الجمعة، 14 يونيو 2019

قراءة في نص (بلا ضفاف) للاديب السوري محمد الدمشقي بقلم الاديب زكريا عليو

&& قراءة في نص &&… ..
قراءتي في نص للأديب السوري محمد الدمشقي

النص
بلا ضفاف : ( بقلم : محمد الدمشقي )
كما العمرُ الهاربُ
من زنزانة اللا مكان
المتسربُ من بين أناملِ القصيدة
يسيرُ ... و يسير ..
قابضاً على جمرِه ،
غيرَ آبهٍ بتعرجاتِ الدرب ..
و ثرثراتِ الضفاف ،
ينزفُ نحو وجهتِهِ نزِقاً
بعنفوانِ قائدٍ عائد ..
لا يلتفتُ إلى آهاتِه
و لا يلقي سمعَهُ
لنحيبِ السهوب !!
..
النهر ...
ليلٌ طويل
يعبرُ حزنَهُ إلى آخرِه
دون عسسٍ ولا تأشيرة،
لحنٌ ... أسيرٌ
في نوتةِ دمعٍ
لا يجفُّ أنينُها
و لوعتُها .. لا تنطفئ
..
كسيزيف يتسلقٌ الهاوية
مدحرجاً الجرحَ على جسدِه
و يصعدُ مخموراً
خلفَ كذبةِ ريح !!
....
النهر
وحدَهُ يحفظُ تجاعيدَه
و يكتمُ سرَّ غرقِه
صامتٌ ... حدَّ الصراخ
صاخبٌ .. حدَّ النسيان
يلاعبُ أطفالَ العشب ،
يلامسُ خدَّ الأرضِ
حين تنكرُها أقدامُ العابرين
و يحملُ وصيتَها إلى الملح
قبلَ أن تنفَدَ صلواتُها
و تحترق !!
هو نفسُهُ
يُكَبِّرُ في أذنِ كلِّ أمنيةٍ
و يوقدُ على أغنياتِها
شموعَ الرحيل !!
......
مثلك أيها النهر
أسيل على أخاديد اللهب
لكنْ .. يؤنِّبُني الرماد !
تتعمشقُ بي
أذرعُ الوحلِ
و طحالبُ الآثام
كيف أحملُ على ظهري
مدائنَ حسرةٍ
أبتلعُ غصتي ...
و أسري هكذا رزيناً ساجيا
بكل حجارتي و طميي
و بقايايَ المتناثرةِ
في قاعِ السؤال .
و لا أغيرُ نغمتي
أنظرُ أمامي
دون أن يسحبَني ورائي
و لا تتخطفُني الشجون !
......
أيا نهر
ما لوني
دون سماء ؟
ما طريقي
إن مضيتُ بلا وطن ؟
كيف ترسمُ كلَّ يومٍ نفسَ موتِك
من دموع العابرين
بلا وجوه
تسكبُ الأشواقَ
في الندمِ القديمِ
ثم تقسمُ أن تعودَ
و لا تعود !!
بل تتبعُ الظلَّ الذي
يحميكَ منك ... و يسجنُك ،
ألا تملُّ من وعيِكَ المهدور ؟؟
ألا تضيقُ ذرعاً
بهذيانِ الفصولِ
و رقادِ الغيم ؟؟
تمرد ..
تمرَّد يا نهر
غرِّدْ خارجَ سربِ أساك،
ماؤكَ صوتُ عطشِك ..
لن يجفَّ صداه ،
بحْ بجحودِكَ المكبوتِ
في قعرِ المسافةِ
بين منبعِكَ الجريحِ
و آخرِ الكلماتِ
في منفى مصبِّك !!
محمد الدمشقي
… هذه رؤيتي لهذا النص الشامخ المقام
ــ أول مايلفت انتباهي أي نص أدبي العنوان ، وانظر له ،كما الباب المقفل هل يغريني للدخول ، أم أمضي ، وهنا العنوان بلا ضفاف ، الضفة شاطئ أمان سواء بحر أم نهر ، و تأتي تأويلات النجاة من الغرق ، والاستراحة من عبء سفر طويل ،
ــ ثم أستنبط الفكرة والغاية / الرسالة التي يحملها النص / وأي نص ﻻ يحمل رسالة أراه ناقصاً ، وهنا فكرة النص مختلفة مبتدعة من أديب شاهق الحرف ، كلّنا ينظر إلى النهر أنه استمرار الحياة ، لكن كيف يراه الاستاذ الدمشقي هنا مكمن الابداع ،
ــ المقطع الأول
كما العمرُ الهاربُ
من زنزانة اللا مكان
المتسربُ من بين أناملِ القصيدة
يسيرُ ... و يسير ..
قابضاً على جمرِه ،
غيرَ آبهٍ بتعرجاتِ الدرب ..
و ثرثراتِ الضفاف ،
ينزفُ نحو وجهتِهِ نزِقاً
بعنفوانِ قائدٍ عائد ..
لا يلتفتُ إلى آهاتِه
و لا يلقي سمعَهُ
لنحيبِ السهوب !!
… لنقف عند هذه المفردات
عمر هارب ، زنزانة ، أنامل قصيدة ، يسير
قابضا على جمره
الدرب ، ثرثرات ، آهاته سمعه ، نحيب السهول
هذه المفردات محور هذا المقطع
حياتنا شبيهة بمسار النهر ، بتعرجاته ، وأهاته ، فالحياة ليست كلها مسرات ، ﻻ بد من بعض المنغصات وبعض الآلام ، والعمر يهرب منا سواء ضحكنا ولهونا ، أو عملنا ، هي ماضية ﻻ محالة / بإشارة هارب من زنزانة اللامكان / والعمر لم ينتظر ولا يأبه بتسولاتنا ، فهو يمضي دون أن نشعر ،
الجميل هنا أن الشاعر كأنه يراقب مسار النهر ، دون أن يذكره بشكل مباشر ترك القارئ يتخيله ، والشاعر رأى مساره كما حياتنا / وهنا الابداع والفكرة /
ــ المقطع الثاني
النهر
وحدَهُ يحفظُ تجاعيدَه
و يكتمُ سرَّ غرقِه
صامتٌ ... حدَّ الصراخ
صاخبٌ .. حدَّ النسيان
يلاعبُ أطفالَ العشب ،
يلامسُ خدَّ الأرضِ
حين تنكرُها أقدامُ العابرين
و يحملُ وصيتَها إلى الملح
قبلَ أن تنفَدَ صلواتُها
و تحترق !!
هو نفسُهُ
يُكَبِّرُ في أذنِ كلِّ أمنيةٍ
و يوقدُ على أغنياتِها
شموعَ الرحيل !!
...... هنا يفصح جهاراً أن ما يتكلم عنه النهر ، ويصف مساره ، صمته عندما يكون هادئ وغاضباً عندما يثور جريانه ، استغلها الشاعر بطريقة مفكر / اي مازال يراقب مساره /
يلاعب أطفال العشب الطفل بريء وبحاجة لمن يطعمه وكأن النهر أم حنون تعتني بالأعشاب ، ويقرأ رسائل الأرض التي هي العطاء الدائم ، ويرميها في البحر ، استخدام مفردة الملح ليث عبثياً ، لحفظ الود نقول بيننا عشرة وملح ، لذلك هو وفي لها ، قبل أن تموت ورودها يرويها ، فهي صداقة وعشرة مشتركة ، وهنا رسالة قوية لمن يخون ملح الوطن
… المقطع الثالث
مثلك أيها النهر
أسيل على أخاديد اللهب
لكنْ .. يؤنِّبُني الرماد !
تتعمشقُ بي
أذرعُ الوحلِ
و طحالبُ الآثام
كيف أحملُ على ظهري
مدائنَ حسرةٍ
أبتلعُ غصتي ...
و أسري هكذا رزيناً ساجيا
بكل حجارتي و طميي
و بقايايَ المتناثرةِ
في قاعِ السؤال .
و لا أغيرُ نغمتي
أنظرُ أمامي
دون أن يسحبَني ورائي
و لا تتخطفُني الشجون !
......
الشاعر هنا يتقمص النهر ، وهذا المقطع عميق الفكرة ، أنا أعاني ليست حياتي كلّها هناء ، هناك مطبات كثيرة / أذرع الوحل / وهناك من بشربني ليبقى حيّا ويعكر صفاء العمر /طحالب الآثام /
رغم ذلك أتعايش مع الحياة بحسرتها ومنغصاتها ، هنا الرسالة الأقوى ، / عدم الإستسلام مهما كانت الظروف
رغم الحجارة ، الحجارة قاسية وصلبة / كالحجارة بل أشد قسوة /
ويرفق الحجارة بعبارة الطمي وهذه مفارقة رائعة ، الطمي طباعه اللين ، وهو الخير والعطاء ، لتنمو الأعشاب والأشجار ،
ويكمل وانا مثلك يا نهر ﻻ أغير مساري ولا افكر بالماضي أمضي إلى المستقبل ، غير آبه بخساراتي ونكساراتي
وهي أيضا رسالة إنسانية جميلة ، أن ﻻ نتوقف عن العطاء ،
… المقطع الرابع
أيا نهر
ما لوني
دون سماء ؟
ما طريقي
إن مضيتُ بلا وطن ؟
كيف ترسمُ كلَّ يومٍ نفسَ موتِك
من دموع العابرين
بلا وجوه
تسكبُ الأشواقَ
في الندمِ القديمِ
ثم تقسمُ أن تعودَ
و لا تعود !!
بل تتبعُ الظلَّ الذي
يحميكَ منك ... و يسجنُك ،
ألا تملُّ من وعيِكَ المهدور ؟؟
ألا تضيقُ ذرعاً
بهذيانِ الفصولِ
و رقادِ الغيم ؟؟
تمرد ..
تمرَّد يا نهر
غرِّدْ خارجَ سربِ أساك،
ماؤكَ صوتُ عطشِك ..
لن يجفَّ صداه ،
بحْ بجحودِكَ المكبوتِ
في قعرِ المسافةِ
بين منبعك الجريح
وآخر كلماتك
في مستنقع مصبك
… هنا يتحرر الكاتب من نظرته المتألمة ، وكأنه قرأ الحياة وتعلم من جريان النهر ، قبل الاستيقاظ يتسائل ، ما معنى الحياة بلا عطاء ، والعطاء هنا هبة ﻻ ينتظر أجر ، كما النهر يعطي بلا منّة ولا شكورا ، ولا ينسى الشاعر الوطن فهو يعتبر الوطن أساس الحياة ويستحق كل عطاء ، ويتعلم من النهر الصبر والعطاء ، ولا تكترث بما مضى وبما يقال فأنت تعطي للحياة ، ﻻ تكترث بمعكرات الحياة
( إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
…… … ظمأت وأي الناس تصفو مشاربه )
… ويصرخ من الغفلة / وهنا الرسالة الاجمل والاقوى تمرد تمرد ، على جراحك ولا تجعلها حجة لتقاعسك ،
اخرج من قوقعة الحزن وسر للأمام ، ولاتقف اجعل نفسك معطاءة من الولادة حتى الممات / بين منبعك الجريح ، ومنفى مصبك /
… ..
ــ النص رسائل للعطاء دون توقف ،
ــ عدم الاكتراث بجراحنا بحيث ﻻ تصبح عائق
ــ عدم الانصات لمحبطات الحياة
استطاع الكاتب تصوير الحياة كما النهر
وطبعا مشهود للأخ الدمشقي ببراعة الرمزية ، وجمالية الحبكة ، والانزياح ، ورصانة النص
الكاتب واضح أنه متمكن ويتقن نسج نصوصه من خلال تنوع الجمل الاسمية والفعلية ، واعتماد أفعال المضارع للدلالة على الاستمرارية من خلال حركية الفعل المضارع ،
وفي المقطع الأخير ظهرت التفعيلة ، للحفاظ على الايقاع الموسيقي ، حيث أنه لم يكتفي بالموسيقا الداخلية للنص ،
ونلاحظ التوصيف الجميل للمفردات من خلال تكثيف الجمل والصور الشعرية
شكرا أستاذنا على النص الجميل ، حمال روحك
وشخصيا قرأت بهذا النص حياة ومذكرات محمد الدمشقي وهذا كان الاهم بالنسبة لي
لذلك أتعلم منك الكثير
بقلم : زكريا عليو
سوريا ــ اللاذقية
٢٠١٩/٦/٩



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق