السبت، 18 أغسطس 2018

همسة على بيت: قراءة لابيات الشاعر حسين ديوان الجبوري بقلم / الاديب الناقد غازي احمد الموسوي

همسة على بيت:
-----------
لو قارنا البيت الاخير خصوصاً لهذه الومضة العمودية مع لوامع الشعر العربي لوقف معها موقف الند للند لما ينطوي عليه من عجيب الانزياحات البلاغية والإلماحات الطريفة الموحية..
ولقد افردناه لكي يكون دالة مضيئة ومثابة أدلى بها مستقبل شاعر بات منظوراً..اعني ان هذا البيت لم يكن دلالة على شاعر واعد وحسب..كلا..انه دلالة على اننا بإزاء شاعر أوشك على التحقق بالقريض ايضاً،بعد ان تحقق وصار من اعلام قصيدة النثر في هذا العالم الافتراضي الذي بين ايدينا ،والذي بات يضم اه
م عشاق الحرف من الكبار..
وعوداً على ذي بدء نعود الى موضوع الحوار فنقول:
"أنا من مارج العشاق"..تناص واقتباس وتخريج بالغ الخصوصية عن طريق التضاد الايجابي..فأصل الاية المقدسة ان الانسان من (حمأ مسنون..من صلصال كالفخّار)..وان الجانّ هو البعد المقابل،كونه مخلوق من ( مارج من نار)..فماذا فعل شاعرنا الاستاذ حسين الجبوري?..لقد قام بتحويل الصفات،مستعيراً صفة الجان التي رحّلها من موضعها ثم اسقطها على هيأة شريحته التي ينتمي اليها من العشاق..وهي لعمري عملية تصعيدية موحية وبارعة..وكانّه يريد ان يقول ان العاشق الموله سوف يتغير فسلجياً،فينتقل من حاله البشري المعتاد الى عوالم ومناخات وفسجلة المخلوق الموازي واعني الجنّ..فهو اذن تجاوز مستويات التشبيه الى الاستعارة بشقّيها..ولم يكن الامر تغليفاً او قناعاً او ترميزاً،كلا..انها فعالية تحويلية ماهيّة ،حتى ابعد من الحلول.."لقد تصَيّرَ هو بذاته"..واعني الجان..
هذا موجز مافي صدر البيت من الاشتغال البلاغي..
اما عجز البيت،فهو شاهق بلاغياً،حد الإدهاش..
كون الشاعر يُصوّر الصباح بشراً سويّاً كان ينام في احضان الليل ثم فزّ( استيقظ فجأة ) من نومته مستلماً لدورة حراسته،مالئاً بأضواءه الأفق الفسيح..
وتلك هي الانسنة او التشخيص في ابهى صورهما..واروع حيويتهما..بمعني اضفاء سمات الكائن الحي العاقل على مفردات وكائنات الطبيعةوالجمادات..وتحويلها الى كائنات حيوية فاعلة..وبعيداً عن التناص،لكون صورة شاعرنا متفردة مستقلة،ولكنها لشدة جمالها تذكرنا بابيات علي بن الجهم كمناخات بليغة ولذيذة ودفينة في ان واحد حيث يقول:
"هذا الصباح بدت بشائره
ولخيله في ليله ركض
.
لاتحسبوا لهوي على كبَرٍ
فعليّ من زمنِ الصبا قرْضُ"..
يلي البيت الاخير في خصوبته ولطيف اشاراته البيت ماقبل الاخير:
"فمن يدري سيفهم لوعتي ذي
ويفهم كيف تؤذيني جراحي"..
ويالها من صورة تعبيريه عن وجدان الشاعر،في جانب،ولكنها تكشف لنا في ذات الوقت امراً طريفاً ودقيقاً،موجزه،ان مشاعر واحاسيس العاشق لايدرك كنهها ومديات لوعتها وماتتركه من آثار موجعة جارحة الا مثيله من الصاعدين من مستويات الطين اللازب،الى المارج اللاهب..
بينا يشكل البيتان الاول والثاني مناخاً تمهيدياً،للولوج رويداً الى صلب الحالة المكتظة بالكثافات الشعورية والشعرية التي ذكرناها آنفاً..
اخي الشاعر حسين ديوان الجبوري..ماذا لو صعدنا بالبيتين الاول والثاني من طينتهما الحالية،الى مارج البيتين الاخيرين?!.. كيف سيكون هذا النص?!..
اجدت ،واعجبت كثيراً،والسلام..
سئمت الغدر من خل نساني
وقلب الصب مكسور الجناح
.
سكبت الدمع من لحظ رماني
أصاب القلب مسنون الرماح
.
فمن يدري سيفهم لوعتي ذي
ويفهم كيف تؤذيني جراحي
.
انا من مارج العشاق ناري
اذا ما فز من ليلي صباحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق