الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

يوميات اسماعيل /٧ بقلم / جمال قيسي

يوميات اسماعيل /
 
٧
استدرك أمر بعيد،،عندما التفت يساراً ،،تذكر انه يقف في باب السوق الضيق ( السراي) ،،وكثرة المارة المتعاكسين ،،لايسمح له بالوقوف والتأمل ،، تتداخل كل الأشياء ببعض تندمج،،،تتلاشى وتخلق مرة اخرى،، شيء ما يعيدها ،،اشبه بشريط الحامض الأميني ،، لعبة آلهية عويصة ابعد من أن تُدرك ،،لذلك تنحى جانبًا ،،باتجاه اليسار ،،وأمعن النظر في الممر بين بناية ( القشلة ) ومجمع المحاكم القديم ،،هذا الممر كان معبر الجسر الرئيسي ،،في بغداد،،منذ تأسيسها،،وحتى،،ان بنى الإنكليز جسر (العتيق ) ،،الذي زحف بعض عشرات الامتار،،ليفصل بين جامعي الوزير والآصفية ،،،
( إذًا عليك ان تعيد،،كل الإحداثيات طوبوغرافيًا،،،،لا لا
مثل هذه الحسابات لا تفلح ،،( حياة الروح ) لايمكن مقايستها بالارقام ،،،
لكن ،،عشرات الامتار فيها الشيء الكثير،،،،
أزمنة وأروقة ،،،تتلاشى فيها النهايات لروح التاريخ
ها أنت تقف على ،،ممر الجسر الحقيقي،،،
معبر من الوهم
الناس ومضات خائفة
وانت تتخطفك الذكريات
كل الامر برمته،، لاشيء وكل شيء
الفارق تموقعنا،،في الزمكان - يالها من لفظة ثقيلة - ( الملافظ سعد يا اسماعيل )
هنا اول،،بقعة ،،في فردوس ( علي بن الجهم ) ،،
ياترى ؟ ماذا رأت عيناه ؟
حتى نسى بداوته،،،
لا فرق اسماعيل،،مجرد عشرات الامتار،، و آلاف من الأرواح المهدورة
مثل هذه البقعة،،كانت حدًّا فاصلًا بين البداوة والتحضر
عليك ان تستعين،،ببوصلة حنبص ،،
فمثله لايخطئ،،أشبه بالطيور المهاجرة )
ومع ضخامة ،،بناية القشلة ،،الا انه كان يكرهها،،،مثلما يكره رمز اي سلطة ،،ولايطيقها
،،( هذا إذًا رأس الجسر،،كم مروا من هنا ،،وكم هي الرؤوس التي علقت على مداخله ،،لكل من عارض سلطان ،،،
آه ،،يا اسماعيل هذه البقعة هوة سحيقة ،،
ثقب آخر في تاريخنا ،،
ولمَ ،،؟!
نحن ثقوب،،،مزدوجة،،،
بَل اعداد لا نهائية من الثقوب المتصلة،،زينوفيًا
قوامنا ،،جدار اسطواني ،،من أوهامنا
نحيط به خوائنا،،
بعضنا من غفلته ،، يتحول الى صِمَام ،،باتجاه واحد،،،
وآخرين ،،متحاذقين ،،يشكلون صِمَام باتجاهين ،،،
اين يتوجه الامر هم معه ،،،
مكانهم في قلب القطيع،،،
دائمًا يظهر بينهم سامريٌ جديد،، ويضلهم ،،
ويصنع عجلًا من جلودهم،،،،
لن تنجو من الامر اسماعيل،،،حتى لو كنت من اصحاب " اليمين " او من ثلة الاولين
نأيت بنفس بعيدًا حتى اللحظة،،،،
" اليوم ننجيك ببدنك "
ولكن روحك،،،قد مسها الشغف
تطرفت قصيًا نجواك
دبت من اعماقك السحيقة مثل النوتي
مُذ كُنْت منزوٍ في السفينة
و( نوح ) منتفخ الاوداج
ولكنك طوفت في الأقاصي أخيرًا
،، برميل معبأ بالخواء ،،، )
وتذكر احدى قرائاته،،،عن قيام الحنابلة ،،بالقتل والتنكيل لأحد معارضيهم من الاشاعرة،،،على مقربة من البقعة التي يقف عليها،،،
( هنا،،،ربما بموقع مقهى الشابندر ،،،ولم لا ؟!! ،، لقد تكرر المشهد ،،والموقف ،،
انت تختلق المشاهد،،،،وتتلاعب وتنتقي،،،
هل يصح هَذَا ؟!
الانسان بفطرته منحاز،، ميال للتطرف،،جزء من الوحش الذي يكمن بداخله،،لم تقتلعه الحضارة ،،بل حدث العكس،،حولته الى مجرم ممنهج ،،من هنا يتفوق علينا حنبص ،،
اها،،اسماعيل،،ها انت تكتشف،،احدى ميزات تفوقه ) ،،
اتخذ مسيرته في شارع المتنبي،،هو يقسمه الى ثلاث عوالم ،،الاول من شارع الرشيد دخولاً حتى منتصفه ،،بسبب الأعمدة على الجانبين ،،والاخر ،،الذي بلا أعمدة ،،حتى مدخل سوق السراي ،،اما الثالث فيسميه المتنبي الأطراف ،،وهي الأزقة الفرعية ،،ويحب تسميتها بريف المتنبي ،،تماهيًا مع ريف دمشق
،،،
( هذه قضية كبيرة اسماعيل ،،،بالعراقي أطراف ،،إذًا هي ليست المركز او القلب ،،إنما الهامش العشوائي المتأخر ،،واذا سلمنا بفكرة ( سمير امين ) يجب ان يدفع ويجاهد أهل الأطراف ،،،لارضاء المركز ،،لارم ذات العماد
لكن المؤامرات ،،كلها تصاغ في الأطراف ،،،مزاغل للنيل ،،من الجوهر ،،،
الرذيلة ،،تختمر في الروح،،،ولكن أدوات التنفيذ ،،هي الأطراف ،،)
تسمر بين الأعمدة في منتصف الشارع،،وانهالت ،،،سيول الذكريات ،،جزء منه هنا ،،،لايزال عالق ،،كان مكان عمله ،،وربما احلى أيامه ،،يفترس من زاويته ،،توزع الضوء والظل،،،وبانوراما ،،السماء
،، ( يا اسماعيل. جميل. ان يتسمر الزمن في الذكرى ،،ضوء الشمس و الظل الذي تخلفه. الأشياء هي السطور الاولى لمدونة الزمن ،،محاولة منا للتشبث باللاشيء،،هي محاولة ،، لكنها مثيرة للشفقة
. " وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ " ،،،،
انا الآن ،،أقف في عمق اليمين والشمال بعيدًا عن ذات ،،في منطقة توحد وتلاشي ،،مجرد ذكرى
لو كانوا تحت أشعة الشمس،،،لما ناموا كل هذه المدة
لكن الغرض من كل الامر هو ان يستغرقوا ،،في الحلم الجميل ،،،
مع ان الإفراط بالشيء،،،يفقده لذته
الهروب من الم الحياة ،،،أحيانًا ،،يتطلب مثل هَذِه الغفوة ،،الطويلة )
ربما ان الأجواء في العراق لاتزال تحمل بصمة التخلق الاولى،،،كل الامور هوجاء،،وجامحة ،،ومتطرفة متقلبة ،،،كل الأشياء لازالت توحي بروائح الفطرة الاولى،،،هذا سر تعلقه به،،،مع كثرة الفرص التي اتيحت له بالمغادرة ،،،ربما هو الفخ ،،الذي وقع فيه غيره،،من الأنبياء ،،والأولياء ،،والطامحين ،،،وامثاله من الحالمين ،،،
( شيء ما يصيبك،،،مثل الادمان ،،هذا اللعين العراق،،،)
وسرت في رأسه ،،كلمات ،،صاحب الشاهر،،،
( ربما هي عزائك الوحيد،،،وقنوطك ،،ومقتلك من حيث لم تقدر ،،وإطار للجنون ،،،
" أيها الأسمر الشاعري
لماذا توهجت في الدفتر المدرسي
لماذا توهجت في أنا المبتلى
ما سقتني عيونك غير الصدى الأسمر
الشاعري " )
جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق