السبت، 18 أغسطس 2018

المرأة بين الشعر المعاصر و الجوهريّ عبد الناصر بقلم / الاديب أسامة حيدر

المرأة بين الشعر المعاصر و الجوهريّ عبد الناصر .
منذ أن بدأت حركة التحرّر العربيّة تشقّ غمار الحياة بأشكالها كافّةً ( بداية الخمسينيات ) من القرن الماضي ، وقضيّة المرأة تحاول أن تتموضِعَ من حيث إعادة النظر في دورها في المجتمع و المساحةُ المتاحةُ لها للتعبير عن مكنوناتها الداخليّة وعلاقتها بالطرف الآخر ( آكل التّفاحة ) . وراح الكلُّ يدلو بدلوه ، ويعدُّ نزار قبّاني أوّل شاعر حاول كسر الطوق المفروض على المرأة وفكِّ الحصار المجتمعيّ عنها من خلال ديوانه " قالت لي السمراء " ، والّذي قدّمَ من خلاله إدانةً واضحةً لذكوريّة المجتمع العربيّ . ولكنّه قدّمَ صورتين رئيستين – صورة المرأة اللّعوب و- صورة المرأة المراهقة العذراء مقابل الرجل المجرّب ، وثمّةَ مشكلة فيما قدّمَهُ نزار قبّاني وهي أنّ المرأة لوثةٌ جنسيّةٌ ليس إلاّ ، وذلك في أغلب قصائده . وهناك شاعرٌ لم يستطع يخرج من عباءته الريفيّة في نظرته للمرأة وهو أمل دنقل ، فالمرأة عنده مصدرٌ للغَواية مقابل صورة المرأة الحبيبة المقدّسة . ويأتي شعراء القضيّة الفلسطينيّة لينقلوا الصّورة نقلةً نوعيّةً ، فالمرأة عند هؤلاء هي أمّ الشهيد أو أخت الشهيد أو المرأة الوطنُ كما نجد ذلك عند درويش ومن لفّ لفّهُ .
والحبيبةُ بعد ذلك تحوّلت إلى حلم أضنى الشعراء المعاصرين وهم يبحثون له عن واقع يعيشونه فيه دون جدوى . فما صورةُ المرأة عند عبد الناصر الجوهريّ ؟
عبد النّاصر الجوهريّ شاعرٌ من مصر ، ويبدو أنّه قد عاش تجربة هجرٍ مريرة وما زال يعاني أضغاثها وأقصدُ : اختلاط اليابس بالرطب ... هذه التجربة أفرزت مواقف متنوّعةً له وصوراً شتّى للمرأة في شعره :
- فهو يقرّرُ تبعاً لقرارات قلبه أن ينتحرَ ، ويلوم قلبه كيف تحمّلَ الصبر رغمَ معرفته أنّ البشر ( ويقصد الحبيبة) كاذبون ، و الحبيبةَ صاحبةُ دهاء وحيلة تقتل في أروع الأوقات رومانسيّةً وأجملها :
قلبي يقرّر خلسةً ....... أن ينتحر
دوماً ينوح بحاله ...... كيف اصطبر
الحبّ يفضح دائماً ..... كذب البشر
من لا يموت بصدفة ..... بين الحفر
مات بحيلة امرأة ..... تحت القمر .
وهو يرى :" أن تدفنَ الحبَّ في قلبك أفضلُ من تُعطيَهُ لمن لا يستحقُّ "
ويرى أنّ قلبه الطيّب هو الّذي أوصله إلى مالا يحبّ ، وأنّ تلك الحبيبة متكبّرة متعجرفة :
أين أنا من بنت السلطان
شاعرة الأكوان
مثلي ممنوعٌ ينتظر الحظرَ
..................
ماضيّعني يوماً
إلاّ قلبي الإنسانْ .
ويبدو أنّ حياته قد ضاعت بانتظارها لهفةً وحزناً :
قلبي انتظر الحسناء
أضاع العمرَ محبّاً
وحزينا .
وفي حالة يأس يرى :" لامكان لشيئين في وطني – الإنسان المبدع – و العاشق الحائر بحبّه ."
و الحبيبة امتلكت عليه كلّ مشاعره وجوارحه ومن هنا تأتي صعوبة التجربة هذه ، فلا بديل عنها ، وكيف وقد اعتاد هواها ، وهو رهينه :
لكن كيف أحبّ سواها / فالقلب اعتاد هواها / وقد عاش لأجل العشق / رهينا .
ونقاء عبد النّاصر الجوهريّ القادم من تربيته الدينيّة الواضحة المعالم من خلال شعره انعكس على حبّه فغدا صافياً كالماء الزلال :
أحبّك حبّاً نقيّاً عفيفاً بقلبي استكانْ
..............................................
أحبّك حتّى أموت / وحبّك في أضلعي / لا يغادر قلبي الجبان
وربّما كان جبن قلبه أنّه لم يقرّر هجرها وهي المتعالية عليه والتي تحاول في كل حين أن تتجاهلَ هذا الحبّ الصّافي ممّا يُشعرهُ بالهوان وامتهان الكرامة: أحبك / لكنّني كيف أرضى بالهوان ؟
أحبّك / لكنّي كيف أرضى امتهان .؟
وهو يستغربُ كيف أنّه يتسوّلُ حبّها وترفض أن تمنحهُ إيّاه ، وغيره ينال ما يبتغي بالمكر و الحيلة :
أنا أتسوّلُ الغرامَ بصدقي
وسوايَ ينعم بالاحتيال .
هي تجربةٌ من تجارب شبابنا الحياتيّة انعكست على حروفهم ألماً يعتصر قلوبهم ، وهي تجربة تعدُّ مرآةً للواقع المريض حيث المادّةُ طغت على كلّ شيء من حولنا ، وما عاد للمشاعر من سوقٍ ، وما عادت تغني من ضَوْرٍ ، وطفق هؤلاء الشباب يعانون الأمرّين من واقع اجتماعيّ مالحٍ كالحٍ وسياسيّ أُجاج ضيّعهم وراحوا في متاهاته زهوراً ذابلةً لاتعرفُ لها ضَوْعاً . وعبد النّاصر الجوهريّ ما أضاعَ يوماً لكنّ الضَّيعَةَ قد ضيَّعَتْهُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق