السبت، 24 فبراير 2018

قراءة في نص: المَصْلوب عَلى جِذعِ نَخْلةٍ (لــ قاسم محمد مجيد) .. بقلم الناقد: غازي الموسوي

بعض انماط الشاعرية اقرب ماتكون الى المشرط الطبي،الذي نحس عميقا كمتلقين بوجع تشريحه الغائر في سيكولوجيا الفرد وسوسيولوجيا الجماعة في ميقات واحد،كونه لا يستخدم اي مخدر في جراحته الموغلة في اعماق اللحظة الراهنة..رافضاً كل انواع المجازات الفاقعة - ونعني الزائدة عن اللزوم- خلا الاقنعة التعبيرية والاستعارات الموحية التي تشي بوضوح بل تفضح بانكشاف بمثلما تغور في الاعماق..عبر مركب ساخر ولكنه صادق في توتره ،جارح في ايقاظه للراكد في المصابين بالسكونية والرضا عن السائد الموبوء بكساح القيم ..
لاتستغرب ياصديقي الشاعر النبيل المثخن بجراح الزمن الطارئ..
انها نبوءة الجنيد للحلاج ذاتها تتكرر في كل حقبة بطريقة تختلف بالشكل ولكنها تتماثل في المضمون..
( ستركب الريح واليم حتى اراك على خشبه)
تسير بك امواه دجلة البغدادية بين الجسرين مشيعا بدموع الشموع التي تكتب على الماء حبرها الضائع في هلامية الميقات القارس في هزيعه الاخير.


النص:


لِمَ هَذا النًّهارٌ 
يَحملُ عَلى ظَهْرِه نوَّحَ الرِّيح
وَجسَداً مَصْلوباً عَلى جِذعِ نَخْلةٍ 
وَحراساً واقِفينَ مِثلَ سِلالَ قُمامَةٍ 
أَيُّ نَهارٍ هَذا ! 
********
مٌذْ صَار للْخوْفِ أَجْنحَة نًسورٍ
التَفَّ النَّاسُ، حوْلَكَ مِثلَ مِنجَلٍ 
وسُؤَال كزَوبعَةِ صَحْراء
لمَاذا تَبْدو وُجوهُ بعض الرَّجالَ جَبانَةً ؟ 
وَلا مُعين !!

ألفُ جَلدَةٍ
وَأَنْتَ تَصِيحُ..
لَسْتُ نَبِيّاً كَيْ أُكَلمَ الَّلهَ...

حَينَ رايْتُ قُضَاةَ بَغْدادٍ ...
 نَزَعوا الطَّلاءَ عَنْ وُجُوهِهِم 
وَشهُود الزُّورِ مُصْطَفونَ كَالثعالب 
ذَابَ قلبُكَ فِي دُعاءٍ أَخِيرٍ 
وَايقَنَ .... 
أن لا حَاكم شَعرَ بالذَّنبِ 
وشَنقَ نَفْسَهُ

هناك تعليق واحد:

  1. من هو المصلوب ياترى؟ ومن نأى بنفسه عن الصلب منا؟ وهل سيشمل الصلب كلنا ام انه سينفذ على احدنا دون الاخر، اي نص منهمر المشاعر هذا يا اخي؟ هذا النص الذي امامنا فيه من الانين الى حد البكاء لكلا القارئين، قاريء مطلع عام لا يعرف الكاتب، وآخر مطلع متابع يعرف الكاتب، الفرق ان الاثنين في متابعتهما سيعطيان الرأي كل حسب خلفية ومساحة ملكته النقدية والاطلاعية، لكنما الفرق ان الاول سيقرأ ويؤشر مايرى وهو حق مشروع وينصرف الى حيث يريد، فيما سيتوقف الثاني عند اكثر من القراءة والتأشير والانصراف، لانه يعرف الكاتب ومايعتمر دواخله من روح انسانية راقية، ومن قلم مبدع على الدوام، ومن حس تمثل بالنضج الثقافي والارث الاجتماعي عدا عن الاصالة وحب الوطن والرغبة القاتلة في البحث عن الجديد...
    حسنا فعل الاستاذ ابو طبيخ الموسوي في تناوله وعرضه هذا النص لكي يوثق للمبدع حقه، وان يُطلِع قراء ومتابعي (افاق نقدية) على قلم يحمل من الالم والحزن مالايستطيع احدنا ان يتنازل عنه لغيره، ( فالحزن في بلدي الذبيحِ مباحُ ... والصمت ابلغ ان ذكته جِراحُ)، هكذا ارى النص الذي تناوله الاستاذ غازي ابو طبيخ، وهو في حد ذاته تجليات لتراكم من الآهات طال نواحها، ولكأنني بالشاعر وهو مكتوف الايدي ومعصوب العينين يسير متأرجحا بين بغداد الحلاج وبغداد الحاضر المبكي، النص كان معبرا بشكل واضح عن رؤى مشتركة للكل وهو تحدث بلغة الضمير الجمعي وهذا رقي يؤشر للاستاذ قاسم محمد مجيد المحترم، على ان لي رأيا، كنت اتمنى على السيد قاسم ان يمد في استلهامه القصير هذا مع تاكيدي انه ادى ما عليه، لكنما هناك ماهو محبوس في المحاجر كاد ان يساعدنا في استئصاله والبوح معه اشباعا لرغباتنا الشخصية التي اصبحت عنوانا للناس ونحن منهم....رايت اللمعان الشعري في موسيقى ثقيلة من وزن الحُداء او ماشابه، وهي ان جمعت فهي تخضع لايقاع متواصل ومدور بعض الاحيان وربما ماكان الكاتب يقصدها، فهي عفوية النغم دون تكلف... تحية لشخص الكاتب وتمنيات بالتوفيق مع الرجاء بان لايحرمنا تواجده الكريم هنا مع زملاء اعزاء له، وتحية اكبار للسيد الموسوي لحسن الاقتناص وجميل العرفان... (الناقد: شاكر الخياط)

    ردحذف