السبت، 20 يوليو 2019

الشعر والجنون: بقلم الاديب الناقد جمال قيسي

الشعر والجنون:
::::::::::::::::::::::

الناقد جمال قيسي
""""""""""""""""""""""""""""""""""
تلقيت دعوة كريمة من الشاعر ( محمد نصر ) بالانضمام الى مجموعة ( نحن المجانين ) ، 
مع اني شديد التحفظ على سمة المجانين التي ،،التزمتها المجموعة،،لكنني اعتبرها نوع من التهويل الشاعري ،لذلك سأغض الطرف عن السمة والاكراهات التي تسببها ، لأَنِّي اعتبر الأدب وعمليته الإجرائية ،،هو منتهى تطرف الوعي بالحكمة ، مع انها حكمة مقيدة بالإفلاس. المادي،،النص الأدبي. هو حمولة من الخيبات التي تتراكم جراء الفشل الموضوعي التي تواجهه الانا ، تجوال في ارجاء اللاشعور للبحث عن المقموع والمحبط والمسكوت عنه قسرًا ،،وهي منطقة مطلقة الأبعاد ،،ومن يستطيع أن يغرف من هذه المنطقة ،،ويشكل الصور المعبرة،،بالتأكيد هو ليس مجنون ،،ربما محتال وموارب،،وهذه صفة العقلاء ،،الاحتيال والمواربة مرادفة. للذكاء ،،لنأخذ الموضوع من زاوية اخرى،،الجنون ،،على الاقل نشخصه باتجاهين ،،الأول ، مرض عضوي يصيب الجهاز العصبي ،،وخلايا الجهاز العصبي ليس لها قابلية التجديد ،،وهذا الأمر يخرج الإنسان الواعي. من سمة العقلاء،،والاتجاه الثاني هو الذهان ،،أي بمعنى فقدان الهوية،،يعني فشل الانا ،،واحباطها إزاء الآخر والواقع الخارجي،،وكلا الأمرين لا ينطبق على الأديب ،،لذلك أشدد على سمة الجنون باستخدامها الشاعري ( البوطيقي ) الشاعر او الفنان بشكل عام هو مايعول عليه في الموضوع الهوياتي للجماعة، هو من يمتلك الرؤية لتثبيت شرعية الوجود للجماعة في صراعها إزاء الجماعات الاخرى ، وان كان احيانًا يتخذ مسرب التهكم على جملة مظاهر الحراك الاجتماعي ،،مثلما فعلت ( رزيقة بوسليم ) عندما اتخذت مؤخرة النملة من اجل تدوين الوقائع ،،او ( سعاد الخطيب ) التي ارادت ان نمضي معها الصيف في سروال داخلي،،او ( رماح بابو ) والحاوي الذي يرتدي (تي شيرت وقبعة ) ،،سأتكلم هنا قبل ا شرع في غاياتي النهائية ،،وهي طبيعة الإحالات السيمولوجية ،،لبعض الأعمال الأدبية. ومنها الاعمال التي ذكرت ،،او التي سأكتفي بالتطرق الى عناوينها،،لكن قبل هذا،،سأحاول قدر المستطاع التعريف للشعر،،ليس اصطلاحيًا ،،وإنما اجرائيًا ،اي بمعنى الوظائف التي يمارسها خطاب الشعر،،هذه الوظائف التي تتم داخل النص بنوع من خلق عالم ميتافيزيقي ، نستطيع ان نقول انها نوع من الرؤية، والاستشراف ، وهنا يكمن الإبداع. كلما كانت الرؤية تشكل منطقة مشتركة للانسانية ،فالشعر بالرغم من انه نوع من التجريد باستخدام الإمكانات القصوى في اللغة ،بل احيانًا هو تشكيل لغة اخرى مغايرة الى اللغة الاستعمالية التواصلية ، مع ملاحظة أن بعض النصوص تتخذ العكس من خلال توظيف اللغة الاستعمالية بشكل مفرط ، ولا يقيم وزن الى اللغة المعيارية ( تجربة دارين نور مثلا ) ،،
لكن يبقى ان نقول ان الشعر حامل لقضية الإنسان وهمومه ولاينفصل عن صراعه الوجودي وأحلامه وقلقه ، هو خطاب منصص بتشوفات ميتافيزيقية يحمل كل مايعتمل داخل الانا من تساؤل وقلق واحلام وأحزان ورغبات واحباطات ، أشواق وانكسارات ،،اذًا هو سيرة الروح الانسانية في مشوارها الطويل. عبر التاريخ ،،هو تورخة المشاعر إزاء واقع مرير وقمع الآخر ،،والزاوية الأخطر في خطاب الشعر،،هما ظرفي المكان والزمان ،،المكان من حيث هو شخوص مادي، لا وجود له دون الوعي ، على سبيل المثال، هناك شجرة سقطت في الغابة، لا معنى لهذا الحدث دون وجود وعي يشاهد ويشخص ، ومن ثم يحدد أهمية هذا الحدث من عدمه ، اذًا هناك ترهين بين المكان - الوعي ، أما الزمان فهو تزامن الايقاع مع البنية اللاشعورية للانسان ،،وهنا اصبح لدينا تزمين او تحيين ،،اعرف ان الموضوع معقد ،،لكني ساحاول ان ابسط،،البنية اللاشعورية للإنسان هي اللغة ،،من خلالها تتكون لدى الإنسان الإمكانية التصورية للعالم ،،وهذه البنية اللاشعورية تتكون لدينا على شكل إيقاعات يتكيف معها وعينا لاشعوريًا ، نحن نتوقع اللحظة القادمة من خلالها ،،سواء تحققت ام لا ،لذلك اي إيقاع شاذ عن توقعنا اللاشعوري سيصيبنا بالنفرة،،لذلك نحن نتفاعل مع قصيدة التفعيلة لأنها تحقق التزمين ،،وننفر من القصيدة المترجمة،،ونشعر بثقل تقبلها،،وكذلك قصيدة النثر التي تفتقد الى التنبير والتزمين،،نحن لا نتقبل الهايكو لأنها لا تتوافق مع بنيتنا اللاشعورية،،أنها لا تتطابق مع زمننا ( تك- توك ) الذي يشتغل به جهازنا الداخلي ، لكل لغة في العالم لها تزمينها الخاص، هذا الكلام يخص الادب ولا يشمل الموسيقى او الفن المرئي ، ساقرب الصورة ؛ بعد جهد حثيث لسنوات حصلت على نسخة من رواية عوليس لجميس جويس، ومنذ اقتنائها ولحد اللحظة وهي فترة تخطت العشرين سنة،،لم استطع تقبلها او فهمها ، حتى أصابني. الاحباط. والشك،بقدراتي ، عللت الامر بسبب الترجمة، لكني قارنت الامر في قراءة للأرض اليباب ل ( ت س إليوت ) ترجمة عبد الواحد لؤلؤة ،التي لم استسيغها على الإطلاق فيما عشقتها وفهمتها بترجمة يوسف اليوسف،،لكن عوليس حتى بترجمة اخرى لم أتقبلها ،،ثم قرأت السيدة دالاوي لفرجينيا وولف،،وحدث معي نفس الأمر ،،فعكفت على دراسة اُسلوب تيار الوعي ،،وخلاصة الأمر،،أن جيمس جويس استخدم البلاغة أقصى ما يمكن ،،بلغته الانكليزية ،، حتى الجناسات ،،وتنبيرات الحروف ، تمكن من توظيفها ، سلاحه الشعري (البوطيقي ) ، اللغة ،،والأدق. توظيف التزمين ، لكن هذا ليس نهاية الامر، فهناك أعمال بأسلوب تيار الوعي، تعتمد على التأويل ، وتفاعل القارئ ،،مثل ثلاثية صموئيل بيكيت ،التي تأخذك كل جملة فيها ، اذًا المشكلة الأساس تكمن بقضية اللغة وكونها بنية لاشعورية،،ما أردت الذهاب اليه ان مفردات اللغة تمتلك موسقة وتنبير ،،تتناسل عندما توظف في سياقات اوسع مثل الجملة او النص ،،هذه المفردات والسياقات،،تعمل وفق نظام يترسخ فينا منذ بواكير وعينا ، لذلك احدى اهم خصيصات الشعر،،هو موائمة موسيقاه مع النوتة المحفورة في بطانة وعينا ،،بشكل بنية لاشعورية ، والا هو خطاب لا يحقق أي إجراء يعود بفائدة عملية ،،فقط تحفيز المشاعر وتلطيفها،،أي فائدة روحية وجدانية ،،تنعكس لاحقًا بتشكل وتوجيه المزاج العام ، منطقته روح الجماعة ،،وبيان لحياة الروح ، لذلك الكثير يستهجن قصيدة النثر او الهايكو او النانو ، طيب،،ننظر من زاوية اخرى ، هناك في أي خطاب و الشعر منه ،،محمولات وتشفيرات ، لغرض تسويقها كقضية ، يتبناها الشاعر، ويبثها ، حتى لوكانت وجدانية فردانية بحت ،،فإنها بالضرورة ستوشي بهموم الجماعة وقلقهم وأفراحهم ،،وقضية وجودهم في هذا العالم،،نحن هنا نتكلم عن فائض المعنى وفق توصيف بول ريكور ،،هذا الفائض سيتسلمه القارئ ويتفاعل معه،،وربما يتبناه ويطوره ،،اذًا هناك عملية خلق جديدة،،نوع من التركة المورثة الني تنمو ،،في عالم اليوم بعد دخول عامل التواصلية ،،اصبح العالم بلا حدود جراء الانفتاح الغير مقيد، وجراء انهمار هذا السيل الجارف من المعلومات التي نتلقاها مجبرين ،،بحكم التقانة والفضاء الاتصالي،،تغير إيقاع. الحياة،،بات متسارعًا لدرجة مخيفة ،في هذا التسارع فقط والتغير الحاد تكمن شرعية المحاولات الحداثوية في الأدب والفن. عمومًا ،،انه التلاعب بالزمن ،،وعملية التزمين بحاجة الى إعادة تنظيم نفسها لتستوعب المجريات ،
الموضوع واسع. وعميق ويحتاج الى جهود نقدية كبيرة تتفوق على قدرة فرد او باحث ،،يبقى هناك ثلاث قضايا عالقة ،،سأتطرق. لها على عجالة ،،أولها قضية التغريب ،،وهي لُب الفكر الماركسي وربما أهم تشخيص لجوهر الحضارة،،أقول إن إنساننا العربي والشاعر او الفنان يعاني من التغريب المركب،،تغريب عن العمل والهوية ، وهو ما تفصح عنه نصوص (نحن المجانين ) ،وكذلك قضية النزعة التدميرية جراء شعور الانا بالمحاصرة والتطويق من الآخر الغربي ،،فتنزع النصوص الشعرية الى نوع من جلد الذات،،والقضية الأخيرة هي سيمولوجيا العنوان،،كلنا نعرف ان العنوان هو نص مستقل نوعا ما ،،لكن هذا النص. هو احالة الى محمولات النص الام ،،لكن هناك جانب مهم على الشاعر أن يفهمه أن عتبة النص. هو نوع من الاتفاق المبدئي التي يتم بين كاتب النص والقارئ،،من خلاله سيتم تقبله من عدمه بالنسبة للمتلقي ،،وكما يقول المثل الشعبي المصري ( الملافظ سعد ) ،،على الشاعر ان لايشتط بعيدًا في الايغال بتسفيه الوقائع ،،لأنه بذلك يفقد زمام المبادرة كونه صانع رؤية ،،اتمنى ان يكون كلامي لايغضب الاصدقاء،،
جمال قيسي / بغداد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق