل كي أردم هاويتين هاوية الانا الفوقي وهاوية الانا التحتي الانا تلك التي تتكاثر بالانشطار وتتجدد بالأقنعة، فأنا أكتب الآن بدوافع تختلف بمنطلقاتها وزخمها عن الدقائق الخمس القادمة والخوض بهذا الأمر يستوجب إبحارا في عالم النفس وتقلباتها، وأنا في واقع الامر ارتأيت دائما أن الكتابة تسعفني دائما كي لا تتلولب براكين أعماقي فيحدث الانفجار الأعظم فأنا بالكتابة وحدها يمكنني قطع دابر الدم الذي يلاحق عيني قسرا عيني المولعة بالسحر والصبا والجمال ولأن الكتابة عوالم وآفاق وأكوان، فهي تحرض أوتهدهد تريح أو تقلق، فبالكتابة أضمن أن لا تتحول فصول حياتي الى مجرد رائحة تتضوع في عدم، ويمكنني بإدارة دفتها كي تلحق بي فبالكتابة يمكنني أن أصنع عوالم سحرية فاتنة بعزفي المنفرد أستنسخ أعمارا تتوالد فيها البهجة فأنا من تغتسل أمواجي برنين الكتابة المغناطيسي وأنا التي بفضلها لا تنقطع أوتار شلالي الابيض علي صخرة تاريخ أو تذكار، لطالما نقبت وأنقب بضوء شمعتها عن البياض الناصع الماكث في فكرة شمس حيث يمكنني بها ان أستخرج اللؤلؤ من قاع الغريق وبها فقط أهزم أبجدية بطولات العقل الحجري،
فبقوة الكتابة أخرج التماثيل الماكثة في طريق سعادتي وأراكض القلم اللين المتحرك النابض القافز الطائر لفضح التفاوت القيمي مابين شاهد حيادي وفاعل لما في الكتابة من دعائم لاعلان سقف الرؤية الخاصة وذلك عبر تأكيد تميزنا في الحراك الخاص وصولا إلى العام.
فالكتابة هي التي تؤسس لذات الكاتب وتشرعن رؤاه وطموحاته وإيحاءاته عبر جديتها وعبثها. فهي تضبط القارئ في المجال الاوفر والاكثر قدرة على التقاط عمق الرؤي والاستشرافات انطلاقا من البعد الانساني الذي يرفض الصمت ويرفض الثابت لصالح المتحرك الفاعل.
فاليد التي لا تكتب كما قالها القدماء هي رجل.
وأنا أكتب وكتابتي حفر في الأعماق لكنها تأتي في بعض الحالات كانطلاق السهم نحو الدريئة احتجاجا على نقص وعدم اكتفاء أو كإشارة مني حينا الى متع المغامرة التي تمنع من أن يجرد الإنسان ذاته من فاعلياته الخاصة فالكتابة في أغلب الاحيان صناعة ناقصة متنوعة، فهي بوصلة تارة و إبحار تارة أخرى أو منارة وربما بحر او عاصفة كاسرة المراكب، محطمة الأشرعة، لها نماذجها ومقاييسها لها هويتها ولها اتجاهها
وقد تمضي في المغامرة بمضمار الهوامش بعيدا عن إشعاعات العقل المنظم في حالة من الحالات فتأتي كتابتك رفضا للطابع الذرائعي تأكيدا لمتحرك لين عفوي ضد ثابت متعسف متعفن، وأنا على هذا أضمن بالكتابة أن تبقى طيوري مغردة في عوالم لا ريبة فيها ولا فساد، فهي طمأنينة بمقاس يحرص على أن يبقي في جسدي الرغيف ساخنا ترتفع فيه الأبجدية إلى كنه الجمال فلا تتحطم بقلبي أية أيقونة و لا تخفت أنوار صنعتها بتوقي الخاص مهما اشتدت العتمة حولي فالكاتب مدير أعمال زمنه يلعب بوقته ويحرك دفته كما الحواة.
وأنا إذ اكتب فلكي أفرد أجنحتي في فضاءات غير سامة و لا ملوثة وكي أخرج من الغبار المصنع في معامل السياسيين وتجار الحروب، وكي أعود من أنملي إلى عالم الطفولة النقي حيث الصفاء والبهجة العارمة هناك حيث تبوح أرواحي بسر زيوتها العطرية فأغلق بثغر القلم سلاسل البؤس والجهل والاسفاف.
فالكاتب يجترج متعه على أجساد ورقية، ويحقق العدالة بتأكيد وجودها على السطور البيضاء، إنها
بالنسبة له ولادة وموت انبعاث وحياة…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق