الأحد، 7 يناير 2018

الحلقة الرابعة والاخيرة من موضوع الصدق الفني في الادب العربي و(طاهر ابو فاشا مثالا):بقلم / الاديب المغترب الاستاذ شاكرالخياط

الحلقة الرابعة والاخيرة من موضوع الصدق الفني
في الادب العربي:
الشعر تخصيصا،
و(طاهر ابو فاشا مثالا):
الاديب المغترب
الاستاذ شاكرالخياط
*****---------------*****




مثلما اختلف الكثيرون من النقاد واهل الشأن العارفين بالفن والادب اضافة الى المتعمقين تعريف الصوفية والتصوف وما آلت اليه مبادئها، وقربها وبعدها من الاسلام والحلال والحرام وما الى ذلك من تطرف موغل في التعريف الى الاعتدال باعتبارها ممارسة يلجأ اليها الانسان، في كثير من الاحيان تكون الطقوس المتعارف عليها هي ذات التعاليم والممارسات التي يتم ممارستها من قبل طوائف وجماعات لاتنتمي الى الاسلام بشيء بل ان هذا الالتحام المشترك بين العلا والعبد ايا كان تربطهم نقطة التقاء واحدة كما قال سقراط في تعريف العدم والوجود ( هناك خط يربط السماء بالارض او نقطة ارتباط بين العلا والدنا لكني لا اعرف ما هي)، هذا الاتحاد في التوجه دفع كثيرين ممن يرون بعين اخرى اكثر بعدا وابعد تشوفا منا نحن الذين نرى الامور ببساطتها دون اللجوء الى الغور في الاعماق لمعرفة ماوراء الحجب مكتفين بذلك عن غيرنا، هذا المبدأ الذي سعت الى الايغال فيه والابحار في مكنوناته الشخصية المختلف عليها ( رابعة العدوية)، وما نسب اليها من شعر واحاديث بخصوص حالتها الخاصة، وما وصلنا من الخبر انها كانت صوفية تمارس تلك الطقوس كما نقل الينا،
"في تصوير حياة وشخصية العابدة (رابعة العدوية) فقد صورتها السينما في فيلم سينمائي مصري ، قامت ببطولته الممثلة) نبيلة عبيد( والممثل) فريد شوقي( في الجزء الأول من حياتها كفتاة لاهية تمرّغت في حياة الغواية والخمر والشهوات قبل أن تتجه إلى طاعة الله وعبادته،"
في حين يقول البعض
" أن هذه صورة غير صحيحة ومشوهة لرابعة في بداية حياتها، فقد نشأت في بيئة إسلامية صالحة وحفظت القرآن الكريم وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث وتدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمر الزهور، وعاشت طوال حياتها عذراء بتولاً برغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد."
ويفند الفيلسوف عبد الرحمن بدوي في كتابه )شهيدة العشق الإلهي( أسباب اختلافه مع الصورة التي صورتها السينما لرابعة بدلالات كثيرة منها الوراثة والبيئة، بالإضافة إلى الاستعداد الشخصي. وكان جيران أبيها يطلقون عليه "العابد"، وما كان من الممكن وهذه تنشئة رابعة أن يفلت زمامها، كما أنها رفضت الزواج بشدة. حيث كانت رسالة رابعة لكل إنسان: " أن نحب من أحبنا أولاً وهو الله."
من هذا المنطلق وفحوى هذه المقدمة الموجزة والمختصرة جدا والضرورية لفهم ماسيلي، اسوقها لكي نرى سوية الى اي حد من الانهمار الوجداني والشعور الحلولي في روح الآخر كان يمارسه شاعرنا طاهر ابو فاشا، الذي كتب كلمات على لسان رابعة العدوية وكأنك حين تقرأ دون ان تعرف تميل الى ان المكتوب هو لرابعة العدوية وليس للشاعر طيب الذكر، هذه الانتقالات التي يُجبر عليها الشاعر هي حالة من التسامي العالي الذي يوصل الانسان الى التجرد عن الذات والخروج بالروح من لباس وجلدة البدن الفاني الى مصاف ارقى وموقع اسمى حين يحل بروح اخرى دون ان يرى للبدن اية مواصفات لاغيا الحدود التي تؤطر ذلك الجسد الفاني، هذا الرقي لايعهده ولايعيشه كل انسان الا الخارقين في الرؤى، ومن يمتلك المخيلة الفضفاضة التي لاتتسع اليها بعض الاحيان صحراء شاسعة لايقف حدها عند حدن هكذا كان الشاعر ابي فاشا، ومايقربنا من هذه الحقائق انك لو امعنت النظر مليا وبدقة وقليل من الانتباه والتأمل الى القصيدة التي كتبها طاهر ابو فاشا وبين ان يقال لك ان هذه القصيدة من شعر رابعة العدوية دون معرفة من قبل بالقصيدة لما تبادر الى ذهنك الشك انها لرابعة:
عرفت الهوى مذ عرفت هواكا
واغلقت قلــبيَ عمـن عداكا
وقمت اناجيك يامن ترى
خفايا القلوب ولسنا نراكا
احبك حبين حب الهـوى
وحبا لانك اهــل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى
فشغلي بذكرك عمن سواكا
واما الذى انت اهل لـــــــــه
فكشفك لى الحجب حتى اراكا
فلا الحمد فينا ولا ذاك لى
ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا
احبك حبين...حب الهـــوى
وحبا لانــك اهل لذاكا
واشتـاق شوقيـــن .. شوق النوى
وشوقا لقرب الخطى من حماكا
فأما الذى هــــــو شـوق النوى
فمســرى الدمــوع لطـول نواكا
واما اشتـــياقى لقـرب الحمـى
فنار حيـــاة خبت فـــى ضياكا
ولست على الشجـو اشكـو الهـوى
رضيت بمـا شئـت لى فــى هداكا
بهذه اللغة الراقية كانت روح ابي فاشا تناجي رابعة قبل ان تمر من خلال جسدها لتناجي الله رجاءا ودعاءا بل طلبا للافصاح عن حقيقة الشعور وكنه الكيان، لان طاهر ابو فاشا كان يعرف من متداول القول بان رابعة تختلف عن متقدمي الصوفية الذين كانوا مجرد زهاد ونساك، ذلك أنها كانت صوفية بحق، يدفعها حب قوي دفاق، كما كانت في طليعة الصوفية الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيده رغبة سوى حب الله وحده، بهذه الترتيلة الصوفية التي قد يتجرأ عليها غير ابي فاشا لكنني اعزو عدم التجرؤ هذا من قبل الشعراء امرا طبيعيا ومقبولا لان هذا الجانب من الشعر يصعب على الاخرين فهم بعض من جوانبه عدا عن كونه يحمل في بعض من ثناياه الاخرى ايحاءات ورموزا وتعابير هي اشبه بالطلاسم بالنسبة للمتتبع او الناقد الا العارفين بالشأن من ذي قبل، وهذا ماعهدنا عليه شعراءنا الذين تبحروا في هذا اللون من الشعر الغريب الاطوار والمتعدد الانتقالات التعبيرية التي توحي للاخرين ان ثمة كيان اوسع من الكيان ونور لايشابهه نور وحي قيوم لاتطاله الايدي ولا تدركه الابصار يستحق ان نقول فيه مالا يمكن ان يتطابق مع مانقول في الاخرين (من والى) اي كان ومحبي ذلك النوع من الشعر يسعون دائما الى التعريف بالمكنون والغيب والملكوت والعشق الخارق في تحولاته وانظمة الارتباط به، وكانك كمتابع او عاشق للشعر بشكل عام تصل الى حد الاعتقاد ان كاتب الكلمات في او هو على مس من الجنون ان لم تكن تؤمن به مسبقا او كنت على دراية بالذي يكتبن فجواز الاختراقات هنا والتلميح دون الافصاح هو مايعزز ذلك النوع من الابصار بعيون خارقة لاترقى اليها عيوننا:
واشتـاق شوقيـــن .. شوق النوى
وشوقا لقرب الخطى من حماكا
شوق النوى والبعد واشتياق الحبيب الى حبيبه، وشوقا للقرب من سورك او من موقعك، هذا التجلي الحر والواضح هنا مكشوف لي وللمتابعين الذين اغوتهم هذه النماذج من الشعر بالمعرفة، لكنها يقينا ستكون بمنآى عن فهم العامة لكون الكلام فيه من الجناس والطباق مايوحي ان وراء الكاتب هذا او الشاعر ذاك بعدا فلسفيا لا تطاله العقول، وهذا ما يصطلح عليه بالجنون او الانهمار الخارق المتعدي للحدود، والحدود هي خطوط فهمنا نحن البشر العاديين اما الاخرون المعنيون بهذا فهم ليس امامهم خطوط ولا تحدهم حدود،
فأما الذى هــــــو شـوق النوى
فمســرى الدمــوع لطـول نواكا
واما اشتـــياقى لقـرب الحمـى
فنار حيـــاة خبت فـــى ضياكا
ولست على الشجـو اشكـو الهـوى
رضيت بمـا شئـت لى فــى هداكا
هذا التعريف والتعريجة المقتضبة لهذا اللون هو الذي تطابق وروح شاعرنا طاهر ابو فاشا الذي وصل به الامر ان ينتقل من الشعر في كلام بسيط مستساغ مفهوم للجميع الى السعي لخوض هذه التجربة، وهي محاولة تكللت بالنجاح بعد ان كشف لنا الحجاب عن المكنون ومن هو العاشق ومن هو المعشوق، هذا النجاح الذي حققه طاهر ابو فاشا هو مثال للصدق الفني الذي يتجاوز بكلماته النفوس عدا عن تجاوز اطر التعابير المتعارف عليه والمتداولة بيننا، اصدق تعبير نجده في الابيات التي كتبناها اعلاه، وكيف ان المنادى ( الحبيب) المقصود عند ابي فاشا وعلى لسان التقية الزاهدة البصرية الفضلى رابعة العدوية هو ذات المحبوب عند ابي فاشا!
الى هذا الحد من الصدق يمكنني ان اتصور هذا القادم من ريف مصر وصعيده الطيب الاثر على نفوس الشعراء عدا عن تاثيره الطيب في نفوس العامة من الناس،
وان احتملنا التقديرين لابي فاشا، النوى( البعد المكاني) والنوى ( البعد الزماني) فكلاهما بعيد صعب المنال،( زمكان) طويل المسافة بعيد الأرب، ستذرف العيون دمعا لكي تلتقيه، واي دمع هذا الذي سيستمر الى اللقاء؟ والى متى والى اين؟ واي لقاء؟ هل هو الدعوة والرجاء الى لقاء دنيوي؟ ام هو رجاء مؤجل بالدعاء الى اللقاء الذي تنتظره النفوس المطمئنة؟ اذا جاز للمتصوف ان يقول قولا ما، فعلي تقبل مايقول نزولا عند احترام جرفه الصلد الذي يقف عنده برباطة جأش خاوية من كل لب سوى العشق الذي يتمتع به والدرجة التي رقى اليها دون ان ينظر الى دنياه اسفله، وعلى حافة النهر، اما اذا قلت انا فهذا لايجوز لانني كانسان عادي الخلق سوي العقل والتصرف اتصرف واتحكم بعقلي وبقلبي كاي من بني البشرلايسعدني ان يقال انني كذا وكيت، وهذا شأن شخصي لن احاسب عليه اذا لم امارسه، وهذا الفرق الذي بقي ماثلا في التعريف بين الانسان العادي الذي لايشترط به ان يكون غير تلك المواصفات التي ارادها الله سبحانه، وبين من اختط ذلك الطريق وهو حر في خياره، على انني هنا اعني الصدق الفني في الكلام الذي سطره لنا الشاعر ابو فاشا كشعر على لسان رابعة العدوية والذي اجتاز فيه الاختبار وكان واعدا بما اراد محققا مبتغاه، لكن ما ورد هنا من رأي بالصوفية والتصوف لايعني انني اؤمن او لا اؤمن بما جاء على لساني ولكي اوضح اللبس ان وجد – لاسمح الله – اقول اجاد طاهر ابو فاشا باستخدامه لروح رابعة العدوية والنطق على لسانها بشعر وصل الى ذروة الرقي في تمثيل وتجسيد الصدق الفني في الشعر،،
اتمنى انني قد وفقت في ايصال مايمكن ان ننفع به الناس في مجال الشعر، وعذرا ان نسينا او اخطأنا فنحن بشر...
محبتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق