الخميس، 14 مارس 2019

الشاعر ياسين عقيل بدر الشاوي، وتوظيف الايحاء الشعري في قصيدة "الفلكة الموقوتة" :رؤية تحليلية بقلم الاديب غسان الحجاج..

الشاعر ياسين عقيل بدر الشاوي،
وتوظيف الايحاء الشعري
في قصيدة "الفلكة الموقوتة" :
رؤية تحليلية بقلم الاديب غسان الحجاج..
..............
في البدايةً ساستهل شرفة رؤيتي لنص الشاعر ياسين عقيل الصيمري الشاوي بالاستعانة بما ذكره الدكتور بشير تاوريريت في كتابه الموسوم "الشعرية والحداثة بين افق النقد الادبي وافق النظرية الشعرية "حيث يقول :
(يصطلح على الشعرية التي نادى بها مالارميه بشعرية الابتكار والاثر او الايحاء فالشعرية عنده هي ابعد من ان تقلص النص الى بنائه اللفظي فهي تركتز على المحتوى الذي هو المشاعر لان الشعر يقوم على الابداع وينبغي ان يؤخذ من النفس الانسانية الصافية "(1) )
فالشاعر الصيمري استمد قصيدته من خلال معايشته الواقعية على السواتر وهو مستأنس بأزيز الرصاص وهتافات الشجعان الإشاوس فضلا عن ذوبانه الوجداني بهذه "الفلكة" الغراء التي تسكن في قلبه كما تستوطن الياقوتة في الخاتم والرحيق في الزهور حيث الاصرة متغلغلة كجذور النخيل الباسق في فؤاد الارض.
من المعتاد ان تكون شاعراً تنفذ من خلال مهماز رؤيتك الى ابعادك النفسانية لتكشف المتواري في عقلك الباطن عبر مصداقيتك الشعرية ولكن عندما تضيف الى ذلك مصداقية الفعل من خلال اقتحامك معارة الحروب والخوض في الخطوب فان ذلك سوف يجعلك تضمن مطابقة نقل الحدث وتصوير الحقائق بأدق اللقطات المختزلة للمضمون ...
وعوداً على النص نرى ان الشعور هو ما كان يمسك المقود الشعري بل ان الشاعر كان يرى مكانه في قلب هذه الفلكة وكأنه ينتظر موعده المعهود لكن بقاءه بعد غياب رفاقهِ كان لحكمة اقامة التأبين بطريقة رفيعة تليق بهم ومن اجل ان ينقل الينا صميم الحدث بلغة القصيدة والتي لا توجد لغة اروع منها للقيام بالمراسيم على اكمل وجه..
هو يعرفها جيداً ليس لانه يجاورها فقط بل لانه يعرف من سكنت صورهم في محياها الوضاء ،فهو يعرف حكاياتهم ويسردها لنا على ايقاع ألمِهِ النازف بالارواح التي يزرعها ببراعة في اجساد الكلمات.
من جهة اخرى هو يتأرجح بين تشابهه معها احيانا وبين جهله باسرارها العجائبية ولكنه يؤكد التشابه بينه وبينها فكلاهما يحتضنان ارواح الناس ربما هو سبقها في احتضان صديقه الشهيد لكونه عايشه حياة وشاهد منظر استشهاده برمته وبتفاصيله الفدائية التي تعجز الكلمات عن احتضان معانيها السامية...
هو يبحث عن نفسه كل مساء ،يبحث عن مكانه في العلياء التي يعشقها منذ صباه وها هو مابين الغبطة والتمني يفتش في صورها المضيئة بين الارواح ويعرج على وصف الليل الذي اضحى ناياً حزيناً من رفقتها التراجيدية فالتخاطر بين هذه "الفلكة" التي تتربع في مدخل مدينته الجميلة وساكنيها تأرّج بين دموع اليتامى ونحيب الثكالى وندب الارامل او وجد جوى فتاة مخطوبة لم تحظ بالوصل بعد ان قطع الردى حبال الوصال ..
هو يتخيل في اغماضة عينيه شكل بعثة الفلكة في يوم القيامة وموكبها المهيب كسرب من الملائكة واصوات زغاريد الامهات المبثوثة رغم غبشة الدموع وصرير الاهات وهن يعلقن على صدور اولادهن نياشين البطولة .حتى انه من شدة يقينه يرى ان العالم يتداعى دهشةً ازاء رسوخ هذه "الفلكة" المباركة.. فلم تعد مجرد جزرة وسطية واسعة مستديرة محاطة بالقضبان الحديدية المزخرفة وحسب،بل هي الات واحدة من اكبر جداريات العالم ،وهي تحتشد بلوحاتها الفوتوغرافية الناطقة المذهلة..
الشاعر هنا يحمل اعباء الواقع على كاهله لذلك هو من جهةٍ يرسم مشهد هذه اللوحة الملحمية "الفلكة "وهو يدور حول محيطها المرسوم بنقاط التماس التي تزاحمت من الصور المكتظة العدد مؤديا الطواف اليومي ومن جهةٍ اخرى يرفع الشاعر لافتات احتجاج تندد بمن يكيلون بمكيالين وهم يرقصون على الجراح المستمرة على منوال النزيف!!..
في مقطع آخر ينشر مشاعره المبللة بالدموع ليقوم باحتساب ما نحتاجه من حناء مدينة الفاو " الشهيرة لزفاف الكواكب التي بقيت صورها شاخصة وبخور الهند المرموق يتصاعد بعبقه من حولها.
فهو يذهب بعيدا بالاستنكار ويستخدم الإشارة ( فكل لبيبٍ بالإشارة يفهمُ )
واستخدامه لمفردة المرموقة هنا لغرض المفارقة مع الوطن المذبوح كنبيّ،اما اشباح الناس هنا فكناية عن الشحوب وربما لان الناس في سبات الصمت لايحركون ساكناً ،حتى انه ما عادت تعنيه الألوان بسبب الشحوب الباهت المطبق على رئتي العراق ،حتى الليل أمسى بنيا، فالأصفر الشاحب والأسود يعطي هذا اللون البني اذن حتى الليل شاحب بلا مصابيح تنير ظلامه هو الاخر. لان العشاق موتى ولا احد يعيد اليه نضارته التي كانت تداعب مقل العشاق السهارى
" ياالله أوقف سير الكون قليلا
فصديقي في الصورة في ثوب زفافه"
هنا حتى الكلمات ترتعد فرائصها من تراجيدية المعنى
وهو يتساءل كيف لا تتوقف ديناميكية الكون من هول هذا المشهد المهيب.
اذن كانت مجسات الإحساس تسبح في قلب الشاعر غير مبالية باتجاه التيار فالأمواج الداخلية تمتلك زمام المبادرة لتتناغم بحركتها على وقع موسيقى الخبب الواثق المسير كفيلقٍ عراقيٍّ باسل ....
النص من طراز الشعر التفعيلي الحر المشغول بمهارة شاعر مرهف ورصين..
تحياتي وعميق تراصفي اخي الشاعر ياسين عقيل بدر الغالي،مع التقدير..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
1- الشعرية والحداثة بين افق النقد الادبي وافق النظرية الشعرية – تأليف الدكتور بشير تاوريريت..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نص الشاعر:
*
الفلكة الموقوتة*
،،، ،،،
"الفلكةُ" روحٌ مخبوءة
رغم تضاريس الارواح
اعرفها جداً
كصديقي القابع فيها ... صورةْ
في "الفلكة" اشياءٌ اجهلها مثل الموتْ
اشبهها احياناً
تحتضن الفلكة ارواح الناسْ
في كل مساء أذهب في نزهة
الناس كثيرون هناك
بين زحام الارواح الموقوتة
ابحث فيها عني
في كل مساء تذهب كل الناس
لتزور "الفلكة"
ببخور يصعد كالأرواح
الليل هنيئ في كل مكانٍ إلا فيها
صوت ثكالى
او ندب ارامل
او دمعة طفل او طفلة
او بكرٍ ما زالت تحلم ان يأتيها محبوبٌ من خلف اطار الصورة
لو بُعثت تلك "الفلكة" في يومٍ
يالله
كم مَلَكٍ في يمنى اكتاف الناس يسجل
كم دمعة امٍ ترفع هلهولة نصرٍ للعرش المحمول بأطراف الجرحى المبتورة !!!
صمتْ
هل يخرج مسجون من خلف اطار الصورة !!!
سيموت العالم حتما من فرط الدهشة
دعهم يا الله
الظلم المحمول بميزان العدلْ
اتساءل احياناً
الفقر كبيرٌ جداً
فلماذا يتساوى ميزان العدلْ
فجيوب السراق المملوءة لا تعدل موت الفقراء
حتما نحتاج لموت اكثرْ !!
نحتاج الى عطار ماهر
يرفدنا من "حناء الفاو " الاصلية
وقماش
أي قماش اخضر
"وبخور الهند" المرموقة
لا نحتاج الى دفانٍ اصلاً
لنؤدي طقوس الموتى
اشباح الناس كشمع يوقد في الليل البني
احدهم يخبرني حول سواد الليل
ما عادت تعنيني الوان الاشياء
غزلُ الاحباب هنا دمعٌ اسمر
كالارض المعجونة بالطين المقذوف على صور "الفلكة"
من سير الكون المتغير
يا الله
اوقف سير الكون قليلاً
فصديقي في الصورة في ثوب زفافه
الليل لوحدي الآن
وعيون موصودة
في اول طابور من ابواب الجنة
ما بيني والطابور الاول ثورة
يصعد فيها ابناء الساسة
في "الفلكة" ربٌ يختزل الأديان
يبعث كل شهيدٍ في امة
إنْ شاءْ
أوجَدَهُمْ فينا حزناً
هلاّ نعرف حقا ماذا يريد الله
حتى لا نُبْعَث في الدار الاخرى غرباء
* الفلكة : هي الاستدارة في مدخل قضاء المدينة وقد علقت عليها صور الشهداء الابرار لتكون موطناً مقدساً والصورة ادناه لها
النص كتب في ميسان
3/2/2019 مـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق