أدب الحرب والفخر في نظم الشاعر الشيخ ستار الزهيري
دراسة نقدية في قصيدة (مجابهات مزمنة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدبُ الحربِ والحماسة والفخر لايخلو منه أيّ مجتمع من مجتمعات الارض ، فهو جزء من تراثها ، ويصل ماضيها بحاضرها ، ويوقد فيها مشاعل الكرامة والزهو والاعتداد بالنفس .
لقد تَجذَّر هذا النوع من الادب ـ بفنيه الشعر والنثر ـ في الادب العربي ، حتى بات بؤرة لدراسة التاريخ بسبب كثرة الحروب والغزوات بين قبائل العرب داخلياً ، وبين العرب والاقوام الأخرى خارجيا ، حتى برع اهل الشعر في تقديم هذا النوع من النظم ، وتفننوا في نظمه وسبكه وعرضه . وكان يشتد ويتَّـقد ويتوهج لهيبهُ أيام الحروب والغزوات ، فلا تجد شاردة ولا واردة في معاجم الحرب من سلاح وعتاد وفخر وحماسة الا وفاض بها هذا النوع من الشعر، حتى وكأن السامع يعيش وسط معارك ملتهبة لاهبة لعمق وقوة التصوير الشعري من صهيل خيل وقعقعة سلاح وهدير إبل وزفرات أنفاس محاربين . لذا فهو يحتاج الى ناظم ذكيَّ فَطنٍ لَبِقٍ مُستعد للمجازفة والولوج في هذا المضمار.
وللخوض في هذا الشأن نحتاج الى اكثر من مقال ، لكن لابأس بقطافٍ نقديٍّ لايبخل بإلقاء ولو ببعض الضوء عليه .
الشاعر العراقي الشيخ ( ستار الزهيري ) من محافظة الديوانية في حوض (الفرات الأوسط) ذلك الحوض الذي مازال ولّاداً لفحول الادب والعلم رغم احاطتهم بغبار الإهمال من قبل الحكومات المتواترة ، الا انهم لايزالون الأكثر قدرة على التدفق واختراق السحب المغبرة .
الشيخ (الزهيري) قلم يكتب وينظم بحرفية ومهارة ، فهو يلج عوالم المناسبات ليكتب عنها بجمال باذخ وبلغة ثرية مترفة .
تابعت نتاجاته منذ فترة طويلة ، حتى وجدتُ امامي هذا النص الرشيق المتوقد اللامع الرائع ، والذي أكاد اجزم قاطعا بانه وُلِدَ من رحم ألألم ، وحَمْلهُ وفِصاله في (أحد عشر) بيتا شعريا لاغير . وصغر فضائه النظمي هو الذي ميّزه بعمق التكثيف وبقوة السبك وجمال الوصف وقوة النسج وبلاغة الومضة والاشارة ، وهو يندرج في مرتبة (القصيدة) لكونه يتألف من (أحد عشر) بيتا شعريا .
فـائـدة /
دراسة نقدية في قصيدة (مجابهات مزمنة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدبُ الحربِ والحماسة والفخر لايخلو منه أيّ مجتمع من مجتمعات الارض ، فهو جزء من تراثها ، ويصل ماضيها بحاضرها ، ويوقد فيها مشاعل الكرامة والزهو والاعتداد بالنفس .
لقد تَجذَّر هذا النوع من الادب ـ بفنيه الشعر والنثر ـ في الادب العربي ، حتى بات بؤرة لدراسة التاريخ بسبب كثرة الحروب والغزوات بين قبائل العرب داخلياً ، وبين العرب والاقوام الأخرى خارجيا ، حتى برع اهل الشعر في تقديم هذا النوع من النظم ، وتفننوا في نظمه وسبكه وعرضه . وكان يشتد ويتَّـقد ويتوهج لهيبهُ أيام الحروب والغزوات ، فلا تجد شاردة ولا واردة في معاجم الحرب من سلاح وعتاد وفخر وحماسة الا وفاض بها هذا النوع من الشعر، حتى وكأن السامع يعيش وسط معارك ملتهبة لاهبة لعمق وقوة التصوير الشعري من صهيل خيل وقعقعة سلاح وهدير إبل وزفرات أنفاس محاربين . لذا فهو يحتاج الى ناظم ذكيَّ فَطنٍ لَبِقٍ مُستعد للمجازفة والولوج في هذا المضمار.
وللخوض في هذا الشأن نحتاج الى اكثر من مقال ، لكن لابأس بقطافٍ نقديٍّ لايبخل بإلقاء ولو ببعض الضوء عليه .
الشاعر العراقي الشيخ ( ستار الزهيري ) من محافظة الديوانية في حوض (الفرات الأوسط) ذلك الحوض الذي مازال ولّاداً لفحول الادب والعلم رغم احاطتهم بغبار الإهمال من قبل الحكومات المتواترة ، الا انهم لايزالون الأكثر قدرة على التدفق واختراق السحب المغبرة .
الشيخ (الزهيري) قلم يكتب وينظم بحرفية ومهارة ، فهو يلج عوالم المناسبات ليكتب عنها بجمال باذخ وبلغة ثرية مترفة .
تابعت نتاجاته منذ فترة طويلة ، حتى وجدتُ امامي هذا النص الرشيق المتوقد اللامع الرائع ، والذي أكاد اجزم قاطعا بانه وُلِدَ من رحم ألألم ، وحَمْلهُ وفِصاله في (أحد عشر) بيتا شعريا لاغير . وصغر فضائه النظمي هو الذي ميّزه بعمق التكثيف وبقوة السبك وجمال الوصف وقوة النسج وبلاغة الومضة والاشارة ، وهو يندرج في مرتبة (القصيدة) لكونه يتألف من (أحد عشر) بيتا شعريا .
فـائـدة /
{ إن البيت الشعري الواحد يسمى (اليتيم) والبيتين يسميان (نُتفة) ، وان كان النص يتالف من ثلاثة ابيات شعرية الى تسعة يسمى (قطعة) شعرية ، وإن كان يتألف من سبعة ابيات شعرية او أكثر فيسمى (قصيدة) }.
عندما تلتهب المشاعر وتتوقد المَلَكة الشعرية لدى الناظم ، ويُسقِط ارهاصاته كفكرة متكاملة ، ليسكبها في دلوٍ واحدٍ فلايزيد عليها ولايُنقِص ؛ يكون النظم اكثر ثباتا واكثر عنفوانا ، فيغادره التكلّف والتصنّع ، ويأتي الحرف طازجا ناضجا يكاد يقول اقطفوني.
لذا فشاعرنا الشيخ ( ستار الزهيري ) ومن خلال متابعاتي الكثيرة لسلوكه النسجي وجدته يعتصر الفائدة بما تجود به عليه مَلَكَته التأليفية ، فلايهمه طول النص او قصره ، انما الذي يهمه هو كيفية نفوذ الهدف الى فكر المتلقي ، وكيفية موائمة الفكرة مع السبك والنظم ، وهذا من جمال الذوق ، وذكاء الأسلوب ، وسلامة الغاية وصدق النية ، وكلها تعتبر من مراتب الجودة والوضوح لدى المؤلف .
لنتأمل أولا هذا النص الثري بالفوائد النقدية :
القصيدة
.........
( مُجابهات مُزمنة )
الشاعر / ستار الزهيري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا دهرُ إن مَحاسني تَرجوني ... أَنْ لا أغادرَ مُقلتي وَجفوني
فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي ... وعلامَ جعجعةُ الوغى تَدنوني
لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ... ترجوهُ من جيشٍ بلا مضمونِ
واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ ... مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ
أَمّا لواؤُكَ فالهزيمةُ تاجُهُ ... إنْ عادَ في تاجٍ لهُ مأمونِ
أنا إنْ لَوَتْ أقدارُ عمري مَعقلاً ... فلأنَّها غرسُ الإِبى بسجونِ
يا أيُّها الماضي المُسفُّ تَسائُلاً ... ماذا جنيتَ من الرُكامِ الدوني
وتركتَ غَيماً بالمكارمِ ماطِراً... فرشَ البسيطةَ بالندى المَكنونِ
أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ ... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني
أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا ... إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ
فآنبذْ إليكَ على سواءٍ ساكتاً ... إن السكوتَ سجيةُ المدفونِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ سنحدد اتجاه العدسة في مقالنا النقدي هذا ، لتفَحّص أدب الحرب والحماسة والفخر فقط .
ــ هكذا نصوص شعرية تعكس نوعاً من المجابهات العسكرية ، ولابد ان يتخللها طابع الفخر والحماس ، ومادام النص لايصف معركة بذاتها ؛ إذا هو تعبير وصفي تصوري لأمرٍ قد حدثَ ومازال ؛ مصحوباً بتساؤلات ونداءات مع فيض وجداني ظاهر للعيان .
ــ ان الحماسة والفخر من الفنون التي تعامل بها اهل الشعر والنثر منذ تاريخ طويل ، فهي تحتاج الى عاطفة جياشة مبدعة صادقة ، وتحتاج الى قدرة ذاتية على افراز الخيال الخصب لنسج عبارات بالفاظ موافقة للحال .
ــ شعر الحماسة والحرب والفخر يحتفظ دائما بمزايا وسمات يتفرد بها عن غيره من الأغراض الشعرية ، وقد استطاع الشاعر الشيخ (ستار الزهيري) أن يعكس بعضاً من هذه السمات رغم كثافة النص وصغر مساحته ، كونه ناظما حاذقاً نسّاجاً يعرف كيف يعرض قُماشته الأدبية .
ــ لنتجول في هذا النص المكثف ولنتفحص ونكتشف مكنونات هذا النوع من الادب :
• الـفـكـرة /
ــــــــــــــــ
من اهم اركان الفعل التأليفي هو حضور الفكرة . إن المؤلف الحاذق هو الذي يستثمر الفكرة استثماراً تاما ويحيط بكل فضاءاتها ، والكثير من النصوص الشعرية تشرق امامنا بفكرة واحدة بغض النظر عن صورها الشعرية المتداخلة والمتنوعة ، لكن في هذه المحطة النقدية نجد شاعرنا (الزهيري) قد حمَّلَ الفكرة عدة تأويلات جَعلتْ المتلقي يتامل بعمق للوصول الى جوهر التفسير .
الفكرة برمتها هي خطاب الشاعر للدهر وهذا الزمان الدنيوي ، الا ان ذكاء الشاعر جعل هذا الخطاب يحمل أسلوب المجابهة الحربية والعسكرية ، مما ولّدَ فضاءً شعرياً ثرياً يعكس ادب المعركة بكل حيثياتها ، والاجمل من ذلك ؛ ان المتلقي يستطيع أن يُئوِّل ضمير التملك (أنا) الى الوطن بسبب ذكاء الرصف وخبرة السبك ، وكل هذه التفسيرات تنصهر في بوتقة واحدة وهي (المجابهة) والتي سنتعرف عليها من خلال ما سيأتي .
• العنوان /
ــــــــــــــــــ
للأسف لم يكن العنوان بذات أهمية للنقاد إلا حديثا حينما احتوته الدراسات (السيميائية) المعاصرة ، فباتت له أهمية بالغة ، كونه مفتاحا مهماً يفيد في استنطاق النص والولوج الى عالمه وتفحص جنباته ، وسيكون لنا بحث آخرا في هذا الشأن ان شاء الله تعالى .
عنوان النص الماثل امامنا (مجابهات مزمنة) عبارة عن جملة (اسمية) تركَّبتْ من اسمين (مبتدأ وخبر) ، وهكذا عنوان عندما يأتي بصيغة جملة (اسمية) فهو يفيد الدلالة على ثبوت الشيء لشيء ، فلا ننتظر تجدداً او استمراراً . وعندما يتطلع المتلقي الى العبارة سيدرك ان الشاعر أراد بالمجابهات والمواجهات ان تكون ثابتة الأَزمَنَة ، فلا داعي للتساؤل : هل تستمر ام لا او هل تتجدد ام لا ؟ فهي مزمنة ومازالت مستمرة مع استمرارية الزمن . وهذا الانتخاب لهكذا (عنوان) هو من دواعي الذكاء في النسج .
إذا نحن امام علامة وأثر دلالي لقراءة عمق النص ، ومثل الشيخ (ستار الزهيري) لايقطف ما لم ينضج ولا يأت بما لا يعرف ، فهو أدرى بهذه العلامات والدلالات والتي ـ للأسف ـ يغفل عنها الكثير .
ان العنوان يعتبر اكبر ما في النص ، فهو الجوهرة التي تُغري المتلقي لجذب اهتمامه ، كونها تنطوي على مفاتيح واسرار النص ، وهو الأثر الظاهر الذي يدل على الأثر الباطن للقصيدة .
إذاً عند قراءتنا لهذا العنوان (مجابهات مزمنة) سيتبادر الى اذهاننا نوع من المواجهات والصدامات بين طرفين او اطراف متعددة ، فلابد لنا ان نبحث عن هذه المواجهات للتعرف على أطرافها ، سماتها ، ادواتها ، أسبابها ، وسيكون العنوان أثراً عالقاً ذهنياً وموازيا لفعل النقد اثناء القراءة والفحص والتحليل ، حيث استنبط الشاعر عنوان قصيدته من محتوى النص ومضمونه ومجموع احداثه وتفاعلاتها .
• ضمير المتكلم /
ــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا النوع من الشعر يكثر الشعراء من استعمال ضمير المتكلم المفرد (انا) لأنه الضمير المناسب لأدب المعركة ولإبراز معاني الحماس ، فهو ضمير الاعتداد بالنفس وضمير الزهو والفخر . لذا نجد الشاعر قد زجَّ هذا الضمير في ثلاثة ابيات شعرية :
" أنا إنْ لَوَتْ أقدارُ عمري مَعقلاً.....فلأنَّها غرسُ الإِبى بسجونِ "
"أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني "
وفي البيت الثالث زجَّ بضمير المتكلم (انا) في شطر واحد ثلاث مرات بأسلوب فني ابداعي جميل :
" أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا....إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ "
• الجانب الفني للنص /
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُعتبر الجانب الفني للنص هو الجوهر الذي يشع بكل الطاقة التي اختزنها الشاعر في قصيدته ، فالشاعر الحذق عندما يروم أن ينظم نصّاً شعرياً ليترجم غرضاً معينا ، لابد له ان يكون مُلِمّاً بأسس وسِمات هذا الغرض ، وإلا سيكون النص مجردَ نوع ٍ من الغثيان.
ان الجانب الفني في هكذا نوع من النظم يتوزع على عتبات فنية كثيرة . والنص الذي بين أيدينا قد تضمن عتبات فنية مختلفة .... منها :
1ـ بنية النص السردية
......................
يعمد الناظمون في هذا النوع من الشعر الى اعتماد المقاطع الحماسية ، وتوسيع المعاني ، حتى الوصول الى السرد والتفصيل ، مع توليد معان جديدة محاطة بعناصر قصصية من شخوص وحيز زماني ومكاني واحداث متفاعلة .
ففي البيت الأول وهو مطلع النص ، ظهر الحيز الزماني واضحا بلفظة (الدهر) وهو الزمن الدنيوي طال ام قصر :
" يا دهرُ إن مَحاسني تَرجوني...أَنْ لا أغادرَ مُقلتي وَجفوني "
وفي البيتين الشعريين الثاني والرابع صرَّح الشاعر بالحيز المكاني ( منافذي ، السواتر)
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجعةُ الوغى تَدنوني "
" واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ......مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ "
اما الشخوص فقد استعمل الشاعر الضمير الشخصي المتكلم (انا) وإن استعمال هذا الضمير هو دلالة إثبات الانتماء وإبراز الهوية لغرض التحدّي والمقاومة ، ويمكن للمتلقي الحاذق ان يئوّل الضمير كأشارة من بعيد الى (الوطن) كما تجلَّى ذلك عند الكثير من الابيات الشعرية في النص ، وأشرقها بياناً هو البيت الشعري التاسع :
" أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني "
إن الفعل السردي يكون متفاعلا بوجود أفعال (الحركة) والتي توزعت بين ثنايا القصيدة حسب مقتضى الحال مثلا (أغادر ، تدنوني ، عادَ ، لملمْ ، لوَت ، اكتبْ ) . وهذه الأفعال عادة تغذي النص بالفعالية الحركية ان كانت انتقالية أو حسية مما توفر نشاطات متبادلة ، كي يناور بها الشاعر لينشيء لوحات ملحمية تناسب الفكرة والحدث ، وتستطيع النفوذ بقوة الى ذهن المتلقي .
2ـ الأثر التاريخي
.......................
السردية التي يُنْظِم الشاعر أحداثها بتفاعل عناصرها لابد ان يكون للأثر التاريخي دلالة فيها ، خاصة وإن الشاعر جعل للزمن الماضي مدخلا للـ (فخر) في قصيدته ، فقد استشهد الشاعر بالتاريخ والماضي وجعل (الورى) أي الخلق الكثير من الناس ـ شاهدا على ذلك ، وجعله اثراً للدلالة على عنوان شجاعته .
" أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني "
هذه الاثار تنقل النص من المجرد الى المحسوس ، ومن الانشاء الزائل الى النظم والمعنى الخالد . وهذه الوظائف الجمالية هي التي ستنتقل بالمتلقي من عالم القراءة الى عالم التأمل واستكشاف فضاءات النص .
عندما تلتهب المشاعر وتتوقد المَلَكة الشعرية لدى الناظم ، ويُسقِط ارهاصاته كفكرة متكاملة ، ليسكبها في دلوٍ واحدٍ فلايزيد عليها ولايُنقِص ؛ يكون النظم اكثر ثباتا واكثر عنفوانا ، فيغادره التكلّف والتصنّع ، ويأتي الحرف طازجا ناضجا يكاد يقول اقطفوني.
لذا فشاعرنا الشيخ ( ستار الزهيري ) ومن خلال متابعاتي الكثيرة لسلوكه النسجي وجدته يعتصر الفائدة بما تجود به عليه مَلَكَته التأليفية ، فلايهمه طول النص او قصره ، انما الذي يهمه هو كيفية نفوذ الهدف الى فكر المتلقي ، وكيفية موائمة الفكرة مع السبك والنظم ، وهذا من جمال الذوق ، وذكاء الأسلوب ، وسلامة الغاية وصدق النية ، وكلها تعتبر من مراتب الجودة والوضوح لدى المؤلف .
لنتأمل أولا هذا النص الثري بالفوائد النقدية :
القصيدة
.........
( مُجابهات مُزمنة )
الشاعر / ستار الزهيري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا دهرُ إن مَحاسني تَرجوني ... أَنْ لا أغادرَ مُقلتي وَجفوني
فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي ... وعلامَ جعجعةُ الوغى تَدنوني
لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ... ترجوهُ من جيشٍ بلا مضمونِ
واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ ... مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ
أَمّا لواؤُكَ فالهزيمةُ تاجُهُ ... إنْ عادَ في تاجٍ لهُ مأمونِ
أنا إنْ لَوَتْ أقدارُ عمري مَعقلاً ... فلأنَّها غرسُ الإِبى بسجونِ
يا أيُّها الماضي المُسفُّ تَسائُلاً ... ماذا جنيتَ من الرُكامِ الدوني
وتركتَ غَيماً بالمكارمِ ماطِراً... فرشَ البسيطةَ بالندى المَكنونِ
أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ ... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني
أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا ... إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ
فآنبذْ إليكَ على سواءٍ ساكتاً ... إن السكوتَ سجيةُ المدفونِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ سنحدد اتجاه العدسة في مقالنا النقدي هذا ، لتفَحّص أدب الحرب والحماسة والفخر فقط .
ــ هكذا نصوص شعرية تعكس نوعاً من المجابهات العسكرية ، ولابد ان يتخللها طابع الفخر والحماس ، ومادام النص لايصف معركة بذاتها ؛ إذا هو تعبير وصفي تصوري لأمرٍ قد حدثَ ومازال ؛ مصحوباً بتساؤلات ونداءات مع فيض وجداني ظاهر للعيان .
ــ ان الحماسة والفخر من الفنون التي تعامل بها اهل الشعر والنثر منذ تاريخ طويل ، فهي تحتاج الى عاطفة جياشة مبدعة صادقة ، وتحتاج الى قدرة ذاتية على افراز الخيال الخصب لنسج عبارات بالفاظ موافقة للحال .
ــ شعر الحماسة والحرب والفخر يحتفظ دائما بمزايا وسمات يتفرد بها عن غيره من الأغراض الشعرية ، وقد استطاع الشاعر الشيخ (ستار الزهيري) أن يعكس بعضاً من هذه السمات رغم كثافة النص وصغر مساحته ، كونه ناظما حاذقاً نسّاجاً يعرف كيف يعرض قُماشته الأدبية .
ــ لنتجول في هذا النص المكثف ولنتفحص ونكتشف مكنونات هذا النوع من الادب :
• الـفـكـرة /
ــــــــــــــــ
من اهم اركان الفعل التأليفي هو حضور الفكرة . إن المؤلف الحاذق هو الذي يستثمر الفكرة استثماراً تاما ويحيط بكل فضاءاتها ، والكثير من النصوص الشعرية تشرق امامنا بفكرة واحدة بغض النظر عن صورها الشعرية المتداخلة والمتنوعة ، لكن في هذه المحطة النقدية نجد شاعرنا (الزهيري) قد حمَّلَ الفكرة عدة تأويلات جَعلتْ المتلقي يتامل بعمق للوصول الى جوهر التفسير .
الفكرة برمتها هي خطاب الشاعر للدهر وهذا الزمان الدنيوي ، الا ان ذكاء الشاعر جعل هذا الخطاب يحمل أسلوب المجابهة الحربية والعسكرية ، مما ولّدَ فضاءً شعرياً ثرياً يعكس ادب المعركة بكل حيثياتها ، والاجمل من ذلك ؛ ان المتلقي يستطيع أن يُئوِّل ضمير التملك (أنا) الى الوطن بسبب ذكاء الرصف وخبرة السبك ، وكل هذه التفسيرات تنصهر في بوتقة واحدة وهي (المجابهة) والتي سنتعرف عليها من خلال ما سيأتي .
• العنوان /
ــــــــــــــــــ
للأسف لم يكن العنوان بذات أهمية للنقاد إلا حديثا حينما احتوته الدراسات (السيميائية) المعاصرة ، فباتت له أهمية بالغة ، كونه مفتاحا مهماً يفيد في استنطاق النص والولوج الى عالمه وتفحص جنباته ، وسيكون لنا بحث آخرا في هذا الشأن ان شاء الله تعالى .
عنوان النص الماثل امامنا (مجابهات مزمنة) عبارة عن جملة (اسمية) تركَّبتْ من اسمين (مبتدأ وخبر) ، وهكذا عنوان عندما يأتي بصيغة جملة (اسمية) فهو يفيد الدلالة على ثبوت الشيء لشيء ، فلا ننتظر تجدداً او استمراراً . وعندما يتطلع المتلقي الى العبارة سيدرك ان الشاعر أراد بالمجابهات والمواجهات ان تكون ثابتة الأَزمَنَة ، فلا داعي للتساؤل : هل تستمر ام لا او هل تتجدد ام لا ؟ فهي مزمنة ومازالت مستمرة مع استمرارية الزمن . وهذا الانتخاب لهكذا (عنوان) هو من دواعي الذكاء في النسج .
إذا نحن امام علامة وأثر دلالي لقراءة عمق النص ، ومثل الشيخ (ستار الزهيري) لايقطف ما لم ينضج ولا يأت بما لا يعرف ، فهو أدرى بهذه العلامات والدلالات والتي ـ للأسف ـ يغفل عنها الكثير .
ان العنوان يعتبر اكبر ما في النص ، فهو الجوهرة التي تُغري المتلقي لجذب اهتمامه ، كونها تنطوي على مفاتيح واسرار النص ، وهو الأثر الظاهر الذي يدل على الأثر الباطن للقصيدة .
إذاً عند قراءتنا لهذا العنوان (مجابهات مزمنة) سيتبادر الى اذهاننا نوع من المواجهات والصدامات بين طرفين او اطراف متعددة ، فلابد لنا ان نبحث عن هذه المواجهات للتعرف على أطرافها ، سماتها ، ادواتها ، أسبابها ، وسيكون العنوان أثراً عالقاً ذهنياً وموازيا لفعل النقد اثناء القراءة والفحص والتحليل ، حيث استنبط الشاعر عنوان قصيدته من محتوى النص ومضمونه ومجموع احداثه وتفاعلاتها .
• ضمير المتكلم /
ــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا النوع من الشعر يكثر الشعراء من استعمال ضمير المتكلم المفرد (انا) لأنه الضمير المناسب لأدب المعركة ولإبراز معاني الحماس ، فهو ضمير الاعتداد بالنفس وضمير الزهو والفخر . لذا نجد الشاعر قد زجَّ هذا الضمير في ثلاثة ابيات شعرية :
" أنا إنْ لَوَتْ أقدارُ عمري مَعقلاً.....فلأنَّها غرسُ الإِبى بسجونِ "
"أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني "
وفي البيت الثالث زجَّ بضمير المتكلم (انا) في شطر واحد ثلاث مرات بأسلوب فني ابداعي جميل :
" أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا....إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ "
• الجانب الفني للنص /
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُعتبر الجانب الفني للنص هو الجوهر الذي يشع بكل الطاقة التي اختزنها الشاعر في قصيدته ، فالشاعر الحذق عندما يروم أن ينظم نصّاً شعرياً ليترجم غرضاً معينا ، لابد له ان يكون مُلِمّاً بأسس وسِمات هذا الغرض ، وإلا سيكون النص مجردَ نوع ٍ من الغثيان.
ان الجانب الفني في هكذا نوع من النظم يتوزع على عتبات فنية كثيرة . والنص الذي بين أيدينا قد تضمن عتبات فنية مختلفة .... منها :
1ـ بنية النص السردية
......................
يعمد الناظمون في هذا النوع من الشعر الى اعتماد المقاطع الحماسية ، وتوسيع المعاني ، حتى الوصول الى السرد والتفصيل ، مع توليد معان جديدة محاطة بعناصر قصصية من شخوص وحيز زماني ومكاني واحداث متفاعلة .
ففي البيت الأول وهو مطلع النص ، ظهر الحيز الزماني واضحا بلفظة (الدهر) وهو الزمن الدنيوي طال ام قصر :
" يا دهرُ إن مَحاسني تَرجوني...أَنْ لا أغادرَ مُقلتي وَجفوني "
وفي البيتين الشعريين الثاني والرابع صرَّح الشاعر بالحيز المكاني ( منافذي ، السواتر)
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجعةُ الوغى تَدنوني "
" واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ......مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ "
اما الشخوص فقد استعمل الشاعر الضمير الشخصي المتكلم (انا) وإن استعمال هذا الضمير هو دلالة إثبات الانتماء وإبراز الهوية لغرض التحدّي والمقاومة ، ويمكن للمتلقي الحاذق ان يئوّل الضمير كأشارة من بعيد الى (الوطن) كما تجلَّى ذلك عند الكثير من الابيات الشعرية في النص ، وأشرقها بياناً هو البيت الشعري التاسع :
" أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني "
إن الفعل السردي يكون متفاعلا بوجود أفعال (الحركة) والتي توزعت بين ثنايا القصيدة حسب مقتضى الحال مثلا (أغادر ، تدنوني ، عادَ ، لملمْ ، لوَت ، اكتبْ ) . وهذه الأفعال عادة تغذي النص بالفعالية الحركية ان كانت انتقالية أو حسية مما توفر نشاطات متبادلة ، كي يناور بها الشاعر لينشيء لوحات ملحمية تناسب الفكرة والحدث ، وتستطيع النفوذ بقوة الى ذهن المتلقي .
2ـ الأثر التاريخي
.......................
السردية التي يُنْظِم الشاعر أحداثها بتفاعل عناصرها لابد ان يكون للأثر التاريخي دلالة فيها ، خاصة وإن الشاعر جعل للزمن الماضي مدخلا للـ (فخر) في قصيدته ، فقد استشهد الشاعر بالتاريخ والماضي وجعل (الورى) أي الخلق الكثير من الناس ـ شاهدا على ذلك ، وجعله اثراً للدلالة على عنوان شجاعته .
" أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني "
هذه الاثار تنقل النص من المجرد الى المحسوس ، ومن الانشاء الزائل الى النظم والمعنى الخالد . وهذه الوظائف الجمالية هي التي ستنتقل بالمتلقي من عالم القراءة الى عالم التأمل واستكشاف فضاءات النص .
3- الإيـقـاع
.............
جاءت القصيدة على بحر الكامل وهو بحر مناسب لهكذا اغراض، فروسية ومعارك وحماسة ، فموسيقى وايقاع هذا البحر توحي بالفخامة ، وإن إيقاع قصيدة الحرب والحماسة والفخر وإن كان يشمل الوزن والقافية إلا انه يتجاوز ذلك بكثير حتى وإن كان وزن القصيدة وحرف رويّها من قبل الشاعر نوعا من الابداع والابتكار ، الا ان إيقاع النص هو الصوت المُجَلجِل والمُهيمن ، الذي يقرع حس ومسامع المتلقي ، وهو محطة التميز لنظم الشاعر ووظيفة مقترنة بعنصر الدلالة والهدف المراد ايصاله الى ذهن المتلقي .
فعندما يكون النص مراده الغزل والتشبيب ، بالتأكيد سيختلف إيقاعه عن ايقاع نص الحرب والحماس . لذلك بنى الشاعر قصيدته على حرف الروي (النون) وهو من حروف الجهر، والتي عندها يكون اللسان بكامل حدَّته وبلاغته وطلاقته ، كونه من حروف (الإذلاق) ، وهذا امر يصب في خانة ذكاء الشاعر (الزهيري) .
إن الايقاع يجب ان يتولد بالتكرار في معظم النص ولا يقف عند بيت شعري معين او صورة شعرية بعينها . لذلك فإن هذا النوع من القصيد يتميز بثراء ايقاعه الداخلي وبشدته وقوّته وتنوعه ، والشاعر الذكي هو الذي يحرص على خلق تناغماً صوتياً كأنه الرعد المُزلزِل بين مكونات الكلام .
وكل شعراء هذا النوع من النظم يعمدون الى توظيف مفردات تعين على تشكيل دلالات سمعية من حيث حسن اختيار الاحرف والاصوات ، ودلالات حسية لمحاكاة المعارك مستندين الى ضروب البديع من التضعيف والتكرار والجناس والتشبيه والاشتقاق وغيرها ، والتي سنتناول مايتسع لها المقال ... وكالآتي :
.............
جاءت القصيدة على بحر الكامل وهو بحر مناسب لهكذا اغراض، فروسية ومعارك وحماسة ، فموسيقى وايقاع هذا البحر توحي بالفخامة ، وإن إيقاع قصيدة الحرب والحماسة والفخر وإن كان يشمل الوزن والقافية إلا انه يتجاوز ذلك بكثير حتى وإن كان وزن القصيدة وحرف رويّها من قبل الشاعر نوعا من الابداع والابتكار ، الا ان إيقاع النص هو الصوت المُجَلجِل والمُهيمن ، الذي يقرع حس ومسامع المتلقي ، وهو محطة التميز لنظم الشاعر ووظيفة مقترنة بعنصر الدلالة والهدف المراد ايصاله الى ذهن المتلقي .
فعندما يكون النص مراده الغزل والتشبيب ، بالتأكيد سيختلف إيقاعه عن ايقاع نص الحرب والحماس . لذلك بنى الشاعر قصيدته على حرف الروي (النون) وهو من حروف الجهر، والتي عندها يكون اللسان بكامل حدَّته وبلاغته وطلاقته ، كونه من حروف (الإذلاق) ، وهذا امر يصب في خانة ذكاء الشاعر (الزهيري) .
إن الايقاع يجب ان يتولد بالتكرار في معظم النص ولا يقف عند بيت شعري معين او صورة شعرية بعينها . لذلك فإن هذا النوع من القصيد يتميز بثراء ايقاعه الداخلي وبشدته وقوّته وتنوعه ، والشاعر الذكي هو الذي يحرص على خلق تناغماً صوتياً كأنه الرعد المُزلزِل بين مكونات الكلام .
وكل شعراء هذا النوع من النظم يعمدون الى توظيف مفردات تعين على تشكيل دلالات سمعية من حيث حسن اختيار الاحرف والاصوات ، ودلالات حسية لمحاكاة المعارك مستندين الى ضروب البديع من التضعيف والتكرار والجناس والتشبيه والاشتقاق وغيرها ، والتي سنتناول مايتسع لها المقال ... وكالآتي :
أ / الأصوات المجهورة
.........................
إن معظم شعراء العرب يميلون الى استعمال اصوات (الجهر) ذات الصدع في هكذا نوع من النظم مثل (عين ، جيم ، لام ، غين ، ميم ، واو ، نون ، راء ، ذال ، ياء ، باء ، دال )َ وهذه الأصوات تسند النزعة الحماسية في النص وتلهب ذات المتلقي في المستويات الملحمية كما في البيت التالي :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجةُ الوغى تَدنوني "
ولو تأملنا هذا البيت لوجدنا الشاعر قد زجَّ بـ (12) حرفاً من مجموع حروف الجهر البالغ (18) حرفا . وهذا من لطائف النظم وقوة السبك ، لذا فعند قراءة هذا البيت الشعري نشعر بقوة اللفظ وشدته بما يناسب القصد والمرام .
ب/ التكرار والاشتقاق
........................
لو تفحصنا جيدا هذه الابيات الشعرية الخمسة والتي تستولي على نصف القصيدة تقريباً :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجعة الوغى تَدنوني "
" واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ......مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ "
" أَمّا لواؤُكَ فالهزيمةُ تاجُهُ.......إنْ عادَ في تاجٍ لهُ مأمونِ "
" أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا....إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ
فآنبذْ إليكَ على سواءٍ ساكتاً....إن السكوتَ سجيةُ المدفونِ "
سنجد ان ظاهرة التكرار والاشتقاق للمفردات واضحة وبارزة في البيت الشعري الواحد او في جسد النص . ويعتبر التكرار من التقنيات التي استعملها الكثير من الشعراء قديما وحديثا كونها ترصد دواخل نفسية معبِّرة ، إضاف لكونها ظاهرة جمالية وايقاعية ، حتى ان الكثير من النصوص استطاعت ان تبلغ ذروة الشهرة عن طريق ابداع الشاعر وابتكاره في تكرار بعض الالفاظ والحروف من خلال حسن رصفها والتفنن بتقنية نسجها وتوليفها مع الفاظ أخرى . فقد وردت الالفاظ في البيت الأول (فعلامَ ، وعلامَ) وفي البيت الثاني (مجنونة ، مجنون ) وفي البيت الثالث (تاجه ، تاجٍ) وفي البيت الرابع (أنا) مكررة ثلاث مرات وفي البيت الخامس (ساكتاً ، السكوت) وهذه السمة الفنية قد اغنت النص بالتوكيد والرسوخ .
من خلال تفحصنا للنص وجدنا الشاعر قد ركّزَ واهتم بتكرار ضمير المتكلم (أنا) فقد تكرر داخل القصيدة خمس مرات ، وهذا التكرار لم يحدث بالصدفة او لضرورات شعرية او نسجية ، انما قد قَصَدَهُ الشاعر حتماً ، كون هذا الضمير يعتبر مركز الثقل الشعوري لانتاج الصور الشعرية المعبرة ، ويعتبر هو الطاقة المُحرِّكة للصورة وأسّها الذي تستند عليه ، ليشكل تلاحما وتظافراً مع الأهداف الأخرى ، فمرة يأتي الضمير بدلالة شخصانية ومرة يمكن تأويله الى الوطن .
جـ/ تطويل وانفتاح المقاطع
.............................
على الناظم ان يستثمر هذه السمة الانفتاحية ، فلا يغلق العبارة او يجعل الفاظ البيت الشعري تتموضع عند حدودها، فالافعال تحتاج الى توظيف ملحمي منفتح لخطاب المعارك وتصغير وتحقير العدو ، وامامنا هذا البيت الرائع الذي استطاع الشاعر الزهيري ان ينظمه وكأنه خطاب معركة ، وقد بدأ مسترسلاً ولم يوقفه الا حرف الروي .
........................
لو تفحصنا جيدا هذه الابيات الشعرية الخمسة والتي تستولي على نصف القصيدة تقريباً :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجعة الوغى تَدنوني "
" واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ......مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ "
" أَمّا لواؤُكَ فالهزيمةُ تاجُهُ.......إنْ عادَ في تاجٍ لهُ مأمونِ "
" أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا....إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ
فآنبذْ إليكَ على سواءٍ ساكتاً....إن السكوتَ سجيةُ المدفونِ "
سنجد ان ظاهرة التكرار والاشتقاق للمفردات واضحة وبارزة في البيت الشعري الواحد او في جسد النص . ويعتبر التكرار من التقنيات التي استعملها الكثير من الشعراء قديما وحديثا كونها ترصد دواخل نفسية معبِّرة ، إضاف لكونها ظاهرة جمالية وايقاعية ، حتى ان الكثير من النصوص استطاعت ان تبلغ ذروة الشهرة عن طريق ابداع الشاعر وابتكاره في تكرار بعض الالفاظ والحروف من خلال حسن رصفها والتفنن بتقنية نسجها وتوليفها مع الفاظ أخرى . فقد وردت الالفاظ في البيت الأول (فعلامَ ، وعلامَ) وفي البيت الثاني (مجنونة ، مجنون ) وفي البيت الثالث (تاجه ، تاجٍ) وفي البيت الرابع (أنا) مكررة ثلاث مرات وفي البيت الخامس (ساكتاً ، السكوت) وهذه السمة الفنية قد اغنت النص بالتوكيد والرسوخ .
من خلال تفحصنا للنص وجدنا الشاعر قد ركّزَ واهتم بتكرار ضمير المتكلم (أنا) فقد تكرر داخل القصيدة خمس مرات ، وهذا التكرار لم يحدث بالصدفة او لضرورات شعرية او نسجية ، انما قد قَصَدَهُ الشاعر حتماً ، كون هذا الضمير يعتبر مركز الثقل الشعوري لانتاج الصور الشعرية المعبرة ، ويعتبر هو الطاقة المُحرِّكة للصورة وأسّها الذي تستند عليه ، ليشكل تلاحما وتظافراً مع الأهداف الأخرى ، فمرة يأتي الضمير بدلالة شخصانية ومرة يمكن تأويله الى الوطن .
جـ/ تطويل وانفتاح المقاطع
.............................
على الناظم ان يستثمر هذه السمة الانفتاحية ، فلا يغلق العبارة او يجعل الفاظ البيت الشعري تتموضع عند حدودها، فالافعال تحتاج الى توظيف ملحمي منفتح لخطاب المعارك وتصغير وتحقير العدو ، وامامنا هذا البيت الرائع الذي استطاع الشاعر الزهيري ان ينظمه وكأنه خطاب معركة ، وقد بدأ مسترسلاً ولم يوقفه الا حرف الروي .
" لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ...... ترجوهُ من جيشً بلا مضمونِ "
او في هذين البيتين الشعريين :
" يا أيُّها الماضي المُسفُّ تَسائُلاً.....ماذا جنيتَ من الرُكامِ الدوني
وتركتَ غَيماً بالمكارمِ ماطِراً....فرشَ البسيطةَ بالندى المَكنونِ "
نلاحظ كيف استمر الشاعر في الانفتاح ولم يتوقف بالتساؤل ، حيث استمر متسائلا في البيت الثاني لاكمال الصورة الشعرية .
او في هذين البيتين الشعريين :
" يا أيُّها الماضي المُسفُّ تَسائُلاً.....ماذا جنيتَ من الرُكامِ الدوني
وتركتَ غَيماً بالمكارمِ ماطِراً....فرشَ البسيطةَ بالندى المَكنونِ "
نلاحظ كيف استمر الشاعر في الانفتاح ولم يتوقف بالتساؤل ، حيث استمر متسائلا في البيت الثاني لاكمال الصورة الشعرية .
4- الصور الشعرية
....................
إن الصورة الشعرية هي جوهر النص وأحد معايير جودته ، ولكي يتمكن الشاعر من ابراز هذه الصور بقوةٍ تلتهمُ ذائقة المتلقي ، لابد له ان يستغل أفكاره وعواطفه في بناء تفاعلات وأواصر بين عناصر الصورة الواحدة بتشكيلات جديدة لم يألفها المتلقي او الناقد ، وهذا ما يجعل الصورة الشعرية مدخلا قرائيا يميّز النص بخصوصية معينة .
ان صور الحرب والفخر والحماس لها منهجها وعنفوانها الخاص ، فقد استعمل (الزهيري) وسائله الصحيحة ، وفرش ادواته المناسبة للتحليق في هذا الفضاء البديع والبليغ والفصيح ، مستخدما التشبيه والاستعارة والمجازات الواضحة المفهومة ، التي لاتحتاج الى قواميس او معاجم لتفسيرها ، وقد يقول قائل بأن كل أنواع القصيد يحتاج هكذا أدوات !!
الجواب / نعم ... لكن يجب ان تتسم هذه الأدوات بما يلي :
أ ـ الـمـبـالـغـة
................
ان معاني المبالغة والافراط والتعصب في النظم لا تحطّ من هيبة الصورة الشعرية في قصيدة الحرب والفخر ، وإنما هي أداة فاعلة لجعل العدو ينهزم نفسيا قبل اللقاء والمواجهة ، لذا فقد استنفذ كل الشعراء طاقاتهم وفعلوا الافاعيل في تشكيل ونظم صور بالغة الغلو ، وهذا الامر لايغيب عن خاطر شاعرنا ، فهو اعرف بعتاد كنانته و ادواته ، وهو يعرف كيف يختار الوانه وتشكيلاته ، فجاء ببيان ناصع بليغ ضمن صوره الشعرية .... ولنتفحص مثالا على هذه الصورة :
" أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني
أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا....إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ "
هكذا خطاب لابد من حضوره في اللقاءات والمواجهات ، فالفخر يزيد من الهمَّة ويشمّر عن السواعد لاستنهاض شهيّة الجنود للمواجهة ، وتجعل المقابل يفهم بأن الذي امامه ليس فقاعة هواء ، وانما هو جذر راسخ عميق التجربة وواسع الخبرة والمِران ، مما يسبب للعدو ارباكاً نفسياً كبيراً .
كذلك نلاحظ الشاعر قد استعمل لفظة (مُتخَم) وهو مفعول (اتخَمَ) وهذا مجاز رائع ، ومناسب جدا لمعنى المبالغة ، فتاريخه مملوء بالفخر والنصر والزهو ، ومع هذا فهو لايقولها (مفاخراً) لان العالم هو الذي يشهد له بذلك ، ثم يعرج ببيت شعري آخر وقد بالغ في تكرار ضمير المتكلم (أنا) لأنه من ابلغ الإشارات الدالة ، فيوضح إن سبب المبالغة بتكرار (انا انا) ليس غروراً ، لكنه دفاع عن النفس ودفاع عما اقول ، فأنا (ثائر) (مفتون) أي ؛ مأخوذ ومولَّع ومندهش ومُعجَب بتاريخي العظيم .
لله درك يا أيها (الزهيري) ، فلقد أبلغت وأوفيت فأزهرت .
ب/ الـدقّـة
..............
الصور الوصفية في شعر الحرب والفخر تحتاج الى دِقّة في السبك ودقّة في انتقاء اللفظ كونه سجلا تاريخيا حافلا بالمعطيات الدالة وليس نزهة في عالم الادب ، فأدب الحرب لايُنظَم الا من اجل فكرة تتمحور حولها احداثيات واضحة وبيّنة .
لنتأمل بيتا واحدا كمثالٍ على ماتقدم :
" لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ...... ترجوهُ من جيشٍ بلا مضمونِ "
يالها من صورة دالة حاكمة مُحقِرّة للجبهة المقابلة ، حيث ابتدأها بفعل الامر (لملِمْ) ليضمن الاستعلاء ، ثم يأتي بعبارة (نصرٍ تافه) ولم يستخدم لفظة هزيمة او مايرادفها ، لان المواجهة لم تحدث بعد ، فلابد من استخدام العامل النفسي ، ثم جاء بعبارة قاصمة محقِّرة عندما ختم الخطاب بـ (جيشٍ بلا مضمونِ) والمفردة (مضمون) قد تعامل الشاعر معها بذكاء مفرط فهي تعنى الـ (الفحوى) وعندما يكون الجيش بلا فحوى ولا معنويات ، فبالتأكيد سيكون عبارة عن بيادق شطرنج جامدة لاغير، وهذه الالفاظ مناسبة جداً لإذلال المقابل واخضاعه ، وهي تتضمن معان كثيرة كلها تخص العمق والداخل .
ثم لو تأملنا مفردة (لملمْ) وكيف وظَّفها الشاعر (الزهيري) بذكاء وبدقة ، فهي تعني (جمع ماتفرقَ) وكان من الممكن ان يأتي الشاعر بمفردة (اسحب) وهي من الفاظ المعجم العسكري ، لكنه أراد اذلال عدوه ، فأمره مستهينا بقدراته : اجمع جنودك المتفرقين ، فأي نصر ترجوه من جيش بلا فحوى وبلا معنويات او مضمون ؟؟
وبهذا اجهز على عدوه مقدماً وابتداءً، وهكذا في ابيات أخرى لم نستعرضها منعا للإطالة والاسهاب .
جـ / الـتَنَـدّر والتـوبـيخ
.........................
جاء الشاعر بلفظة (علامَ) وتعني (لماذا) وهي كلمة تتألف من حرف الجر (على) و (ما) الاستفهامية . وجاءت هذه الكلمة مكررة في الشطرين من البيت التالي :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي ... وعلامَ جعجةُ الوغى تَدنوني "
والشاعر هنا لم يأت بـ (علامَ) لغرض الاستفهام الحقيقي عن شيء ، فليس كل استفهام يكون طلبا للفهم ، والعكس صحيح أيضا ، والشاعر كرر (علامَ) بسؤالين احدهما في صدر البيت والآخر في عجزه . فعندما تسائل الشاعر عن سبب هذا القتال عند المنافذ والثغور وعن سبب أقتراب ودنو هذه الجعجعة والاصوات الهادرة ، لم يكن التساؤل استفهاما عن حقيقة واقعة او ستقع ، وكذلك لم يكن تساؤلا عن امر لايعلمه ، فمن الممكن ان يستفهِم المُستَفِهم عن امرٍ يعلمه لسبب فني يضمره ـ واكاد اعتبره استفهاما بلاغيا ـ لان الشاعر أراد بهذا الاستفهام التوبيخ والاستهزاء للمقابِل وتحقيره والتقليل من شأنه ، والدليل على ذلك ماجاء في البيت الشعري الذي يليه :
" لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ... ترجوهُ من جيشٍ بلا مضمونِ "
أي بمعنى ؛ ماسبب هذه الجموع وهذه الجعجعة ؟؟ لملم فلول جيشك ، فهو مهزوم لامحالة .
وهذا نظم ورصف بديع وبليغ ورائع جداً ، حتى وكأن الشاعر أعدَّ لكلِّ امرٍ عدَّته .
ومن الأساليب التي تحتاجها سوح المعارك لمجابهة الأعداء ، هي أساليب التندّر ، لما لها من تأثير جارف في انتكاس العدو ، ووقف زحفه ، ومراجعة ذاته .
ففي البيت الشعري الخامس استعمل الشاعر أسلوب التندر والاستخفاف بالعدو :
" أَمّا لواؤُكَ فالهزيمةُ تاجُهُ.......إنْ عادَ في تاجٍ لهُ مأمونِ "
فالشاعر هنا يتندر ويسخر من عدوه ويتحدّاه ، فيخاطبه بان جيشك مكسور اللواء وسيكون تاجه عنوان الهزيمة لا النصر ، حتى وإن كان الجيش يحمل تاجاً (مُؤَمَناً عليه) . وهذا تعبير مجازي جميل وإشارة دالة رائعة ، وهو من لطيف الوصف والتندر وأبلغه.
د / مشهدية وحركة الصورة الشعرية
..........................................
في البيت الشعري التالي :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجعةُ الوغى تَدنوني "
هنا نجد الشاعر قد حرَّكَ الصورة الشعرية ، كونها صورة حرب ، والحرب فضاء مُفعَم بالحركة والاهتزاز والتزلزل لايعرف السكون ، لذلك فاننا نجد الصورة الشعرية قد اتسع مداها في التساؤل عن سبب تجييش الجيوش على المنافذ الكثيرة الى الاستفهام عن هذه الأصوات العالية (الجعجعة) والتي هي الأخرى احسن الشاعر في توظيفها ، وكان المفروض استعمال مفردة (معمعة) وهي أصوات المقاتلين والسلاح في سوح القتال ، بل وهي الأنسب لهكذا صورة ، لكن ذكاء الشاعر جاء بلفظة مرادفة للصوت (معمعة) التي تعني أصوات الابل الهادرة ، او الصوت المرتفع للرجل الذي يتوعد ولا يستطيع تنفيذ وعيده ، وهذا ـ لعمري ـ هو المطوب في هكذا موقف مع العدو .
هـ / التأثير في العدو
......................
إن تلون الصور الشعرية الرائع في ادب الحرب والفخر هو الهدف الذي ينشده الناظم لاجهاض الهجوم المقابل ، وللتأثير في العدو ، وهو غاية الغايات . وهذا ما وجدناه في تنوع الصور الشعرية في النص ، والتي لانحتاج الى عرضها مرة أخرى منعاً للملل .
و / الأدوات والصور الحسية
................................
لابد للشاعر أن يستلهم صورا حسيّة لتنفذ بعمق وبسرعة الى ذائقة المتلقي ، معتمدا على عتاد المعركة وادواتها وتضاريسها ودوابها ، فنجد الشاعر قد وفَّرَ مايناسب الفكرة من مفردات محسوسة مثل (منافذي ، جنود ، جيش ، سواتر ، لواء ، تاج ، سجون ، معقل ) هذه المحسوسات وظفها الشاعر بحنكة وذكاء بما يناسب الفكرة وبما يناسب مساحة النص . وهي تنقل المتلقي الى فضاءات اكثر حساً ، وبعيدا عن التجريد ، ويفتح أبواب التأمل الى مديات شاسعة ومنفعلة .
ز / الاستعلاء والترفع
.............................
الحرب النفسية في المجابهات والحروب تعتبر من الأهداف والاسلحة التي يهتم بها أصحاب الشأن فهي تجني وتحصد نتائجها بقوة وفاعلية قبل التصادم والاشتباك ، وكثير من الهزائم الكبرى كان سببها الحرب النفسية ، لذا فإن أدب الحرب لابد ان يتعامل معه الناظم ـ كما اسلفنا ـ بذكاء وبدقة ، فانتخاب الالفاظ هو السر العظيم في الخطاب الحربي ، ونوع اللفظ هو الذي يعكس للجبهة المقابلة صورة المتكلم ومدى قوته وعظم شكيمته .
إذا الاستعلاء والترفع امام العدو هو من متطلبات الحرب النفسية ، ولذلك نجد شاعرنا قد اجاد انتخاب الالفاظ التي تعينه على هذا الامر ، فجاء بصيغة فعل الامر عندما إستدعي الامر مخاطبة عدوه ... مثل (لملمْ) كما في البيت الشعري السالف ذكره ، و فعل الامر(أكتبْ) وقد قصدها الشاعر للتباهي عندما امر العدو بكتابة هذه اللافتة الجسورة البليغة على السواتر(مجنونة تنمى الى مجنون) أي ان الحرب سُميت بالمجنونة لكونها تنتمي الى جنوني بالحرب ، وهذه لافتة يجب التوقف عندها طويلا لحسن تصويرها ولعمق بلاغتها ، كما في البيت الشعري التالي :
" واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ......مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ "
ثم فعل الامر(أنبذْ) جاء يحمل النصيحة وخاصة عندما طرح الشاعر مافي جعبته من خطاب كي يختم قصيدته بعجز بيت شعري قام مقام الحكمة والنصيحة للدهر :
" فآنبذْ إليكَ على سواءٍ ساكتاً....إن السكوتَ سجيةُ المدفونِ "
وهذه الأفعال تقدمت ثلاثة ابيات شعرية ولم يجعلها الشاعر متوسطة في الخطاب ، فاراد بذلك الصدح بالامر للاستعلاء والتباهي والنصيحة ابتدأء ، وكأنه الآمر الناهي صاحب القرار المعلّى ، وهذا السلوك البلاغي لا يحضر إلا من جهة الأعلى الى الأدنى ، ويعتبر هذا التصرف من ابلغ مراتب الترفع والاستعلاء ، والذي لايكون محبذاً الا في هكذا مواضع .
....................
إن الصورة الشعرية هي جوهر النص وأحد معايير جودته ، ولكي يتمكن الشاعر من ابراز هذه الصور بقوةٍ تلتهمُ ذائقة المتلقي ، لابد له ان يستغل أفكاره وعواطفه في بناء تفاعلات وأواصر بين عناصر الصورة الواحدة بتشكيلات جديدة لم يألفها المتلقي او الناقد ، وهذا ما يجعل الصورة الشعرية مدخلا قرائيا يميّز النص بخصوصية معينة .
ان صور الحرب والفخر والحماس لها منهجها وعنفوانها الخاص ، فقد استعمل (الزهيري) وسائله الصحيحة ، وفرش ادواته المناسبة للتحليق في هذا الفضاء البديع والبليغ والفصيح ، مستخدما التشبيه والاستعارة والمجازات الواضحة المفهومة ، التي لاتحتاج الى قواميس او معاجم لتفسيرها ، وقد يقول قائل بأن كل أنواع القصيد يحتاج هكذا أدوات !!
الجواب / نعم ... لكن يجب ان تتسم هذه الأدوات بما يلي :
أ ـ الـمـبـالـغـة
................
ان معاني المبالغة والافراط والتعصب في النظم لا تحطّ من هيبة الصورة الشعرية في قصيدة الحرب والفخر ، وإنما هي أداة فاعلة لجعل العدو ينهزم نفسيا قبل اللقاء والمواجهة ، لذا فقد استنفذ كل الشعراء طاقاتهم وفعلوا الافاعيل في تشكيل ونظم صور بالغة الغلو ، وهذا الامر لايغيب عن خاطر شاعرنا ، فهو اعرف بعتاد كنانته و ادواته ، وهو يعرف كيف يختار الوانه وتشكيلاته ، فجاء ببيان ناصع بليغ ضمن صوره الشعرية .... ولنتفحص مثالا على هذه الصورة :
" أنا مُتخمُ التاريخِ غيرُ مُفاخِرٍ.... لكنَّما شَهِدَ الورى بفنوني
أنا لا غرورٌ أنْ أقولَ أنا أنا....إلا دفاعَ الثائرِ المفتونِ "
هكذا خطاب لابد من حضوره في اللقاءات والمواجهات ، فالفخر يزيد من الهمَّة ويشمّر عن السواعد لاستنهاض شهيّة الجنود للمواجهة ، وتجعل المقابل يفهم بأن الذي امامه ليس فقاعة هواء ، وانما هو جذر راسخ عميق التجربة وواسع الخبرة والمِران ، مما يسبب للعدو ارباكاً نفسياً كبيراً .
كذلك نلاحظ الشاعر قد استعمل لفظة (مُتخَم) وهو مفعول (اتخَمَ) وهذا مجاز رائع ، ومناسب جدا لمعنى المبالغة ، فتاريخه مملوء بالفخر والنصر والزهو ، ومع هذا فهو لايقولها (مفاخراً) لان العالم هو الذي يشهد له بذلك ، ثم يعرج ببيت شعري آخر وقد بالغ في تكرار ضمير المتكلم (أنا) لأنه من ابلغ الإشارات الدالة ، فيوضح إن سبب المبالغة بتكرار (انا انا) ليس غروراً ، لكنه دفاع عن النفس ودفاع عما اقول ، فأنا (ثائر) (مفتون) أي ؛ مأخوذ ومولَّع ومندهش ومُعجَب بتاريخي العظيم .
لله درك يا أيها (الزهيري) ، فلقد أبلغت وأوفيت فأزهرت .
ب/ الـدقّـة
..............
الصور الوصفية في شعر الحرب والفخر تحتاج الى دِقّة في السبك ودقّة في انتقاء اللفظ كونه سجلا تاريخيا حافلا بالمعطيات الدالة وليس نزهة في عالم الادب ، فأدب الحرب لايُنظَم الا من اجل فكرة تتمحور حولها احداثيات واضحة وبيّنة .
لنتأمل بيتا واحدا كمثالٍ على ماتقدم :
" لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ...... ترجوهُ من جيشٍ بلا مضمونِ "
يالها من صورة دالة حاكمة مُحقِرّة للجبهة المقابلة ، حيث ابتدأها بفعل الامر (لملِمْ) ليضمن الاستعلاء ، ثم يأتي بعبارة (نصرٍ تافه) ولم يستخدم لفظة هزيمة او مايرادفها ، لان المواجهة لم تحدث بعد ، فلابد من استخدام العامل النفسي ، ثم جاء بعبارة قاصمة محقِّرة عندما ختم الخطاب بـ (جيشٍ بلا مضمونِ) والمفردة (مضمون) قد تعامل الشاعر معها بذكاء مفرط فهي تعنى الـ (الفحوى) وعندما يكون الجيش بلا فحوى ولا معنويات ، فبالتأكيد سيكون عبارة عن بيادق شطرنج جامدة لاغير، وهذه الالفاظ مناسبة جداً لإذلال المقابل واخضاعه ، وهي تتضمن معان كثيرة كلها تخص العمق والداخل .
ثم لو تأملنا مفردة (لملمْ) وكيف وظَّفها الشاعر (الزهيري) بذكاء وبدقة ، فهي تعني (جمع ماتفرقَ) وكان من الممكن ان يأتي الشاعر بمفردة (اسحب) وهي من الفاظ المعجم العسكري ، لكنه أراد اذلال عدوه ، فأمره مستهينا بقدراته : اجمع جنودك المتفرقين ، فأي نصر ترجوه من جيش بلا فحوى وبلا معنويات او مضمون ؟؟
وبهذا اجهز على عدوه مقدماً وابتداءً، وهكذا في ابيات أخرى لم نستعرضها منعا للإطالة والاسهاب .
جـ / الـتَنَـدّر والتـوبـيخ
.........................
جاء الشاعر بلفظة (علامَ) وتعني (لماذا) وهي كلمة تتألف من حرف الجر (على) و (ما) الاستفهامية . وجاءت هذه الكلمة مكررة في الشطرين من البيت التالي :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي ... وعلامَ جعجةُ الوغى تَدنوني "
والشاعر هنا لم يأت بـ (علامَ) لغرض الاستفهام الحقيقي عن شيء ، فليس كل استفهام يكون طلبا للفهم ، والعكس صحيح أيضا ، والشاعر كرر (علامَ) بسؤالين احدهما في صدر البيت والآخر في عجزه . فعندما تسائل الشاعر عن سبب هذا القتال عند المنافذ والثغور وعن سبب أقتراب ودنو هذه الجعجعة والاصوات الهادرة ، لم يكن التساؤل استفهاما عن حقيقة واقعة او ستقع ، وكذلك لم يكن تساؤلا عن امر لايعلمه ، فمن الممكن ان يستفهِم المُستَفِهم عن امرٍ يعلمه لسبب فني يضمره ـ واكاد اعتبره استفهاما بلاغيا ـ لان الشاعر أراد بهذا الاستفهام التوبيخ والاستهزاء للمقابِل وتحقيره والتقليل من شأنه ، والدليل على ذلك ماجاء في البيت الشعري الذي يليه :
" لَمْلِمْ جنودَكَ أيُّ نَصرٍ تافهٍ ... ترجوهُ من جيشٍ بلا مضمونِ "
أي بمعنى ؛ ماسبب هذه الجموع وهذه الجعجعة ؟؟ لملم فلول جيشك ، فهو مهزوم لامحالة .
وهذا نظم ورصف بديع وبليغ ورائع جداً ، حتى وكأن الشاعر أعدَّ لكلِّ امرٍ عدَّته .
ومن الأساليب التي تحتاجها سوح المعارك لمجابهة الأعداء ، هي أساليب التندّر ، لما لها من تأثير جارف في انتكاس العدو ، ووقف زحفه ، ومراجعة ذاته .
ففي البيت الشعري الخامس استعمل الشاعر أسلوب التندر والاستخفاف بالعدو :
" أَمّا لواؤُكَ فالهزيمةُ تاجُهُ.......إنْ عادَ في تاجٍ لهُ مأمونِ "
فالشاعر هنا يتندر ويسخر من عدوه ويتحدّاه ، فيخاطبه بان جيشك مكسور اللواء وسيكون تاجه عنوان الهزيمة لا النصر ، حتى وإن كان الجيش يحمل تاجاً (مُؤَمَناً عليه) . وهذا تعبير مجازي جميل وإشارة دالة رائعة ، وهو من لطيف الوصف والتندر وأبلغه.
د / مشهدية وحركة الصورة الشعرية
..........................................
في البيت الشعري التالي :
" فعلامَ هذي الحربُ عندَ مَنافذي.....وعلامَ جعجعةُ الوغى تَدنوني "
هنا نجد الشاعر قد حرَّكَ الصورة الشعرية ، كونها صورة حرب ، والحرب فضاء مُفعَم بالحركة والاهتزاز والتزلزل لايعرف السكون ، لذلك فاننا نجد الصورة الشعرية قد اتسع مداها في التساؤل عن سبب تجييش الجيوش على المنافذ الكثيرة الى الاستفهام عن هذه الأصوات العالية (الجعجعة) والتي هي الأخرى احسن الشاعر في توظيفها ، وكان المفروض استعمال مفردة (معمعة) وهي أصوات المقاتلين والسلاح في سوح القتال ، بل وهي الأنسب لهكذا صورة ، لكن ذكاء الشاعر جاء بلفظة مرادفة للصوت (معمعة) التي تعني أصوات الابل الهادرة ، او الصوت المرتفع للرجل الذي يتوعد ولا يستطيع تنفيذ وعيده ، وهذا ـ لعمري ـ هو المطوب في هكذا موقف مع العدو .
هـ / التأثير في العدو
......................
إن تلون الصور الشعرية الرائع في ادب الحرب والفخر هو الهدف الذي ينشده الناظم لاجهاض الهجوم المقابل ، وللتأثير في العدو ، وهو غاية الغايات . وهذا ما وجدناه في تنوع الصور الشعرية في النص ، والتي لانحتاج الى عرضها مرة أخرى منعاً للملل .
و / الأدوات والصور الحسية
................................
لابد للشاعر أن يستلهم صورا حسيّة لتنفذ بعمق وبسرعة الى ذائقة المتلقي ، معتمدا على عتاد المعركة وادواتها وتضاريسها ودوابها ، فنجد الشاعر قد وفَّرَ مايناسب الفكرة من مفردات محسوسة مثل (منافذي ، جنود ، جيش ، سواتر ، لواء ، تاج ، سجون ، معقل ) هذه المحسوسات وظفها الشاعر بحنكة وذكاء بما يناسب الفكرة وبما يناسب مساحة النص . وهي تنقل المتلقي الى فضاءات اكثر حساً ، وبعيدا عن التجريد ، ويفتح أبواب التأمل الى مديات شاسعة ومنفعلة .
ز / الاستعلاء والترفع
.............................
الحرب النفسية في المجابهات والحروب تعتبر من الأهداف والاسلحة التي يهتم بها أصحاب الشأن فهي تجني وتحصد نتائجها بقوة وفاعلية قبل التصادم والاشتباك ، وكثير من الهزائم الكبرى كان سببها الحرب النفسية ، لذا فإن أدب الحرب لابد ان يتعامل معه الناظم ـ كما اسلفنا ـ بذكاء وبدقة ، فانتخاب الالفاظ هو السر العظيم في الخطاب الحربي ، ونوع اللفظ هو الذي يعكس للجبهة المقابلة صورة المتكلم ومدى قوته وعظم شكيمته .
إذا الاستعلاء والترفع امام العدو هو من متطلبات الحرب النفسية ، ولذلك نجد شاعرنا قد اجاد انتخاب الالفاظ التي تعينه على هذا الامر ، فجاء بصيغة فعل الامر عندما إستدعي الامر مخاطبة عدوه ... مثل (لملمْ) كما في البيت الشعري السالف ذكره ، و فعل الامر(أكتبْ) وقد قصدها الشاعر للتباهي عندما امر العدو بكتابة هذه اللافتة الجسورة البليغة على السواتر(مجنونة تنمى الى مجنون) أي ان الحرب سُميت بالمجنونة لكونها تنتمي الى جنوني بالحرب ، وهذه لافتة يجب التوقف عندها طويلا لحسن تصويرها ولعمق بلاغتها ، كما في البيت الشعري التالي :
" واكتبْ على كلِّ السواترِ هذهِ......مجنونةٌ تُنْمى إلى مَجنونِ "
ثم فعل الامر(أنبذْ) جاء يحمل النصيحة وخاصة عندما طرح الشاعر مافي جعبته من خطاب كي يختم قصيدته بعجز بيت شعري قام مقام الحكمة والنصيحة للدهر :
" فآنبذْ إليكَ على سواءٍ ساكتاً....إن السكوتَ سجيةُ المدفونِ "
وهذه الأفعال تقدمت ثلاثة ابيات شعرية ولم يجعلها الشاعر متوسطة في الخطاب ، فاراد بذلك الصدح بالامر للاستعلاء والتباهي والنصيحة ابتدأء ، وكأنه الآمر الناهي صاحب القرار المعلّى ، وهذا السلوك البلاغي لا يحضر إلا من جهة الأعلى الى الأدنى ، ويعتبر هذا التصرف من ابلغ مراتب الترفع والاستعلاء ، والذي لايكون محبذاً الا في هكذا مواضع .
ــ مما تقدم ..
لابد لنا من وضع علامات تقييم لهكذا نظم واع مكثف هادف ورصين :
• النص جاء وهو يحمل دلالات ذكاء في النسج وانتقاء الالفاظ بما يوازي المعنى والفكرة .
• استطاع الشاعر ان يفرز قريحته مرة واحدة ليترجمها بنص صغير المساحة مكتنز الفكرة واضح الأهداف دون زيادة ابيات أخرى مما جعل النص بعيدا عن التكلف والتصنع .
• معجم ادب الحرب قد تواجد بقوة في النص رغم قلة عدد ابياته ، فمفردات الحرب قد طرَّزت معظم جسد المقطع ، وهذا دليل اهتمام الشاعر بنظمه .
• احتفظ الشاعر بالطابع الأخلاقي ، وادب الحرب والمعارك ، فلم يشط في التعبير او يأتي بما لايناسب الذوق من الفاظ ومفردات.
• تم النظم بمفردات سهلة النطق ، واسعة الطيف في التعامل اليومي ، مما ولَّدَ ذائقة جليَّة تعين على تأمل صور النص الشعرية ، وهذا من ذكاء الصنعة وجمال الفصاحة .
• استطاع الشاعر ان يفصح عن مقدار الألم المكنون بدلالات تعبيرية ذكية غير منحازة الى انكسارٍ أو اذلال .
• من خلال تفحصنا للنسج والمعاني ، وجدنا الشاعر يجيد اللسع للذات المقابلة في المجابهات .
• استطاع الشاعر ان يُظهِر رجحان كفته على كفة الجهة المقابلة ، وهذا ما ايدته بيانات المعاني ودلالات الالفاظ .
• تناولنا النص في هذا المقال النقدي كونه نموذجاً نادراً في مثل هذه الأيام ، وخاصة في سوح الادب وعلى موائد الشعر .
• النص يحمل عدة فوائد نقدية ، لكننا توقفنا في محطات نقدية محددة من أدب الحرب والفخر ، كي لانشقّ على القاريء ، وكي لايتشضى الهدف عن مقاصده .
تمنياتنا للشاعر الشيخ (ستار الزهيري) بالسؤدد والكثير من الابداع .
احترامي وتقديري .
...........................................................................................................................................
لابد لنا من وضع علامات تقييم لهكذا نظم واع مكثف هادف ورصين :
• النص جاء وهو يحمل دلالات ذكاء في النسج وانتقاء الالفاظ بما يوازي المعنى والفكرة .
• استطاع الشاعر ان يفرز قريحته مرة واحدة ليترجمها بنص صغير المساحة مكتنز الفكرة واضح الأهداف دون زيادة ابيات أخرى مما جعل النص بعيدا عن التكلف والتصنع .
• معجم ادب الحرب قد تواجد بقوة في النص رغم قلة عدد ابياته ، فمفردات الحرب قد طرَّزت معظم جسد المقطع ، وهذا دليل اهتمام الشاعر بنظمه .
• احتفظ الشاعر بالطابع الأخلاقي ، وادب الحرب والمعارك ، فلم يشط في التعبير او يأتي بما لايناسب الذوق من الفاظ ومفردات.
• تم النظم بمفردات سهلة النطق ، واسعة الطيف في التعامل اليومي ، مما ولَّدَ ذائقة جليَّة تعين على تأمل صور النص الشعرية ، وهذا من ذكاء الصنعة وجمال الفصاحة .
• استطاع الشاعر ان يفصح عن مقدار الألم المكنون بدلالات تعبيرية ذكية غير منحازة الى انكسارٍ أو اذلال .
• من خلال تفحصنا للنسج والمعاني ، وجدنا الشاعر يجيد اللسع للذات المقابلة في المجابهات .
• استطاع الشاعر ان يُظهِر رجحان كفته على كفة الجهة المقابلة ، وهذا ما ايدته بيانات المعاني ودلالات الالفاظ .
• تناولنا النص في هذا المقال النقدي كونه نموذجاً نادراً في مثل هذه الأيام ، وخاصة في سوح الادب وعلى موائد الشعر .
• النص يحمل عدة فوائد نقدية ، لكننا توقفنا في محطات نقدية محددة من أدب الحرب والفخر ، كي لانشقّ على القاريء ، وكي لايتشضى الهدف عن مقاصده .
تمنياتنا للشاعر الشيخ (ستار الزهيري) بالسؤدد والكثير من الابداع .
احترامي وتقديري .
...........................................................................................................................................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق