(مفاتيح أريناس الكونية):
مطالعة في نص الاديبة نائلة طاهر:...(تونس)...
مطالعة في نص الاديبة نائلة طاهر:...(تونس)...
المفتاح الاول:
.................
ماذا تعني مفردة( اريناس) كعتبة أُولى باعتبارها العنوان الذي وقع اختيار اديبتنا عليه?
وللاجابةنقول :انهاباختصار
لفظة أمازيغية تونسية قديمة بمعنى(الزهرة)..
وهي رمز اصيل يعتز به الشعب التونسي للتعبير مجازا عن الارض والعرض وقد تكون رمزا لتونس نفسها .
وفي الحقيقة ان أريناس إسم من اكثر اسماء المرأة قدما وجمالا واصالة في هذا البلد المتوسطي،حتى اننا حين نبحث عن معناه نرى شروحاته شديدة الالتصاق باسم واحدة من اكثر النساء خلودا ومجدا في الذاكرة الجمعية للشعب التونسي ونعني بها ( ديهيا) الملكة الامازيغية التي يتحدث عنها مؤسس علم الاجتماع الكبير ابن خلدون المغربي بكل احترام وتوقير برغم محاولات التشويش عليها وتشويه تاريخها حيث اشار بكل وضوح الى انها وحدت تونس والجزائر وليبيا في مملكة واحدة بعد وقوفها الشهير في وجه اول غزوة يقودها حسان بن النعمان في عهد عبد الملك بن مروان..وقد بقيت تدير شؤون هذه المملكة بحزم وقوة حتى اتهمها الكثيرون باستخدام السحر في مواجهاتها مع اعداءها لتفسير شجاعتها وانتصاراتها او لربما لتفسير هزيمتهم امامها..
لكن ما الذي ينفعنا مثل هذا المبحث التاريخي السوسيولوجي في قراءتنا لنص شاعرتنا الفاضله..
ان الذي ينفعنا هو ان اسم هذه الزهرة التي تقرب من القداسة عند سكان تونس الاصليين لايطلق على الانثى وحسب ،وانما يطلق على هذا المستوى من النساء العظيمات كرمز للمراة الجليلة القدر ،بدليل انه اسم حقيقي لأحدى ملكات الشعب ( الامازيغي) الاكثر قدماً..ولانعني ديهيا هنا وانما نعني ملكة بربرية حقيقية كان اسمها اريناس فعلا.
اذن ماذا ارادت شاعرتنا ان توصله من خلال اختيارها لهذه الثيمة التاريخية البارزة ؟
بحسب تصورنا وبالنظر إلى خلفية الشاعرة الثقافية والفكرية المنتصرة لقيمة الحضور الواعي للمرأة في الشعر والثقافة فإنها كانت تريد ان تعطي للمرأة في هذا النص بعدا محليا وكونيا معا ،يعزز حقها بالمبادرة ودورها في الحضور على مستوى الحياة الخاصة والعامة..
ونظرا لان المفردة الواحدة في ما اصطلح على تسميته ب(قصيدة النثر) تأخذ عادة صفة المفتاح الدلالي ،فقد حرصت على السؤال العلمي بخصوص علاقة أريناس بالحقل الدلالي العام للقصيدة ،و توجهت به إلى مؤرخ تونسي مهتم بالشأن الشعري والأدبي عامة فكان رأيه بهذا الرمز المتسع كالتالي:
__ (أريناس زهرة جذورها في الارض عيونها متصلة بسماء كل عاشق ،تحتويه في سكون أحيانا وتضج إذا ما اشتدت شكواه وأنينه كل الحين ...أريناس هي العرض،، هي الأرض ،المستقر بعد الرحيل هي الهوية التي لا تغدر ولا يغادرنا طيبها ورائحة ثراها ،هي الهوية التي لا تتغير وان تعاقبت الأجناس والحضارات. تظل أريناس هي الاولى بدلالتها على المرأة المثال ،المرأة حلما وواقعا. ومعلوم بان الانثى هي الحياة ومادام الصراع شاقا على الانسان عامةفإن ما بينه وبين الحياة جذب ودفع ،صراع قد يحكمه المستحيل والمغامرة ولكنه صراع لا ينفي الثابت أن العَوْدَ مسألة محسومة لصالح الحياة نفسها لصالح الوطن الأم ،لأريناس كتاريخٍ وماض ومستقبل،حتى وإن أُغتصبت بعض الحدود أوأُقيمت حدود أخرى، فإن الحياة للجميع والفائز من يأخذ من عطرها ملء الصدر والقلب .وستظل أريناس تطل بعين الحب على هذا الشرق وإن لم يبدُ منه إلا ظلامه فلن تيأس حتى وان كان الظلام قد قدر سلفا فإن عطر الشرق باقٍ بين سطور تاريخه ومستقبله ..)،وسيتبين لاحقا الربط التلقائي بين هذا النفس الشديد الالتحام مع التاريخ المحلي الخاص وبين إحساس شاعر اسبانيا الكبير (لوركا)..
وعليه فإن عيون التاريخ الواسعة لا ترى المقرَّر فقط وانما تستحضر شخوصه وافتراضاته.و في المقابل هذا قلب الشاعرة التي قالت :أن اريناس أنثى يحركها الحب الكوني في اتجاه حدود تتسع ولا تضيق لانها تنهمر من قلب عاشق تعلق بالوجود عامة فلا يرى الا سحره المدهش ولا يراه إلا حبا خالصا ،انثى تترك وشمها في روح الكون نفسه ذاك الكون الذي لم ننل منه الا العتمة احيانا كثيرة ولكننا ندين له بالكثير من النور الساكن بالقلوب ..
إجمالا واستئناسا برأي التاريخ والأدب فإن نص شاعرتنا ينطوي على ان
أريناس قصة خلاص،، خارطة سير الى السماء تعود بنا الى الارض مطرا غزيرا يحيي ما مات ..
بالاخر..والشاعرة نفسها لها مقولة معروفة وهي (إن الانثى هي ربة هذا العالم بعد الاله لانها هي فقط تحمل عنه بأمانة تواصل إمكانية الخلق ) وقد يبدو هذا الكلام في ظاهره مبالغا فيه، ولكن الانثى كما نعلم واجهة لعدة مسميات ،ولكل مسمى إطاره المشروع..
*
انطلاقامن كل ماتقدم نقول :
نعلم جيدا ايتها المبدعة نائلة طاهر ان هذا النص نابع من عين الشعر الحقيقية الاكثر عمقا وجرأة،ولكننا نعلم ايضا انه يتطلع الى فعل ابداعي ذي افق كوني النزعة،غربي الاسلوب،حد الشعور بوجود انفاس اسلوبية بنائية لمجموعة شعراء اوربيين قد تم اختزالهم هنا برغم اشاراته وروحه الشرقية،كون شاعرتنا امرأة وكونها مكتنزة باحساس صوفي واضح جدا ،فروح الكاهنة( ديهيا) فيه ذات افق اشراقي واسع شامل يجمع اليه بين الخاص جدا والعام جدا في اطار كيان يتجاوز عادياته البشرية الى كينونة قادرة على ان ترى بطريقة هيولية وفي الاتجاهات الاربع..كيف نفترع كل شئ بدء منا فمحيطنا بكل ركامه لانجاز نوع من المخلوقات المعرفية العاليه..
( ايها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب اصابعي
واتني به
من اجنحة الغمام)
الدهشة بحسب تصوري تكمن في الحفاظ على الحس الادمي لكن وفق مخلوق انثوي ( سوبر) خارج عن المالوف...
(وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الانبياء
أختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرته الملائكة
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت)..
والدهشة من طرف اخر تصنعها قدرة هذا المخلوق الابداعي على استيعاب الحدث الواقعي المحيط لكن من منطلق الوعي بحركة التاريخ وليس مجرد تسجيله :
(وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو لن يقبل باية معاهدة للسلام
لن يقايض باسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الاخير)
من هنا ليس امامنا لاختراق هذا النص الملتحف او الملثم كما عبر عن ذاته غير ثلاثة مفاتيح وفرتها لنا الشاعرة ذات الوعي النقدي العميق لكونها تفهم قبل غيرها ضرورة وجود مثل هذه المفاتيح لهكذا حقل شعري ملغم بالدفائن السرانية البعيدة عن التناول المباشر..
.................
ماذا تعني مفردة( اريناس) كعتبة أُولى باعتبارها العنوان الذي وقع اختيار اديبتنا عليه?
وللاجابةنقول :انهاباختصار
لفظة أمازيغية تونسية قديمة بمعنى(الزهرة)..
وهي رمز اصيل يعتز به الشعب التونسي للتعبير مجازا عن الارض والعرض وقد تكون رمزا لتونس نفسها .
وفي الحقيقة ان أريناس إسم من اكثر اسماء المرأة قدما وجمالا واصالة في هذا البلد المتوسطي،حتى اننا حين نبحث عن معناه نرى شروحاته شديدة الالتصاق باسم واحدة من اكثر النساء خلودا ومجدا في الذاكرة الجمعية للشعب التونسي ونعني بها ( ديهيا) الملكة الامازيغية التي يتحدث عنها مؤسس علم الاجتماع الكبير ابن خلدون المغربي بكل احترام وتوقير برغم محاولات التشويش عليها وتشويه تاريخها حيث اشار بكل وضوح الى انها وحدت تونس والجزائر وليبيا في مملكة واحدة بعد وقوفها الشهير في وجه اول غزوة يقودها حسان بن النعمان في عهد عبد الملك بن مروان..وقد بقيت تدير شؤون هذه المملكة بحزم وقوة حتى اتهمها الكثيرون باستخدام السحر في مواجهاتها مع اعداءها لتفسير شجاعتها وانتصاراتها او لربما لتفسير هزيمتهم امامها..
لكن ما الذي ينفعنا مثل هذا المبحث التاريخي السوسيولوجي في قراءتنا لنص شاعرتنا الفاضله..
ان الذي ينفعنا هو ان اسم هذه الزهرة التي تقرب من القداسة عند سكان تونس الاصليين لايطلق على الانثى وحسب ،وانما يطلق على هذا المستوى من النساء العظيمات كرمز للمراة الجليلة القدر ،بدليل انه اسم حقيقي لأحدى ملكات الشعب ( الامازيغي) الاكثر قدماً..ولانعني ديهيا هنا وانما نعني ملكة بربرية حقيقية كان اسمها اريناس فعلا.
اذن ماذا ارادت شاعرتنا ان توصله من خلال اختيارها لهذه الثيمة التاريخية البارزة ؟
بحسب تصورنا وبالنظر إلى خلفية الشاعرة الثقافية والفكرية المنتصرة لقيمة الحضور الواعي للمرأة في الشعر والثقافة فإنها كانت تريد ان تعطي للمرأة في هذا النص بعدا محليا وكونيا معا ،يعزز حقها بالمبادرة ودورها في الحضور على مستوى الحياة الخاصة والعامة..
ونظرا لان المفردة الواحدة في ما اصطلح على تسميته ب(قصيدة النثر) تأخذ عادة صفة المفتاح الدلالي ،فقد حرصت على السؤال العلمي بخصوص علاقة أريناس بالحقل الدلالي العام للقصيدة ،و توجهت به إلى مؤرخ تونسي مهتم بالشأن الشعري والأدبي عامة فكان رأيه بهذا الرمز المتسع كالتالي:
__ (أريناس زهرة جذورها في الارض عيونها متصلة بسماء كل عاشق ،تحتويه في سكون أحيانا وتضج إذا ما اشتدت شكواه وأنينه كل الحين ...أريناس هي العرض،، هي الأرض ،المستقر بعد الرحيل هي الهوية التي لا تغدر ولا يغادرنا طيبها ورائحة ثراها ،هي الهوية التي لا تتغير وان تعاقبت الأجناس والحضارات. تظل أريناس هي الاولى بدلالتها على المرأة المثال ،المرأة حلما وواقعا. ومعلوم بان الانثى هي الحياة ومادام الصراع شاقا على الانسان عامةفإن ما بينه وبين الحياة جذب ودفع ،صراع قد يحكمه المستحيل والمغامرة ولكنه صراع لا ينفي الثابت أن العَوْدَ مسألة محسومة لصالح الحياة نفسها لصالح الوطن الأم ،لأريناس كتاريخٍ وماض ومستقبل،حتى وإن أُغتصبت بعض الحدود أوأُقيمت حدود أخرى، فإن الحياة للجميع والفائز من يأخذ من عطرها ملء الصدر والقلب .وستظل أريناس تطل بعين الحب على هذا الشرق وإن لم يبدُ منه إلا ظلامه فلن تيأس حتى وان كان الظلام قد قدر سلفا فإن عطر الشرق باقٍ بين سطور تاريخه ومستقبله ..)،وسيتبين لاحقا الربط التلقائي بين هذا النفس الشديد الالتحام مع التاريخ المحلي الخاص وبين إحساس شاعر اسبانيا الكبير (لوركا)..
وعليه فإن عيون التاريخ الواسعة لا ترى المقرَّر فقط وانما تستحضر شخوصه وافتراضاته.و في المقابل هذا قلب الشاعرة التي قالت :أن اريناس أنثى يحركها الحب الكوني في اتجاه حدود تتسع ولا تضيق لانها تنهمر من قلب عاشق تعلق بالوجود عامة فلا يرى الا سحره المدهش ولا يراه إلا حبا خالصا ،انثى تترك وشمها في روح الكون نفسه ذاك الكون الذي لم ننل منه الا العتمة احيانا كثيرة ولكننا ندين له بالكثير من النور الساكن بالقلوب ..
إجمالا واستئناسا برأي التاريخ والأدب فإن نص شاعرتنا ينطوي على ان
أريناس قصة خلاص،، خارطة سير الى السماء تعود بنا الى الارض مطرا غزيرا يحيي ما مات ..
بالاخر..والشاعرة نفسها لها مقولة معروفة وهي (إن الانثى هي ربة هذا العالم بعد الاله لانها هي فقط تحمل عنه بأمانة تواصل إمكانية الخلق ) وقد يبدو هذا الكلام في ظاهره مبالغا فيه، ولكن الانثى كما نعلم واجهة لعدة مسميات ،ولكل مسمى إطاره المشروع..
*
انطلاقامن كل ماتقدم نقول :
نعلم جيدا ايتها المبدعة نائلة طاهر ان هذا النص نابع من عين الشعر الحقيقية الاكثر عمقا وجرأة،ولكننا نعلم ايضا انه يتطلع الى فعل ابداعي ذي افق كوني النزعة،غربي الاسلوب،حد الشعور بوجود انفاس اسلوبية بنائية لمجموعة شعراء اوربيين قد تم اختزالهم هنا برغم اشاراته وروحه الشرقية،كون شاعرتنا امرأة وكونها مكتنزة باحساس صوفي واضح جدا ،فروح الكاهنة( ديهيا) فيه ذات افق اشراقي واسع شامل يجمع اليه بين الخاص جدا والعام جدا في اطار كيان يتجاوز عادياته البشرية الى كينونة قادرة على ان ترى بطريقة هيولية وفي الاتجاهات الاربع..كيف نفترع كل شئ بدء منا فمحيطنا بكل ركامه لانجاز نوع من المخلوقات المعرفية العاليه..
( ايها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب اصابعي
واتني به
من اجنحة الغمام)
الدهشة بحسب تصوري تكمن في الحفاظ على الحس الادمي لكن وفق مخلوق انثوي ( سوبر) خارج عن المالوف...
(وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الانبياء
أختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرته الملائكة
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت)..
والدهشة من طرف اخر تصنعها قدرة هذا المخلوق الابداعي على استيعاب الحدث الواقعي المحيط لكن من منطلق الوعي بحركة التاريخ وليس مجرد تسجيله :
(وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو لن يقبل باية معاهدة للسلام
لن يقايض باسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الاخير)
من هنا ليس امامنا لاختراق هذا النص الملتحف او الملثم كما عبر عن ذاته غير ثلاثة مفاتيح وفرتها لنا الشاعرة ذات الوعي النقدي العميق لكونها تفهم قبل غيرها ضرورة وجود مثل هذه المفاتيح لهكذا حقل شعري ملغم بالدفائن السرانية البعيدة عن التناول المباشر..
* المفتاح الثاني:
.....................
ويكمن في البيت الشعري العمودي الذي صدرت به النص، ذلك لان العتبة الاولى لاتشي عن مفادها الا لمن يفهم الماوراء البربري لهذه المفردة ،فكلمة ( اريناس) التي تعني الزهرة مفتاح لا يمكن الافادة منه الا بعد فك طلسمه وقد فعلنا بما نراه كافيا ان شاء الله تعالى..
اذن فالبيت الشعري العمودي الذي صدرت به الشاعرة قصيدتها هو المفتاح الاقدر على الولوج كما نتصور:
(انت بعضي
وانت كل مرادي
ياحبيبا
انفاسه في مدادي)..
بيت شعري من الطراز الاول نسجا ،وبحر (الخفيف) عروضا ،والمناخ الصوفي جوا وشعورا واسلوباً،فالمحبوب او المعشوق بالاصطلاح الصوفي منحل في مداد النص،بل وفي مداد كل نص سابق او لاحق للشاعرة موضوعة البحث..
حتى اننا حين نحاول معرفة طبيعة عنصر الخطاب فقد تتسع الدائرة حتى تحتمل مخاطبة الرب سبحانه باعتباره الحبيب الاعظم والاوسع الذي بقي بهيا مأمولا لأنه لم يسهم في ما جرى على المراة كانثى من الاحوال التي اشرنا اليها آنفا..
*
يبقى السؤال المهم ترى:
مانوع الموضوعة التي سلطت مبدعتنا عليها الاضواء بحيث استدعت منها ان توزعها على هيئة بنى متعاقبة،بحيث تطل كل بنية على فكرة النص الاجمالية لكن من زاوية نظر تختلف عن الأخرى..وكأني بها قد اختارت ان تصنع بذلك متوالية من الأضواء الكاشفة عن الحقائق الجوانية للقصيدة في ناحية ولكاتبتها في لحظتها الشعرية الراهنة من ناحية اخرى..
فهل كان موضوع القصيدة وجدانيا محضا?
هل كان الوجدان سبيلا?!
هل كان قناعا?..
ومع كل ذلك ،مانوع هذا الوجدان ايضا?
هل كان مرتبطا من بعيد او قريب برابعة العدوية بدلالة البيت الشعري العمودي مثلا..اسئلة كثيرة وكبيرة تحتاج الى فكفكة واجابات تنفعنا في رحلة البحث..
.....
نص الاديبة نائلة طاهر :
~~~
( أريناس):
-------
تصدير :
..........
أنت بعضي
وأنت كل مرادي
يا حبيبا أنفاسه في مدادي
~~~
النص:
•••••
كأي انثى
هوايتها عسل التشفي
تنسى ان تمر قريبا
هي فقط
تهز ارجوحة الذاكرة
لتعزفها
اوتار شاعر حزين..
...
وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو..
لن يتقبل
باية معاهدة للسلام
لن يقايض
بٱسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الأثير..
..
أيها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب أصابعي
واتني به
من أجنحة الغمام
..
وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الأنبياء
اختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرتْهُ الملائكةُ
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت
:
أيها الطائر الناري
اخشى عليك
من قسوتي
من خديعة الغربان
من عيون الزيف
ومن لغتي الملثمة
فابتعد ...
ابتعد
عن سحبي
واتركني لشانقي
هو يشهد احتضاري
ك غيمة تدلت من كفيه
فيروزة وَدق...
:
أريناس..
زهرة من اشتهى حَمَم الثلج
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم
تزرعه قطاف قمر وأغنيات
ولا يرنّ اسمها في الضباب ...
أتراها حين تولي
تترك الوشم منيرا
في ساحة صدرك المعتم.......
...
وسنورد ادناه نص الشاعر الكبير لوركا ( اليد المستحيلة) ،الذي ورد ذكر اهم رموزه في سياق نص الاديبة نائلة طاهر..
نذكره هنا من اجل الاطلاع والربط لمن احب المتابعة ،مع التقدير..
*
اليدُ المستحيلة – لوركا
..................................
أنا لا أتمنّى
غيرَ يدٍ،
يدٍ جريحةٍ،
لو أمكنَ ذلك.
أنا لا أريدُ غيرَ يدٍ،
حتّى لوْ قضيتُ
ألفَ ليلةٍ بلا مضجع..!!
ستكونُ زنبقًا شاحبًا
من كلس،
ستكونُ حمامةً
مربوطةً بقلبي،
ستكونُ حارسًا
في ليلِ احتضاري،
يمنعُ بتاتًا القمرَ
من الدّخول.
أنا لا أتمنّى شيئًا
غيرَ هذهِ اليد،
للزّيوتِ اليوميّة،
وشرشفِ احتضاريَ الأبيض.
أنا لا أريدُ
غيرَ هذهِ اليد،
لتسندَ جناحًا من موتي.
كلُّ ما تبقّى يمرّ
تُوْرَدُ بلا اسمٍ،
كوكبٌ أبديٌّ دائم..
كلُّ الباقي
شيءٌ آخرُ مختلف:
رياحٌ حزينةٌ
بينما تفرُّ الأوراقُ
أسرابًا...
..................
(ح2)
.......
المفتاح الثالث،
ماهي طبيعة العلاقة
بين اريناس ولوركا:
--------------
معلوم ان تونس خاصة والمغرب العربي عامة بمثابة الحلقة الوسيطة بين المشرق العربي وعموم الغرب..هذا يعني انها كانت وماتزال على احتكاك دائم مع اوربا بدء من العبور العربي الشهير ..ومعلوم ايضا ان ماجرى عليها قد جرى على اسبانيا والبرتغال اللتين شكلتا بعد الفتح (بلاد الاندلس)..
هنا في هذه المحطة نود الاشارة الجديرة الى ان الشاعر الاسباني الكبير (لوركا) يشعر عميقا بالارتباط الشعوري الدفين بالتراث الاندلسي على وجه الخصوص ..اما كيفية هذا الارتباط فسنبينه فيما سياتي من الحديث..
قلق الهوية:
-------
مع ان حياة عائلة الدون لوركا كلها اقرب الى التدين الكنسي حد أن يعشق شاعرنا ارتداء ازياء الرهبان خلال فترة طفولته كما يتحدث عن ذلك بنفسه ولكن مايسترعي الانتباه هو أن هذه العائلة غرناطية بامتياز ،ومعلوم ان غرناطة هي العاصمة الكبرى والاهم لبلاد الاندلس..ولقد صرح الشاعر الكبير لوركا لاكثر من مرة بما يشبه التاكيد بما يلي:
( يجري في عروقي دم عربي) ..
هذه اللافتة التي كان يرفعها بين الفينة والفينة حتى في وجوه زملاءه شكلت عند الباحثين والنقاد علامة دلالية فارقة على قلق الهوية وارجحة الشعور بالانتماء،ربما يكون لها اثر كبير فيما انجزه هذا الشاعر العبقري العميق التلقائي الصادق من ابداع رفيع..
ومما لاريب فيه ان هذا الشعور الذي يساور مبدعا كبيرا ك(لوركا) لابد انه يساور جلَّ من ينتمي الى جغرافيا الاندلس سواء أأعلنوه ام كتموه..
وهنا مكمن الصيد السمين الذي امسكت به شاعرتنا الاديبة نائلة طاهر التونسية العربية الأصل، والتي تعيش وتلمس مايحس به كل تونسي أمازيغي على وجه الخصوص من القلق حنينا الى الجذور الضاربة في اعماق التاريخ المغاربي في جانب ،وقراءة للمُحْدَثات الاجمالية والتفصيلية التي اعقبت الفتوح العربية والاسلامية حتى اللحظة الراهنة مآلاً ونتاجاً واثراً..وهو ذاته الذي يفسر تحليليا انتشار ظاهرة التصوف مثلا في عموم المغرب العربي بقوة ورسوخ معرفة وطقسا حتى اللحظة الراهنة..وهو ما قاد الى وضع البيت الشعري العمودي ذي النفس الصوفي الواضح في جانب من تفسيره ،ولنا عودة اليه في جانب اخر ايضا..وسنكتفي هنا بالاشارة الدلالية اعتمادا على وعي نخبتنا في التحليل والتفسير والاستدلال،فالمجال يضيق كثيرا عن الاسفارالجانبية التي سيُعنى بمتابعتها المتخصصون بعلم الاجتماع وعلم النفس فضلا عن التاريخ السياسي خاصة..
ماذا عن اليد المستحيلة?!:
-----------------
ان اختيار الاديبة (طاهر) لهذه القصيدة بالذات لشاعر اسبانيا الكبير لوركا لم يكن مجرد استعارة عابرة ابدا،وانما كان استلهاماً لمفهوم هذه اليد المأمولة المنتظرة التي مثلت خلاصة رؤية لوركا في هذه القصيدة البالغة الاهمية..اليد التي تمثل روح التفاؤل والامل كَيَدٍ مُنقذة مُخلّصة تدخل في اوسع الاطر و اخص المفاهيم التي تؤمن او تعتقد او تأمل بالوعد الالهي المنتظر،وقد يحسبها البعض( غودو) ايضا.. على رغم الاحساس المقلق المربك باستحالة تحققها او الخوف الرهيب من عدم امكانية تحققها،ولكنها على كل حال تبقى محط امال اوسع شرائح الخليقة الإنسانية في كل مكان..وقد يفسرها البعض الاخر واعني (اليد المستحيلة) ثوريا بٱنتظار حركة فصيل ثوري ما او ضمير جمعي شعبي ما ..ولكنها في كل الاحوال بؤرة الضوء التي تحوم حولها الامال..
(أريناس..
زهرة من اشتهى حِمَم الثلجِ
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم)..
...................
ح3
......
صراع الأجناس:
----------
لكي نختصر الطريق سنقوم بحصر هذه الحلقة بمحاورها الاساس التي وعدنا بها في معرض الحديث بالشكل التالي:
1-صراع الاجناس البشرية متمثلا في:
*العرب الفاتحين في جانب.. والأمازيغ سكان تونس الاصليين..
ثم..
*العرب الفاتحين في جهة ايضا ..
اسبانيا والبرتغال في جهة أخرى..
هذا يعني وجود اقتران شرطي( بافلوف) فاستذكار الدخول العربي الى تونس يستحضر معه تلقائيا الدخول العربي الى الاندلس..
2-صراع الأجناس الأدبية،متمثلا في صراع الطرازات الشعرية،وتحديدا الموزون ( العمود والتفعيلة)في مقابل ( قصيدة النثر)..
هذا الطباق الجامع الذي اشتغلته شاعرتنا بكثافة
بلورية مدهشة حقا بين محورين يتبادلان الاستدلال والاقناع بغية استنباط الحكم الفكري النموذجي المعمق الرافض لكل انواع الصراع والتهميش والإلغاء ..
فعلى الصعيد الانساني لامعنى لمفهوم التفوق العرقي الزائف ،وكل الجمال والبهاء في مفهوم الأخوة الانسانية الرفيع الذي كان لوركا يستفز به حتى ابناء جلدته ..
كما ولا معنى البتة لعصاب الاجناس الابداعية وبخاصة مانحن بصدد ارهاصاته السلبية التي فرضت كثيرا من ازماتها التي وصلت احيانا حد المأزومية بين الطرازات الشعرية متمثلة بدعاتها غير القادرين على احترام الرأي الاخر،وكأنهم مصابون بداء السياسة الشرقية العربية على وجه الخصوص..
ولهذا رفعت الشاعرة لافتة العمود من خلال بيت القريض الرائع الذي اولته جهدا جماليا كبيرا لكي يكون ضيفا راقيا ومقنعا على قصيد النثر الذي يشكل بكل فحواه ومبناه جهة المُضَيِّفِ في توليفة سلام وصفقة مصالحة أثبتت نجاحا كبيرا من خلال تذويب مضمون البيت العمودي ذاته في مداد النثر منذ البدء وحتى الختام..تبنّياً رضيّاً في جانب وانسجاما مقنعا في جانب اخر..
من هنا وعلى المستوى الإنساني تحضرنا الوثائق المقدسة التالية: *(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..إن اكرمكم عند الله اتقاتكم)..
*و(كلكم لآدم وآدم من تراب)..
*و( فإما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)..
*و( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً)..
*و( ومن قتل نفساً بغير نفسٍ فكأنّما قتل الناس جميعاً)..
ولا حصر لأمثلة هذا المفاد..
فاذا استوعبنا الدرس الانساني بشكل سليم ونبيل لا ريب سنتفهم ان اية مأزومية او عصاب في حوارية الفكر والابداع لايعدو أن يكون جاهلية ضيقة الأفق لاتملك ادنى المبررات التي تدل على السواء ومرونة الوعي قط..
وفي هكذا حال يحضر (بافلوف) ايضا..
فاستذكار صراع الاجناس الابداعية يستحضر معه صراع الاجناس البشرية،وبالتالي فإن كلا منهما يُحَذِّرُ من الثاني ويؤكد خطله او على الأقل عدم جدواه في الحد الادنى..
...
بقي علينا القول أن من يقرر مستويات النجاح التي حققتها اديبتنا الكبيرة نائلة طاهر هو المتلقي عبر بعديه :
*المتخصص المنصف النزيه..
*المتلقي المتابع الواعي القادر على الاستلام..
ومن خلالهما معا سيأخذ هذا المخلوق الإبداعي الجميل دورة استحالته الجديدة في الحياة والانثروبولوجيا..مع خالص التقدير ..
.....................
ويكمن في البيت الشعري العمودي الذي صدرت به النص، ذلك لان العتبة الاولى لاتشي عن مفادها الا لمن يفهم الماوراء البربري لهذه المفردة ،فكلمة ( اريناس) التي تعني الزهرة مفتاح لا يمكن الافادة منه الا بعد فك طلسمه وقد فعلنا بما نراه كافيا ان شاء الله تعالى..
اذن فالبيت الشعري العمودي الذي صدرت به الشاعرة قصيدتها هو المفتاح الاقدر على الولوج كما نتصور:
(انت بعضي
وانت كل مرادي
ياحبيبا
انفاسه في مدادي)..
بيت شعري من الطراز الاول نسجا ،وبحر (الخفيف) عروضا ،والمناخ الصوفي جوا وشعورا واسلوباً،فالمحبوب او المعشوق بالاصطلاح الصوفي منحل في مداد النص،بل وفي مداد كل نص سابق او لاحق للشاعرة موضوعة البحث..
حتى اننا حين نحاول معرفة طبيعة عنصر الخطاب فقد تتسع الدائرة حتى تحتمل مخاطبة الرب سبحانه باعتباره الحبيب الاعظم والاوسع الذي بقي بهيا مأمولا لأنه لم يسهم في ما جرى على المراة كانثى من الاحوال التي اشرنا اليها آنفا..
*
يبقى السؤال المهم ترى:
مانوع الموضوعة التي سلطت مبدعتنا عليها الاضواء بحيث استدعت منها ان توزعها على هيئة بنى متعاقبة،بحيث تطل كل بنية على فكرة النص الاجمالية لكن من زاوية نظر تختلف عن الأخرى..وكأني بها قد اختارت ان تصنع بذلك متوالية من الأضواء الكاشفة عن الحقائق الجوانية للقصيدة في ناحية ولكاتبتها في لحظتها الشعرية الراهنة من ناحية اخرى..
فهل كان موضوع القصيدة وجدانيا محضا?
هل كان الوجدان سبيلا?!
هل كان قناعا?..
ومع كل ذلك ،مانوع هذا الوجدان ايضا?
هل كان مرتبطا من بعيد او قريب برابعة العدوية بدلالة البيت الشعري العمودي مثلا..اسئلة كثيرة وكبيرة تحتاج الى فكفكة واجابات تنفعنا في رحلة البحث..
.....
نص الاديبة نائلة طاهر :
~~~
( أريناس):
-------
تصدير :
..........
أنت بعضي
وأنت كل مرادي
يا حبيبا أنفاسه في مدادي
~~~
النص:
•••••
كأي انثى
هوايتها عسل التشفي
تنسى ان تمر قريبا
هي فقط
تهز ارجوحة الذاكرة
لتعزفها
اوتار شاعر حزين..
...
وكأي رجل
اهلكته الحروب
هو..
لن يتقبل
باية معاهدة للسلام
لن يقايض
بٱسمها
مدنا اخرى
وسيقبل منفاه الأثير..
..
أيها النثر الجميل
المندس في ابراج الصمت
خذ تاج خجلي
وقصب أصابعي
واتني به
من أجنحة الغمام
..
وحدي مليحة هذا الليل
سليلة الأنبياء
اختبئ من شيطاني
كاشفة ماسطرتْهُ الملائكةُ
على جبين الأجنة
من ماضيك الموسوم بذكرها
فاترك مابه ابتليت
:
أيها الطائر الناري
اخشى عليك
من قسوتي
من خديعة الغربان
من عيون الزيف
ومن لغتي الملثمة
فابتعد ...
ابتعد
عن سحبي
واتركني لشانقي
هو يشهد احتضاري
ك غيمة تدلت من كفيه
فيروزة وَدق...
:
أريناس..
زهرة من اشتهى حَمَم الثلج
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم
تزرعه قطاف قمر وأغنيات
ولا يرنّ اسمها في الضباب ...
أتراها حين تولي
تترك الوشم منيرا
في ساحة صدرك المعتم.......
...
وسنورد ادناه نص الشاعر الكبير لوركا ( اليد المستحيلة) ،الذي ورد ذكر اهم رموزه في سياق نص الاديبة نائلة طاهر..
نذكره هنا من اجل الاطلاع والربط لمن احب المتابعة ،مع التقدير..
*
اليدُ المستحيلة – لوركا
..................................
أنا لا أتمنّى
غيرَ يدٍ،
يدٍ جريحةٍ،
لو أمكنَ ذلك.
أنا لا أريدُ غيرَ يدٍ،
حتّى لوْ قضيتُ
ألفَ ليلةٍ بلا مضجع..!!
ستكونُ زنبقًا شاحبًا
من كلس،
ستكونُ حمامةً
مربوطةً بقلبي،
ستكونُ حارسًا
في ليلِ احتضاري،
يمنعُ بتاتًا القمرَ
من الدّخول.
أنا لا أتمنّى شيئًا
غيرَ هذهِ اليد،
للزّيوتِ اليوميّة،
وشرشفِ احتضاريَ الأبيض.
أنا لا أريدُ
غيرَ هذهِ اليد،
لتسندَ جناحًا من موتي.
كلُّ ما تبقّى يمرّ
تُوْرَدُ بلا اسمٍ،
كوكبٌ أبديٌّ دائم..
كلُّ الباقي
شيءٌ آخرُ مختلف:
رياحٌ حزينةٌ
بينما تفرُّ الأوراقُ
أسرابًا...
..................
(ح2)
.......
المفتاح الثالث،
ماهي طبيعة العلاقة
بين اريناس ولوركا:
--------------
معلوم ان تونس خاصة والمغرب العربي عامة بمثابة الحلقة الوسيطة بين المشرق العربي وعموم الغرب..هذا يعني انها كانت وماتزال على احتكاك دائم مع اوربا بدء من العبور العربي الشهير ..ومعلوم ايضا ان ماجرى عليها قد جرى على اسبانيا والبرتغال اللتين شكلتا بعد الفتح (بلاد الاندلس)..
هنا في هذه المحطة نود الاشارة الجديرة الى ان الشاعر الاسباني الكبير (لوركا) يشعر عميقا بالارتباط الشعوري الدفين بالتراث الاندلسي على وجه الخصوص ..اما كيفية هذا الارتباط فسنبينه فيما سياتي من الحديث..
قلق الهوية:
-------
مع ان حياة عائلة الدون لوركا كلها اقرب الى التدين الكنسي حد أن يعشق شاعرنا ارتداء ازياء الرهبان خلال فترة طفولته كما يتحدث عن ذلك بنفسه ولكن مايسترعي الانتباه هو أن هذه العائلة غرناطية بامتياز ،ومعلوم ان غرناطة هي العاصمة الكبرى والاهم لبلاد الاندلس..ولقد صرح الشاعر الكبير لوركا لاكثر من مرة بما يشبه التاكيد بما يلي:
( يجري في عروقي دم عربي) ..
هذه اللافتة التي كان يرفعها بين الفينة والفينة حتى في وجوه زملاءه شكلت عند الباحثين والنقاد علامة دلالية فارقة على قلق الهوية وارجحة الشعور بالانتماء،ربما يكون لها اثر كبير فيما انجزه هذا الشاعر العبقري العميق التلقائي الصادق من ابداع رفيع..
ومما لاريب فيه ان هذا الشعور الذي يساور مبدعا كبيرا ك(لوركا) لابد انه يساور جلَّ من ينتمي الى جغرافيا الاندلس سواء أأعلنوه ام كتموه..
وهنا مكمن الصيد السمين الذي امسكت به شاعرتنا الاديبة نائلة طاهر التونسية العربية الأصل، والتي تعيش وتلمس مايحس به كل تونسي أمازيغي على وجه الخصوص من القلق حنينا الى الجذور الضاربة في اعماق التاريخ المغاربي في جانب ،وقراءة للمُحْدَثات الاجمالية والتفصيلية التي اعقبت الفتوح العربية والاسلامية حتى اللحظة الراهنة مآلاً ونتاجاً واثراً..وهو ذاته الذي يفسر تحليليا انتشار ظاهرة التصوف مثلا في عموم المغرب العربي بقوة ورسوخ معرفة وطقسا حتى اللحظة الراهنة..وهو ما قاد الى وضع البيت الشعري العمودي ذي النفس الصوفي الواضح في جانب من تفسيره ،ولنا عودة اليه في جانب اخر ايضا..وسنكتفي هنا بالاشارة الدلالية اعتمادا على وعي نخبتنا في التحليل والتفسير والاستدلال،فالمجال يضيق كثيرا عن الاسفارالجانبية التي سيُعنى بمتابعتها المتخصصون بعلم الاجتماع وعلم النفس فضلا عن التاريخ السياسي خاصة..
ماذا عن اليد المستحيلة?!:
-----------------
ان اختيار الاديبة (طاهر) لهذه القصيدة بالذات لشاعر اسبانيا الكبير لوركا لم يكن مجرد استعارة عابرة ابدا،وانما كان استلهاماً لمفهوم هذه اليد المأمولة المنتظرة التي مثلت خلاصة رؤية لوركا في هذه القصيدة البالغة الاهمية..اليد التي تمثل روح التفاؤل والامل كَيَدٍ مُنقذة مُخلّصة تدخل في اوسع الاطر و اخص المفاهيم التي تؤمن او تعتقد او تأمل بالوعد الالهي المنتظر،وقد يحسبها البعض( غودو) ايضا.. على رغم الاحساس المقلق المربك باستحالة تحققها او الخوف الرهيب من عدم امكانية تحققها،ولكنها على كل حال تبقى محط امال اوسع شرائح الخليقة الإنسانية في كل مكان..وقد يفسرها البعض الاخر واعني (اليد المستحيلة) ثوريا بٱنتظار حركة فصيل ثوري ما او ضمير جمعي شعبي ما ..ولكنها في كل الاحوال بؤرة الضوء التي تحوم حولها الامال..
(أريناس..
زهرة من اشتهى حِمَم الثلجِ
بيد لوركا المستحيلة
تدنو من وجه الشرق المظلم)..
...................
ح3
......
صراع الأجناس:
----------
لكي نختصر الطريق سنقوم بحصر هذه الحلقة بمحاورها الاساس التي وعدنا بها في معرض الحديث بالشكل التالي:
1-صراع الاجناس البشرية متمثلا في:
*العرب الفاتحين في جانب.. والأمازيغ سكان تونس الاصليين..
ثم..
*العرب الفاتحين في جهة ايضا ..
اسبانيا والبرتغال في جهة أخرى..
هذا يعني وجود اقتران شرطي( بافلوف) فاستذكار الدخول العربي الى تونس يستحضر معه تلقائيا الدخول العربي الى الاندلس..
2-صراع الأجناس الأدبية،متمثلا في صراع الطرازات الشعرية،وتحديدا الموزون ( العمود والتفعيلة)في مقابل ( قصيدة النثر)..
هذا الطباق الجامع الذي اشتغلته شاعرتنا بكثافة
بلورية مدهشة حقا بين محورين يتبادلان الاستدلال والاقناع بغية استنباط الحكم الفكري النموذجي المعمق الرافض لكل انواع الصراع والتهميش والإلغاء ..
فعلى الصعيد الانساني لامعنى لمفهوم التفوق العرقي الزائف ،وكل الجمال والبهاء في مفهوم الأخوة الانسانية الرفيع الذي كان لوركا يستفز به حتى ابناء جلدته ..
كما ولا معنى البتة لعصاب الاجناس الابداعية وبخاصة مانحن بصدد ارهاصاته السلبية التي فرضت كثيرا من ازماتها التي وصلت احيانا حد المأزومية بين الطرازات الشعرية متمثلة بدعاتها غير القادرين على احترام الرأي الاخر،وكأنهم مصابون بداء السياسة الشرقية العربية على وجه الخصوص..
ولهذا رفعت الشاعرة لافتة العمود من خلال بيت القريض الرائع الذي اولته جهدا جماليا كبيرا لكي يكون ضيفا راقيا ومقنعا على قصيد النثر الذي يشكل بكل فحواه ومبناه جهة المُضَيِّفِ في توليفة سلام وصفقة مصالحة أثبتت نجاحا كبيرا من خلال تذويب مضمون البيت العمودي ذاته في مداد النثر منذ البدء وحتى الختام..تبنّياً رضيّاً في جانب وانسجاما مقنعا في جانب اخر..
من هنا وعلى المستوى الإنساني تحضرنا الوثائق المقدسة التالية: *(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..إن اكرمكم عند الله اتقاتكم)..
*و(كلكم لآدم وآدم من تراب)..
*و( فإما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)..
*و( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً)..
*و( ومن قتل نفساً بغير نفسٍ فكأنّما قتل الناس جميعاً)..
ولا حصر لأمثلة هذا المفاد..
فاذا استوعبنا الدرس الانساني بشكل سليم ونبيل لا ريب سنتفهم ان اية مأزومية او عصاب في حوارية الفكر والابداع لايعدو أن يكون جاهلية ضيقة الأفق لاتملك ادنى المبررات التي تدل على السواء ومرونة الوعي قط..
وفي هكذا حال يحضر (بافلوف) ايضا..
فاستذكار صراع الاجناس الابداعية يستحضر معه صراع الاجناس البشرية،وبالتالي فإن كلا منهما يُحَذِّرُ من الثاني ويؤكد خطله او على الأقل عدم جدواه في الحد الادنى..
...
بقي علينا القول أن من يقرر مستويات النجاح التي حققتها اديبتنا الكبيرة نائلة طاهر هو المتلقي عبر بعديه :
*المتخصص المنصف النزيه..
*المتلقي المتابع الواعي القادر على الاستلام..
ومن خلالهما معا سيأخذ هذا المخلوق الإبداعي الجميل دورة استحالته الجديدة في الحياة والانثروبولوجيا..مع خالص التقدير ..
.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق