الثلاثاء، 23 يناير 2018

(مفاتيح أريناس الكونية) مطالعة نقدية (في نص/أريناس للأديبة: نائلة طاهر).. بقلم الناقد/غازي أحمد أبو طبيخ- ج1


المفتاح الاول:
.................
ماذا تعني مفردة( اريناس)?
وللاجابةنقول :انهاباختصار
لفظة أمازيغية تونسية قديمة بمعنى(الزهرة)..
وهي رمز اصيل يعتز به الشعب التونسي للتعبير مجازا عن الارض والعرض بل عن تونس الأم ولكنها في حقيقتها واحد من اكثر اسماء المرأة قدما وجمالا واصالة في ذات الوقت..
حتى اننا حين نبحث عن معناه نراه واعني اسم اريناس شديد الالتصاق باسم واحدة من اكثر النساء خلودا ومجدا في الذاكرة الجمعية للشعب التونسي ونعني بها ( ديهيا) الملكة الامازيغية التي يتحدث عنها مؤسس علم الاجتماع الكبير ابن خلدون المغربي بكل احترام وتوقير برغم محاولات التشويش عليها..فقد اشار بكل وضوح الى انها وحدت تونس والجزائر وليبيا في مملكة واحدة بعد وقوفها الشهير في وجه اول غزوة يقودها حسان بن النعمان في عهد عبد الملك بن مروان..وقد بقيت تدير شؤون هذه المملكة بحزم وقوة حتى اتهمها الكثيرون باستخدام السحر في مواجهاتها مع اعداءها لتفسير شجاعتها وانتصاراتها او لربما لتفسير هزيمتهم امامها..
لكن ما الذي ينفعنا مثل هذا المبحث التاريخي السوسيولوجي في قراءتنا لقصيدة شاعرتنا الفاضله..
ان الذي ينفعنا هو ان اسم هذه الزهرة التي تقرب من القداسة عند سكان تونس الاصليين لايطلق على الانثى وحسب ،وانما يطلق على هذا المستوى من النساء العظيمات كرمز للمراة الجليلة القدر ،بدليل انه اسم حقيقي لأحدى ملكات الشعب ( الامازيغي) الاكثر قدما.. اذن ماذا ارادت شاعرتنا ان تقول ? بحسب تصورنا انها كانت تريد ان تعطي للمرأة محليا وعالميا حقها بالمبادرة ودورها في الحضور على مستوى الحياة الخاصة والعامة..
ولقد توجهت بالسؤال الى اكاديمي تونسي مؤرخ واديب معا عن رأيه بهذا الرمز الدلالي المتسع فأجاب قائلاً:
(أريناس زهرة جذورها في الارض
أريناس هي العرض
الهوية التي وان تعاقبت الأجناس والحضارات تظل هي الاولى بدلالتها على المراة المثال،ومعلوم بان
الانثى هي الحياة عامة ومادام الصراع شاقا على الانسان عامة فيما بينه وبين الحياة ولكن على وجه التخصيص فإن الانثى وطن تسلب هويته الان خاصة قبل الارض،باشكال متعدده،ومع ذلك فإن المراة تطل على الشرق بعين الحب فلا ترى الا ظلاما ،وكانه ظلام مقدر سلفا..)..
ولابد والحال هذه ان تفز امامنا اسئلة شتى..
من طرف اخر ،فإن
أريناس انثى لا يحركها الا الحب الكوني الذي ينهمر من قلب عاشق تعلق بالوجود عامة فلا يرى الا سحره المدهش.. فهي تترك وشمها في روح الكون نفسه ذاك الكون الذي لم ننل منه الا العتمة..وبالاجمال فان قصيدة شاعرتنا تنطوي على ان
أريناس قصة خلاص خارطة سير الى السماء تعود بنا الى الارض مطرا غزيرا يحيي ما مات .
بالاخر..وهذا الكلام للشاعرة نفسها (إن الانثى هي ربة هذا العالم بعد الاله لانها هي فقط تحمل عنه رسالة الخليقة) وقد يبدو هذا الكلام في ظاهره مبالغا فيه، ولكن الانثى كما نعلم واجهة لعدة مسميات....
*
اعلم جيدا يا استاذة نائلة طاهر ان هذا النص صادر من عين الشعر الحقيقية الاكثر عمقا وجرأة،ولكنني اعلم ايضا انه يتطلع الى فعل ابداعي ذي افق كوني النزعة،غربي الاسلوب،حد الشعور بوجود انفاس اسلوبية بنائية لمجموعة شعراء اوربيين قد تم اختزالهم هنا برغم اشاراته وروحه الشرقية،كون شاعرتنا امرأة وكونها مكتنزة باحساس صوفي واضح جدا ،فروح الكاهنة( ديهيا) فيه ذات افق اشراقي واسع شامل يجمع اليه بين الخاص جدا والعام جدا في اطار كيان يتجاوز عادياته البشرية الى كينونة قادرة على ان ترى بطريقة هيولية وفي الاتجاهات الاربع..كيف نفترع كل شئ بدء منا فمحيطنا بكل ركامه لانجاز نوع من المخلوقات المعرفية العاليه..
( ايها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب اصابعي
واتني به
من اجنحة الغمام)
الدهشة بحسب تصوري تكمن في الحفاظ على الحس الادمي لكن وفق مخلوق انثوي ( سوبر) خارج عن المالوف...
(وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الانبياء
أختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرته الملائكة
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت)..
والدهشة من طرف اخر تصنعها قدرة هذا المخلوق الابداعي على استيعاب الحدث الواقعي المحيط لكن من منطلق الوعي بحركة التاريخ وليس مجرد تسجيله :
(وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو لن يقبل باية معاهدة للسلام
لن يقايض باسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الاخير)
من هنا ليس امامنا لاختراق هذا النص الملتحف او الملثم كما عبر عن ذاته غير ثلاثة مفاتيح وفرتها لنا الشاعرة ذات الوعي النقدي العميق لكونها تفهم قبل غيرها ضرورة وجود مثل هذه المفاتيح لهكذا حقل شعري ملغم بالدفائن السرانية البعيدة عن التناول المباشر..
* المفتاح الثاني:
.....................
ويكمن في البيت الشعري العمودي الذي صدرت به النص، ذلك لان العتبة الاولى لاتشي عن مفادها الا لمن يفهم الماوراء البربري لهذه المفردة ،فكلمة ( اريناس) التي تعني الزهرة مفتاح لا يمكن الافادة منه الا بعد فك طلسمه وقد فعلنا بما نراه كافيا ان شاء الله تعالى..
اذن فالبيت الشعري العمودي الذي صدرت به الشاعرة قصيدتها هو المفتاح الاقدر على الولوج كما نتصور:
(انت بعضي
وانت كل مرادي
ياحبيبا
انفاسه في مدادي)..
بيت شعري من الطراز الاول نسجا وبحر (الخفيف) عروضا ،والمناخ الصوفي جوا وشعورا واسلوباً،حتى اننا حين نحاول معرفة طبيعة عنصر الخطاب فقد تتسع الدائرة حتى تحتمل مخاطبة الرب سبحانه باعتباره الحبيب الاعظم والاوسع الذي بقي بهيا مأمولا لأنه لم يسهم في ما جرى على المراة كانثى من الاحوال التي اشرنا اليها آنفا..
*
يبقى السؤال المهم ترى:
مانوع الموضوعة التي سلطت مبدعتنا عليها الاضواء بحيث استدعت منها ان توزعها على هيئة بنى متعاقبة،بحيث تطل كل بنية على فكرة النص الاجمالية لكن من زاوية نظر تختلف عن الأخرى..وكأني بها قد اختارت ان تصنع بذلك متوالية من الأضواء الكاشفة عن الحقائق الجوانية للقصيدة في ناحية ولكاتبتها في لحظتها الشعرية الراهنة من ناحية اخرى..
فهل كان موضوع القصيدة وجدانيا محضا?
هل كان الوجدان سبيلا?!
هل كان قناعا?..
ومع كل ذلك ،مانوع هذا الوجدان ايضا?
هل كان مرتبطا من بعيد او قريب برابعة العدوية بدلالة البيت الشعري العمودي مثلا..اسئلة كثيرة وكبيرة تحتاج الى فكفكة واجابات تنفعنا في رحلة البحث..
..................يتبع.....
نائلة طاهر :
~~~
( أريناس):
-------
تصدير :أنت بعضي
وأنت كل مرادي
يا حبيبا أنفاسه في مدادي
~~~
النص:
•••••
كأي انثى
هوايتها عسل التشفي
تنسى ان تمر قريبا
هي فقط
تهز ارجوحة الذاكرة
لتعزفها
اوتار شاعر حزين..
...
وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو..
لن يتقبل
باية معاهدة للسلام
لن يقايض
بٱسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الأثير..
..
أيها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب أصابعي
واتني به
من أجنحة الغمام
..
وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الأنبياء
اختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرتْهُ الملائكةُ
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت
:
أيها الطائر الناري
اخشى عليك
من قسوتي
من خديعة الغربان
من عيون الزيف
ومن لغتي الملثمة
فابتعد ...
ابتعد
عن سحبي
واتركني لشانقي
هو يشهد احتضاري
ك غيمة تدلت من كفيه
فيروزة وَدق...
:
أريناس..
زهرة من اشتهى حَمَم الثلج
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم
تزرعه قطاف قمر وأغنيات
ولا يرنّ اسمها في الضباب ...
أتراها حين تولي
تترك الوشم منيرا
في ساحة صدرك المعتم .......

*****
وسنورد ادناه نص الشاعر الكبير لوركا ( اليد المستحيلة) ،كونه قد ورد في سياق نص الاديبة نائلة طاهر..نذكره هنا من اجل الاطلاع والربط لمن احب المتابعة ،مع التقدير..
*
اليدُ المستحيلة – لوركا
..................................
أنا لا أتمنّى غيرَ يدٍ،
يدٍ جريحةٍ، لو أمكنَ ذلك.
أنا لا أريدُ غيرَ يدٍ،
حتّى لوْ قضيتُ ألفَ ليلةٍ بلا مضجع.
ستكونُ زنبقًا شاحبًا من كلس،
ستكونُ حمامةً مربوطةً بقلبي،
ستكونُ حارسًا في ليلِ احتضاري،
يمنعُ بتاتًا القمرَ من الدّخول.
أنا لا أتمنّى شيئًا غيرَ هذهِ اليد،
للزّيوتِ اليوميّة، وشرشفِ احتضاريَ الأبيض.
أنا لا أريدُ غيرَ هذهِ اليد،
لتسندَ جناحًا من موتي.
كلُّ ما تبقّى يمرّ
تُوْرَدُ بلا اسمٍ، كوكبٌ أبديٌّ دائم.
كلُّ الباقي شيءٌ آخرُ مختلف: رياحٌ حزينةٌ

بينما تفرُّ الأوراقُ أسرابًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق