الجمعة، 14 يونيو 2019

البعد الاجتماعي في (اللص والكلاب)لنجيب محفوظ:بقلم الأديبة حياة مسعودي

البعد الاجتماعي في (اللص والكلاب)لنجيب محفوظ:
بقلم الأديبة حياة مسعودي
-----------------------------------------------------------------------
تقتضي دراسة هذا البعد إبراز العلاقة بين الرواية والمجتمع باعتبارها الأداة المثلى التي يعبر بها الكاتب عن وقائعه وقضاياه وتحولاته لما تتيحه أدواتها الفنية من التقاطها على نحو يمتزج فيه الواقع بالمتخيل.
ويعد نجيب محفوظ من أكثر الروائيين قدرة على التعبير عن قضايا المجتمع المصري وهموم أفراده وانشغالاتهم ، تشهد بذلك رواياته التي كرسها لغالبية الشعب والفئة الهشة أساسا .
وللوقوف على هذه الدلالات في (اللص والكلاب) تحديدا لزم تَعَرُّف المرحلة التاريخية التي تحيل عليها أحداثها والتي يمكن التقاطها من إشارة صريحة في فصلها الأول (الحمد لله على سلامتك ..قلنا من القلوب سيفرج عنه في عيد الثورة) (1)
ويعني ثورة الضباط التي قامت بمصر في يوليوز (تموز) 1952 بزعامة جمال عبد الناصر،
ونظرة في وقائع الرواية كفيلة برصد ملامح المجتمع في هذه المرحلة .
بطلَها (سعيد مهران)، شاب ثلاثيني من وسط فقير ، مشبع بقيم الاشتراكية، لقنه إياها صديقه أيام الثورة (رؤوف علوان) غير أنه تحول - بعد خروج من سجن دام أربع سنوات إلى عدوه اللدود بالتنكر والخيانة على نحو صنيع زوجته السابقة (نبوية ) وتابعه (عليش) الذي وشى به وصادر حياته بأن تزوج (نبوية) واستفرد ببيته وماله، ومما زاد من مرارته وخيبته نفور ابنته (سناء) منه حين قصد زيارتها، فكان ذلك كله بمثابة الدافع القوي الذي أجج في نفسه الرغبة في الانتقام، وسرعان ما عمد إلى تنفيذها مدعوما من المعلم (طرزان) الذي مَدَّهُ بالمسدس وبتحري تحركات المخبرين، و( نور) فتاة الليل بأن ساعدته على سرقة سيارة تسهل تحركاته في محاولته الانتقامية الأولى، وفتحتْ له بيتها وأعانته على التخفي فيه والتنكر ببذلة الشرطي خارجه، كما دعمه صديق والده الشيخ( جنيدي) بأن فتح له هو الآخر باب بيته كلما ضاقت به الدروب.
ورغم كل هذا الدعم إلا أنه فشل في الانتقام من الخونة الثلاثة، ووقع في مغبة القتل الخطأ مرتين الأمر الذي ضاعف من حدة مطاردة الشرطة له، ومن تأليب رؤوف علوان الرأيَ العام ضده عبر جريدته (الزهرة)، كما أن اختفاء (نور) عَجّلَ بنهاية استسلامه للشرطة.
تقدم هذه الأحداث صورة واضحة لمجتمع تحكمه الفوارق الطبقية ، بحيث يمكن التمييز فيه بين ثلاث فئات:
الأثرياء : ويشكلون الأقلية التي كونت ثرواتها على حساب الشعب الكادح، يجسدها رؤوف علوان
الانتهازيون الوصوليون الذين حققوا مكانة اجتماعية مُرْضِيَة بالاستغلال يمثلها (عليش) و(طرزان).
الفقراء الكادحون الذين يعيشون على الهامش، يمثلها عامة الشعب أمثال (سعيد) و(نور) والشيخ (جنيدي).
ونتج وعن هذه الطبقية المجحفة ظهور قيم سلبية منها :
الانتهازية والوصولية : يجسدها عليش الذي استغل سجن سعيد مهران لصالحه.
سيادة بعض الممارسات الممنوعة قانونا : يمثلها طرزان من خلال حيازة الأسلحة وتوظيفها في التحريض على القتل :
الخيانة : تجسدها (نبوية) بخيانة زوجها، و(عليش) بخيانة صاحبه ، و(رؤوف علوان) بخيانة مبادئ الثورة.
الدعارة : نور
اللصوصية : يمثلها اللصوص"الكبار" الذين خانوا الشعب وسرقوا ثروات البلاد في شخص (رؤوف علوان)، واللصوص الصغار في شخص (سعيد مهران) الذي اعتبرها حقا مشروعا يسترد به ما أخذه أولائك.
أما القيم الروحية فيمثلها الشيخ (جنيدي.)
من هنا تتضح رؤية الكاتب التي تنحو نحو انتقاد النظام الذي تغاضى عن حقوق الشعب، وتملص من واجبه في تأمين حياة كريمة له وكرس مؤسسات الدولة الرسمية ممثلة في رجال الأمن والمخبرين والإعلام للحفاظ على نفوذها ومصالحها، في مقابل التخلي عن الفقراء الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة مصائرهم المظلمة بأنفسهم كل بحسب طريقته، وما (سعيد مهران) في حقيقة الأمر إلا رمز لكل هؤلاء كما يشير الكاتب إلى ذلك في المقطع :
(إن من يقتلتي إنما يقتل الملايين، أنا الحلم والأمل وفدية الجبناء، وأنا المثل والعزاء، والدمع الذي يفضح صاحبه، والقول بأنني مجنون ينبغي أن يشمل كافة العاطفين، فادرسوا أسباب هذه الظاهرة إن شئتم )(2)
وبمراجعتنا لتاريخ صدور هذه الرواية وهو 1961 - أي ما يزيد عن تسع سنوات بعد الثورة - نلحظ أنها جاءت بعد توقف الكاتب عن الكتابة لسنوات شأنه شأن بعض كتاب تلك المرحلة لأسباب يوضحها د.سمير حجازي في قوله (نستطيع أن نعلل انعزال فريق من المثقفين بعد 1952، ونستطيع أن نقول أن التحولات التي اعترت المجتمع المصري تعلل موقف نجيب محفوظ حين توقف عن الكتابة لعدة سنوات إلى حين استطاع تكوين تصور معين عن هذه التحولات واتجاهاتها للتكيف معها تاريخيا وأخلاقيا، هذه التحولات اضطرت الكاتب إلى أن يجري نوعا من التغيير في بعض عناصر بنائه النفسي جعله يرى العالم من منظور معين) (3) وهذا بديهي فالرواية بخاصة أداة الكاتب التي يعبر بواسطتها عن قضايا مجتمعه والمرآة التي تعكس أحداثه وتحولاته، وكان من اللازم أن تحمل روايته هذه هذا البعد سيما وأنه استوحى مادتها من واقعة حقيقية لمجرم خطير رَوَّعَ القاهرة أواخر الخمسينات يدعى (محمود أمين سليمان)، وعمد إلى حبكها على نحو يصور من خلاله رؤيته تجاه أحداث تلك المرحلة الحساسة يقول بهذا الصدد ( لقد حدثت لي هلوسة بهذا الرجل، أحسست أنه يمثل فرصة تتجسد عبرها الانفعالات والأفكار التي كنت أفكر فيها دون أن أعرف طريقة التعبير عنها: العلاقة بين الإنسان والسلطة ومجتمعه ، طبعا بعد أن كتبت عنه، لم أكتب قصة محمود أمين سليمان، أصبح الموجود هو سعيد مهران.)(4)
بهذا القول إذن يقر نجيب محفوظ برمزية بطله للإنسان المصري بعد الثورة في علاقته بالسلطة والمجتمع على نحو يتداخل من خلاله الواقع بالمتخيل، منتقدا بهذا - ومن دون التصريح المباشر- مَسَاوِئَ الثورة الناصرية التي تشبعت بالفكر الاشتراكي، ومنددا بفشلها في إلغاء الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة التي كانت أحد أهم مبادئها، مُسَخِّرا لذلك وبذكاء مبهر كل التقنيات الفنية وعلى رأسها لغته وأسلوبه والحوارات الداخلية للشخصيات خاصة، إذ عمد من خلالها إلى الكشف عن مواقفها من وضعياتها بما يشي بهذه الرؤية المنطبعة بالرمزية والعبث بخلاف كتاباته الواقعية قبل الثورة .
أ.حياة مسعودي
(الاديبة حياة من مدينة سلا..وهي بالأمازيغية: مدينة مغربية عريقة وعاصمة عمالة سلا الواقعة بغربيّ البلاد ...... سلا - الناظور. . سلا - وجدة. . سلا-أڭادير. ...تاريخ التأسيس: القرن الأول ق.م..الكثافة السكانية: 235 10 نسمة/كم2
المساحة: 95.48 كم2 كم²جهة: الرباط سلا القنيطرة)..مع التقدير..
،،،،،،،ويكيبيديا،،،،،،،
_____________________________________________
هوامش المقال:
………………………...
(1) نجيب محفوظ : اللص والكلاب - دار مصر للطباعة(توزيع دار إحياء العلوم المغرب) ص9
(2) نفسه ص 120
(3) سعيد بكور :تحليل نصوص الباكالوريا (سوسيولوجية القصة القصيرة نجيب محفوظ نموذجا ل سمير حجازي)دار الوطن ص (96)
(4) جمال الغيطاني : (نجيب محفوظ يتذكر) - دار المسيرة - بيروت- الطبعة الأولى- 1980، ص70

هناك تعليق واحد: