المفتاح الثالث،
ماهي طبيعة العلاقةبين اريناس ولوركا:
--------------
معلوم ان تونس خاصة والمغرب العربي عامة بمثابة الحلقة الوسيطة بين المشرق العربي وعموم الغرب..هذا يعني انها كانت وماتزال على احتكاك دائم مع اوربا بدء من العبور العربي الشهير ..ومعلوم ايضا ان ماجرى عليها قد جرى على اسبانيا والبرتغال اللتين شكلتا بعد الفتح (بلاد الاندلس)..
هنا في هذه المحطة نود الاسارة الجديرة الى ان ااشاعر الاسباني الكبير (لوركا) بشعر عميقا بالارتباط الشعوري الدفين بالتراث الاندلسي على وجه الخصوص ..اما كيفية هذا الارتباط فسنبينه فيما سياتي من الحديث..
قلق الهوية:
-------
مع ان حياة عائلة الدون لوركا كها اقرب الى التدين الكنسي حد أن يعشق شاعرنا ارتداء ازياء الرهبان خلال فترة طفولته كما يتحدث عن ذلك بنفسه ولكن مايسترعي الانتباه هو أن هذه العائلة غرناطية بامتياز ،ومعلوم ان غرناطة هي العاصمة الكبرى والاهم لبلاد الاندلس..ولقد صرح الشاعر الكبير لوركا لاكثر من مرة بما يشبه التاكيد بما يلي( يجري في عروقي دم عربي) ..هذه اللافتة التي كان يرفعها بين الفينة والفينة شكلت عند الباحثين والنقاد علامة دلالية فارقة على قلق الهوية وارجحة الشعور بالانتماء،ربما يكون لها اثر كبير فيما انجزه هذا الشاعر العبقري العميق التلقائي الصادق..ومما لاريب فيه ان هذا الشعور الذي يساور مبدعا كبيرا ك(لوركا) لابد انه يساور كل من ينتمي الى جغرافيا الاندلس سواء أأعلنوه ام كتموه..
هنا مكمن الصيد السمين الذي امسكت به شاعرتنا الاديبة نائلة طاهر التونسية العربية التي تعيش وتلمس مايحس به كل تونسي أمازيغي على وجه الخصوص من القلق حنينا الى الجذور الضاربة في اعماق التاريخ المغاربي في جانب ،وقراءة للمُحْدَثات الاجمالية والتفصيلية التي اعقبت الفتوح العربية والاسلامية حتى اللحظة الراهنة مآلاً ونتاجاً واثراً..وهو ذاته ااذي يفسر تحليليا انتشار ظاهرة التصوف مثلا في عموم المغرب العربي بقوة ورسوخ معرفة وطقسا حتى اللحظة الراهنة..وهو ما قاد الى وضع البيت الشعري العمودي ذي النفس الصوفي الواضح في جانب من تفسيره ،ولنا عودة اليه في جانب اخر ايضا..وسنكتفي هنا بالاشارة الدلالية اعتمادا على وعي نخبتنا في التحليل والتفسير والاستدلال،فالمجال يضيق كثيرا عن الاسفارالجانبية التي سيعنى بمتابعتها المتخصصون بعلم الاجتماع وعلم النفس فضلا عن التاريخ السياسي خاصة..
ماذا عن اليد المستحيلة:
----------------
ان اختيار الاديبة (طاهر) لهذه القصيدة لشاعر اسبانيا الكبير لوركا لم يكن مجرد استعارة عابرة ابدا،وانما كان استلهاماً لمفهوم هذه اليد المأمولة المنتظرة التي مثلت خلاصة رؤية لوركا في هذه القصيدة البالغة الاهمية..اليد التي تمثل روح التفاؤل والامل كَيَدٍ مُنقذة مُخلّصة تدخل في اوسع الاطر و اخص المفاهيم التي تؤمن او تعتقد او تأمل بالوعد الالهي المنتظر،وقد يحسبها البعض( غودو) ايضا.. على رغم الاحساس المقلق المربك باستحالة تحققها او الخوف الرهيب من عدم امكانية تحققها،ولكنها على كل حال تبقى محط امال اوسع شرائح الخليقة الإنسانية في كل مكان..وقد يفسرها البعض الاخر واعني (اليد المستحيلة) ثوريا بٱنتظار حركة فصيل ثوري ما او ضمير جمعي شعبي ما ..ولكنها في كل الاحوال بؤرة الضوء التي تحوم حولها الامال..
(أريناس..
زهرة من اشتهى حَمَم الثلج
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم)..
-------*****------
في الحلقة القادمة:
مفهوم الكثافة في الشعروالنثر وعموم السرد
والطباق الابداعي المنتزع
بين صراع الاجناس البشرية والابداعية مع علاقة كل ذلك بمفهوم الجدل( الديالكتيكي)،( وهو موضوع النص المحوري)......
تقديري الكبير..
------------------------
تصدير :أنت بعضي
وأنت كل مرادي
يا حبيبا أنفاسه في مدادي
~~~
النص:
•••••
كأي انثى
هوايتها عسل التشفي
تنسى ان تمر قريبا
هي فقط
تهز ارجوحة الذاكرة
لتعزفها
اوتار شاعر حزين..
...
وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو..
لن يتقبل
باية معاهدة للسلام
لن يقايض
بٱسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الأثير..
..
أيها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب أصابعي
واتني به
من أجنحة الغمام
..
وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الأنبياء
اختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرتْهُ الملائكةُ
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت
:
أيها الطائر الناري
اخشى عليك
من قسوتي
من خديعة الغربان
من عيون الزيف
ومن لغتي الملثمة
فابتعد ...
ابتعد
عن سحبي
واتركني لشانقي
هو يشهد احتضاري
ك غيمة تدلت من كفيه
فيروزة وَدق...
:
أريناس..
زهرة من اشتهى حَمَم الثلج
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم
تزرعه قطاف قمر وأغنيات
ولا يرنّ اسمها في الضباب ...
أتراها حين تولي
تترك الوشم منيرا
في ساحة صدرك المعتم .......
::::::::::::::::::::::::::::::::
اليدُ المستحيلة – لوركا
..................................
أنا لا أتمنّى غيرَ يدٍ،
يدٍ جريحةٍ، لو أمكنَ ذلك.
أنا لا أريدُ غيرَ يدٍ،
حتّى لوْ قضيتُ ألفَ ليلةٍ بلا مضجع.
ستكونُ زنبقًا شاحبًا من كلس،
ستكونُ حمامةً مربوطةً بقلبي،
ستكونُ حارسًا في ليلِ احتضاري،
يمنعُ بتاتًا القمرَ من الدّخول.
أنا لا أتمنّى شيئًا غيرَ هذهِ اليد،
للزّيوتِ اليوميّة، وشرشفِ احتضاريَ الأبيض.
أنا لا أريدُ غيرَ هذهِ اليد،
لتسندَ جناحًا من موتي.
كلُّ ما تبقّى يمرّ
تُوْرَدُ بلا اسمٍ، كوكبٌ أبديٌّ دائم.
كلُّ الباقي شيءٌ آخرُ مختلف: رياحٌ حزينةٌ
بينما تفرُّ الأوراقُ أسرابًا.