الخميس، 8 فبراير 2018

مطالعة نقدية على نص قصصي للكاتبة السعودية/ فوزية احمد الجعفري.. تقدمها الأديبة/ نائلة طاهر

المبدأ والمشاعر المقدسة في قصة :عاشت بشرا وماتت قديسة؛
للكاتبة العربية :فوزية أحمد
___
أديبتنا :اصعب انواع القص هي التي نستوحيها من الخيال لان الاحداث بها تكون مفتوحة لا يحدها منطق الا محاولة الكاتب في ان يجعلها ذات جدوى متصلة بالواقع .ولعل تعمد الكاتبة تحديد مكان الاحداث وجعلها مرتبطة بالغرب يثير الاستغراب للمرة الاولى لكن بالاسترسال في الاحداث نلمح وبشدة رمزية المكان والشخصيات واتصالها بمجتمعاتنا المترفة ولعل التلميح هنا ضرورة تخفت به الكاتبة التي تأتي من مجتمع محافظ يكتم مثقفوه مواقفهم الصريحة به تجنبا لصدمة القارئ حين نحول تفاصيله الخاصة الى نشرات عامة .تلك الرمزية نجحت في اعفاء الكاتبة من التعرض إلى الى التشكيك بالاحداث او محاولة دحض الأحكام المتصلة بسلوكات الشخصيات السلبية منها خاصة ،لكنها بالنسبة للقارئ الناقد فلا يصعب عليه إحلال المكان الوهمي بالمكان والزمان القريب منا .وبذلك تنجح الكاتبة العربية في تعرية بعض الحقائق والسلوكيات المستهجنة دون أن يكون حرفها مباشرا فتقترب أكثر من كونية الأدب ووحدة الموضوع.
الاحداث جاءت في صيغة سردية مسترسلة خالية تقريبا من الحوار، لكن الحيوية تبدو كامنة في الوقائع و هذا متأتٍّ من تعاطف القارئ مع وصف الشخصيات التي تقترب من قلبه الى درجة لا يشعر معها بالملل عند القراءة خاصة وان الصورة المنقولة في مجملها صورة إيجابية تنقل عامل الخير وتحلُّ السلام في نفسه .
الفكرة الأساسية قد تبدو الحب في الظاهر لكن أبعادها تشمل الخير والشر كقيمتين متلازمتين في الكون ، ورغم ذبول الخير والحب والسلام وهذا منطقي بحكم الواقع الذي نعيشه فإن تلك القيم تظل مقدسة ،نعود لها حين نبحث عن إنسانيتنا.
الكاتبة فوزية الجعفري وهي أستاذتي ومن بين من تتلمذت عليهم هنا في هذا الفضاء ،لها خصوصية واضحة لم تتغير في الأسلوب والمنهج وهذه الخصوصية المشبعة بكل قيم الشرق العربي تتنزل في كتاباتها المختلفة ،لتؤسس صرحها الأدبي على مبدأ خيري كوني لا يحيد عن الخُلق ولتثبت أننا قادرون على الكتابة عن الحب كثيمة انسانية دون إسفاف ولتؤكد أن الحب أساس كل تغيير وإعمار .
كاتبتنا الفاضلة ..
ليست الكتابة في جوهرها الكامل حربا ولا قتالا ولا دموعا وانما هي رسالة ككل رسائل الإنسان الحقة الذي يجعل من ممارستها أمانة ،وقد أديت الأمانة في الادب وتجاه إنساتيتك ومجتمعك كما ينبغي .
واني اقبل الجبين المنير لفوزية أحمد كما اقبل مثلا أعلى واختا كبرى ومعلمة تركت في شخصيتي الشيء الكثير من خيرها (أحبك جدا )
*
القصة:
عاشت بشرا وماتت قديسة
****************************
تيودورا هي بطلة قصتي التي استوحيتها من الخيال ولها دلالات عديدة يستنبطها القارئ من أحداثها.
في فيينا أرض السحر والجمال كان يعيش رجل الأعمال الناجح مستر إلياس وابنته الجميلة تيودورا.
مستر إلياس شخصية محبوبه لها حضور متميز في مجتمعه. كان حلمه أن يرى ابنته مع شريك حياتها وتخيم على حياتها السعادة، ولكن كان لها نظرة فيمن يتقدمون لخطبتها فقد كانت تبحث عن محب للأعمال الخيرية والإنسانية. كثيرا ما كانت تصدم؛ حيث أن مبدأ عمل الخير الذي تؤمن به يعتبره الأكثرية تبديدا لأموالها فترفض المتقدمين لها لرؤيتها أن زراعة الحب في القلوب بفعل الخير يشبه زراعة الورد في كل مكان.
في إحدى حفلاتها الخيرية التي يحضرها عديد من رجال الأعمال بعضهم من أجل الشهرة والبعض الآخر متفرج فقط كما يتواجد في الحفل منظمات حقوقية وأخرى خيرية ويكون التعاون ناجحا ومثمرا وأحيانا يكون مثيرا للعروض التي تقدم فيه.
وفي هذه الحفلة حدث شيء غريب وهو وجود جاك موناكو المليونير الذي اشتهر عنه حبه للحفلات الماجنة وسلوكياته التي يحذر منها كل من حوله. لا بد أن السبب الرئيسي لحضوره هو رؤية النجمة المتألقة تيودورا لأن صيتها تعدى حدود مكانها وأن جمالها ومكانتها ضوء يسطع في عقول معظم الأثرياء.
على أنغام الموسيقى الهادئة كان هناك من يرقص ومن يتجول بين الحضور كأنها ساحة من عروض الأزياء ويتبادلون الضحكات والمجاملات اللطيفة ثم تحركت تيودورا نحو المنصة لجمع التبرعات كعادتها كل سنة؛
إلا أن شيئا غريبا حدث وهو ما لفت انتباه تيودورا لجاك موناكو. فقد فاجأها وأعلن في نهاية الحفل تقديم شيكا مفتوحا تضع فيه المبلغ الذي تريد وأن نفقة الحفلة القادمة ستكون على حسابه الخاص.
لقد أدهش الجميع هذا التصرف من رجل ليس له أي علاقه بفعل الخير.
أعجبت تيودورا بهذا السخاء الذي لم تشاهده في أي حفلة من حفلاتها. كما أنه كان لجاك موناكو كاريزما تشد انتباه النساء إليه ويتمتع بأناقة ورقي واهتمام بمظهره.
تبادلا نظرات الإعجاب وتقدمت بالشكر له أمام الجميع.
انتهت الحفلة وغادرا المكان لكنه ترك بصمة في عقلها شغلتها وجعلتها تفكر فيه.
إن ملامحه الجذابة وتصرفه الراقي الذي يتميز بالشهامة والسخاء قد جعله يستحوذ على كل تفكيرها لأنها كانت تبحث عن رجل يشاركها رحلة العطاء من أجل الحب والسلام.
أما هو فقد شغلت تيودورا كل تفكيره فهو لا ينظر للمرأة إلا من أجل تحقيق مآربه ثم يمحوها من الذاكره.
لكن هذه مختلفه! لم تكن إمرأة عادية إنما حمامة سلام ترفرف على هذا الكون بالخير.
مرت الأيام وتيودورا مازالت تفكر في هذا الفارس الشهم من هو؟؟؟
وذات مساء يأتي إليها خادمها ليبلغها أن جاك موناكو في الخارج يريد مقابلتها. طلبت منه أن يدخله الصالون ويقدم له الضيافة ويخبره أنها قادمه. كادت تحلق من شدة الفرحه وهي تخبر والدها كي يستقبله معها.
لبست أجمل ما عندها لتتحول إلى تحفة فنية راقية تبهر عيون من ينظر إليها. عندما أشرقت على المكان كان والدها قد سبقها في استقبال الضيف، فظهرت علامات الانبهار والإعجاب على جاك حتى أنه نسي لماذا هو موجود بينهم.
ومرت سويعات وكلاهما ينظر إلى الآخر دون كلام
وقطع والدها هذا الصمت بالترحيب مجددا بمستر جاك الذي رد بكل لباقة شاكرا لهما استقباله دون سابق موعد.
طلب منه مستر إلياس أن يخبره بسبب الزيارة.
أجاب بأدب: أنا هنا من أجل أن نحدد موعدا للحفل الخيري الذي سأتكفل بكل نفقته وتكون المنسقة له مس تيودورا لأنه سيكون باسمها وعلى شرفها.
ابتسمت وردت بلطف:
-شكرا لك مستر جاك
،هل يناسبك نهاية الشهر المقبل؟
-وهو كذلك.
قدم لها شيكا مفتوحا لتكتب الرقم الذي تحتاج لكنها اعتذرت بأدب وقالت: -لابد من وجودك معنا أثناء الاستعداد للحفل حتى تكون على معرفة فيمَ تصرف الفواتير
قال:
-حسنا كما تريدين وهذا الكرت الخاص بي حتى يتم إبلاغي ببدء الإستعداد للحفل وطبع بطاقات الدعوى وكل ما يلزم الاحتفال.
كررت هي ووالدها شكرهما له على حسن صنيعه وهي تودعه.
غادر مستر جاك المكان ولكن قلبه وروحه بقيا مع تيودورا
نظر مستر إلياس إلى ابنته التي كانت تحلق في عالم آخر
و سألها إن كانت قد التقت به بعد الحفل.
فقالت أبدا هذه أول مرة أراه بعد الاحتفال.
ولكن ماهو انطباعك عنه يا أبي؟
قال مستر جاك شخصية معروفه فهو رجل أعمال ناجح لكن معروف عنه علاقاته المتعددة بالنساء وحفلاته الماجنة.
سكتت قليلا ثم أجابت قد يكون هذا تحول جديد في حياته
قال لها أتمنى ذلك.
انصرف والدها ومازالت هي تفكر في الرجل الذي اخترق وبشدة عقلها وقلبها.
وما أسرع الأيام حين تمضي لتلتقي به من جديد في طريقها أثناء الاستعداد للحفل الخيري.
وتعددت اللقاءات ليكون الحب هو عنوان ذلك الحفل الخيري المتميز.
وفي نهاية الحفل يُتَوجها ملكةً على قلبه ويتقدم ليطلبها للزواج، لتصبح هي سيدة قصره بعد زواجهما.
كانت سعيدة والفرحة تلمع في عينيها، ليفاجئها عندما يقدمها لأهل مدينته في حفل إسطوري :
-أنها القديسة تيودورا أميرة الحب والسلام..
وأنا اتعهد أمامكم أن احافظ على نقائها وطهارتها مدى الحياة....
كانت هذه الكلمات كالسكاكين التي قطعت قلب امرأة عاشقة حالمة.
فرح أهل المدينة بقديستهم التي سيقدمون لها طقوس الحب والولاء، أما هي فقد ماتت الفرحة في داخلها.
مرت الأيام وحبها له يزيد وهو غارق في نزواته.
وعندما يعود يجلس عند قدميها ويبكي بحرقة وألم لأن حبها أصبح يجري في دمه، وهو الهواء الذي يتنفسه ورغم ذلك كان يقول لايمكن لهذا الجسد الطاهر أن يتدنس بالوحل. أنا لا أستحق كل هذا الطهر والعفاف وبدل أن يحاول معالجة الموقف ويصلح حاله كان يزداد مجونا وعربدة.
لقد نسى أنها بشر ومن حق هذا الحب أن يتوج بالرعاية لكن هو من وضع الحواجز ليحميها من نفسه فكان السبب في كسر قلبها. لم تكن تتمنى أن تكون قديسة، إنما كانت تحلم أن تكون الزوجة والرفيقة والمعشوقة وهذا حقها لأنها بشر..
والزمن يمضي وتيودورا تذبل لأن كبريائها لايسمح لها أن تناقش زوجها فيما صنع بها، لكنها كانت تكتب في مذكراتها حنينها وشوقها إليه وأنه خالف الطبيعة البشرية وأنها ليست ملاكًا بل بشرا. كتبت حروفها بدموعها لتنسحب من الحياة ؛ويعلم هو الذنب الذي اقترفه بحقها
وعندها ماتت كل النساء في عينيه،وراح يردد في كل مكان يحل فيه:
-وداعا يا تيودورا فقد مات الحب في قلبي، وانتهى زمن السلام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق