الأربعاء، 15 مايو 2019

قراءة في كتاب مقترح: الموسوي في رحاب ديوجين: *** بقلم أ. دنيا حبيب

من أول الفلاسفة والمفكرين والمتأملين إلى أبسط أبسط إنسان يعيش على هذه الأرض، جميعهم يبحثون عن هدف أسمى أو غاية عظمى أو سبب منطقي ومقنع يجعل من عيشهم هذا ذا جدوى وقيمة حقيقية، وما إن يصلوا لهذه الدرجة من الإحساس المجدي فهم إذن في طريقهم للتقدم والتطور بدءً من ذواتهم ومن ثم إلى تطوير مجتمعاتهم وعالمهم .
إذن نحن جميعنا كما لو كنا في سفينة نوح.ع. -من كل المخلوقات- نود أن ننجو من خلال معرفة سبب وجودنا والشعور بالغاية التي خلقنا من أجلها. وإن كان لا بد، فالشاعر قبل أن نصفه بهذا اللقب، فهو في أول الأمر وآخره إنسان، وكذلك هو باحث عن اعتبار وهدف، وما إن يتمكن من تنمية موهبته الشعرية،فسرعان ما يتخذ من شعره وسيلة بحث عن الغاية من الوجود فلقد تعلمنا قديماً ان الادب والشعر منه طريق من طرق المعرفة
. وهذا ما نظنه في نص الشاعر الموسوي. لكن ما هدف الشاعر الذي يبحث عنه هنا وما هي القيمة الاعتبارية داخل هذا العالم؟!
هنا يمكننا أن ننحرف بمقدار بسيط عما ذكرناه سابقا، لأن شاعرنا كما يبدو لي مختلف قليلا في رحلة بحثه، فنصه لا يمثل إنسانا يبحث عن هدف ما أو قيمة ما فحسب، وإنما يمثل إنسانا يبحث عن (الإنسان) ذاته،فيذكرنا هذا البحث برحلة الفيلسوف الاغريقي ديوجينيس الفكرية، فالغاية التي يأمل الوصول اليها هي (الإنسان) أيضا!.
فهذا النص عبارة عن انسان يبحث عن الإنسان بمفهومه النوراني الإشراقي، فقبل أن تبحث بذاتك عن هدف وقيمة وجودك، لا بد أن تبحث أولا عن نفسك وكينونتك. فالشاعر يبحث عن ذاته وعن ذات الإنسان كونه إنسانا.. وها هو في "الانتظــــــار" ... في انتظار تخليق هذا الإنسان المنشود لانه في تصوري الهدف الأسمى.
وهنا نجد الشاعر بين ثلاث رؤى:
فإما أن يجعل نتيجة التخليق هذه إنسان ذكراً، أو أنثى أو يجعله إنسانا في المطلق بغض النظررعن التجنيس... وقد كان الاختيار الثاني هو النتيجة كما اعتقد،لأننا نرى أن في هذا هدف وغاية أيضا. فالأنثى في تاريخها القديم والحديث وحتى في تاريخها الأسطوري لطالما كانت رمزا تعبيرياً لمعاني الحب والحنان والرقة والخير والجمال... فإن كانت عملية التخليق هذه ناتجها الانسان ألانثى فهذا يعكس مراد الشاعر من تحويل الجزء إلى الكل... لا البشر إلى إناث.. وإنما صفات الأنثى بكل ما تحويه من جمال إلى البشر جميعا. ومن بين السطور قد يعكس هذا الاختيار رؤية الشاعر الاجتماعية والذاتية للأنثى، وهي لا شك في كونها رؤية متحضرة وسامية كسمو الهدف.
أما عني، فأنا أيضا بالمثل لي غاية وهدف من هذا النص.. ويتمثل هدفي في أربع زوايا نظر قد أحاطت النص، أولهم كانت رؤية الشاعر للإنسان النوراني من خلال الأنثى وهذا ما تحدثنا عنه قبل سطرين وأعتبرها زاويتي العاطفية في النص، فكل ما أتى في النص من عاطفة تشبيهية أو تصويرية فما هي إلا انعكاس للزاوية الأصل... أما باقي الزوايا الثلاث فهي زواياي المتطبعة بالعلمية لا الوجدانية وتتمثل في:
1* التسلسل الشعري الحكائي
2* التطعيم "النثرشعري"
3* التطعيم "الشعرتاريخي"
1- التسلسل الشعري الحكائي:
بداية وإن كنا وصفنا بحثنا هذا بــ "الرحلة" إذن فنحن أمام مراحل عدة، فالتهيئة للرحلة مرحلة، وشق الطريق مرحلة، والسير في الطريق مرحلة، والوصول مرحلة! وفي قراءة متأنية للنص، سرعان ما نلاحظ تمرحل وتسلسل النص، وكأنه فصول رواية، تحكي وتسرد أحداث هذه الرحلة. يبدأ النص نفسه بكلمة تفيد وتغذي روح الحكاية والسرد، فيستهل الشاعر نصه بـــ "إيهٍ" والتي في معناها المعجمي قد تعني "استزادة من حديث أو عمل" وكأن يستحث نفسه، أو يستحث أحداً أمامه لبدء الحكاية من نقطة البداية.
"إيهٍ
يا غزالةَ محيِ الدينِ"
ومن ثم تبدأ الحكاية فصلا تلو فصل تلو فصل... وقبل الختام يشير الشاعر لكون النص حكاية مليئة بالأسرار والمغامرات يقول:
"يا لَاسرارُ
الفِ شهرزادٍ
وألفِ شهريارٍ"
وما بين بداية رحلة الغزالة وتكوينها، إلى قبلة الخاتمة والولادة... تكمن تفاصيل عملية التخليق.. وهي طبعا ليست بالأمر الهين، وليست عملية سهلة ويسيرة، لا على الشاعر الذي يصفها ولا على الموصوف. وهذا ما جعل النص يستطيل دون تكرار ولا ملل ولا تشابه في الأحداث والمشاعر، وإنما كانت استطالة "متصاعدة" وممتلئة بمشاعر مختلطة، الألم والفرح.. الإشراق والظلمة.. الخوف والشجاعة.. الحب والحذر من الحب.. وهذا ما يحدث وما يمر به الإنسان من صراع داخلي وخارجي من أول ولادته إلى أن يتم الله عليه نوره.. ويمكننا أن نرى هذا في مقطوعات النص:
"أيتها المغمورةُ
تحت غمامِ الربيئةِ"
"شئ من عبقِ الأنسِ
واطيافِ السرورِ"
"لولا زيتُ الروحِ
لما تحقق الوجودُ
ولما نزّتِِ الجروحُ القديمةُ"
"هل تذكرينَ
اولِ همسةِ ليلٍ ناطقةٍ
بالهوى
والتراجعِ
والإقبالِ "
"أكثرُ بياضاً من قلوبِ الأملاكِ
هو قلبُكِ
أكثرُ ضراوةً من عروسِِ الفهدِِ"
"كيف يجمعُ بشريٌّ
بين البركانِ والسكينةِ"
2- التطعيم النثرشعري:
وقبل الخوض في شرح هذه الزاوية، علي أن أفسر أولا مفهوم التطعيم الذي قصدته من هذا العنوان الجانبي.. وهو مفهوم مأخوذ من عملية يقوم بها الزراع والنباتيون، فهم يأتون بجزء من نبات معين ثم يطعمونه على نبات آخر -أي يجعلون نباتا يتغذى على آخر- وفي النهاية تكون الثمار من "النبات الطعم" ... وهذا ما أراه في النص، فبفرض أن النثر هو نباته الذي يريد أن تطرح ثماره، إذن فالشعر هو النبات الذي يغذي عليه نثريته... وفي النهاية تكون النتيجة نثرية، وإنما نثرية قد تغذت على الشعر، وهذا يتجلى لنا جلاء الشمس في الظهيرة، فمن حيث التشبيهات فحدث ولا حرج، وكذلك من حيث الإيقاع الداخلي والتقطيع الصوتي، ولولا هذا التطعيم "النثرشعري" لما استطاع النص أن يكون له هذا النفس الطويل، وهذه الروح السلسة المسترسلة، دون قضم أو قطع مفاجئ.
3- التطعيم الشعرتاريخي:
لن أعيد الشرح مرة أخرى في فكرة التطعيم هذه، وإنما سأطبقها للمرة الثانية على النص، فهو وللمرة الثانية يغذي نثريته على التاريخ، فنجد في النص تشبيها له علاقة بحادثة مشهورة، أو باقتباس من القرآن.. ولعل هذا في إجماله أفاد غاية الشاعر في كون عملية التخليق الإنساني موجودة منذ البدء، فهي ليست لها علاقة بالحاضر فقط أو بالمستقبل فقط، وإنما هي عملية وجدت مع وجود الخلق، وستلازمه إلى أن يشاء الله.
وأخيرا وليس آخراً، فقد أنهيت أهدافي من النص، ويمكنني القول أنني قد وجدت القيمة التي أبحث عنها وغايتي من النص، فالنص إجمالا ذو هدف إنساني كوني نبيل بشكل عام ،أما تخصيصاً فهو ذو هدف أدبي شاعري ثمين... وقيمته يمكننا الحصول عليها إن تتبعنا أهدافه المعنوية والمادية كما ذكرناها خلال هذه القراءة الموجزة..تقديري..
أ.دنيا حبيب
،،،،،،،،،،،
النص:
،،،،،،،،،،،
بالإنتظار:
،،،،،،،،،،،،،،،
إيهٍ
يا غزالةَ مُحيِ الدينِ
أيتها المغمورةُ
تحت غمامِ الربيئةِ
ودخانِ الردى
يا طفلة الحقيقةِ
الموغلة في الاحزان الكبرى
والممنوعة من البوح جهاراً
مهما ضجُّت مراجلِ الحنين
من حولكِ
في قاعِ البحرِ الحيّ
أعلمُ انّ الحَومانَ وحده لايكفي
بل اعلمُ ان الإقتراب يعني الإحتراق
"وانى لهمُ التناوشُ من بعيدٍ"
ولا اعتراض على رقصات الفراش
دعيه يحوم كنا يشتهي
انه ثياب النور
نجوم الحبور
رقصة المذهول
أنهم حتى يحينُ الحينُ
" في حيرةٍ ودهَشٍ"
شئ من عبقِ الأنسِ
واطيافِ السرورِ
بينا أشهدُ
في كلِّ صباحٍ
خلال الضبابِ
شمساً من اللازوردِ
بينَ أضلاعِكِ
بحجمِ قمركِْ
وآه
لولا زيتُ الروحِ
لما تحقق الوجودُ
ولما نزّتِِ الجروحُ القديمةُ
يالها من طماحٍ أليمةٍ
مكتومةِ الجموحِِ
مثل خواتيمِ الفتوحِ
وآه
كم تمنيتُ
أن أُقبِّلَ اتونَها المخنوقََ
بشفاهِ الكلماتِ
علّني اراها قصيدةً
من الماسِ
تمشي على الارضِِ
مثلَ حمامةٍ كاظميةٍ
شفيفةِ الترحالِ
دفينةِ الجمالِ
هل تذكرينَ
اولِ همسةِ ليلٍ ناطقةٍ
بالهوى
والتراجعِ
والإقبالِ
لم تغبْ صورُتُكِ
خطواتُكِ
ألوانُ الأرديةِ
مقاساتها
مواضعها من بدنِكْ!!
حتى وقوفك
مثلَ شمعةٍ
ذاتِ عذوقٍ مضيئةٍ
قبالةَ المرآةِ
في آخر معبدٍ للسراةِ
أكثرُ بياضاً من قلوبِ الأملاكِ
هو قلبُكِ
أكثرُ ضراوةً من عروسِِ الفهدِِ
ليلةَ اللقاءِ المميتِ
هو حذرُكِ المباغتُ
المدهشُ
كيف انسى لذةَ الحلول
حدَّ الغيابِ الجميلِ
مرةً بكيتُ
تراصفاً مع غربتِكِ
بحثِكِ عن الانسانِ
في كلِّ الاتجاهاتِ
تطلعُك نحو مستقبلٍ
لايراهُ احدٌ
محاولاتُك لايجادِسياقٍ جديدٍ
وفقَ نسقٍ غير مطروق
يا لَرحلةُ اللؤلوةِِ
في بطنِ المحارةٍ
في آعماقِ البحرِ
يالَ اسفارُ العذراءِ
داخلَ الشرنقةِ
يا لَهذا الفضاءُ الازرقُ
يا لَمكتومُهُ المُخَصّبُ
بطيورِ القلقِ الحبيسِ
يا لَاسرارُ
الفِ شهرزادٍ
وألفِ شهريارٍ
متخفٍّ وراءَ الستارِ
حتى آنَ اوانُكِ
وبانَ
في أفقِ الرؤيا صولجانُكِ
(يا أختَ هرون)،
(والقلمِ ومايسطرون)
(ما كانََ أبوكِِ… )
ضالعاً بالخفايا
(ولا كانت أمُّكِ ) عشتروتَ
إنزلي برآسي ياسيدةَ الأبراجِ
يا زهرةَ المعراجِ
من جهةِ الحالِ
الى جهةِ الجمالِ
في خاتمةِ المآلِ
فما عادَ( في القوسِ منزعٌ)
والبحتريُّ مقنّعٌ كبيرٌ
والجواهريُّ باسلٌ خطيرٌ
قولي
كيف يجمعُ بشريٌّ
بين البركانِ والسكينةِ
هذا امرٌ
يقربُ من الإعجازِ
لا درايةَ لي بهِ
من قبلُ
ولا طاقةَ لي عليهِ
من بعدُ
وها أنا ذا
في سعيرِ التمنّي
بالإنتظارِ
قبلةٌ واحدةٌ
وسوفَ أغنّي……. !!
- غازي الموسوي-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق