الجمعة، 19 يوليو 2019

قليلا من الضوء على نص الأديبة سامقة الحرف نبيلة الوزاني( لغةُ الأزل ) بقلم الاديب الاديب القيس هشام

قليلا من الضوء على نص الأديبة
سامقة الحرف نبيلة الوزاني
( لغةُ الأزل )
الاديب القيس هشام
(عن ملتقى حديث الياسمين)
......…………………………………..
لغةُ الأزل
------------
للهزيمة وجهان
بنفس الملامح
كلّما أمعنتَ بلاهةً
ألبستْ قناعَها شماتة...
تذكّرْ
بعد الانكسار دائما
هناك فصلٌ من زكامٍ
ضبابيِّ العُطاسِ
تماماً
كما خُفوت صهيل الحبّ
في قناديل القلب
حينَما تصْدَأُ مفاتيحه
~~~~
تماهيتَ ونقيقَ الفزع
الغدُ رُكامُ الحاضر
من فُتاتِ اليوم
أمْسُكَ
يُبعثُ من سبات الثواني
يتأجّج كرماد فرّ من نعاسه
يرسم المزيدَ
من علامات الاستفهام
ويتركك لوحةً هزيلةً
تبكيها اللمسات
~~~~
من كثر ما قهرك المِلح
كرهتَ لونَ السّكّر
ما بالُ وجهك
يرتدي لباسَ الليل
إذا قرعَ الفجرُ
أبوابَ عينيك ؟
ستخسرُ
ما تبقّى منك
بعد انفضاضِ شغبِ غبائك
التحليقُ في جوّ العناد
طريقٌ إلى هبوطٍ اضطراريّ
سحيقِ السقوط
~~~~
يا نصفيَ الشارد عنّي
في تجاويف كُلّي
على أطراف مدينة عمرك
أتيتك بعبق من عيون السماء
وقافلةً مخمليّةَ المسير
من تراتيل الأزل
حمولتُها حوارٌ أخضر
هدية من خدر الشمس
امنحْها شيفرة خوفِكَ
لتفكّ تمائمَها
ويكون الحديثُ
كضحكات الأقحوان
ليرأسَ الحبُّ
لغةَ العارفين.
،،،
نبيلة الوزاني
05 / 07 / 2019
.............
لغةُ الأزل
-----------
العنوان حادٍ للتأويل الذي تحدوه دهشة حضوره
فلغة الأزل قد تُثير علامات استفهام كثيفة المثول ولكنها عبر هذا النص نراها واضحة جلية على الأقل من وجهة نظري وما وقر في ذهني من خلال مطالعتي للغة هذا الوتين العاشق بأن تلك اللغة هي لغة الحب التي فُطرت عليها النفس البشرية وهذا التماس الملازم منذ بدء الخليقة ما بين آدم وحواء ..،
هذا عن العنوان المدهش ولكن في عودة إلى أجواء النص نجد أنه ...
نص رومانسي متخفّ ٍ في عباءة الحكمة وبعض من لمحات تسبغ على حضور ذهن المتلقي صيغة النص الإنساني العام وإن كان السواد الأعظم لهيئة النص هو مخاطبة خاصة وجدا مع شخص مقرب مس شغاف الوجدان ..،
ولكن كما تلاقيت وأديبتنا المبدعة في حوارٍ ها هنا في معية مداخلاتي في هذا النص فإن تلك النظرة العامة هنا أتت من خلال النظرة الخاصة بطريقة ضمنية نلمحها بين خافق الحرف وذاك كما قلت سالفا ديدن النفس البشرية كما درسنا في علم النفس تضع المصلحة العامة وترنو إليها من خلال المصلحة الخاصة - وتلك حقيقة علمية مؤكدة في علم النفس - من هنا كان الولوج من الخاص للعام - الإنساني - في لمحة ضمنية للمشاهد ككل ..،
هنا في هذا النص مخاطبة خاصة بين الحبيبة وهذا الصب الغارق في غياهب ما كان ..
وحضوره المتردد بصدي الماضي في ردهات حناجر الحاضر مما يجعله في معية عروج مضبب في تلك الدروب التي قد تحمله للغد ...،
المخاطبة ما بين جذب وشد من طرف واحد - الحبيبة - وإنصات وصمت نرى من خلاله تفكيرا لا نعي وجهته من هذا الصب ولكن في عدم تجاذبه أطراف الحوار ما يوحي لنا بأنه - من خلال عدم المجادلة أو ما يوحي له من خلال حديث الحبيبة - يعي أنها على حق وأنه هناك خلل في منهجه الحياتي عبر ركونه الكثير في دهاليز الماضي ...،
النص من العيار الثقيل يبدو من الوهلة الأولى للمتلقي أنه بحالة لسبر خاص لمعرفة حالتين مزاجيتين في رحم لقاء وتشبث كل منهما بالآخر برغم نقطة الخلاف تلك أي أنها محاولة لرأب صدع هو صداع في رأس النبض حبوبه المسكنة هو صرف الهوى الشاهق الذي يجمع بينهما ....،
..............
للهزيمة وجهان
بنفس الملامح
كلّما أمعنتَ بلاهةً
ألبستْ قناعَها شماتة...
تذكّرْ
بعد الانكسار دائما
هناك فصلٌ من زكامٍ
ضبابيِّ العُطاسِ
تماماً
كما خُفوت صهيل الحبّ
في قناديل القلب
حينَما تصدَأُ مفاتيحُه
في هذا المقطع نرى الطرح المسبب للتمهيد والتعريف به قبل الخوض في ماهية الأمر ككل ..،
فالمقطع يعد تمهيد لمشاهد النص وتلك المخاطبة الموجهة بدقة وهي تحمل نوعا من الحزم بنكهة الخوف الذي يحوي الحنان
"للهزيمة"
نقطة البداية أو ارتقاء القطف الشعري وجدت بصيغة التنبيه عبر وضع النتيجة أمام عين هذا الحبيب واضحة جلية قبل الخوض في المسبب لإسباغ محفز يتيح له متابعة الخطاب بتفكر أكثر مع تحوير المعنوي للمجسد الجمادي وتشبيه تلك النتيجة الحتمية بوجهيّ العملة ولإسباغ حتمية حدوثها جعلت الوجهين توأمين في كل الخصال بهذا الترميز بتشابه الوجهان في تعبير كلي رائع ..،
حيث أن هذه المخاطبة كتحفيز للمتلقي لها في البداية يجب أن تلعب على جزئية هامة - فهو في تلك اللحظة يحتاج للصور المحسوسة - وهي الإدراك اللحظي الواضح لماهية الفكرة المطروحة دون الحاجة للتأمل الذي قد يكون عائقا في بداية المخاطبة على انخراطه في مجاراتها وهذا أمر متعارف عليه ففي لحظات النصح يكون الذهن والوجدان في حالة غير مستقرة عنوانها محاولة العقل الباطن الدفاع عن كل ما يعتقده ..،
لهذا كانت المخاطبة بالصورة الحسية الواضحة - وجهان - التي لا تتطلب جهدا منه ليعيها وهو في حالة الرفض الداخلية - صفة بشرية - تلك ..،
" أمعنت .. بلاهة .. شماتة"
بعد هذا التمهيد لجذب الانتباه يأتي ما نسميه بالهجوم المباغت الممنهج في محاولة لدكّ حصون تمنعه عن فهم تلك المخاطبة ..،
ثم نري تصعيدا محسوبا بعد هذا الهجوم لتبرير ماهيته بوضع نتيجة حتمية لما جنته يده في لفظ " شماتة" هنا كانت الضربة التي فتحت بعض الأبواب المغلقة أمام لغة الخطاب تلك عبر وضع تصوير لنتيجة ردة فعل المخاطب - بلاهة - التي تعنى عدم الفهم والوعي للموقف - الهزيمة - واتخاذه لقرارات بها نزق وحماقة فتكون المحصلة ضياع أيام العمر وشماتة الشامتين وتجرعه وحده كأس الفشل ..،
هنا تشعر أديبتنا بنوع من التململ في استقباله للخطاب فتسرع بذكاء الأنثى وتهبط بمنحنى المخاطبة إلى معية اللين الذي يحمل في باطنه تنبيها غير واضح ولكنه سيصل من خلال مجمل نبض المخاطبة فيأتي لفظ اعتراضي عقب هذا الهجوم وهو " تذكَّر" وهو تعبير يجعل هناك نوعا من الهدوء وأيضا العودة السريعة عبر التحفيز إلى أجواء من اجترار ما كان - فلاش باك - ليرى بعقله الواعي ما يحجبه عقله الباطن في معية هروبه من واقع الأحداث ..،
هنا وقبل أن تضيع برهة الإنصات من صوان أذنه تبادره بصيغة التأكيد المتأخر بلفظ " دائما" بعد وضع النتيجة - الانكسار - أمامه وجها لوجه ..،
ثم وضع تفصيل للأمر عبر تعبير " فصل من زكام" وتعبير " ضبابي العطاس" لتوضيح تلك المرحلة العليلة التي عاشها - عدم سبر حقيقة الأمر - عبر وضع صفة مرضية فيها إسقاط بارع جدا فالزكام دائما ما يجعلنا لا نستطيع تنسم الهواء فلا يصل الأكسجين بالكيفية المطلوبة مما يجعلنا في حالة حرجة بها تعثر في التنفس وأيضا عدم قدرة على التفكير الجيد نتيجة نقص الأكسجين الذي يصل للمخ ومراكز الإدراك ...كما أنّ الزكام إن كان في حالاته القوية الشديدة يحُول دون التّمييز بين الروائح لنميز الكريهة من الطيّبة...،
هنا كان التعبير الرمزي غاية في الإبداع في وضع تصوير مشهدي لحالة من التأرجح البياني في اختيار الوجهة السليمة في التصرف والتخبط عن طريق وضع صورة لظاهرة تعقب الزكام وهي محاولة الرئة لإخراج أدرانها عبر العطس - حقيقة علمية مؤكدة - وهنا يأتي هذا الترميز ليشي بعدم القدرة على الخروج من تلك المكابدة فكلما حاول انزلق من جديد في ديجور هذه الأحداث لهذا كان للفظ " ضبابي" حضور مائز ومتوافق مع حالة العطس التي تحوي هواء به رذاذ ولكنه هنا كثيف في هذا المشهد المصور - حد حجب الصورة الواضحة للحدث - للتدليل على تلك الحالة شديدة التخبط والحيرة ..،
هنا تشعر مرة جديدة بهذا التململ من قبله - تململ منقوص - والذي يحتاج لبرهان أخير ليلقي بأسلحة هروبه من المخاطبة...،
فيأتي لفظ " تماما"
وهو هنا يفيد التوكيد الدلالي بأمر تستشهد به لتأكيد ما سبق - مثال - فتختار بيانا به شيء قريب من وجدان هذا المخاطب وله أهمية كبيرة عنده ولا يستطيع التفريط فيه تحت أي ظرف - الحب - فتسقط عليه ببراعة عازف حاذق يستطيع اختيار الوتر الذي يعبر عن موازير نوتته الحوارية ..،
في تصوير شاهق جعلت من القلب - تلك الكتلة العضلية - غرفة مسارج وتلك المسارح يخفت - الحب - ضوؤها عندما تصدأ مفاتيح الغرف ...،
الله الله
كيف يكون التصوير متوافقا بتلك الدقة مع الصور السابقة عبر لفظ " الزكام" والصور الحالية عبر لفظ " تصدأ " هنا نتوقف لنوضح الفكرة حتى يتبين للمتلقي ما المقصود من هذا الكلام ..،
فالزكام يصنع مانعا عبر انسداد مداخل الأنف فلا يصل الهواء للرئة بصورة سليمة منضبطة مما يعيق التنفس ...،
وتلك المفاتيح التي أصابها الصدأ والتي أوجدت صورة تشي بوجود أبواب لهذا القلب الذي يحوي قناديل الحب التي تخفت جذوتها ...،
هنا تلك الأبواب تظل مغلقة ولكنه غلق للبعض وليس الكل فالغلق التام لا يعني الخفوت ولكن الانطفاء التام وهذا ما لا تريد الحبيبة التعبير عنه لأنه سيقطع خطوط المخاطبة بانتهاء الحب وهذا غير صحيح فالحب قائم راسخ البنيان لهذا تكبدت عناء تلك المخاطبة للتغيير ..،
لنعود للتصوير الرائع في هذه القطفة الشعرية والذي توافق مع لفظ " الزكام" فغلق بعض الأبواب وعدم فتحها أمام الهواء الذي يزكي اشتعال القناديل يجعل ضوءَها يخفت ما بين صعود وهبوط فيصنع تلك الحالة التي تجعل جذوة المشاعر تصارع وتكابد لهذا كان استعمال لفظ " الصهيل" لأمرين ..،
الأول : للتأكيد على وجود نوع من المحاولة وإن كانت مهيضة لعدم خفوت وضياع وصل المشاعر فيما بينهم فالصهيل يخفت قليلا ولكنه موجود يحاول الخروج من المأزق ... ،
والثاني : الصهيل هو صوت الفرس وهو اختيار لتأكيد طهر ونقاء هذه المشاعر عبر الإسقاط على نبل الجواد وأصالته وإخلاصه وهي صفة متعارف عليها في الجياد ومن هنا كان للمثال الأخير حضوره في نفس المخاطب - الحبيب - من حيث توصيل الفكرة وأيضا دق ناقوس الخطر أمامه لإيجاد تحذير غير ملموس ولكنه محسوس ضمنيا بضياع شيء هو كل ما يملك في الحياة .. ،
الفقرة تمهيدية المثول للولوج إلى حياض النص وما به من مخاطبة تعرج ما بين اللين والتعزير بمنهجية ماتعة ..،
................
ماهيتَ ونقيقَ الفزع
الغدُ رُكامُ الحاضر
من فُتاتِ اليوم
أمْسُكَ
يُبعثُ من سبات الثواني
يتأجّج كرماد فرّ من نعاسه
يرسم المزيدَ
من علامات الاستفهام
ويتركك لوحةً هزيلةً
تبكيها اللمسات
في ضربة شعرية تحمل إشعارا بإذن مثول في حاضر اللحظة - المخاطب - معنون بزمن ولّى ومضى يأتي لفظ " تماهيتَ" ليفيد وقوع الحدث وانقضاء الأمر ..،
هنا كان الاختيار الرائع لنوع الصوت المسقط به ثم وضع صفة تعبر عنه شاهقة الحضور في تعبير " نقيق الفزع" ..،
هنا حمل التعبير كل ما يعتري ذهن المتلقي عندما يخوض لجة ما يعرف بالماضي الملبد المشجن في مثل تلك النصوص فيتبادر للذهن مسرح المشهد الحزين الذي تمت به المعاناة والمكابدة كمشهد مسائي حالك الظلمة ..،
هذا ما يأتي في الذهن في هذه الحالة ..،
هنا كان لاستحضار صوت النقيق كموسيقى تصويرية للحدث مائز فذكر الضفدع لا يعلو صوته سوى في المساءات ولا يكون هذا الصوت بتلك القوة سوى في موسم التزاوج والتكاثر وفي هذا الأمر وجهان للمعنى يؤكدانه ..،
الأول : دجى المساء وما يسقطه على تلك الحالة من سوداوية فكرية تشي بدقة
عن تلك المعاناة الوجدانية الفكرية لهذا الحبيب القابع في جب الماضي الجريح ..،
والثانية : هذا النقيق الذي لا يتأتى بهذه القوة سوى في وقت فحولة التكاثر فطلقه ذكر الضفدع يعني أن تلك الأشجان والصور المضببة - التي تينع بها أجواء المكابدة والمعاناة - متنامية ومتزايدة فهي رؤى ولود ..،
وهذا تدليل واضح وقوي على هذا التماهي حد التوحد وعلى توسونامي الأفكار النزقة الحمقاء المعونة بالسجن والسوداوية التي تعتمر فكره ..،
تزكيها صفة الفزع فهو كما في معية هذه الأوهام والأفكار السوداء كذلك هو بمعية الجزع والخوف من الحاضر والغد على خلفية ما يجتره من ضربات وجراح الماضي الموجعة ...،
يؤكد هذا المعنى المصور لفظ :-
" ركام"
مع حضور لفظ " الحاضر"
هنا تكتمل الصورة المشهدية المنبثقة من المعاني التي نستنطقها من فكرة النص
فهذا الركام هو ما خلفته تلك الانهيارات التي حدثت في أحلام دفاتر حضور الماضي التي تمّ ردم الحاضر بها ...،
وقد يتم تأويل القطفة الشعرية على المعنى الخاص بركام فهو أيضا من التراكم وهنا أيضا التأويل مائزا فكل هذا يؤكد الرؤية الخاصة في ذلك المخاطب من تراكم تلك المشاعر المتناحرة السوداوية في نفس هذا الحبيب ..،
" يبعث .. يتأجج .. يتركك .. يرسم .. تبكيها"
أفعال في الزمن المضارع تؤكد معنى الاستمرار فهذا الحبيب مازال حتى لحظة المخاطبَة في معية تلك الرؤى لم ينفصم منها بعد ..،
لكن هنا تم استخدام لفظ اليوم في تعبير " فتات اليوم" وقبلها كان لفظ الحاضر في التعبير السابق " ركام الحاضر " هنا يتبادر في الذهن سؤال لماذا هنا كان الحاضر وهنا لفظ اليوم ..؟!
الحاضر تعبير عام على الزمن الذي نعيش فيه - المضارع - ككل ولكن لفظ اليوم هو تحديد لجزء خاص منه وبه نوع من التجزئة من الكل فالحاضر جمع كل شيء ووضعه في نتيجة - الركام - ولكن هذا الركام تم تكوينه من أحداث تراكمت حتى أصبحت على ما هي عليه وتم الترميز لتلك الأحداث التي مثلت أيضا نتيجة يبشر بها كل يوم من أيام الحاضر بلفظ " الفتات" وهو تعبير عن هذا المخاض المهيض للآمال والأحلام - حد التلاشي - في واقع يوم الحبيب والتحقيق من نفعها ..،
ثم تأتي صورة تفيد استقراء بعين اليقين لماهية اجتراره للماضي في إبّان تلك اللحظات اليومية في لفظ " سبات" ثم لفظ " نعاسه" على ما بهما من اختلاف في التصوير والمعنى الدلالي وإن اتفقا في المعنى العام للفكرة بالمخاطبة ..،
فالبعث يأتي عقب الموت وانسلال الروح ..،
هنا كان للتعبير " سبات الثواني" المدهش حضورك الذي يقلب المعاني وأيضا يؤكدها في صفتها المطلوبة بدقة ..،
السبات هو النوم ...، والنوم كما هو متعارف عليه هو الموت الأصغر الذي تمسك فيه الأرواح ساعة النوم وليد الله قدرها فقد تعود للجسد بأمره جلّ وعلا وقد يمسكها فلا تعود ويكون الموت الأكبر - لهذا نحن قبل النوم نتشهد - من هنا كان للفظ سبات الذي أعقب البعث حضور دقيق في القطف الشعري الذي يؤكد أن الأمر ككل مازال ما بين الماضي والحاضر في واقع الحياة ..،
ثم تأتي صورة شاهقة الحضور في تعبير مميز شاعري
" كرماد فر من نعاسه"
هنا كان تشبيه الماضي بالرماد الذي أعقب الاحتراق وهو بالفعل تصوير متوافق مع هذا الماضي المشجن في أبهى صورة يمكن حضورها عبر حضور لفظ
" فر" ثم لفظ " نعاسه" ...،
سنذهب للفظ نعاسه في البداية فقد كان من الممكن وضع لفظ غفوته أو سباته مثلا ولكن هنا كان حضور اللفظين بهذه الكيفية مع الفكرة المصورة سيكون ركيكا في ذهن المتلقي فالنوم هو الخفوت والسكينة ولكن النعاس يعني بداية الاستعداد لسكينة النوم أي أنه يحمل نوعا من عدم التركيز ولكن هناك إدراك لواقع حال اللحظة الزمكانية ...،
وهذا إن أسقطنا به على الرماد الذي يعقب الاشتعال فإنه عين الصواب والدقة ..،
فهذا الرماد مازال مشتعلا ولكن كالجمر النصف خامد يحتاج لمحفز - الهواء - ليعود للاشتعال من جديد وهذا المحفز كانت هذه الأحلام والآمال المنكسرة التي تم التعبير عنها بالفتات ...،
وهذا يتوافق مع معنى النعاس فهو المحطة التي تفصل ما بين الإدراك الكامل في حالة اليقظة وبين عدم الإدراك في حالة السبات ...،
وهذا بالضبط حال الرماد الذي يعتلي الجمر في حالة السكون الذي ينتظر المحفز ليعاود الإشتعال ..،
" لوحة هزيلة"
تصوير رائع به تحويل من المجسد البشري للمجسد الجمادي مع ميلاد تصوير جديد ضمني من الصورة الأولى وهو تشبيه دفاتر حضور هذا الآدمي باللوحة ..،
فالإنسان الأول سجل أيام حياته وتاريخه قبل معرفة الأبجديات بالرسم كما هو الحال فيما ورد إلينا من لوحات إنسان الكهف - حقيقة تاريخية مؤكدة - ومن هنا كانت الصور متلاحقة ولود ومؤكدة للمعنى بدقة بالغة مع رهافة شاعرية بها إبداع محلق ..،
..............
من كثر ما قهرك المِلح
كرهتَ لونَ السّكّر
ما بالُ وجهك
يرتدي لباسَ الليل
إذا قرعَ الفجرُ
أبوابَ عينيك ؟
ستخسرُ
ما تبقّى منك
بعد انفضاضِ شغبِ غبائك
التحليقُ في جوّ العناد
طريقٌ إلى هبوطٍ اضطراريّ
سحيقِ السقوط
في مقارنة رائعة ما بين حالتين متنافرتين تم تحفيز ذهن المخاطاب وتحضيره لتلك المقارنة الومضية السريعة - كلسعة نحلة في حضورها - عبر إستحضار لونيّ يجمع الرمزين المراد التوضيح بهما الصورة الحياتية وهو اللون الأبيض دون التصريح به ولكنه في كيان الترميز ..،
فالملح لونه أبيض والسكر كذلك ...،
وهنا يظهر جليا هذا المعنى الذي يشي بالتخبط في الرؤى واختلاط الأمر على الحبيب فحياته لونها واحد في حلوها ومرها عبر اختياره لسبل التفكير الممنهج في حياض اليأس المشجن ..،
فكان هذا الترميز الشاهق بالملح - عوائد الحياة والمعاناة - الذي يعبر بدقة عن واقع حال أيام هذا الحبيب المخاطب ضربة شعرية بديعة الحضور بما تحمله في خوافقها من تمازج لوني خدم تلك المقارنة بشدة والتي هي بين حالتين - كمعنى - وبين عنصرين كصفة من صفاتها الظاهرية - الملح والسكر - اللونية فكانت تلك المفارقة الرائعة التي جمعت ما بين النقيضين وأوضحت المعنى المراد بدقة مائزة فاختلاف الأضضاد لم يمنع توافقهما من حيث المظهر ..،
هنا المعنى واضح وصريح في إسقاط على كونه أصبح لا يرى من كثرة السودائية التي يعيش فيها أيّا من نواحي السعادة فهو ينظر دائما لنصف الكوب الفارغ ..،
يؤكد هذا المعنى تصوير رائع في لفظ " وجهك" ثم تعبير " يرتدي لباس الليل"
في تشبيه رائع مع إسباغ صفة تجسيدية كاملة للوجه فيصبح كالجسد الذي يرتدي ملابس الحداد السوداء ..،
مع حضور صورة مكملة رائعة البيان لغويا واستبيانا للمعنى ..،
"إذا قرع الفجر"
هنا تجسيد قاطع مانع لأي صورة تشبيهية آخرى للفجر بوضعه في معية إنسان يطرق الباب مع وضع صورة منبثقة يحملها على عاتقه تعبير " أبواب عينيك" وهي مائزة الدلالة فالجفون تمثل أبواب العين ..،
هنا كان لحضور الصورة قوة ودقة وتماثل والمعنى العام للجفون التي تعد بوابة تحمي العين وكأن - وهذا هو المعنى المراد - تلك العين مغلقة أمام أي بشائر للنور قابعة في ظلمات الشجن يؤكد هذا " إذا" التي تعنى عدم التأكد من حدوث الأمر ولكنه قد يحدث وبرغم هذا الاحتمال في الحدوث فأن تلك الأبواب لن تستجيب لهذا الطارق - الفجر - كتوكيد على تلك الحالة المشجنة داكنة الضباب ..،
هنا تعبير متكامل في لتلك الصورة السودانية التي أصبحت عنوان نظرته للحياة
مع إحاطة الصورة ككل بمعنى الاستهجان الاستنكار " ما بالُ" مما يتيح جوّا ملائما للمخاطبة للوصول للعرض منها ..،
" ستخسر"
استحضار للمستقبل عبر حرف " السين" في معية التأكيد الذي يحوي اليقين في حدوث الحدث ..،
مع حضور هذا الضمير في حرف " التاء" الذي يعني أنتَ - المخاطب - مما يجعل الإسقاط بالحدث عائدا عليه كأداة تنبيه شديدة اللهجة تشي بالخسارة ..،
خاتمة المقطع في مجملها صور متلاحقة تفي بالمعنى ككل في :-
" انفضاض .. جو .. هبوط .. سحيق"
كلها صور تشي بالخسارة عبر تشبيهات قوية الحضور تحوي مثاال وبيانا كاملين لماهية ما سيحدث من جراء هذا التشبث بتلك الرؤى السوداوية ..،
في تجسيد رائع للمعنوي في صفة إنسانية وكأن تلك الرؤى الحمقاء جمع أو رفقة محبطة من الندماء تدفعه لهذا النزق ثم تتركه يجتر وحده كأس الألم ويعاني من مغبة ما جنته يداه من هذا الفكر السوداوي ...،
ثم إيجاد صورة جديدة تحول هذا العقل المتردي لطائرةوهو تجسيد مع التحرير من الصفة البشرية لتجسيد في صفة الجماد وتشبيه العناد بكل ما به من منحنيات مردية بجو يحوي عاصفة شديدة مؤثرة على مجريات التحليق لتينع الصورة عبر صورة آخرى جديدة تؤكدها عبر نجاح تلك المؤثرات في جنوح طائرة الحياة حد عدم استطاعة ربانها التحكم فيها فلا يملك في هبوطه الأضرار سوى السقوط في هاوية النهاية ...،
المقطع يحوي صورا مكثّفة مع عمق تأملي لمنبع المشكلة وتوضيح بصورة مائزة عير ضرب الكثير من الأمثال علها تكون طوق نجاة بما فيها من تجميع لكل ما سيكون ووضعه على شاشة أمام عين المخاطب ...
............
يا نصفيَ الشارد عنّي
في تجاويف كُلّي
على أطراف مدينة عمرك
أتيتك بعبق من عيون السماء
وقافلةً مخمليّةَ المسير
من تراتيل الأزل
حمولتُها حوارٌ أخضر
هدية من خدر الشمس
امنحْها شيفرة خوفِكَ
لتفكّ تمائمَها
ويكون الحديثُ
كضحكات الأقحوان
ليرأسَ الحبُّ
لغةَ العارفين.
بعد نعت هذا الفكر في ختام المقطع الأول ب " الغباء"
وفي ضربة يغلب عليها الذكاء الأنثوي تعود الحبيبة بمخاطبة لينة تحوي تذكير بمكانة هذا المخاطب في قلبها ..،
" يا نصفي الشارد"
هنا كان التذكير الواضح الذي يحوي العاطفة وأيضا ذكاء اختيار صفة القرب فنصفنا الآخر هو الحبيب ورفيق العمر فكيف ينفصم نصف عمرنا وجسدنا ومشاعرنا عن حياتنا ..،
" في تجاويف كلي"
الله الله على هذا التصوير الرائع وكأن كل الجسد - كل خلجة به وكل ذرة من مكوناته مجوفة وهو يسكن بها ويستكين ..،
ما أجمله من تعبير يجعل الوحش الكاسر حملا وديعا والحجر الصلد يلين ..،
الله الله ....
هذا التعبير هدّأ من عاصفة المخاطبة وحوّل المخاطب من التحفيز للرد للإنصات من جديد مع تقبل كل شيء بصدر رحب قد يكون طريقا للتغيير ...،
"على أطراف"
أي قطف هذا وأي إبداع في وضع الفكرة بكل الدقة
هنا تريد أن تظهر بعد مظهر القوة الممنهجة في تلك الحوارية بمظهر الضعيفة التي تمشي على استحياء وتتحسس أثر خطاها كمن يخشى الولوج في مناطق نفوذ الغير
.......، هنا قد يتبادر للذهن فكرة أنها بهذا تعتبر نفسها بعيدة وهذا قد يتماشى ولفظ " مدائنكَ" ولكن هنا لا يعني البعد بقدر ما تريد إسباغه من مشاعر الشفقة والرحمة بحالها عند الحبيب فهي بسبب كل ما هو فيه من شجن وسوداوية أصبحت طريدة المكان الوحيد الذي تشعر به بالسكن والسكينة وهي تتسلل خفية لتلج مراتع مدائنه الحبيبة القريبة من نفسها ...،
هذا هو عين يقين القطفة الشعرية التي تصنع جسرا وتجعله - الحبيب - يقاتل حتى يفرش لها بساط نبضه لتمر عليه وهذا ذكاء حواء العاشقة المحبة ..،
" أتيتك"
الله
هي في تسللها الممنهج هذا لا تنسى أن تهمس له وتلوح بهديتها له - تهادوا تحابوا - وهي هدية ليست كأي هدية فهي ضوع النسيم القادم من الجنان مع حضور لفظ بديع رصين ولكنه وضع بتجديد " قافلة" والقافلة هي كلغة عند العرب تعني العير الذاهبة في التجارة أو السفر لأي غرض وسميت بالقافلة كبشارة بالعودة السالمة للديار ...
هنا القافلة كانت ترميز المخاطِبة التي دربت فيها وإياه دروب الماضي المشجن والحاضر الذي يحمل تداعياته والغد المحاط بالأشواك التي ستجرح الحياة بطهانها النجلاء إذا أصر على نهج ومنهج حياته الملونة بالسوداوية ...،
هنا كان للفظ قافلة استبشار يبشر الحبيب بأنه بعد العسر يسر وأن العود أحمد من تلك المخاطبة إلى طريق النجاة ..،
لهذا كان لفظ " مخملية" مبهرا فهو عروج على معارج فرشت بقماش المخمل في العودة الميمونة المباركة التي دثرتها الأشواك وهذا كناية على الأمل في العودة به للحياة السعيدة المرجوة من كل تلك المخاطبة من الحبيبة للحبيب لأنها لا تحمل سوى لغة الحب - الأزل - التي عجنت بها نفس تلك الحبيبة ومنحها له بكل ما تحويه من طهر ونقاء ....،
مع تأكيد تام على أنها لا تملك عصا سحرية ولكنها تحتاج معاونة من هذا الحبيب وفي هذا تحفيز لمنطق رجولي ذكوري بأنها مازالت بحاجه له وهي الأنثى التي تحتاج لكنف رجلها - هنا ذكاء حواء - برغم أنها من ترتدي دثار النصح في تلك المخاطبة ولكنها برغم كل هذا تحتاج عونه حتى وإن كان في غرض هو في صميم مصلحته ولكنها لا تقوى عليه وحدها دون مساندته ..،
هنا تأتي الضربة القاسمة بذكاء تلك الحواء الأريبة بعد هذا التحضير ..،
فتطلب منه وهي تلوح بهداياها التي تحوي الخلاص من هذا العناء
.....، فتهمس بدهاء أمنحها مفاتيح الولوج "شيفرة خوفك" أي أمنحها بداية الخيط لأسباب تلك الهواجس لتفك نسيجه وتنسج من جديد دثار حياة هي حلمها يسودها الحب ولكن الحب القوي الراسخ الذي لا تطغى عليه العوائد الحب المائز لأنه حب العارف باليقين أين يضع قدمه وكيف يدافع عنه ...،
فحب العارف هو حب اليقين الذي لا يشوبه شائبة
النص قوي دقيق الألفاظ عميق التأمل تحيطه الصور الجميلات من كل فج التي تمنحنا في كل موضع صورا جديدة .
...............
النص في مجمله مع توفر ووجود تعبير " لغة الأزل" كعنوان وكمضمون في فكةر النص وهي تعني عموم المحبة والحب منذ بدء الخليقة ونمو هذه المشاعر الفطرية لدى البشر وهذا يعني شمولية الفكرة التي استطاعت أديبتنا أن تحملها صهوة الحروف عن طريق مخاطبة هذا الحبيب لتصبح مخاطبة عامة للبشر لتخطي تلك المراحل السوداوية التي تحيط بواقع الأيام وهنا يصبح النص شموليا عاما وهذا يصنع تأثيرا واقعيا عميقا على حضور النص في خوافق ذهن البشر على العموم.
كم كنت سعيدا وأنا في معية فيض حروفك يا ريم الحرف ...،
الاستاذ هشام صيام ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق