الجمعة، 14 يونيو 2019

( زاد الـشـاعـر الـثـقـافـي ) بقلم الاديب كريم القاسم

(( أخي القاريء الكريم : لستَ مُجبَراً على التعليق . إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( زاد الـشـاعـر الـثـقـافـي )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سأحاول من خلال اعدادي لهذه المقالات ان اتخطى خطوط الألغام ، كي نسير الى بر الأمان بمعلومات بعيدة عن الاستهداف والقنص ، فالنشر لايتعلق بالشخوص بقدر ما يتعلق بالفعل التأليفي والأواصر البينية ، كما إن الأمر برمته هو إيجاد متعة استطلاعية توعوية تذكّرية لاتخلو من الفوائد والتي هي عبارة عن مجموعة رؤى قد طرحتها في حديث ثقافي منتصف عام 2007 ، وبعضها قد اكتنَزَتْها الذاكرة ، والتي غَرَسها فينا مَن هُم أعلى مِنّا مقاماً وأكثر إشراقا وأعمّ بلاغة وأوفر فصاحة وأنضج معرفة وعِلْما ـ رحمهم الله تعالى ـ حيث كُنّا كصغار الطير ندرج الى حيث وفرة الزاد ، لتسمن معرفتنا وينبت ريشنا ، كي نسبح في فضاءات المعرفة والادب بأمان وفي جوٍّ نقدي بنّاء قاس ، ومع هذا وذاك مازلنا طلاب علم وباحثين عن حقيقة ، نتجنب الهفوة ، ونبحث عن المعلومة الدسمة .
ان إنكفاء الشاعر عن تطوير الذات هو العجز بعينه ، فهو وإن كان متطلعا عارفا بالكثير فالنسيان كفيل بالتأخير والتأرجح والضياع ، فلابأس من المطالعة أو إعادة الدرس ، فلربما تقرأ سطراً يضيف اليك على الأقل مفردة جديدة او بناء فكري لم يخطر على البال . وهكذا تتشكل وتتجمع رؤى عديدة وأفكار تدفعك دفعاً الى الكتابة والتأليف ، ومادام الشاعر يريد استقطاب الاذواق فعليه أن يجيد العزف وأن يجدد الفكرة ، وأن يأتي بفضاء ادبي جديد .
من خلال تطلعنا ومتابعاتنا على طول الساحة الأدبية وعرضها وبما تيسر من وسائط الوصول والتنقل نجد الكثير من الادباء والشعراء كان ومنذ سنوات ومازال يكتب الكثير ، لكنه ظل واقفا على ذات العَتَبة ، جامداً بلا حراك ، ويكتب بعصب تأليفي متشنج لايقوى على التقدم ، كونه يحتاج الى طاقة دافقة تسري مع خلاياه وتهز كيانه لتعيد اليه الحياة والنشاط ، كي تبدأ المَلَكَة بالتقدم وإفراز كل ماهو جديد .
والبعض الآخر نجده يعيش دور المراهقة التأليفية ، ليطبع ديوانا شعريا أو رواية بلغة ساذجة سطحية غير طازجة وخالية من البلاغة والمعاني المؤثرة الجاذبة ، حتى إن القاريء أو المتلقي يشعر بأنه يبحر في سراب ، أو بين ركام لايجد فيه مَسرباً إلا بعد البعثرة وإزاحة ذاك الركام ، وسبب التذبذب لدى هذا الشاعر او الراوي يعود الى رِكّة المستوى الثقافي ، والانزواء عمَّا حوله من نشاطات واختلاطات وتفاعلات ثقافية رصينة راقية ، وعدم توفر قدرة الابداع لديه ، أو القدرة على انتخاب أفكار غير مطروقة وجديدة على الساحة الأدبية ، لأن تحصيله الثقافي اليومي لايتعدى التصفّح السريع والقراءة الخاطفة الفقيرة الى الفهم والادراك ، متوجساً من كلّ مقالٍ مٌطَوَّل ، باحثاً عن أسطرٍ قلائل لاتشفي الغليل .
ان قدرة انتخاب الأفكار والقدرة على جهوزيتها وتهيأة عتادها الادبي ليس بالأمر اليسير كما يتصور البعض ، إنما المِران والتدريب والاستعداد النفسي وتثقيف الذات المتجدد هو الذي سيكسب المَلَكَة عنفوانها ، وهو الكفيل بجعلها ذات شباب دائم وكاملة اللياقة .
إن عجز البعض عن الخلق والابداع سيخلق فجوة كبيرة وفسحة خطيرة بين المتلقي والكاتب او الشاعر ، وقد لايتحسس بوجودها ـ بسبب الغفلة (الفيسبوكية) الخطيرة ـ لكنها في الحقيقة تعمل على دحرجته الى اسفل التل دون ان يعلم . وقد تُصاحب هذه الغفلة بعض الكتّاب فتقودهم الى طبع روايات أو دواوين شعرية لاتلبث ان تكون مجرد امنيات قد تحققت لاصحابها لاغير ، وهي أمنيات مشروعة على المستوى الشخصي ، لكننا نناقش مستوى التأثير والرسوخ في الساحة الأدبية ، وكيفية الوصول الى هذا الفعل الذي يحتاج الى نقد ذاتي شجاع ، وهذه الغفلة أصبحت عدوى تصيب حتى التجمعات الأدبية الرصينة في بلادنا العربية ـ للأسف الشديد ـ فقد بدأت تنحسر قدراتها الاختيارية والانتخابية للاقلام الرصينة بسبب ضعف القيادات ذات الثقافة الأدبية الشمولية ، وهذا ماسنناقشه في مقالات أخرى ان شاء الله تعالى .
يعتبر الزاد الثقافي المتجدد منبع فكري لاينضب وهو كفيل بإرواء كل الارهاصات والتفاعلات الذاتية مع مايحيط الشاعر من احداث ومؤثرات مهما كان نوعها او شكلها صغرت ام كبرت . وعلى الشاعر أو المؤلف الاّ يتحدد بنوع معين من الثقافة ، كي لايغفل او يبخس حق الاخرين في النشر والتأليف فما تحمله انت من فكر قد لاتستعد له ذائقة الآخر او قد لم تصل مدركاته بعد الى ذلك الفكر ، وهذا متواتر عند الكثير من الادباء والمؤلفين فالبعض لايكتب الا فيما يؤمن به او ما يتذوقه ، ولذلك يقوم هو بعرض نتاجاته ليعلن للجمهور فكرته او يحاول إيصال هدفه الى المتلقي على شكل قصيدة او رواية . وفي هذا الحال سيكون النتاج الادبي متحيزا ومتعصبا ومقيدا بمفردات تلك الثقافة ، وتبقى تلك المفردات هي زاده الادبي في كل مرة ، لم يتغير فيها سوى مرتبتها وموقعها في الجملة وبذات التصوير وبنفس النكهة .
ولانقصد بالثقافة المتجددة ان يُطرّز الشاعر قصيدته بوابل من المفردات والمصطلحات المقتبسة من عوالم وثقافات أخرى او طارئة على لغتنا بهدف التغيير أوالبروز أو إنعكاس لما يقرأ أو لِما يؤمن به ، وهذا مايؤدي الى إبتعاد النتاج الادبي عن الشمولية ، وهو السبب في عزوف المتلقي عن الاقبال ، او على الأقل سينحسر مَدُّ التقبل ، ويبقى ثلَّة ممن يؤمنون بوجوب المجاملة على حساب النوع والتنوع .
ولنتسائل الآن :
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بشؤون البلاغة ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بعوالم الفصاحة والبيان ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا برموز وعلامات الترقيم ليتسنى لنا فهم المعاني ومعرفة بداية الكلام ونهايته ، ومتى يبدأ الشاعر بسكب فكرته الجديدة ضمن النص ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بحروف الهمس والجهر والاذلاق والتفخيم وغيرها من الصفات ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بسمات وخصائص حروف روي اوالقافية لنستخدمها في قصيدة الصبابة والغرام او الفخر او المدح وغيرها من الأغراض ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بتأثير تتابع بعض الحروف في الشطر او السطر الشعري الواحد لتكسبه جرساً موسيقياً ونغمة تطرب لها الأسماع ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بنغمة المفردة العربية وتباينها حسب الأصوات المصاحبة لحروفها لتعيننا على توظيفها في النص حسب فكرته ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بكيفية استعمال المجازات والاستعارات والجناس وغيرها .
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بنتاجات الادباء الرواد من العرب وغير العرب والتعرف على تجاربهم الشعرية ومحطات تطورهم وابداعهم ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر دون الدراية ولو جزئيا بما يحيط بنا من ثقافات وتناقضات متنوعة ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر ونحن لانفرق بين السرد النثري والقصيدة النثرية ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر ونحن نتسلح برحم أدبي ضعيف لايقوى على ولادة نصوص إبداعية ؟
• كيف يمكننا الولوج في عالم الشعر وسلاحنا المعرفي لايتعدى بوسترات الفيس ومنشوراته القصيرة؟
ـ إذاً الشمولية هي مفتاح نجاح الاديب بكل عناوينه لذلك نرى الشاعر متغزلاً مرة ومفتخرا مرة أخرى ثم يفاجئنا بقصيدة تفطر القلوب وجدا وحزنا ، وهكذا يُنوّع حسب الموقف ، فهو اشعاع متلون الاطياف يتحسس ماحوله ويسكب مايقدح به خاطره ، فاذا كان زاده الثقافي وفيراً نراه يكتب بعصبٍ تأليفيّ ثابت الجنان منضبط الأداء خال من النشاز ، فهو قد اختزن لكل مقام مقال .
والآن يتجسد امامنا سؤال :
• كيف نطور عَصَب التأليف ، وكيف نحصل على قدرات إبداعية ؟
ــ سيكون لنا ابحار في مقالات قادمة بعون الله تعالى.
احترامي وتقديري ....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق