الأربعاء، 15 مايو 2019

قراءة في كتاب مقترح اتساع بوابات التأويل في سردية الموسوي " صعوداً الى الوراء": الاديب غسان الحجاج

مُقدّماً اقول :
إن الرمزية والروح الصوفية الأداء هما بوابتا السفر الابداعي للشاعر غازي ابو طبيخ الموسوي في نصه الموسوم( صعوداً الى الوراء ) ،ولكنهما ينفتحان على كثير من الاحالات المحتملة..
يفسر لنا ذلك قول الدكتورعز الدين إسماعيل " ان الصورة الرمزية تجريدية تنتقل من المحسوس إلى عالم العقل والوعي الباطني".لذلك يصبح من الصعب اختراق القوقعة لكشف ماهية اللؤلؤة والانصراف الى التكهنات التي من المؤمل ان تقترب من مداليل النص الرمزي لاسيما انه ذو طابع صوفي كما قدمت ،خاصة حين يتحدث عن دخائل النفس وأسرارها واستثمار المكمن الذاتي الغني بالكنوز السيمولوجية العميقة..
وبدءًا من العنوان يظهر لنا مفتاح العروج في الاتجاهين النفساني والأنثروبولوجي وكأنهما وجهان لعملة واحدة نتيجة الصبغة الاشراقية التي تجعل الذوبان ممكنا الى حد لا يمكن فصل مكونات المحلول اذا ما قورنت التركيبة الروحية بالتركيبة الفيزيائية المادية ...
وربما تشير مفردة "الوراء "بحسب ظاهرها الى الزمن الماضي، فاذا تتبعنا هذا التأويل التاريخاني للمفردة فسوف تنجذب ماهية النص معنا لان العنوان هو المحور المحرك هنا نتيجة لتوظيف الشاعر الحاذق لهذا المفتاح لكي يلج شعورياً الى الزمن القديم بايمانه انه منتمٍ له وكأنه جمرةٌ متوقدةٌ قذفتها رياح السنين التي مرت حيث كانت شعلة الحضارة فناراً ترسو على ضوئه السفن من كل حدبٍ وصوب ..
ويتحفز شاعرنا (ونحن نعلم انه يحق للشاعر ما لا يحقُّ لغيره ) وكأنّ الذكريات قد وجدت طريقها اليه خلال الكروموسومات المتناقلة عبر الاجيال وهو يشاهد التقهقر اثناء لحظة الانهيار ويصوره كلحظة الخدر او النوم والغفلة راسماً مشهد الظلام عبر استدراج رمز الليلة قبل الاخيرة في لحظة دراماتيكية حزينة حيث موقع قصر الحمراء الذي يشبه الفردوس السليبة في غرناطة المجد ذلك المجد الذي تلاشى كما تتلاشى الامواج بعد انسحاب الرياح فهو اذن ينقلنا هناك بمشهده الشعري الى نقطة التحول والتداعي عبر نافذة الرؤيا :
في الليلة
قبل الأخيرة
أذكر
لحظة كنا في الحمراء معاً
في خابية عسلٍ
كثيفةٍ
تمنعُ الحراكَ
وتوقِعُ في ترفِِ الشباكِ
لذلك اخذ الشاعر الموسوي على عاتقه مسؤولية التحليل ولكن ليس عبر التساؤل وانما عبر التلمسات التي يكتشفها خلال السرد الحلولي في اللحظة التاريخية رغم ان الامر كان قد حدث في الماضي البعيد ولكنه يروي لنا الاحداث باحساس آنيٍّ وكانه يريد ان يقول بأن المشهد مايزال مستمراً حتى الآن!!..
ليلكُ الهوى
وعشّ النوى
في اتون الهوسِ العُجابِ
أيّ مشهدٍ كنا فيه والغين؟!
حال يشبه الخدَرَ
ومآل يشبه عناقَ الخائفين
في لحظة فزعٍ
يا لأجنّةِ الشقائق
وهي على وشكِ القطافِ
يالأشداقِ الضّباعِ
ال تمشي على حوافرَ
"من حَمَأ" مسعور !!
كان الموسوي يريد القول ان الوساوس التي من جهة( النار غير المقدسة )مازالت تلسعنا ولا نتعظ فالتلميح اشارة لاولي الالباب وجهة النار واضحة حتى وان تعطلت البوصلات لان الباطل ثيابه بالية لا محال سيعرى شاء ام ابى،فالرموز المستدعاة هي العمود الفقري لجسد النص كالنار غير المقدسة التي يتشظى التأويل عليها لان الاحتمالات التي يمكن التنبؤ ببعضها بالاستناد الى هذا الرمز كثيرة ،وقد يتبادر الى الذهن انها تعني توفّّزُ الدخيلة اذا ما اتكأنا بتفسيرنا على لفظة الوساوس وقد نذهب بالتأويل الى مروجي الفتن الذين يشعلون الحروب في الارجاء بعد ان عقدوا صفقتهم الخاسرة مع الشيطان،وقد تشي بالخصم البعيد اللدود .
ان الفضاء المفتوح الذي صنعه الشاعر. الموسوي يجعل المتتبع يحوم على افقه الواسع وهذا من طبيعة النصوص الرمزية،وقد أكد كلٌّ من (أوستن وارين- ورينيه ويليك) صاحبا كتاب نظرية الأدب ذلك، عندما قالا: "إن الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر لكن فيه ما يؤهله لأن يتطلب الانتباه -أيضاً- لذاته بصفته شيئاً معروضا "
فالرمز كالزمردة التي تبث ضوءًا مختلف اللون عندما تختلف زاوية النظر
"لم نكن حينها نعلم "
لكننا الان بتنا نعلم دور الاجندات العابثة بكل هذا الوجود كأنها تصنع من العبثية بيئة تعيش فيها فالتخبط معنى اخر لـ (فرقْ تسدْ) ..
وعوداَ على ذي بدء تغشانا ليلة السرار القديمة الاشد ظلمة فلا بدر يطرد هذه الوحشة السادرة ، ولكن البصيص يلوح من بعيد عبر ثقب الذاكرة فللضوء كلمات مسموعة يروي من خلالها شكلنا القديم وان غطى العجاج ملامحنا فالحب غدير لا يجف ينعش الوجدان تماما كما فاض وجدان الموسوي ها هنا ليرينا ما يرى في معشوقته ويصفها بطريقة تجعلنا نتحير في كنهها العجائبي الساحر حتى انني احيانا اتصور انه يخاطب نفسه المطمئنة وتارة اخرى حبيبته وتارة اخرى امته النازحة الى غرناطة متمثلة بالصقر القرشيّ العابر .
هذا الاسلوب الشعري الفلسفي المفكر يحتاج الى مثابرة لشد الرحال والابحار في النص الشعري للذوبان فيه والا سنتدحرج قافلين الى المربع الاول كما تدحرج هو ومحبوبته الضمنية التي ترتدي أكاليل المجاز .
من ناحية أخرى كان للرقم سبعة دلائل وايحاءات كثيرة التمظهرات في اعماله الشعرية ،ولنا بعد ذلك ان نبجد لها ما يقابلها في المبحث السيكولوجي او الانثروبولوجي ك"عجائب الدنيا السبع" و"الوان قوس قزح السبعة" مثلا، ولكنها اقرب -كما نتلمس -الى "السنوات السبع العجاف" في قصة النبي يوسف عليه السلام ،نظراً لان الحزن الدفين يكمن في بواطن النص ،فالايحاء واشٍ يدلنا بأوماضٍ على مالايخطر على البال من معانٍ خبيئة كما اوحى به المقطع ادناه من البروق:
"هبت علينا وساوس
من جهة النار
غير المقدسة
لم نكن حينها نعلم
أنها ليلة السرار
لكننا عثرنا رغم كل شيء
على وردة الذاكرة!!
وكنا خلالها
مثل تفاحة فينيقيا المجنحة
اكثر حلولية
من السكر والماء الفائر
أكثر ذوبانا
في ألوانِ اللازورد القزحيّةِ
أكثر ولعاً
بدبقِ السكاكرِ
من……!؟
إذ داهمتنا
رياح المجاهل السبعة
فتدحرجنا معا
الى حيث كنا
في نقطة البداية..!!"
ماذا بعد المربع الاول هل سنحاول مجدداً ام نكتفي بالوأدِ كسبيل اخير
الطموح يأبى الانكسار هو واخزٌ يلح بإعادة الكرة
ولكن هذه المرة على برج بابل كقطب المشرق العربي اذا ما كان قصر الحمراء قطب المغرب العربي
وهذا المجال الممغنط بين القطبين يرسم خارطته في الأذهان ومازال يحث النبض للصعود مجددا،فالليل كما هو باق على حاله بينما النهار منكفئ فقدَ نضارته المعهودة وضيع ملامحه،
نستلهم ذلك من السياق الخطابي المقارن بين كائنين:
هي أدهى منكِ
انتِ اجملُ منها
تعرف كيف تشعل الفتيل
هي اقدر منكِ على الذبح الجميل!!
من هما يا ترى ؟!
هل هما النفس الامارة بالسوء والنفس المطمئنة؟!
ام هما خارج نطاق إدراكي؟!
لكننا بين حالتين بين الذبح الجميل او اللقاء المرتجى ، كما تلتقي القصيدة الخاطر
هذا التأرجح بين الحياة والموت، بين الحب واللاحبّ الذي دمجه الشاعر من خلال الاستعارة النزارية المتجلية في المقطع مع ميثولوجيا عشتار
وكأنه يتكلم بلسان جلجامش تارةً ولسان ديموزِي تارة ًاخرى فهو يذهب بعيدا باتجاه اسلافهِ في رحلته البحثية عن الذات :
فـ "اختاري
الحبَّ
او اللاحبَّ
فجبنٌ أن لا تختاري"
كانت النهاية بوابة البداية وكأننا نحوم في متوالية سردية انجبتها الحداثة بالاتكاء على التراث مع الإيمان بإيحاءات الأساطير لانه اكتشف نافذة كان قد فتحها هاروت فكان سحرها شعراً فالرموز الكثيرة والصبغة الصوفية جعلتني اكتفي بالذهول كحالمٍ شرب خمراً من الجنة وأخذ يرقص ملوياً بوعي المندهش من الاكتشاف الخطير،والوجع المرير ..
…………………….
نص الشاعر الاستاذ. غازي احمد الموسوي
صعوداً الى الوراء..
---------------------
في الليلة
قبل الأخيرة
أذكر لحظة كنا
في الحمراء معاً
في خابية عسلٍ
كثيفةٍ
تمنعُ الحراكََ
وتوقِعُ في ترفِِ الشباكِ
ليلك الهوى
وعشّ النوى
في اتون الهوسِ العُجابِ
ايّ مشهدٍ
كنّا فيه والغين؟!
حال يشبه الخدَرَ
ومآل يشبه عناقَ الخائفينَ
في لحظة فزعٍ
يا لأجنّةِ الشقائق
وهي على وشكِ القطافِ
يا لأشداقِ الضباعِ
ال تمشي - حتى اللحظة-
على حوافرَ
من حَمَأٍ مسعور !!
حين هبّتْ علينا
وساوسُ
من جهةِ النارِ
غيرِ المقدسةِ
لم نكن نعلم
أنها ليلةُ السرار
ولكننا عثرنا
رغم حلكِ الرؤيا
على وردة الذاكرةِ
كنا خلالها
مثلَ تفاحةِ فينيقيا المجنحةِ
اكثرَ حلوليةً
من السكرِ والماءِ الفائرِ
أكثرَ ذوباناً
في ألوانِ "اللازوردِ" القزحيّةِ
أكثرَ ولعاً
بدبقِ السكاكرِ
من……!؟
إذ داهمتنا
رياحُ المجاهلِ السبعةِ
فتدحرجنا معاً
الى حيث كنا
في نقطة البداية..!!"
قلتِ:
-هل سنبدأ من جديدٍ
مرّةً اخرى؟!
قلتُ:
-ولمَ لا
فالثائرةُ
ماتزال نائرةً
والفتونُ الأولى
مافتئتْ
في مركز الدائرة
إنما…
هل يلدغ السليمُ
ألفاً..
من ذات الجحرِ
ثم يعودُ؟!!
مدي الي يديكِ
وافعليها..
دعيني أقبلهما أولاً
ثم تعالي
نهبط
على مدرج بابل القديمة
من جديد ......
هذا الليل كما تركناهُ
امّا النهارُ فمنكفئٌ
ليس كما بدأناهُ
السادرون بغيهم
أغرقونا بالخشخاشِ
وكانوا يسمعون النجوى
ويوشوشون بصوت
يشبه فحيح الإفعوان:
-إنه يحلمُ من جديدٍ
بالمدينة الفاضلة!!
-هل يا ترى
سيقدمُ ثانيةً مسرحهُ الفادي
في نهاية الزمان؟!..
-ليس هذا مرامهُ ابدا
ويكٱنها فرصتُه المنتظرة
منذ زمن طويل
ولن يضيعها هذه المرة!!
قلتُ:
احسني مثواه
ولاتغلطي
كعادتك
باختيارَ سنخِكِ
ثم التحمي بشريحتكِ
ما رايك بالهبوطِ
على مدرج البرجِ العتيقِ
هل تذكرينَ أيامَ
"سيرتنا الأولى"؟!
من هناك سنتنفسُ
هواءً نقياً
فتعالي معي
ودعيها..
دعيها..
انت أجمل منها
اعلمُ أنها أدهي منكِ
تعرف كيف تُشعلُ الفتيلَ
نعم..
هي أقدرُ منكِ
على الذبحِ الجميلِ
نعم
انها المرة السابعةُ
-اليس كذلك ياديموزُي البهيّ؟!
وإذْ لاخيارََ
هذا عنقي
فاختاري
"اختاري الحبَّ
او اللاحبَّ
فجبنٌ أن لا تختاري"*
أتظلينَ
ايتها الجميلة
في دوامة العودِ
الى الوراء
دائماً ,
الى الوراء
بحثاً عن السلامةِ؟!
بينا اتوسّل اليك
أن تفعليها
ونحنُ معاً
لا تتأخري
ولا تصبري
باحبيبة الأمادِ
ماعاد الصبرُ نافعا؟!
واحذري كثيرا
قبل ان يفوت الاوانُ
-………
مالكِ لا تنطقينَ
أخائفة انت
ام تحلمين؟!
ها أنا ذا
معكِ يا حبيبتي
ألا تسمعين؟!
- ……....
احذري احذري
فقد فات
بعضُ
الاوان............
يكادُ
ينقضي( الأمر الذي فيه تستفتيان )
"كان
ياما كان
في جديد الزمان
شاعرٌ يحلم وهو يقظان
على شاطئ الاحزان!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق