الثلاثاء، 12 مارس 2019

تأملات في مناخات الشاعرة إيناس حسين الشعرية:بقلم الاديبة دنيا حبيب

تأملات في مناخات الشاعرة 
إيناس حسين الشعرية:
Enass Hussian
الاديبة دنيا حبيب
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تتعدد أنواع الإبداع، وتختلف مسمياتها مع تقادم الزمان..
وهذا ما يحدث منذ القدم وما يحدث الآن وما سيظل يحدث إلى نهاية الكون.
وبالطبع هناك فكرة اجمالية مناسبة لوصف إبداع الشاعرة التي هي محور حديثنا لهذا اليوم، ولكنني لا أريد أن أحاصرها بصيغة محددة، كما ولا أريد أن أصف إبداعها بطريقة فلسفية أو بطريقة مجازية، لأن نوع الإبداع الذي تقدمه هذه الشاعرة مثله مثل (الماء) ليس له لون محدد سوى مايعكسه من بهجة في النفوس؛ ذلك لانه "سر الكون" وسر الحياة (النقي).
ومن عند آخر سطورها يمكننا البدء، والشيء بالشيء يذكر، فإن تجارب الشعر الصوفي عامة خير مدخل لما تقدمه شاعرتنا الصادقة ايناس. وكما نعلم جميعا أن الشعر الصوفي بحره شاسع، ينطوي على جواهر وأسماك ملونة..ومنه الممنوع ومنه المباح، ومنه ما يخاطب العامة ومنه ما يخاطب الخاصة، لكن مع كل هذه الاختلافات والألوان، يظل الشعر الصوفي بين المبدأ والهدف، فهو للباحثين العارفين الموحدين المتأملين في الكون..."وإن كان لكل شيخ طريقة" كما يقال.
ولكن الأسباب التي جعلتني أسحب كرسيا على طاولة الصوفية وإجالس تجربتها الشعرية من زاويتها هي الآتية:
أولا وجود نفس الأهداف والمبادئ التي يشترك فيها الشعر الصوفي -كما ذكرت سابقا- فجل نصوص الشاعرة لا تخلو من توجيه حديثها لله -عز وجل- وكأن نصوصها عبارة عن خلاصة مناجاة وتضرع لله، فهي تشكو لله وتدعو الله وتعترف لله، حتى أنه قد يشعر القارئ وكأن الشاعرة قد أخلت الكون كله من جميع المخلوقات ولم يتبق سواها تناجي الله بما شاءت وكما شاءت، دون تسلط بشري قد يقطع عليها خلوتها..تقول الشاعرة:
"أنا اعرف ُ ياالله
كيف لإمرأة ٍ مغرية أَن تقتل َ
شياطين بغداد الّف َ مَرة ً
وتعود"
*
"يااارباه ُ
لا امنية ً لفم ِ الريح
ولا شارع ً يلد المواعيد
ولا مدى يُبيح لنا عفّة الاُغنيات "
ومع وجود اشارات خفية ترميزية تلمح فيها الى واقعها السوسيولوجي ولربما السياسي المحيط ،ولكنها تكتفي بالتلميح دون اية مباشرة حذراً ذكياً تلقائياً منها ،انطلاقاً من موهبتها القوية التجليات والتي وصلت الى مرحلة تبشر بالوعود الابداعية الكبيرة..
ثانيا، حسها الشاعري التصويري والتعبيري.. فهي -وكما كل الشعراء المتصوفين- كان توجهها التصويري والتعبيري مباشراً نحو (الطبيعة) فهي لا تعنيها ولا تثير تساؤلاتها التكنولوجيا والآلات المعقدة وغيرهما من الماديات التي هي آخر هم الفرد المتصوف، بل تعنيها السماء والرياح والصحراء والقمر والليل والصقور والخيل، وكل مخلوق مباشر بعلاقته مع الله -عز وجل- وهي من هذه الناحية تذكرني كثيراً بمخيلة شعراء الهايكو ،بينما تعرف كيف تضخ همساتها عن واقع الحياة العراقية والعربية المسكونة بالمتناقضات التي تتراوح بين المرارة والحبور..وها هي تقول:
"لست ُ وحدي
مَن ْ احصى عدد سَحنات الجنوبيات !
واحصى الخيول المسحوبة َ بأحبال ٍ
على سطح ِ الجبل العالي"
"لكني اعرف ُ الصقور التي
ترصد براءة الكون"
"ولأن الأسى مِلح ُ السماوات
والناي ّ وسيلة الناجين ..
ولأن القمر َ ماعاد ختم ُ الليل"
ثالثا، موسيقاها الشعرية.. ولا أعني بذلك أن الشعر الصوفي له موسيقى واحدة أو بحر شعري واحد أو إيقاع ثابت.. ولكن وكما اتفقنا من قبل أن المنهج واحد وإن كان "لكل شيخ طريقة" فعموم الشعر الصوفي يتميز بموسيقى وإيقاع هادئ، وهذا يتحقق من خلال السياقات والتراكيب والألفاظ الطالعة من ارواح السعاة وكل على حده، ومن خلال ترابطها مع بعضها البعض، وأيضا من خلال عمق الفكرة المطروحة، فكلما ازددت تأملا وعمقا، أجبرت على اختيار الألفاظ ذات الوقع الراسخ والمؤثر، وهذا بالضبط ما تميزت به الشاعرة، فكرا ولفظا ومن ثم موسيقى.
وقبل أن اضع نصي الشاعرة امام المتلقي الكريم وبمطابقة الحال مع كل ما اوردته انفاً، يمكن لي أن الخص رؤيتي بالتالي:
ان هذه الشاعرة -كما أحس عميقاً- كيان شعري جديد مضاف لعالم الشعر عموما، وللشعر الصوفي خصوصاً،اقول ذلك،واليكم نصي الشاعرة واكم ان تحكموا بانفسكم على مطابقة ما ذكرناه معهما شكلاً ومضمونا:
*
(1)
أنا اعرف ُ ياالله
كيف لإمرأة ٍ مغرية
أَن تقتل َ شياطين بغداد الّف َ مَرة ً
وتعود
واعرف ُ أيضا ً
مَن ْ أفزع َ ذلك الطفل ُ
الذي يلعب ُ بِعُلب ِ التّبغ ِ الفارغة
ومن اعطى عكازة ً
لرضيع ٍ فر ّ من رحم ِ الحياة ِ توا ً
لست ُ وحدي مَن ْ احصى
عدد سَحنات الجنوبيات !
واحصى الخيول المسحوبة َ بأحبال ٍ
على سطح ِ الجبل العالي .
خجلة ٌ
هي سكاكين الارض غير الحادة
لم ْ تمر ّ على لحوم ِ المارة ِ
وتجرح عبثيتهم
لكني اعرف ُ الصقور
التي ترصد براءة الكون
وكل قصائد الشوق النابضة
التي تمزق وجيب القلب بأقدامها
خانتنا الصقور
وكذبتنا القصائد
فَمَن ْ ؟
ايقَظ بغداد !؟
***************
(2)
ولأن الأسى مِلح ُ السماوات
والناي ّ وسيلة الناجين ..
ولأن القمر َ ماعاد ختم ُ الليل
.فالكل ُ
مصابون
راحلون
منذ ُ الخَلد
.
يااارباه ُ
لا امنية ً لفم ِ الريح
ولا شارع ً يلد المواعيد
ولا مدى يُبيح لنا عفّة الاُغنيات
.
كل الأوراق عطّشى
والأُمهات ثكلى
لأن احضانهن أوهتها الرجالات
ذلك النادل ُ
الذي يمسح ُ المساءات الاخيرة
من الطاولات
ماعاد كونا ً لكؤس الدهر
ولا مؤذنا يلمّ ُ مساءات الرب
فتى نادل ٌ
منفي ٌ
راحل
يغزل اشياؤه
برمل ِ الصحراء
وتيه المعتّقين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق