الأحد، 9 أبريل 2017

في مدار الياسمين قراءة نقدية لنص الشاعر محمد الدمشق (نفحة عودة) بقلم /الناقد غازي ابو طبيخ الموسوي

في مدار الياسمين:
----------------------
في مثل هذا النوع من القصيد يصعب على الناقد تبني المنهج الشكلاني وحده, او التكويني وحده, ذلك لأن الشاعر الكبير محمد الدمشقي لم يتنازل قيد انملة عن وجهي المرآة معا , بمعنى انه لم يضح بأحدهما لصالح الآخر , بل واصر منذ المدخل على تحقيق المعادل الجمالي الذي اكد عليه تعريف قصيدة النثر الاتفاقي والذي ورد في الموسوعة العالمية على الوجه التالي:
( ان قصيدة النثر :هي جنس فني يستكشف ما في لغة النثر من قيم شعرية , ويستغلها لخلق نتاج يعبر عن تجربة ومعاناة عريضة تتوافر فيها الشفافية والكثافة في آن واحد, وتعوض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثل والتناظر معتمدة علي الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تحس ولا تقاس)..
ولقد اوردنا التعريف الكامل اعماما للفائدة وتبيانا لطبيعة المنهج الدقيق الذي سلكه الشاعر الدمشقي في قصيدته الموسومة ب( نفحة عوده)..
ونحن لا نختلف في قراءة هذا النص مع التفكيكيين في ان العلاقة بين النص والقارئ تحددها ..طبيعة القراءة..وليس ما يقوله النص اعتمادا علي مستوى الوعي الثقافي للمتلقي كما يؤكد ذلك الدكتور سلمان كاصد في كتابه ( قصيدة النثر)-1-
ولكننا نجد انفسنا في غاية التفاهم -وفق هذا النص -مع ثلاثية (غريماس) التي اوضحت طبيعة العلاقة بين ( المنتج..والنص..والمرسل اليه)..على اساس انها تقوم على بنى ثلاث هي علي التوالي:
1-بنية الاداء..وتتعلق بطبيعة البنيتين الشكلية والتكوينية للنص , او مايرتبط بالمبنى في جانب والمعنى في جانب اخر..
2-بنية الاتصال..وتتعلق بطبيعة التلقي ومستوياته الشديدة الارتباط بمستوى الوعي والملكة الثقافية للمتصل ..المتلقي..كا لمحنا آنفا..
3- بنية الإنفصال..التي تعبر عن آثار النص في المتصل وربما آثار المتصل في النص حتي بعد مغادرته بحكم المحمول الايديولوجي او الثقافي للقارئ نفسه..
من هنا نتصور ان قراءة نص الدمشقي يجب ان تاخذ بعين الإعتبار شكله ومضمونه , لأن طبيعة اداء الشاعر اقنعتنا تماما بقوة اللحمة بين مبناه ومعناه حد الاتحاد المبدع:
.......................
(نفحة عودة ... )
من أنا ؟
أنا المكتملُ بكِ ،
المبحرُ في سلافكِ ...
من أول النار ..
حتى أخرِ مرفأ للحلم ،
تعطري بشغفي ،
ليقرأَني شذاكِ ...
و يتلوني على ضفافِ حنينك
فأجدني ...
هديلَ صلاةٍ ...
رشفةَ نور .... يغردها الندى
بصيصَ فجرٍ ... يفتشُ عن سناه ،
و قد يقطفُني الليل
و يزرعني بين نجمات الشرود
فيراني قلبكِ
في غمرةِ الترنيمة
و ينهمرُ وجهيَ المفقودُ
في عينيك أتلألأ
أو أغرقُ في رعشةِ ذكرى
من دمعتِها أتوضأ .
...........
ان الاصل في قصيد النثر هو التعبيرعن عامة المتابعين مع اختلاف طبقاتهم الثقافية, ومن اهم اشراطها شدة ارتباطها بواقع الشاعر المحيط تاريخا ومجتمعا..عمقا انثروبولوجيا وعمقا حياتيا..مع التاكيد على انها لاتعني ابدا التنازل عن أصالة الشاعر او عن انتمائه سياقا وانساقا..من هنا كان تركيز الدمشقي على المجاز الراسخ والنضج التعبيري الناضح كبيرا جدا من اول النص الي اخره..
يقول جوناثان مونرو:
( كان منتظرا من قصيدة النثر أن تحقق اختراقا متبادلا بين ماهو جمالي من ناحية وبين ماهو سياسي اجتماعي من ناحية اخرى, لكن الحقيقة المؤكدة تقول ان كثيرا من النماذج عززت قيما اخرى نأت بالنص عن المستهدفين به ورسخت عزلته وسط واقع شديد المحافظة والتقليديه..)..
ولقد تمكن الاستاذ الدمشقي بحكم احترافيته من تخطي هذا التاشير الى درجة عالية من التحققات الايجابية , بما جعل من هذه القصيدة بنية حمل بالغة الشفافية لمحمول يبدو في ظاهره عاطفيا او ربما رومانتيكيا , ولكنه يختزن ضمنيا اعماقا إنسانية ولمحات واقعية ذات صلة بتجربة الشاعر المعاصرة , وآثار الواقع السياسي والاجتماعي بينة واضحة للمتلقي الحصيف :
.........
نفحة عودة ... ( جديدي نثرا )
من أنا ؟
أنا المكتملُ بكِ ،
المبحرُ في سلافكِ ...
من أول النار ..
حتى أخرِ مرفأ للحلم ،
تعطري بشغفي ،
ليقرأَني شذاكِ ...
و يتلوني على ضفافِ حنينك
فأجدني ...
هديلَ صلاةٍ ...
رشفةَ نور .... يغردها الندى
بصيصَ فجرٍ ... يفتشُ عن سناه ،
و قد يقطفُني الليل
و يزرعني بين نجمات الشرود
فيراني قلبكِ
في غمرةِ الترنيمة
و ينهمرُ وجهيَ المفقودُ
في عينيك أتلألأ
أو أغرقُ في رعشةِ ذكرى
من دمعتِها أتوضأ .
...........
لملمي قطراتِ لحني
قبلَ أن يجفَّ صوتي
و يهرمَ النداء ،
أشرقي في غربتي
نفحةَ عودةٍ ،
أغنيةً من ياسمين ،
اسقني نظرةً ...
تعيد ألواني إليَّ
بددني السراب ،
تمزقُ ستائرَ البعدِ
أطفأَني الأنين ،
في غيابكِ ...
ظلُّ شاعرٍ أنا ...
شذراتُ بوحٍ ...
لا يضمدُها ورق
سحابةُ ضجرٍ حائرةٌ
لا سماءَ تصحبُها
و لا يبوحُ بها مطر ،
.....................
بعثرَني الصدى ...
و لم تجمعيني ،
ألف دمعةٍ تشربني ...
و لم تسكبيني ،
أنعشي بوحَ المنى في خافقي ،
عشقكِ في ظلامِ الحزنِ نورٌ يحتويني ،
مللتُ من الرحيلِ بلا اتجاه ...
كلما أغمضتُ جرحاً ..
تفتحتْ غصة !!
و كلما أبصرتْني نافذةٌ
أسدلتْ أجفانَها
فأحضنُ ظلي
و يحتسيني الظمأ
...................
أيا حبيبتي
بسمةُ صمتكِ أنا ..
دندنةُ القصيدة ،
حولي ترفرفين ،
أجنحتكِ أمنياتي ،
سماؤكِ تنهيدةٌ ترسمُني ...
على شبابيكِ السهاد ،
تلك الآهُ ...
شرفةٌ أذرفُ في أحداقِها ضوئي
لينبتَ اللقاء !!
أبثُها مواويلي ...
كلما نامَ القمر !
أعرف أنك تخبئينَ لهفتكِ
خلف غيمة تشبهني
بتشتتي و رحيلي
و أن انتظارَ الزهرِ
محملٌ بالعواصفِ و الحروب ،
و عناقُنا
رقصةُ مطرٍ تكسرتْ خطواتُها
بعثرتْها الريحْ
حبُّنا المنفيُّ يمامةٌ
لم يختنقْ هديلُها
بين أفواهِ الدخان
صباحٌ ... لم تصلْ بعدُ رسائلُه ..
لكنهُ .. ما ضيَّعَ العنوان
..............
..الشعرية ..اذن كانت هم الشاعر الدمشقي المحورية معرفة منه انها فقط ما يثبت انتماء النص النثري الي مناخات الشعر وعوالمه المعلومه..
كان عليه وفق هذا الفهم ان يحقق هذا الانتماء وفق شغل ابداعي محترف وحصيف , ولو عدنا الى تعريف الشعرية التي اسس لها مسبقا قبل الميلاد رائدها ارسطو طاليس في كتابه ..فن الشعر..لوجدنا انها تعني مايلي:
( هي دراسة المنهجية التي تقوم على علم اللغة للأنظمة التي تنطوي عليها النصوص الادبية , وهدفها هو دراسة الأدبية واكتشاف الانساق الثقافية التي توجه القارئ الى العملية التي يتفهم بها ادبية هذه النصوص)..
والا فإن الإنزلاق من السردية الادبية الشعرية على وجه التحديد الى السردية الخارجة عن الانتماء الى الادب روحا وأداء وارد جدا بل انه في غاية المداهمة والمخاطره..
من هنا كان حرص شاعرنا على عدم التنازل عن اصالة الاداء , متمسكا بممارسة كافة الإنزياحات البلاغية الناجحة , توكيدا لادبية النص , هذا فضلا طبعا عن كون النص منغمسا بالنشاط النفساني البالغ الحيوية , وهو الاشتراط الثاني وربما الاهم..
هي اذن شعرية نصية لاتحيل الا اليه..فبقدر مايصيب النص من تغيير سيصيبها شئ من التغيير ايضا..لانها تستنبط قوانين النص من النص نفسه..وبغير هذا لايمكننا استلهام المعاني التكوينية الدفينة من البنية الشكلانية الرومانسية الاصيلة..التي منحت النص طاقة حركية شفيفة وعذبة جعلته اقرب مايكون الى اي متصل كان , مبسطا او معمقا في آن واحد..
تقديري الكبير..
.........................
1-د.سلمان كاصد..قصيدة النثر دراسة تفكيكية بنيويه..ص 20..
غازي ابوطبيخ الموسوي
 
تعقيب محمد الدمشقي
محمد الدمشقي يا سلام على هذا البحث المثقف الراقي الذي وضعنا أمام حيثيات النص شعريا و بنيويا بطريقة ذكية دون الخوض المباشر في تفاصيل المعاني التي كانت تدور في فلك واسع تماما كما قرأها أديبنا الدكتور غازي بخبرته الواسعة و تجربته النقدية و الشعرية العميقة ... لأن القالب الرومانسي المعتمد على الطبيعة و عناصر الكون المفكك للحالة السردية المتصلة التي دأب عليها الكثيرون في قصيدة النثر ... تجربتي في النثر تقول بأنه يجب علينا أن نخفي هذا الرابط المباشر بين عناصر القصيدة النثرية و نظهر بدلا منها علاقة أكثر عمقا و امتدادا من خلال الرمزية المتناثرة التي تتضافر ضمن هدف عام بعيد جامع للحب و همومه و الإنسان و همومه و المجتمع و السياسة و همومها ... في النص إشارات سياسية إنسانية كثيرة الهدف منها إيصال رسائل عامة مهمة منها أن نطفئ النار بالحب و أن نردم حفر الحرب بالأمل ... تمنيت من بعض المارين على النص على عجل أن ينتبهوا لتلك اللمحات التي وضحتها مشكورا بطريقة مختزلة ... فمفردات النار و التشتت و التيه و الشرود و التضميد و الوق و الصباح كلها تحمل مدلولات ممتدة فوق النظرة السطحية للجملة الشعرية كبوح رومانسي شعوري خاص ... قراءتك هذه سلطت الضوء على جوانب مهمة في البنية الشعرية التي أحرص عليها في قصيدة النثر من حيث البناء الموسيقي و ليس فقط السرد النثري المدجج بالصور و لعلك لاحظت هذه الحالة الموسيقية النثرية التي مزجت بين الحركة التكثيفية و الإحساس الداخلي لكل كلمة منتقاة بدقة و امتداد شعوري ... كما أنك رصدت الحرص على إيجاد معادلة تضمن قوة التعبير و سلاسة الصورة أيضا و إيصال الرسائل النفسية و الإنسانية إلى جانب العطر الرومانسي في النص ... كم أسعدتني تلك القراءة الأكاديمية المثقفة التي تنم عن خبرة و عمق و روعة ... بورك لنا بك أيها الفنان أستاذنا الكبير د غازي أبو طبيخ ... و دمت نبراسا نهتدي بنوره في عالم الشعر و الأدب

 
تعقيب رغد أسليم
رغد اسليم بحث وافي كافي وقراءة مختلفة عميقة جدا تستحق القراءة مرات ومرات ....
براعة في تسليط الضوء على مكامن الجمال والتفرد بحرف مبدع سامق يستحق كل تقدير ...نص من الروائع يستحق الإبحار في أعماقه واستخراج ما فيه من درر ونفائس ....
بوركتما الشاعر والناقد الكبير الأستاذ غازي أبو طبيخ وأمير الياسمين المبدع محمد الدمشقي لامتاعنا بهذا الجمال والسمو
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق