السبت، 18 أغسطس 2018

( ماهر الامين بين قمة الحرف والقمة العربية ) بقلم /الاديب كريم القاسم


( ماهر الامين بين قمة الحرف والقمة العربية )
نظرة تحليلية نقدية خاطفة في قصيدة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هكذا يكون القلم الرصين كالينبوع الثر والمداد الازهر ، يعانق مايحيط به من آلام روح وعذاب جسد ، ويتحسس نبض الآه وكأنه قد اشترك بذات القلب .
أمامي نصّ شعري يشدّني اليه ، حتى اتفرس في خلجاته ، وانثر بعض مافيه من جمال المفردة وذكاء اختيارها ، وقد نظمها الشاعر ماهرالامين بـ (22) بيتا ً على عدد الدول العربيه و زادها بيتا واحدا ً ، ولا ادري ان كانت مصادفة ام قصد .
• بما ان القصيدة من النظم القريض ، فلابد من دراسة مطلعها ومقطعها ومسك ختامها ، فهكذا نسج يحتاج الى رعاية ودراية ، وليس ذلك ببعيد عن خاطر (ماهر) ، فلقد تَقيَّدَ بالاصول والافتتاحيات ، حيث بدأ النص ببيتٍ يَئن غراما ، مستخدما صيغة السؤال (من ابكاك ياقمرُ) . والقاريء والسامع لهذه الموسيقى ، يتحسس بدفء العلاقه ، معجونة بإناقة اللفظ ، مستخدما هذه القافيه التي تغرد موسيقى تناسب القصد والمعنى .
• لقد استخدم الشاعر حرف الروي (الراء) وهو من حروف (الذلاقة) . ومن خصائص هذا الحرف قدرته على الانطلاق من دون تعثر في التلفظ ، ولمرونة وسهولة النطق به كثر إستعماله ، لكونه مُستساغ لدى الاذن السامعه ، ولأنه من الأصوات المجهورة . ولولا هذه الدقة في الإختيارات لفقدت اللغة اهم عنصر فيها وهوالتنغيم والموسيقى ورنينها الخاص الذي يُمَيَز به الكلام من الصمت .
• هذا الحال يفسر لنا وجود تآلف بين هذه الأصوات وطبيعة التكوين الشعري، وارتباطها بالفاصلة الموسيقية للقافية المتمازجة والمتجانسة مع نفسية الشاعر وذاتيته وهو يعزف على انغام بنائه الموسيقي في الموضوعات التي تحتاج الى المعاناة والرثاء والعتاب وغيرها من المعاناة النفسيه التي تعتصر الوجدان والذات ، والتي تحتاج إلى النغم والرنين العاليين لتشكيل وحدة موسيقية شعرية يتوقع السامع تكرارها ، كي تحقق التأثير النفسي المطلوب لدى السامع .
• قد أدخل (الشاعر ماهر الأمين ) مفردات لاتخلو من النباهة والدقة الفطرية ، حيث جعل ( القمر ) هو الانطلاقة لما يأتي بعده من معاني واختيار مفردات ، كما في مطلع القصيدة عند بيتها الأول :
" نديمها وحبيـــــب الروح قد خبروا ..... لله أمـــــــــــــــرك من أبكاك يا قمرُ "

ثم يربط هذا المطلع ببيتٍ شعريٍ آخرمُبيناً اسباب السؤال والتساؤل :
" الطامعون فكم في كرْمها طمعوا .... الغادرون فكـــــم يا شهم قد غدروا "
بعدها يدخل دخولا رشيقا أنيقا ــ يمزج بين التغزّل والمرام وبما تفوح به الخواطر والشجون ــ الى عرض مدهش وجريء ومفتوح القصد ، خال من الرمزيات ، كعرضه لمفرداتٍ سنبينها خلال استعراضنا للتحليل والنقد ، ولكون الحدث ( انعقاد القمة العربية) فهو لايحتاج الى رمزية وإيحاءات وإشارات بل كشف حقائق وبديهيات بعيدة عن الفرضيات والتأويل ، وهذا الذي جعلني أقرُّ بقوة النص وصدقه .
• في مثل هذا النظم ولهكذا مَقصَد ، تأتي الطاقة التفجيرية للخيال الخصب ، بحسب مايحمل الناظم من حُبٍ وايثار وانغماس روحي وفكري في الارض والوطن. فالمدقق والمتفحص للنص ، يجد الشاعر قد جعل الأمة وقادتها ، امام سؤال وعهد قد نسوه وتناسوا الاجابة عليه ، فلم يستخدم الاسم الصريح لـ (فلسطين ) ، بل استخدم الاستعارة الوصفيه ( ابناء العناقيد والزيتون) وهذا ابداع في الاختيار اللفظي والذي يتناسب مع المعنى ، وقد كررها مرتين ، فمرة في البيت السادس عشر :
" ابن العناقيد والزيتون تسألهم .... عن العهود وعن ميثاق مَن خفروا "
ومرة في الخاتمة للدلاله على روح المعنى :
" ابن العناقيد والزيتون قلْ لهمُ .... إن العداوة لا تبقي ولا تذرُ "
• عنوان القصيدة (تحت الحصار) ابتدأ بظرف المكان (تحت) والمراد مه التذكار والتذكير . وأما حدث التجمع العربي ، فلا يختلف اثنان على عدم جديته في اتخاذ القرار ، او الاصطفاف نحو هدف واحد صحيح . إذا ً لابد من نزوع الناظم الى ثورة في المفرده والابتعاد عن مفردات المداهنة التي تضع النص في خانة النصوص الركيكة المجامِلة .
• لو تأملنا هذا الكم الغزير من حروف (النهي والنفي) التي أدخلها الشاعر في جسد النص والتي قاربت على نصف عدد الابيات ، لوجدنا صدق المشاعر وقوة السبك في النظم :
( ولا يبدو ـ ولا خروج ـ ولا أبواب ـ وليس يحنو ـ وليس يمسح ـ فلا حياء ـ ليس بالإمكان ـ ولا مفر ـ فلا وربك ـ لا زيد ـ ولا عُمَرُ ـ ولا يفيدك ـ لا تبقي ـ لا تذرُ )
• ثم يميل ميلة قاسية على الاعلام العربي فيشبعه ألفاظاً تناسب مقام هذا المنبر الخادع ، فزرعَ في حقل النص مفردتين (كذبٌ ـ يفـــــــــري ) كما في البيت الخامس :
" تحت الحصار وفي إعلامنا كذبٌ .... يفـــــــــري عليك ولا يبدو له نظرُ "
وتساؤلين (أين الحقيقةُ ـ أين السبقُ والخَبَرُ) كما في البيت الثاني عشر :
" أين الحقيقةُ يا إعلام أمّتنا .... ممــــــا يصيرُ وأين السبقُ والخَبَرُ "
ليجسد بهذا العرض التساؤلي حقيقة الماكنة الإعلامية العربية وهشاشة تركيبتها ووضوح تبعيتها .
• بعدها يستعرض الشاعر الحال العربي ــ بقياداته البوهيمية اللامبالية ــ بمفردات ظاهرها العتب وباطنها الغضب (الطامعون ـ الغادرون ـ سفّاح ـ تخذل ـ غيظاً ـ شررُ ـ تسويف ـ مكر ـ الخلاف ـ سُعُرُ ـ تهديد ـ ضجروا ـ وتعنيهم مصالحهم ـ العداوة ) حيث اكمل الوصف ، وعَيَّنَ سِمات الحاكم الحالي.
• ثم بين حال الشعب العربي والحال الفلسطيني تحت وطأة الحاكم وغطرسته ، فغرد بمفردات ٍ وجمل ٍملؤها آهات وآهات (من ابكاك ـ ودمع العين ينهمرُ ـ وليس يحنوعلى الأطفال ـ وليس يمسح هذا الدمع ـ تشكو إلى الله ـ تخشى على نفسها ـ وفينا غير مكترثٍ ـ وفينا الخائف الحذِرُ ـ ولا مفر من الإذعان ـ مكرٌ أُريد بنا ) ومثل هكذا عرض يجعل الهدف واضحاً للقاريء والسامع ، حيث استطاع الناظم من ربط الافكار ببعضعها بتناغم وانسجام ، بحيث لايتيه اللب او يضجر الفؤاد .
ايها الماهر الامين :
قد ابلغت في الوصف والنصح والايماء ، واجدت الرصف والسبك ، حتى جاءت قصيدتك قطعة مفعمة بالمتانة والقوة والهندسة اللفظية المحكمة .
تقديري الكبير ..........
القصيدة /
إهداء إلى القمة العربية:
( تحت الحصار)
الشاعر / ماهر الامين
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- نديمها وحبيـــــب الروح قد خبروا
لله أمـــــــــــــــرك من أبكاك يا قمرُ
2- الطامعون فكم في كرْمها طمعوا
الغادرون فكـــــم يا شهم قد غدروا
3- يا أجمل الناس يا ريّان أفئدةٍ
لك الدعــــــــــاء ودمع العين ينهمرُ
4- أجْلَى كما الصبح إي أجْلَى بأعيننا
ولو تشقّق هـــــــذا الوجه أو غبروا
5- تحت الحصار وفي إعلامنا كذبٌ
يفـــــــــري عليك ولا يبدو له نظرُ
6- ولا خروج ولا أبواب تفتحها
وليس يحنو على الأطفال من قدروا
7- وليس يمسح هذا الدمع من مقلٍ
تشكو إلى الله ما سوّى بها البشرُ
8- تحت الحصار يصلي ناسك وجِلا
فلا مروءة من سفّاح تُنتظرُ
9- تخشى على نفسها منهم مُصَلِّيةٌ
فلا حياء بعين الجُند إن نظروا
10- تحت الحصار وفينا غير مكترثٍ
بما يدور وفينا الخائف الحذِرُ
11- يقول أن ليس بالإمكان من عملٍ
ولا مفر من الإذعان ذا قدرُ
12- أين الحقيقةُ يا إعلام أمّتنا
ممــــــا يصيرُ وأين السبقُ والخَبَرُ
13- عمن تُخَذِّلُ والأفعال تفضحهم
وهــــذه الأرضُ والأوراقُ والشَجَرُ
14- عمّن تخذّل قد عضوا أناملهم
غيظا علينا وفي أبصارهم شررُ
15- هي السياسة والتسويف في نسَقٍ
مكرٌ أُريد بنا يا ويل من مكروا
16- ابن العناقيد والزيتون تسألهم
عن العهود وعن ميثاق من خفروا
17-عن المجالس يأتوها مصنّجةً
تُعنى بأمرك هل يبقى لها أثرُ
18-أرهف سماعك با ابن العم قد وضحت
دبّ الخلاف وقامت بينهم سُعُرُ
19- هو البيان ولاءات مدوّية
وإن يزيدوا فتهديد ومؤتمرُ
20- كل أعد خطابا لا يعدّله
وإن سألت وماذا بعْدهُ ضجروا
21- هم الملوك وتعنيهم مصالحهم
فلا وربك لا زيد ولا عُمَرُ
22- ولا يفيدك أن البعض يحزنه
هذا الحصار ولاموا فيك واعتذروا
23- ابن العناقيد والزيتون قل لهمُ
إن العداوة لا تبقي ولا تذرُ
.............................................
ملاحظة /
كان بودي الاسهاب في التحليل ، لكن هذا ما اعانني عليه عصب يدي . وقد تعمدتُ الشرح التوضويح لبعض الجوانب كي يستفيد منها القاريء . وابتعدت عن الشرح للمعنى كي لايزيغ النقد عن موضعه وقصده 


هناك تعليق واحد:

  1. بوركت أخي كريم قاسم. تحليل رائع لنص يستحق.

    ردحذف