الثلاثاء، 22 مايو 2018

طاووس الادب العربي.. للناقد/ جمال القيسي

تضج الأصوات ،،في ذاكرتي،،ربما في هذا الموقع من العمر،،والرفض القاطع لواقع الحال بحكم تقدم العمر،،على مايبدو،،لازال هناك أقبال على الحياة،،نوع من التشبث،،وبطبيعة الحال،،ترافقني قناعة ،،وتيقن ،،بانه لايمكن العودة القهقري ،،وطالما يؤرقني السؤال الجوهري،،ماهو المصير،،والى اين المآل،،ومن المؤكد،،ان لا أجابة،،وانا مشحون بروح متمردة،،وشعور بالغبن،،باني لم أحقق ،،كل ما رغبت به،،وانا لم استسلم للقناعات الدينية،،،كل هذا الامر بدأ معي مبكرًا ،،قبل حينه،،منذ عقد او اكثر،،فالبحث عن الخلود وهو ضرب احمق،،او المصير،،وهو مجهول،،وكل مجهول يزيد من الامر سوءً،،ولايساعد ابدًا ،،ولا اخفي سرًا ان الامر ازداد تعقيدًا ،،مع نوعية الوعي الذي تضخم عندي بعد ان تراكمت قرائاتي ،،وازدادت نوبات احلام اليقظة،،للهروب من الواقع المرير،،والذي اجزم انني فاشل بامتياز بالاندماج فيه،،نعم فاشل لأنني حالم كبير،،مريض في الوهم،،وهذه الدوامة زادت من العذابات،،وأكثرت من زياراتي لعوالم الكتب،،ألج عالم هذا وذاك،،أعيش معهم ،،بكل ماللكلمة من معنى،،
في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي،،وبعد تهافت الأحداث السياسية،،منها غزو الكويت،،والحصار الاقتصادي على العراق،،الى اخر هذه الحماقات التي أشرت فشلنا كمجموع،،او كقطيع ضال،،سار بفوضى للسقوط،،من اعلى قمة الى وادٍ سحيق،،وكان ما كان ،،اكتشفت اني عالق ،،وسط هذا القطيع،،أقول هذا لست انني كنت الأفضل ،،او انه كانت لدي الشجاعة الكافية ،،للاعتراض ،،،على الاقل لأخرج من عنق الزجاجة،،،بل خائب بين الخائبين ،،لكني كنت مدرك ما حولي،،ولدي تصور كامل عن ما ستؤل اليه الامور،،، لبست ثوب العيش،،على قولة عمر الخيام،،اشتغلت لكي أعيش،،او أوهمت نفسي بذلك،،وقدرت ان اشتغل ببيع الكتب،،على رصيف شارع المتنبي،،دخل محدود،،مع رغبة جامحة للاستغراق بأحلام اليقظة ،،لا أنكر. ان هذا العمل. ساعدني على قراءة الآلاف من الكتب،،لكن المؤلم لحالم مثلي،، هو انني كنت اغرق في المتون،،واتقافز. بين السطور،،واعيش الآلام ،،التي يتكبدها ،،مؤلفوها ،،أنسى الكثير منها،،الا ان بعضها ،،هيهات ان يتركك بسلام،،يعلق معك ،،يكبلك،،ويسرق لبك،،لانه يداعب الشعلة الإلهية. التي تكمن في وعيك ،،في ذلك الزمن المعسر،،او كنت أحسبه كذلك،،لان الايام تكشفت،،عن ان تلك الايام،،هي احلى ما مرق. من العمر ،، وفي ردة فعل طبيعية ،،انهمكت في قراءة كتب التراث،،والتي نشئت بالأساس. وانا امقتها،،لأَنِّي مؤمن بالحداثة وبالمشروع الغربي،،جملة وتفصيلاً ،،كان غزو الكويت،،وضرب العراق عسكريًّا ،،مدعاة للمراجعة العميقة،،تهشمت الصورة الجميلة،،وهذا المشروع الحداثي الغربي،،هو قاتل بدم بارد ،،لشعوبنا،،وسارق جشع لكل مواردنا وفي مقدمتها البشر،،بالاضافة الى جريمته السابقة ،،التي لايمكن إغفالها ،،وهي صناعته ودعمه للانظمة الاستبدادية الكارثية،،و مداهنته للنفطيين ،،الذي اسهموا بفائض ثروتهم الى تمزيق ،،كل القيم الاخلاقية وكل ما هو جميل ،،
كانت كتب التراث الملاذ الآمن ،،لشاب خائب مثلي ،،آه ،،كم رددت عبارة طاغور ( يا خيبة الحلم الذي مد لي أذرعا ) ،،تعمقت وأوغلت ،،
كانت الوقفات تزيد،،تطرفت ،،مثل الأعمى ،،تلبستني عقدة التصالح مع الماضي،،في نهاية الامر اصطدمت ،،بجدار سميك،،قائم في ذاتي،،تراص وارتفع دون ان. اشعر،،انه جدار القراءات السابقة،،وانا في غمرة اعتناقي للسلفية الاسلامية ،،وبعدها التصوف،،لم يغادرني صوت كارل ماركس،،ولا إريك فروم ولا ماركيز في متاهته،،او الرفيق الرفيع الشأن هيرمان هيسه ،،كيف لي. ان أنسى المادية التاريخية،،او بؤس الفلسفة،،او محاضرات بوليتيزر ،،وانا بين يدي شيخ هارب من القرون الوسطى،،ليتحدث معي بسذاجة ،،عن الجوهر والعوارض ،،أصببت في أذني وقرًا حينها ،،واستعدت. كل ( الانسان بين المظهر والجوهر ) لأريك فروم،،استفقت من غيبوبتي ،،وحكمت على كل كتب التراث ،،بالترهات ،،لكني اكتشفت لاحقًا اني كنت غير منصف بحكمي،،فأي خطاب يتم عزله عن. سياقه التاريخي ،،يفقد روحه،،فكل خطاب في تاريخانيته يمثل جوهر عصره،،اما ،،انا عندما تلبستني حالة الاحباط والفشل والخطل ،،والعمى،،لأعيش ،،في زمن مضى،،فقد اي مبرر وجودي ،،كنت انا بالمكان الخطأ،،،بخيار أضل الاتجاه ،،وها انا الان،،لا أقول ،،اني على صواب. لكن على. الاقل متساوق مع زمني،، غير. ان في النفس الكثير من الاعطاب،،
ولا أنكر ،،ان اول من نبهني ،،لليقظة من الوهن الذي تلبسني ،،هو زكي مبارك ،،هذا الألق الساحر ،،في عالم الادب العربي،،كانت حصيلتي ان تعلقت،،بالبعض،،منهم الجاحظ ،،وابو حيّان التوحيدي،،والشابشتي في كتاب الديارات،،ميزة هؤلاء،،انهم ،،ارواح كبيرة،،وعي لايمكن ان تحتويه سياقات ظرفية،،إنما ،،يسيرون في الخلود،،لانهم في كل مكان وزمان،،اقوالهم حية،، وفي التاريخ الحديث،،لن تجد مثلهم. سوى زكي مبارك،،،مالذي يجمع بينهم،،؟ ومالذي يميز زكي مبارك عن غيره في الادب ؟ ،،هذا الطاووس البهي،،
يحضرني في هذا المقام ،،ما ذهب اليه تيزيفان تودوروف " الفكر الأدبي له فضائل خاصة ، فما يعبر عنه من خلال الحكايات او من خلال الصيغ الشعرية يتجاوز القوالب التي تهيمن على الفكر في زماننا او على يقظة مراقبتنا الاخلاقية الذاتية التي. تمارس قبل كل شيء على الاقوال التي نصل الى صوغها بوضوح ،،،الفكر الأدبي. يهز جهاز تأويلنا الرمزي ،،"
أقول مالذي يميز النص الأدبي. الحي والخالد. فقط ثلاثة أمور أساسية ،،، الصدق والايمان بما تكتب،،والشجاعة والجرأة في التعبير ،،والحريّة ،،
كل هذا تلمسه بالنص الخالد،،وهو ديدن زكي مبارك ،،هذا العملاق المحدث في النقد الأدبي ،،الذي لا نظير له،،
( يتبع )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق