الأربعاء، 15 مايو 2019

قراءة في كتاب مقترح(2).. الناقد: جمال القيسي

من الدراسات النقدية الملهمة التي اثارت انتباهي عميقاً ليس لانها تختص بقراءة إحدى قصائدي..وانما لأنها بالغة الدقة في التأشير وفي التأطير ..بينما كان التكثيف العالي غير المنقوص بعيداً عن الحشو والاستعراضات الزائدة عن الحاجة هو الاسلوب النقدي النفيس الذي وقع اختيار الناقد الفذ Jamal Kyse عليه في مطالعة هذا النص - موضوع البحث- وهو خيار صعب مرتبن ،مرة لانه يستدعي وعياً مكتنزاً صقيلاً رائياً ثاقباً..ومرة لأن النص الشعري هذا ينطوي على ما لا يستشرفه الا امثال القيسي المضمخ بل المثخن بكل جراح شارع المتنبي العظيم..
هذا النص النقدي نشر لاكثر من مرة ..
ولكنني ارى ان هذا النشر يختلف هذه المرة عن السابقات،خاصة وانه سيدخل مشروع كتاب نقدي جديد قريب بعونه تعالى ،كما وتجدر الاشارة الضرورية الى انها من المرات النادرة جداً التي يتناول فيها ناقدنا الكبير نصاً مموسقاً تفعيلياً ،انما حداثي النزعة بحيث تمكن من تصفير المسافة بين نسغه العروضي وايقاع النص الشعري المنثور ،كونه نصاً مفكراً،وإن كان مشبعاً بالوجدان والإنفعال الشعوري العميق..
لاحدود لشكري وتقديري اخي وزميلي ابا سرى الكبير..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
النص النقدي:
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الشاعر العراقي الموسوي ،،
والسهروردية المحدثة
الناقد Jamal Kyse
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نص متراكب،،،ربما يتخطى،،عتبة المألوف،،الامر ألذي يضع الناقد في حيرة ودهشة،،الاولى،،من المضامين والمحمولات والثراء الدلالي،،ودهشة،،من التوظيف البارع ،،الذي يغلف الملفوظات،،لياخذك ،،الى آفاق،،شبه مطلقة،، ونشدد على ( شبه ) لأننا لايصح ان ،،ان نتعارض مع المنطلق الايديولجي ،،للشاعر ( الموسوي العراقي ) ،،فالمطلق عنده الله،،فالشاعر بعد رحلته العوليسية ،،اتخذ مسرب التصوف،،الاستشراقي،،هي اخر القناعات التي ،،أعلن لها الولاء،،وهو نهجه في معظم قصائده الاخيرة،،فيصح ان نطلق عليه،،السهروردي. المحدث،،لان نهجه خاص به،،بسبب تعدد مشاربه،،الفكرية،،وسعة اطلاعه الثقافي،،وقدرته على التوازن ،،بين شد يساري،،وايمان متصوف،،ونسب ،،نبوي،،وتراث محلي وعالمي،،وكل هذا ،،ينثره في نصه،،وهذا التنوع رغم ثرائه،،الا انه يشكل كوابح،،لثورة تغلي في داخله،،ولأنه واسع الحيلة،،بسبب امتلاكه رصيدًا لغويًا ،،كبيرًا،،وخزين من المعطيات،،التي أسلفنا ،،اكتشف ،،او ربما أوهم نفسه،،،في قضية الخلاص،،القناعات المتولدة،هو نوع من اختلاق السكينة،،لكن الامر لايخلو،،،مجرد،،ان تقترب من الاطار الخارجي للنص،،،تلفحك النيران ،،التي تتفاقم داخله،،وخاتمة النص ،،هي العنوان،،،الحلاج،،المسيح،،الحسين،،نبي وثائر وآخر صاحب رؤية،،لكن كلهم ،،صلبوا،،على دعاويهم،،من يبقى ،،ليكمل الحلقة،،فقط السهروردي ،،المصلوب،،وهنا الشاعر يتحدث،،بلسانه،،لكنه ( الموسوي ) ،،أغلق أوراق ،،دعوته،،لانه لم ينل الشهادة،،،تخطته المعركة،،أقصي الى. الصف الأخير ،،او لنسميها القدمات الخلفية ،،وهنا توازعته الرغبات ،،بين مطلب قطبي. وهو الاستشهاد،،وآخر ،،البقاء متفرجًا مرغمًا ،،لم يعطى ،،خيار ،،فكانت رحلته ،،رحلة الآلام ،،الايغال في الحكمة ،،مع أن السؤال المطروح بتفرعاته،،هو نفس السؤال الأزلي ،،وكل بني آدم ،،يعرف ان لا اجابة له ،،،،وحتى الظلال الواهية ،،لن تكون شافية ،،لكن لابأس،،بهذه الحقيقية ،،المفترضة،،فالتصوف بشقيه السلبي تجاه الحياة كفعل،،او الإيجابي ،،بزرع العمار مع الله ،،مجرد ركون واستسلام ،،من تعب السؤال،،في هذه الزاوية يلتقي العبثي ،،والعدمي،،والصوفي،،في الشق السلبي مع الحياة،،في لحظات وعينا،،وتمثلنا ،،على مسرح الحياة ،،علينا ان نتخطى السؤال،،ان نملأ اللحظات المتسارعة في الفقدان،،أقول نملأ الحياة فعل وأجراء،،ونرجئ السؤال حتى نتناساه ،،،،
وهنا،،انا اعتبر هذا النص،،نوع من التأبين ،،على ،،اللحظات الذهبية ،،للوعي الانساني وتاريخه الحافل بالمسرات ،،والأحزان،،،هذا الوعي الذي يحتضر،،والمسألة في غاية البساطة،،،الوعي ،،هو محايث للحضارة،،وتقسيم العمل،،عندها،، كإجراء دفاعي انشطر الى منطقتين ( الشعور واللاشعور ) ،،وكل ما مرتبط بألم ومشاعر،،
ينتمي الى اللاشعور،،مخزن الرغبات المكبوحة،،والمعادل الموضوعي لما يحصل من استغلال ،،والظلم الواقع،،هذا التفاوت الشعوري،،هو ما خلق القيمة الاخلاقية،،المساحة التي خاطب الله فيها الانسان،، انه الضمير،،،
والضمير،،مع كونه قيمة اعتبارية،،الا إنه هو من يوجه ،،الانسان في سلوكه،،
لن تكون هناك حضارة ،،بدونه،،ونحن اليوم نشهد،،نزعه الأخير ،،،لست متشائمًا في تفكيري،،لكن هذا هُو الواقع،،،
لانه علينا ان نسأل ،،من اين يتشكل الضمير ؟ ،،انه الوعي بشقيه ،، عندما. يشكل معياريته،،من مجريات الحياة،،وماهي مجريات الحياة اليوم ؟ ،،
انها عبارة عن (0 -1 )
الصفر إغلاق والواحد فتح،،،
انه عالم الديجيتال ،،ولغته،،نعيش في الوهم والواقع الافتراضي،،معظم يومنا،،،والمتبقي في طريقه الى الزوال ،،سوف لن تتشكل رموز،،ولن تكون احلام،،وستنعدم منطقة اللاشعور ،،،ويتلاشى الضمير،،وتتلاشى الحضارة،،،التي نعرفها،،،من هنا أقول ان هذه النصوص،،هي الرسائل الاخيرة،،لمسيرة الآلاف من السنين،،التي ابتدأت ،،من المغامرة الاولى،،في الخروج من الكهف،،،الى هيمنة الديجيتال ،،شتان بين ( سبأ ) و( سدوم ) ،،،فالاولى تمثل طفولة الحضارة الواعدة ( بلدة طيبة ورب غفور ) ،،والثانية،،
شيخوخة مبكرة للحضارة. ( أن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب )
ولا اريد ان يفسر كلامي على انه وعظ ديني. الا انه مقاربة رمزية ،،لما سيحل ،،بالحضارة
اتذكر وانا في مقتبل العمر انهمكت بقراءة شوبنهاور،،وأحفاده. المتشائمين ،،نيتشة وأليوت ،،وبيكيت وجويس،،واخرين،،،وتعلقت بهم،،دون فهم،،مجرد شاب أهوج ودعي،،،
،،وحيث لا يتلائم عنفوان الشباب ،،مع النزعة التشائمية،،،فرميت. نفسي. في متون. التصوف ،،وحلاوة. شعرهم،،الا ان الحال. لم يكن افضل ،،،وبعد رحلة مضنية ،،وخسائر جسيمة ،، وهدر متواصل ،،وتوغل ،،في مشارب مختلفة ،،أقول. بعد كل هذا،،عدت. صاغرًا ،،لعشير. شوبنهاور،،وتعمقت وفهمت ،،معنى اننا ظواهر عارضة،،والحياة كأرادة ،،
،،والنص ،،أخيرًا انا تجنبت الدخول ،،في تكنيكه،،لان كاتبه ،،محترف،،واحد أساطين اللغة والشعر والنقد،،ولكني،،حمت ،،مقتربًا منه،،واستشعرت،،صرخة الانسان المجرد،،فيه،،ولعلي وفقت،،او جانبت،،،
أ.جمال قيسي / بغداد
،،،،،،،،،،،،
النص:
،،،،،،،،،،،،
ويتداعى الدرويش
على حجر الموت..
...............................
راهجٌ…
في مرايا الضياءِ
روحُ الخطابِ الدفينِ
إذْ كلّما جفَلتْ
لغةُ البحرِ
القى
على النخلةِ السومريةِِ
أمراسَ مركبهِ
وغنى………
قال في موسمِ
الغروبِ الاخيرِِ:
-يانجمةَ الله في مهجِ الغرباءِ
يا طائرَ الأملِ المستحمِّ بالنارِ
"أشكو اليكِ
بثّي
وحزني"
وبعضَ شجونِ الطماحِ
ٱلتي أبرقتْ
في الغمامِ الثِّقالِ..
إنّي أُسامِرُ
شباك حلمٍ قديمٍ
وأفترعُ الصمتَ
والخوفَ
كلَّ مساءٍ
أُ شقِّقُ وجهَ الفضاءِ
وأجأرُ
-ليس مِنْ وضَحٍَ
غيرُ دوحِ الحمائمِ
في عتمةِ الليالي
كُلّما وقَرَ الجمرُ قافيتي
اورقَ الشجرُ
النازحُ من لُغتي !!
أومضَ البرقُ
وانار الهوى مهجتي
كنتِ
في ثَبَجِ القلبِ
سِدْرةُ المُنتهى !
كنتِ
في الانعتاقِ الجريحِ
كتابُ التجلّي
ليتني ما سمعتُكِ
حينَ أنطقكِ الحبُّ:
-إنَّ للتوقِ وسواسَهُ!
ها انا ملتحفٌ باللهيبِ
الذي في مداكِ
مستوحشاً
" صخرةُ الموتِ"
تقطعُ مسراكِ
صوتُكِ يبلغني
-إنّ للظلموتِ حرّاسَهُ
قلتُ في أرَقي
في السدوفِ التي
في جوار الحتوفِ
- تلك ليالٍ طوالٌ
وذلك حزنٌ طويلٌ
كان يُباركهُ "إنْليلُ"
وكانَ على صدرهِ العليلِ
حجرٌ ثقيلٌ !!
يطلعُ من أرشيفِ الذكرى
اشداقٌ من رئة الليلِ
"دي سادُ !!
واللحمُ الطازجُ
" مانو" !!
والجسدُ الناضحُ
أيةُ "أرضٍ خرابِ"*
وأيَّ موسمٍ للرِّهابِ
وكانَ ابو فراسٍ ثانيةً
يرسفُ
إنَّ ابا فراسٍ ينزفُ?!
تلكَ التوابيتُ تجتاله
بينَ غريب المكانِ
وعجيبِ الزمانِ
و"خولةُ" تهمسُ حاسرةً
من وراء جدارِ الغيابِ:
- غيِّرْ ثيابكَ وارتدِ الزمكانَ
كلٌّ يُغيِّرُ الوانَهُ
فرحاً بالهوانِ
غيّرْ مدادكَ
واتَّبعِ الهذيانَ
قلتُ:
انها لعبةٌ لايُجيدها الدراويشُ
وقلتُِ في لوعةٍ
مرّةِ الحسراتِ
-(يا نائحَ الطلْحِ اشباهٌ عَوادينا)
لمْ يَجْمَحِ ٱلموتُ إلّا مِنْ تَواطينا
.
لو كانَ أبْرقَ فينا ما يُداوينا
لما شرِبْنا دواءً لا يُداوينا
.
اشهى من العلقمِ المنقوعِ سيدتي
أنْ يغرسَ الحُرُّ في جنبيهِ سِكّينا
.
ياأيها الحلاجُ
يا منهرقَ الاوداجْ
يا ايها المستوحشُ المُهتاجْ
"ستركبُ الرياحَ والامواجْ
حتى اراكَ"
راعفاً
مجنّحاً
بدهشةِ الطاغوتْ
تمرقُ كالشهابِ
من عيونِ الحوتْ
تركلُ بالعزمِ صخورَ الموتْ…
لكنما الحلاجُ،
ما يزالُ
فوقَ سورةِ الامواجْ!
يحدو به الجنيد
من بغدادْ:
( ستركب الريح واليمَّ
حتى اراكَ على خشبه)!!
ستنطقُ الشموعُ
حولَ رأسِكَ
ٱلْ يرفضُ أن يموتْ
يرفضُ أنْ
يدخلَ بطنَ الحوتْ
يرفضُ انْ
يسمحَ للزمانِ
أنْ يفوتْ!!
الجسرُ كلُّ الجسرِ
تلكَ الخَشَبَه
ستدرجُ القلوبُ
فوقَ الماءِ
كالنوارسِ البيضاءِ
كاليمامْ
والسيفُ الهمجيُّ
مُنْفَصِمُ الرَّقَبَه..
وابو فراسٍ
دونَ جَناحٍ
يرتادُ الحَلَبَه
ألرومانيُّ مذعورا
يحلبُ اوداجَ الريحْ
ألتتريُّ المُرَكّبُ
يَهوي ذليلاً
على قدمِ
الحسينِ
والمسيحْ..
ابو فراسٍ
يخرجُ من ديماسِ الموتْ
ها هو ذا ،
يمرقُ فوقَ
عيونِ الطاغوتْ
ويتداعى
حجرُ الموتْ..
يبزغُ نجمُكَ
في البابِ الاولْ،
أنْطوِي رويداً عليكْ،
سوفَ اكونُ
أبهى وأحلى
منطوياً على العالمِ،
مثلَ شُجَيرةِ دِفْلى..
انفضُ الرمادَ القديمْ
واطيرُ بجناحينِ
مثل الحلاج
المسيحِ
الحسينِ
اطير ،
اطير ،
اطير…..
غازي الموسوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق