مقدمة:
يحاول الشاعر غازي الموسوي في قصيدته ( أنت فوق الإطراء ) أن يبدأ باستهلال محكم البناء على غرار نظام القصدة العربية يضفي معه شحنة خبرية تتضمن عدة دلالات وفيها براعة تقنية بل حوار ميلو دراميا مشهباً تشبه ما نشاهده في بعض الحوارات الرومانسية ، وربما يكون فيضاً من التداعي الذي ينتابه الهاجس في أعماق الشاعر فهي محاولة جادة للوصول إلى المعشوق مستعيناً بالباعث العاطفي سواء كان تقليدياً أو واقعياً ومهما يكن من تمركزه في ذهن المنتج فالغاية هي كيف يمارس سلطة النص في الوصول إلى المعشوق النهائي ؟ ، فللشاعر معشوقان كلاهما قريبان من أعماق الشاعر وغربته النفسية ، وهي ليس اغتراب عن الواقع بل تماهي في تجليات المعشوق فالمتلقي بعد قراءة النص مراراً وتكراراً ينبهر في قراءة لهذه القصيدة ؛ لأنها في طياتها يشعر أنّ الشاعر يخوض في صراع تجاذبي بين جسدية النص وروحية المعنى بين تقنات الشكل وظلال المعنى بين ألفاظ موحية ومعاني شريفة غارقة في الحب .
يستفيد الشاعر من الشحنة الخبرية كونها تمثل أيقونة فاعلة كونها تحمل كثافة في الدلالات والمضامين وأراد من هذا الأسلوب المألوف أن يقتدي ببناء القصائد القديمة فطبيعة العلاقة بين الأنا والآخر علاقة استيعاب يبحر في تقنيات متعددة منها التصوير الكنائي الذي يبدو من أول كلمة أو عبارة وقد استعمال هذا النحو من الاستعمال الاسلوبي لكي يضمر في داخله دلالة التخفي وراء المجهول فيحتاج إلى التنقيب والحديث على المكشوف ليس من صالح بناء القصيدة العربية وليس من عمق التجربة الشعرية والشعورية لدى الشاعر .
فالمرأة هي التي تدفع الشاعر إلى قول الشعر وعلى الرغم من أنّ هذه الشفافية مرتبطة بعالم مخفي يغدو بطلعته فسيحاً طروبا تتداخل في لحظاته ايقاعات واندفاعات ينشد فيها من الأعماق ذلك الحب الذي يطفو فوق سطح الماء برسم من العلاقات في لغة مخيلة هي لغة أصيلة وفردوسية وهي هكذا تفاعلية اذ كانت ديباجة القصيدة التي تتحدث عن التأويه لشخص عظيم فيربط الشاعر علاقة متداخلة بين غياب الحبيبة وبين بعد الممدوح أنها منولوجيا داخلية منبعثة فالافتتان في الآخر المرأة / وعلاقة الهيام بصورة النبي الأكرم الممدوح فالشاعر غارق في الانسان الطبيعي وتمثله المرأة بصفاتها وغارق في الإنسان الالهي بصفاته السامية ويمثله صورة النبي الممدوح .
ولهذا السبب حاول الشاعر توزيع خطابه الشعري بين الخبر والإنشاء لأجل تحقيق الأغراض والدلالات المختلفة وقد بدأ بالجملة الخبرية ليحقق وظيفة الإعلام عن محتوى القصيدة وبقصد الإفادة أو الإثارة مستعملاً الجملة الاسمية بثوبها المزخرف ، فضلا ًعن الخطاب فقد لجأ إلى استعمال الأفعال الماضية للتنبيه وقد حاول أن يمزج بين العناصر اللغوية ؛ ليصنع جواً مقدساً وعذوبة رقراقة ووهابة ويشكل المناخ حتى ولو كان متنافراً وحدة الانطباع على المستوى العاطفي ، فتارة يخبر قاصدا اعلاميته وتارة ينشأ طالباً مجازيته .
هكذا تبدو لي الأبيات الأولى من القصيدة كما هي :
غادَةُ الْجِنّ غرَّةُ زوراءُ
راودتْها الْأَطْمَاعُ والأهواءُ
كُلَّمَا جَنّ حَوْلَهَا اللَّيْلُ غنَّتْ
بعزيفٍ يَرْتَاعُ مِنْهُ الْغِنَاءُ
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ ؟ يا ٱبْنةَ حَبْسِي
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا ؟
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً ؟
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ
ثم ينطلق في وصفه ؛ لكي يقترب من الممدوح العميق على الرغم من كونه بعيدا إلا أنه يصنع المستحيل لأجل الإقتراب شيئاً فشيئاً وكيف لا ؟ وهو الممدوح بصفاته الإنسانية العميقة الخالدة فينتقل عبر طريقة المدح بضمير الغائب أو صيغة الغائب بجهد قلبي حدسي فهو يبحث عن دلالات ايحاء جديدة بل يتمنى الوصول إلى المقام الرفيع ، وهي رؤية قلبية حالمة ، فتوزعت صورة الممدوح في اتجاهين :
أولاً : المدح بصيغة الغائب كما في قوله :
أَ فَمَدْحاً ؟ !...وَالمادِحونَ جميعاً
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
هُوَ فَوْقَ الإطْراءِ مَا عَكِفَ النُّثْ-
رُ على الْبابِ أوْ شَدَا الشّعراءُ
هُو فَوقَ الأسْماءِ ما خَلَقَ اللهُ
على الأرضِ أوْ طَوَتْهُ السّمَاءٌ
ظاهرُ القَوْلِ في خفايَاهُ تِيْهٌ
و عظِيمُ المَقالِ نارٌ وماءُ
وَطَّنَ الشّمسَ في الفؤادِ وأَعْلى
قمراً تسْتنِيرُهُ الأنبِياءُ
كانَ والمُنتَهَى طُلُوعاً نَبِيّاً
سَرمَدِيّاًّ أسْفَارْهُ عَصْماءُ
ذاتُهُ المجدُ والكتابُ المُعَلَّى
فَيضُ وِجْدانِهِ ومِنْهُ السَّناءُ
فاسْتوَى مُذْ دَنَا سِراجاً مُنيراً
و تَدلَّى بُرَاقهُ الأجواءُ
سَارياً والفُتوحُ بعْضُ خُطاَهُ
مُعْرجاً لا تَطَالُهُ الأنْبَاءُ
ثانياً : المدح بصيغة المخاطب
وربما تكون المباشرة طاغية في هذه القنوات اللغوية فعبارة ( سيدي ) و ( أبا القاسم ) توحي بالعلاقة الحميمة التي تطوي المسافات وتكسر القيود بين المخاطب بكسر الطاء والمخاطب بفتح الطاء فمهما بعدت المسافة وكبرت الا أنّ الشاعر يضفي على القصيدة بذلك البوح الذاتي للوصول إلى النور المحمدي المتجلي له بالصفات التي حاول أن يناجيه بها ( يا شفيع ودادي ) و ( يا رفيع الجناب ) و ( يا شفيع المحزون ) وهي ذائبة في صدره تتجلى بأبهى صور الرسم بالكلمات كما في الأبيات الآتية :
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ
أَنَا إنْ رُمتُ وَصْلَهُ فَلأنِّي
دَنِفٌ شَفَّهُ النَّوَى والعَنَاءُ
أوْمَضَ الحُبُّ فِي حشَاشَةِ قلْبِي
فَهِيَامِي مُضَمَّخٌ وَضَّاءُ
و بِصَدرِي مِنَ الطِّماحِ رِيَاحٌ
سَيّرَتْهَا منَ العُروقِ دِماءُ
كُلَّما اسْتَوحَشَتْ مِنَ الهجْرِ حِيناً
و اسْتَغاثَتْ هَمَى إليهَا العَطَاءُ
أَ يَرُدُّ المَلهُوفَ وهوَ حَبيبٌ ؟ !
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
شَبَحاً منْ مَجَامِرٍ صيَّرَتْنِي
غُصَّة الانْتظَار والإبطَاءُ
ومِنَ الصَّبرِ عَبرَةٌ يَصْطليهَا
ألفُ عامٍ ، ورِحلةٌ وعَناءُ
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْرَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
وَطنُ الخَيْرِ مُسْتبَاحُ الحَنَايَا
و الرَّبَايَا أنَّتَ وغِيضَ المَاءُ
يا شَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ
وتتضاعف وظيفة الخطاب فيصبح من الالتزام أن يكون في أعلى المستويات من التماسك والانسجام والفصاحة البلاغة ؛ لكي يحقق الهدف المنشود أو ما يصبو إليه من الإقناع والتأثير والتحفيز على تحويل مضامينه إلى أفعال ، فالانتقال من الشحنات الخبرية إلى الشحنات الطلبية بوساطة التقنيات الاسلوبية فقد يؤشر الخطاب إلى أساليب الطلب في بنيتها المجازية والأسلوب الطلبي ينشئ معناه بعد التكلم فقد جاءت البنية الاستفهامية متعددة الأداة فمنها إذ جاء في تكرار الاستفهام بـ ( ما ) غير العاقل مرتين ممزوجاً بالخطاب الحواري مستعيناً بتقنية أخرى وهو استعمال أسلوب النداء مع المنادى الذي يحمل في طياته الوصف والتعبير الكنائي .
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ ؟ يا ٱبْنةَ حَبْسِي
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا ؟
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
ثم يأتي الخطاب بالهمزة بثلاثة مرات
في مرتين يكون الجواب تصديقاً كقوله :
-ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا ؟
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
- أَ فَمَدْحاً ؟!...وَالمادِحونَ جميعاً
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
ومرة أخرى ثالثة يخضع الشاعر خطابه الى جانب التصور الذهني ليجعل المتلقي في حرية التلقي ، وفي أعماق نفسية كلها تتجاذب من أجل البحث عن المحتفى به والمخفي كما في قوله :
أ يَرُدُّ المَلهُوفَ وهوَ حَبيبٌ ؟ !
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ
لكنه يتصاعد مرة أخرى في شخصية منتج الخطاب الشعري ليغور في تقنية أخرى هي من تقنيات معاني الأدوات ولا سيما الأداة ( هل ) التي تشير الى زمن المستقبل وهي حظوة مباركة لدى المتلقي عن قناعة مطلوبة في الآخر كقوله :
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً ؟
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
ثم يخرق الخطاب متنقلاً في ثوب الطلبي ؛ ليخضع الآخر إلى سلطة المتكلم الحقيقية وليس التماساً كون الممدوح حقيقة وواقعاً ملموساً ينهل منه البشر في حياتهم ومماتهم فتارة المخاطب الآخر يكون عنصراً في زمن التكلم أنثوياً ؛ ليجسد بنية الحوار الحجاجية عبر وسائله وتقنياته الممزوجة بين الأسلوب الأمري والأسلوب الاستفهامي كما في قوله :
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً ؟
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
وكذلك في قوله :
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
أو يلتمس من الآخر الرئيس في القصيدة وفي استدعاء صورة النبي الممدوح ؛ ليزيده عطاء بأبهى صورة ذات دلالة مجازية نابضة بالشعر الذي خرج فيها الأمر إلى التمني كون المطلوب غير عاقل كما في قوله :
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ
أو يلتمس الآخر بصورته المعطاء ذلك الطائر الذي يحنو بجناحيه المستعارة ليخفف ذلك الحزن الذي في وطنه العراق الحزين فهي معبرة متدفقة كما في قوله :
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْزَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
ثم يبتهج الشاعر بذاك التمني ليقدم إلى المتلقى صورة الممدوح في خيال رحب بعوالم العطاء لإغراء المتلقي واستقطابه نحو تلك الشخصية الممدوحة على الرغم من هذا الاستدعاء في حالة المستحيل الا أنه أمام تلك الشخصية العظيمة وهي شخصية الرسول الأكرم بجودها وعطائها فهي كالبحر ذلك المكان الرحب الذي يأت اليه العاشقون يأنسون بغرته كما في قوله :
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا
لكنه يخرق بنية الخطاب الندائي ليخفي أداته لقوة الأسر في داخله ولاقترابه نفسياً من شخصية الشاعر ( سلم ) تلك التي يحتضنها روحاً قبل أن تكون جسداً لهذا السبب أخفى أداة النداء لغاية القرب والتجاذب مقارنة بمناجاة الآخر كما في قوله :
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ
وكذلك نجد ذلك على الرغم من الخطاب المباشر حقيقة الا أنّ الاحتواء يسرق لباب القلب كما في قوله :
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ
ثم يعدد صفات الممدوح بخصائص ولائية يشعر أنها تنطلق من وجد وعشق صوفي فيقترب منه بأجمل الصفات مستعيناً بالخطاب الندائي بطريقة نداء الصفات ( يا شفيع ودادي ) و ( يا ربيع الجناب ) و ( شفيع المحزون ) وهو خطاب يضمر في طياته تصويراً كنائياً معمقاً كما جاء في قوله :
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
وكذلك في قوله :
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
وكذلك في قوله :
يا شَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ
ثم يمزج بين الخطاب المباشر بكنية الممدوح مع أجمل صفاته المعنوية والمادية كما في قوله :
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ
ثم يتحول بأسلوب النداء ( أيها ) لأنّ المنادى المبهم ( أي ) سرعان ما يزول بالنعت اللاحق له كما في قوله :
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
ويبقى الأسلوب الطلبي بوسيلته الندائية لدى الشاعر يحمل شحنة الأثر النفسي ، فهو يحولها إلى مناجاة وجدانية تقربه زلفى إذ يغدق عليه بصفاته الحقيقية إنّها لوحة مناجاة من عاشق مرهف بعواطفه شجي بأحاسيسه لمعشوق وهو الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) .
وأخيراً يقترب الشاعر غازي الموسوي من الموضوعية في طرحه فكرته حول مدح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) معتمداً على عناصر لغوية بوصفها موضوعية قابلة للمعاينة والرصد ينطلق منها المحلل الأسلوبي لإصدار أحكامه المتعددة ..
نص الشاعر:
……………… .
يستفيد الشاعر من الشحنة الخبرية كونها تمثل أيقونة فاعلة كونها تحمل كثافة في الدلالات والمضامين وأراد من هذا الأسلوب المألوف أن يقتدي ببناء القصائد القديمة فطبيعة العلاقة بين الأنا والآخر علاقة استيعاب يبحر في تقنيات متعددة منها التصوير الكنائي الذي يبدو من أول كلمة أو عبارة وقد استعمال هذا النحو من الاستعمال الاسلوبي لكي يضمر في داخله دلالة التخفي وراء المجهول فيحتاج إلى التنقيب والحديث على المكشوف ليس من صالح بناء القصيدة العربية وليس من عمق التجربة الشعرية والشعورية لدى الشاعر .
فالمرأة هي التي تدفع الشاعر إلى قول الشعر وعلى الرغم من أنّ هذه الشفافية مرتبطة بعالم مخفي يغدو بطلعته فسيحاً طروبا تتداخل في لحظاته ايقاعات واندفاعات ينشد فيها من الأعماق ذلك الحب الذي يطفو فوق سطح الماء برسم من العلاقات في لغة مخيلة هي لغة أصيلة وفردوسية وهي هكذا تفاعلية اذ كانت ديباجة القصيدة التي تتحدث عن التأويه لشخص عظيم فيربط الشاعر علاقة متداخلة بين غياب الحبيبة وبين بعد الممدوح أنها منولوجيا داخلية منبعثة فالافتتان في الآخر المرأة / وعلاقة الهيام بصورة النبي الأكرم الممدوح فالشاعر غارق في الانسان الطبيعي وتمثله المرأة بصفاتها وغارق في الإنسان الالهي بصفاته السامية ويمثله صورة النبي الممدوح .
ولهذا السبب حاول الشاعر توزيع خطابه الشعري بين الخبر والإنشاء لأجل تحقيق الأغراض والدلالات المختلفة وقد بدأ بالجملة الخبرية ليحقق وظيفة الإعلام عن محتوى القصيدة وبقصد الإفادة أو الإثارة مستعملاً الجملة الاسمية بثوبها المزخرف ، فضلا ًعن الخطاب فقد لجأ إلى استعمال الأفعال الماضية للتنبيه وقد حاول أن يمزج بين العناصر اللغوية ؛ ليصنع جواً مقدساً وعذوبة رقراقة ووهابة ويشكل المناخ حتى ولو كان متنافراً وحدة الانطباع على المستوى العاطفي ، فتارة يخبر قاصدا اعلاميته وتارة ينشأ طالباً مجازيته .
هكذا تبدو لي الأبيات الأولى من القصيدة كما هي :
غادَةُ الْجِنّ غرَّةُ زوراءُ
راودتْها الْأَطْمَاعُ والأهواءُ
كُلَّمَا جَنّ حَوْلَهَا اللَّيْلُ غنَّتْ
بعزيفٍ يَرْتَاعُ مِنْهُ الْغِنَاءُ
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ ؟ يا ٱبْنةَ حَبْسِي
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا ؟
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً ؟
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ
ثم ينطلق في وصفه ؛ لكي يقترب من الممدوح العميق على الرغم من كونه بعيدا إلا أنه يصنع المستحيل لأجل الإقتراب شيئاً فشيئاً وكيف لا ؟ وهو الممدوح بصفاته الإنسانية العميقة الخالدة فينتقل عبر طريقة المدح بضمير الغائب أو صيغة الغائب بجهد قلبي حدسي فهو يبحث عن دلالات ايحاء جديدة بل يتمنى الوصول إلى المقام الرفيع ، وهي رؤية قلبية حالمة ، فتوزعت صورة الممدوح في اتجاهين :
أولاً : المدح بصيغة الغائب كما في قوله :
أَ فَمَدْحاً ؟ !...وَالمادِحونَ جميعاً
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
هُوَ فَوْقَ الإطْراءِ مَا عَكِفَ النُّثْ-
رُ على الْبابِ أوْ شَدَا الشّعراءُ
هُو فَوقَ الأسْماءِ ما خَلَقَ اللهُ
على الأرضِ أوْ طَوَتْهُ السّمَاءٌ
ظاهرُ القَوْلِ في خفايَاهُ تِيْهٌ
و عظِيمُ المَقالِ نارٌ وماءُ
وَطَّنَ الشّمسَ في الفؤادِ وأَعْلى
قمراً تسْتنِيرُهُ الأنبِياءُ
كانَ والمُنتَهَى طُلُوعاً نَبِيّاً
سَرمَدِيّاًّ أسْفَارْهُ عَصْماءُ
ذاتُهُ المجدُ والكتابُ المُعَلَّى
فَيضُ وِجْدانِهِ ومِنْهُ السَّناءُ
فاسْتوَى مُذْ دَنَا سِراجاً مُنيراً
و تَدلَّى بُرَاقهُ الأجواءُ
سَارياً والفُتوحُ بعْضُ خُطاَهُ
مُعْرجاً لا تَطَالُهُ الأنْبَاءُ
ثانياً : المدح بصيغة المخاطب
وربما تكون المباشرة طاغية في هذه القنوات اللغوية فعبارة ( سيدي ) و ( أبا القاسم ) توحي بالعلاقة الحميمة التي تطوي المسافات وتكسر القيود بين المخاطب بكسر الطاء والمخاطب بفتح الطاء فمهما بعدت المسافة وكبرت الا أنّ الشاعر يضفي على القصيدة بذلك البوح الذاتي للوصول إلى النور المحمدي المتجلي له بالصفات التي حاول أن يناجيه بها ( يا شفيع ودادي ) و ( يا رفيع الجناب ) و ( يا شفيع المحزون ) وهي ذائبة في صدره تتجلى بأبهى صور الرسم بالكلمات كما في الأبيات الآتية :
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ
أَنَا إنْ رُمتُ وَصْلَهُ فَلأنِّي
دَنِفٌ شَفَّهُ النَّوَى والعَنَاءُ
أوْمَضَ الحُبُّ فِي حشَاشَةِ قلْبِي
فَهِيَامِي مُضَمَّخٌ وَضَّاءُ
و بِصَدرِي مِنَ الطِّماحِ رِيَاحٌ
سَيّرَتْهَا منَ العُروقِ دِماءُ
كُلَّما اسْتَوحَشَتْ مِنَ الهجْرِ حِيناً
و اسْتَغاثَتْ هَمَى إليهَا العَطَاءُ
أَ يَرُدُّ المَلهُوفَ وهوَ حَبيبٌ ؟ !
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
شَبَحاً منْ مَجَامِرٍ صيَّرَتْنِي
غُصَّة الانْتظَار والإبطَاءُ
ومِنَ الصَّبرِ عَبرَةٌ يَصْطليهَا
ألفُ عامٍ ، ورِحلةٌ وعَناءُ
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْرَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
وَطنُ الخَيْرِ مُسْتبَاحُ الحَنَايَا
و الرَّبَايَا أنَّتَ وغِيضَ المَاءُ
يا شَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ
وتتضاعف وظيفة الخطاب فيصبح من الالتزام أن يكون في أعلى المستويات من التماسك والانسجام والفصاحة البلاغة ؛ لكي يحقق الهدف المنشود أو ما يصبو إليه من الإقناع والتأثير والتحفيز على تحويل مضامينه إلى أفعال ، فالانتقال من الشحنات الخبرية إلى الشحنات الطلبية بوساطة التقنيات الاسلوبية فقد يؤشر الخطاب إلى أساليب الطلب في بنيتها المجازية والأسلوب الطلبي ينشئ معناه بعد التكلم فقد جاءت البنية الاستفهامية متعددة الأداة فمنها إذ جاء في تكرار الاستفهام بـ ( ما ) غير العاقل مرتين ممزوجاً بالخطاب الحواري مستعيناً بتقنية أخرى وهو استعمال أسلوب النداء مع المنادى الذي يحمل في طياته الوصف والتعبير الكنائي .
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ ؟ يا ٱبْنةَ حَبْسِي
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا ؟
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
ثم يأتي الخطاب بالهمزة بثلاثة مرات
في مرتين يكون الجواب تصديقاً كقوله :
-ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا ؟
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
- أَ فَمَدْحاً ؟!...وَالمادِحونَ جميعاً
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
ومرة أخرى ثالثة يخضع الشاعر خطابه الى جانب التصور الذهني ليجعل المتلقي في حرية التلقي ، وفي أعماق نفسية كلها تتجاذب من أجل البحث عن المحتفى به والمخفي كما في قوله :
أ يَرُدُّ المَلهُوفَ وهوَ حَبيبٌ ؟ !
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ
لكنه يتصاعد مرة أخرى في شخصية منتج الخطاب الشعري ليغور في تقنية أخرى هي من تقنيات معاني الأدوات ولا سيما الأداة ( هل ) التي تشير الى زمن المستقبل وهي حظوة مباركة لدى المتلقي عن قناعة مطلوبة في الآخر كقوله :
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً ؟
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
ثم يخرق الخطاب متنقلاً في ثوب الطلبي ؛ ليخضع الآخر إلى سلطة المتكلم الحقيقية وليس التماساً كون الممدوح حقيقة وواقعاً ملموساً ينهل منه البشر في حياتهم ومماتهم فتارة المخاطب الآخر يكون عنصراً في زمن التكلم أنثوياً ؛ ليجسد بنية الحوار الحجاجية عبر وسائله وتقنياته الممزوجة بين الأسلوب الأمري والأسلوب الاستفهامي كما في قوله :
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً ؟
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
وكذلك في قوله :
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
أو يلتمس من الآخر الرئيس في القصيدة وفي استدعاء صورة النبي الممدوح ؛ ليزيده عطاء بأبهى صورة ذات دلالة مجازية نابضة بالشعر الذي خرج فيها الأمر إلى التمني كون المطلوب غير عاقل كما في قوله :
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ
أو يلتمس الآخر بصورته المعطاء ذلك الطائر الذي يحنو بجناحيه المستعارة ليخفف ذلك الحزن الذي في وطنه العراق الحزين فهي معبرة متدفقة كما في قوله :
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْزَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
ثم يبتهج الشاعر بذاك التمني ليقدم إلى المتلقى صورة الممدوح في خيال رحب بعوالم العطاء لإغراء المتلقي واستقطابه نحو تلك الشخصية الممدوحة على الرغم من هذا الاستدعاء في حالة المستحيل الا أنه أمام تلك الشخصية العظيمة وهي شخصية الرسول الأكرم بجودها وعطائها فهي كالبحر ذلك المكان الرحب الذي يأت اليه العاشقون يأنسون بغرته كما في قوله :
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا
لكنه يخرق بنية الخطاب الندائي ليخفي أداته لقوة الأسر في داخله ولاقترابه نفسياً من شخصية الشاعر ( سلم ) تلك التي يحتضنها روحاً قبل أن تكون جسداً لهذا السبب أخفى أداة النداء لغاية القرب والتجاذب مقارنة بمناجاة الآخر كما في قوله :
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ
وكذلك نجد ذلك على الرغم من الخطاب المباشر حقيقة الا أنّ الاحتواء يسرق لباب القلب كما في قوله :
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ
ثم يعدد صفات الممدوح بخصائص ولائية يشعر أنها تنطلق من وجد وعشق صوفي فيقترب منه بأجمل الصفات مستعيناً بالخطاب الندائي بطريقة نداء الصفات ( يا شفيع ودادي ) و ( يا ربيع الجناب ) و ( شفيع المحزون ) وهو خطاب يضمر في طياته تصويراً كنائياً معمقاً كما جاء في قوله :
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
وكذلك في قوله :
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
وكذلك في قوله :
يا شَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ
ثم يمزج بين الخطاب المباشر بكنية الممدوح مع أجمل صفاته المعنوية والمادية كما في قوله :
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ
ثم يتحول بأسلوب النداء ( أيها ) لأنّ المنادى المبهم ( أي ) سرعان ما يزول بالنعت اللاحق له كما في قوله :
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
ويبقى الأسلوب الطلبي بوسيلته الندائية لدى الشاعر يحمل شحنة الأثر النفسي ، فهو يحولها إلى مناجاة وجدانية تقربه زلفى إذ يغدق عليه بصفاته الحقيقية إنّها لوحة مناجاة من عاشق مرهف بعواطفه شجي بأحاسيسه لمعشوق وهو الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) .
وأخيراً يقترب الشاعر غازي الموسوي من الموضوعية في طرحه فكرته حول مدح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) معتمداً على عناصر لغوية بوصفها موضوعية قابلة للمعاينة والرصد ينطلق منها المحلل الأسلوبي لإصدار أحكامه المتعددة ..
نص الشاعر:
……………… .
-4-
انت فوق الإطراء
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
غادَةُ الْجِنّ غرَّةُُ زوراءُ
راودتْها الْأَطْمَاعُ والأهواءُ
.
كُلَّمَا جَنّ حَوْلَهَا اللَّيْلُ غنَّتْ
بعزيفٍ يَرْتَاعُ مِنْهُ الْغِنَاءُ
.
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ يا ٱبْنةَ حَبْسِي
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
.
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
.
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
.
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا
.
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ
انت فوق الإطراء
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
غادَةُ الْجِنّ غرَّةُُ زوراءُ
راودتْها الْأَطْمَاعُ والأهواءُ
.
كُلَّمَا جَنّ حَوْلَهَا اللَّيْلُ غنَّتْ
بعزيفٍ يَرْتَاعُ مِنْهُ الْغِنَاءُ
.
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ يا ٱبْنةَ حَبْسِي
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
.
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
.
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
.
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا
.
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ
أَمَُمَدْحاً ؟!...وَالمادِحونَ جميعاً
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
.
هُوَ فَوْقَ الإطْراءِ مَا عَكِفَ النُّثْ-
رُ على الْبابِ أوْ شَدَا الشّعراءُ
.
هُو فَوقَ الأسْماءِ ما خَلَقَ اللهُ
على الأرضِ أوْ طَوَتْهُ السّمَاءٌ
.
ظاهرُ القَوْلِ في خفايَاهُ تِيْهٌ
و عظِيمُ المَقالِ نارٌ وماءُ
.
وَطَّنَ الشّمسَ في الفؤادِ وأَعْلى
قمراً تسْتنِيرُهُ الأنبِياءُ
.
كانَ والمُنتَهَى طُلُوعاً نَبِيّاً
سَرمَدِيّاًّ أسْفَارْهُ عَصْماءُ
.
ذاتُهُ المجدُ والكتابُ المُعَلَّى
فَيضُ وِجْدانِهِ ومِنْهُ السَّناءُ
.
فاسْتوَى مُذْ دَنَا سِراجاً مُنيراً
و تَدلَّى بُرَاقهُ الأجواءُ
.
سَارياً والفُتوحُ بعْضُ خُطاَهُ
مُعْرجاً لا تَطَالُهُ الأنْبَاءُ
.
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ
.
أَنَا إنْ رُمتُ وَصْلَهُ فَلأنِّي
دَنِفٌ شَفَّهُ النَّوَى والعَنَاءُ
.
أوْمَضََ الحُبُّ فِي حشَاشَةِ قلْبِي
فَهِيَامِي مُضَمَّخٌ وَضَّاءُ
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
.
هُوَ فَوْقَ الإطْراءِ مَا عَكِفَ النُّثْ-
رُ على الْبابِ أوْ شَدَا الشّعراءُ
.
هُو فَوقَ الأسْماءِ ما خَلَقَ اللهُ
على الأرضِ أوْ طَوَتْهُ السّمَاءٌ
.
ظاهرُ القَوْلِ في خفايَاهُ تِيْهٌ
و عظِيمُ المَقالِ نارٌ وماءُ
.
وَطَّنَ الشّمسَ في الفؤادِ وأَعْلى
قمراً تسْتنِيرُهُ الأنبِياءُ
.
كانَ والمُنتَهَى طُلُوعاً نَبِيّاً
سَرمَدِيّاًّ أسْفَارْهُ عَصْماءُ
.
ذاتُهُ المجدُ والكتابُ المُعَلَّى
فَيضُ وِجْدانِهِ ومِنْهُ السَّناءُ
.
فاسْتوَى مُذْ دَنَا سِراجاً مُنيراً
و تَدلَّى بُرَاقهُ الأجواءُ
.
سَارياً والفُتوحُ بعْضُ خُطاَهُ
مُعْرجاً لا تَطَالُهُ الأنْبَاءُ
.
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ
.
أَنَا إنْ رُمتُ وَصْلَهُ فَلأنِّي
دَنِفٌ شَفَّهُ النَّوَى والعَنَاءُ
.
أوْمَضََ الحُبُّ فِي حشَاشَةِ قلْبِي
فَهِيَامِي مُضَمَّخٌ وَضَّاءُ
و بِصَدرِي مِنَ الطِّماحِ رِيَاحٌ
سَيّرَتْهَا منَ العُروقِ دِماءُ
.
كُلَّما اسْتَوحَشَتْ مِنَ الهجْرِ حِيناً
و اسْتَغاثَتْ هَمَا إِليهَا العَطَاءُ
.
أَيَرُدُّ المَلهُوفََ وهوَ حَبيبٌ ؟!
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ
.
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
.
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
.
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
.
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ
.
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
.
شَبَحاً منْ مَجَامِرٍ صيَّرَتْنِي
غُصَّة الانْتظَار والإبطَاءُ
.
ومِنَ الصَّبرِ عَبرَةٌ يَصْطليهَا
ألفُ عامٍ ، ورِحلةٌ وعَناءُ
.
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ
.
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
.
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْرَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
.
وَطنُ الخَيْرِ مُسْتبَاحُ الحَنَايَا
و الرَّبَايَا أنَّتَ وغِِيضَ المَاءُ
.
ياشَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ
سَيّرَتْهَا منَ العُروقِ دِماءُ
.
كُلَّما اسْتَوحَشَتْ مِنَ الهجْرِ حِيناً
و اسْتَغاثَتْ هَمَا إِليهَا العَطَاءُ
.
أَيَرُدُّ المَلهُوفََ وهوَ حَبيبٌ ؟!
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ
.
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
.
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
.
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
.
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ
.
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
.
شَبَحاً منْ مَجَامِرٍ صيَّرَتْنِي
غُصَّة الانْتظَار والإبطَاءُ
.
ومِنَ الصَّبرِ عَبرَةٌ يَصْطليهَا
ألفُ عامٍ ، ورِحلةٌ وعَناءُ
.
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ
.
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
.
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْرَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
.
وَطنُ الخَيْرِ مُسْتبَاحُ الحَنَايَا
و الرَّبَايَا أنَّتَ وغِِيضَ المَاءُ
.
ياشَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق